المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في إيراد ما خطب به القاضي محيي الدين رحمه الله - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٣

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌ فصل

- ‌فصل كَالَّذي قبله فِي حوادث مُتَفَرِّقَة

- ‌فصل فِي عمَارَة حصن بَيت الأحزان ووقعة الهنفري

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا فعل مَعَ الفرنج فِي بَاقِي هَذِه السّنة وَأول الْأُخْرَى ووقعة مرج عُيُون

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي تخريب حصن بَيت الأحزان وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي وَفَاة صَاحب الْموصل

- ‌فصل فِي وَفَاة شمس الدولة بن أَيُّوب أخي السُّلْطَان الْأَكْبَر وقدوم رسل الدِّيوَان بالتفويض إِلَى السُّلْطَان مَا طلبه

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر مرّة ثَانِيَة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر وَفَاة الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين رحمهمَا الله وَمَا تمّ فِي بِلَاده بعده وَذَلِكَ بحلب

- ‌فصل

- ‌فصل فِي أُمُور تتَعَلَّق بولاة الْيمن فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي عود السُّلْطَان من الديار المصرية إِلَى الشَّام

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي مسير السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الْمشرق مرّة ثَانِيَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب

- ‌فصل فِي أَخذ السالكين الْبَحْر لقصد الْحجاز

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي فتح آمد

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح حلب

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد فتح حلب

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى دمشق وَخُرُوجه مِنْهَا للغزاة بمخاضة الْأُرْدُن

- ‌فصل فِي ولَايَة الْملك الْعَادِل حلب وَولَايَة تَقِيّ الدّين مصر وَغير ذَلِك

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل يحتوي على ذكر المفاضلة بَين مصر وَالشَّام والتعريف بِحَال زين الدّين الْوَاعِظ

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌وَدخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِيمَا فعل السُّلْطَان فِي أَمر خلاط وميافارقين وَغَيرهمَا من الْبِلَاد

- ‌فصل فِي انتظام الصُّلْح مَعَ أهل الْموصل وَمرض السُّلْطَان المرضة الْمَشْهُورَة بحران

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة وَمن توفّي فِيهَا من الْأَعْيَان

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر مَا استأنفه السُّلْطَان بِمصْر وَالشَّام من نقل الولايات بَين أَوْلَاده

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح عكا وَغَيرهَا

- ‌فصل فِي فتح نابلس وَجُمْلَة من الْبِلَاد الساحلية بعد فتح عكا وطبرية وَذكر بعض كتب البشائر الشاهدة لذَلِك

- ‌فصل فِي فتح تبنين وصيدا وبيروت وجبيل وَغَيرهَا ومجيء المركيس إِلَى صور

- ‌فصل فِي فتح عسقلان وغزة والداروم وَغَيرهَا

- ‌فتح الْبَيْت الْمُقَدّس شرفه الله تَعَالَى

- ‌فصل

- ‌فصل فِي نزُول السُّلْطَان على الْبَيْت الْمُقَدّس وحصره وَمَا كَانَ من أمره

- ‌فصل فِي ذكر يَوْم الْفَتْح وَبَعض كتب البشائر إِلَى الْبِلَاد

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي صفة إِقَامَة الْجُمُعَة بالأقصى شرفه الله تَعَالَى فِي رَابِع شعْبَان ثامن يَوْم الْفَتْح

- ‌فَصْل

- ‌فصل فِي إِيرَاد مَا خطب بِهِ القَاضِي محيي الدّين رحمه الله

- ‌فصل فِي الْمِنْبَر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي حِصَار صور وَفتح هونين وَغير ذَلِك

- ‌فصل فِي وُرُود رسل التهاني من الْآفَاق وقدوم الرَّسُول العاتب من الْعرَاق

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ

الفصل: ‌فصل في إيراد ما خطب به القاضي محيي الدين رحمه الله

‌فصل فِي إِيرَاد مَا خطب بِهِ القَاضِي محيي الدّين رحمه الله

قَالَ الْعِمَاد وخطب القَاضِي محيي الدّين بن زكي الدّين أَربع خطب فِي أَربع جمع كلهَا من إنشائه وأودعها سر بلاغة عنيت بإفشائه وَذكرت الْخطْبَة الأولى وَيَد الفصاحة فِيهَا طولى افتتاحها بِهَذِهِ الْآيَات {فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين} {الْحَمد لله رب الْعَالمين الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين} {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور} {وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا} الْآيَة {الْحَمد لله الَّذِي أنزل على عَبده الْكتاب} {قل الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى} {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} {الْحَمد لله فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض}

وَالْخطْبَة الْحَمد لله معز الْإِسْلَام بنصره ومذل الشّرك بقهره ومصرف الْأُمُور بأَمْره ومديم النعم بشكره ومستدرج الْكَافرين بمكره

ص: 384

الَّذِي قدر الْأَيَّام دولا بعدله وَجعل الْعَاقِبَة لِلْمُتقين بفضله وأفاء على عباده من ظله وَأظْهر دينه على الدّين كُله القاهر فَوق عباده فَلَا يمانع وَالظَّاهِر على خليقته فَلَا يُنَازع وَالْأَمر بِمَا يَشَاء فَلَا يُرَاجع وَالْحَاكِم بِمَا يُرِيد فَلَا يدافع

أَحْمَده على إظفاره وإظهاره وإعزازه لأوليائه وَنَصره لأنصاره وتطهيره بَيته الْمُقَدّس من أدناس الشّرك وأوضاره حمد من استشعر الْحَمد بَاطِن سره وَظَاهر جهاره

وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْأَحَد الصَّمد الَّذِي {لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} شَهَادَة من طهر بِالتَّوْحِيدِ قلبه وأرضى بِهِ ربه

وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبده وَرَسُوله رَافع الشَّك وداحض الشّرك وراحض الْإِفْك الَّذِي أسرِي بِهِ من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الْأَقْصَى وعرج بِهِ مِنْهُ إِلَى السَّمَوَات الْعلَا إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى عِنْدهَا جنَّة المأوى مَا زاع الْبَصَر وَمَا طَغى

صلى الله عَلَيْهِ وعَلى خَلِيفَته أبي بكر الصّديق السَّابِق إِلَى الْإِيمَان وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب أول من رفع عَن هَذَا الْبَيْت شعار

ص: 385

الصلبان وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان ذِي النورين جَامع الْقُرْآن وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب مزلزل الشّرك ومكسر الْأَوْثَان وعَلى آله وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان

أَيهَا النَّاس أَبْشِرُوا برضوان الله الَّذِي هُوَ الْغَايَة القصوى والدرجة الْعليا لما يسره الله على أَيْدِيكُم من اسْتِرْدَاد هَذِه الضَّالة من الْأمة الضَّالة وردهَا إِلَى مقرها من الْإِسْلَام بعد ابتذالها فِي أَيدي الْمُشْركين قَرِيبا من مئة عَام وتطهير هَذَا الْبَيْت الَّذِي أذن الله أَن يرفع وَأَن يذكر فِيهِ أُسَمِّهِ وإماطة الشّرك عَن طرقه بعد أَن أمتد عَلَيْهَا رواقه وَاسْتقر فِيهَا رسمه وَرفع قَوَاعِده بِالتَّوْحِيدِ فَإِنَّهُ بني عَلَيْهِ وبالتقوى فَإِنَّهُ أسس على التَّقْوَى من خَلفه وَمن بَين يَدَيْهِ فَهُوَ موطن أبيكم إِبْرَاهِيم ومعراج نَبِيكُم مُحَمَّد عليه السلام وقبلتكم الَّتِي كُنْتُم تصلونَ إِلَيْهَا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام وَهُوَ مقرّ الْأَنْبِيَاء ومقصد الْأَوْلِيَاء ومفر الرُّسُل ومهبط الْوَحْي ومنزل تنزل الْأَمر وَالنَّهْي وَهُوَ فِي أَرض الْمَحْشَر وصعيد المنشر وَهُوَ فِي الأَرْض المقدسة الَّتِي ذكرهَا الله فِي كِتَابه الْمُبين وَهُوَ الْمَسْجِد الَّذِي صلى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالْمَلَائِكَةِ المقربين وَهُوَ الْبَلَد الَّذِي بعث الله إِلَيْهِ عَبده وَرَسُوله وكلمته الَّتِي أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروحه عِيسَى الَّذِي شرفه الله برسالته وَكَرمه بنبوته وَلم يزحزحه عَن رُتْبَة عبوديته فَقَالَ تَعَالَى {لن يستنكف الْمَسِيح أَن يكون عبدا لله} وَقَالَ {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم}

ص: 386

وَهُوَ أول الْقبْلَتَيْنِ وَثَانِي المسجدين وثالث الْحَرَمَيْنِ لَا تشد الرّحال بعد المسجدين إِلَّا إِلَيْهِ وَلَا تعقد الخناصر بعد الموطنين إِلَّا عَلَيْهِ وَلَوْلَا أَنكُمْ مِمَّن اخْتَارَهُ الله من عباده واصطفاه من سكان بِلَاده لما خصكم بِهَذِهِ الْفَضِيلَة الَّتِي لَا يجاريكم فِيهَا مجار وَلَا يباريكم فِي شرفها مبار فطوبى لكم من جَيش ظَهرت على أَيْدِيكُم المعجزات النَّبَوِيَّة والوقعات البدرية والعزمات الصديقية والفتوح العمرية والجيوش العثمانية والفتكات العلوية جددتم لِلْإِسْلَامِ أَيَّام الْقَادِسِيَّة والوقعات اليرموكية والمنازلات الْخَيْبَرِية والهجمات الخالدية فجزاكم الله عَن نبيه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أفضل الْجَزَاء وشكر لكم مَا بذلتموه من مهجكم فِي مقارعة الْأَعْدَاء وَتقبل مِنْكُم مَا تقربتم بِهِ إِلَيْهِ من مهراق الدِّمَاء وأثابكم الْجنَّة فَهِيَ دَار السُّعَدَاء فاقدروا رحمكم الله هَذِه النِّعْمَة حق قدرهَا وَقومُوا لله تَعَالَى بِوَاجِب شكرها فَلهُ النِّعْمَة عَلَيْكُم بتخصيصكم بِهَذِهِ النِّعْمَة وترشيحكم لهَذِهِ الْخدمَة فَهَذَا هُوَ الْفَتْح الَّذِي فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء وتبلجت بأنواره وُجُوه الظلماء وابتهج بِهِ الْمَلَائِكَة المقربون وقر بِهِ عينا الْأَنْبِيَاء والمرسلون فَمَاذَا عَلَيْكُم من النِّعْمَة بِأَن جعلكُمْ الْجَيْش الَّذِي يفتح عَلَيْهِ الْبَيْت الْمُقَدّس فِي آخر الزَّمَان والجند الَّذِي تقوم بسيوفهم بعد فَتْرَة من النُّبُوَّة أَعْلَام الْإِيمَان فيوشك أَن تكون التهاني بِهِ بَين أهل الخضراء أَكثر من التهاني بِهِ بَين أهل الغبراء أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي ذكره الله فِي كِتَابه وَنَصّ عَلَيْهِ فِي خطابه فَقَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من}

ص: 387

الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي باركنا حوله) الْآيَة أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي عَظمته الْمُلُوك وأثنت عَلَيْهِ الرُّسُل وتليت فِيهِ الْكتب الْأَرْبَعَة الْمنزلَة من إِلَهكُم عز وجل أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي أمسك الله عز وجل الشَّمْس على يُوشَع لأَجله أَن تغرب وباعد بَين خطواتها ليتيسر فَتحه وَيقرب أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي أَمر الله مُوسَى أَن يَأْمر قومه باستنقاذه فَلم يجبهُ إِلَّا رجلَانِ وَغَضب عَلَيْهِم لأَجله فألقاهم فِي التيه عُقُوبَة للعصيان فاحمدوا الله الَّذِي أمضى عزائمكم لما نكلت عَنهُ بَنو إِسْرَائِيل وَقد فَضلهمْ على الْعَالمين ووفقكم لما خذل فِيهِ من كَانَ قبلكُمْ من الْأُمَم الماضين وَجمع لأَجله كلمتكم وَكَانَت شَتَّى وأغناكم بِمَا أمضته كَانَ وَقد عَن سَوف وَحَتَّى فليهنكم أَن الله قد ذكركُمْ بِهِ فِيمَن عِنْده وجعلكم بعد أَن كُنْتُم جُنُودا لأهويتكم جنده وشكركم الْمَلَائِكَة المنزلون على مَا أهديتم إِلَى هَذَا الْبَيْت من طيب التَّوْحِيد وَنشر التَّقْدِيس والتحميد وَمَا أمطتم عَن طرقهم فِيهِ من أَذَى الشّرك والتثليث والاعتقاد الْفَاجِر الْخَبيث فَالْآن يسْتَغْفر لكم أَمْلَاك السَّمَوَات وَتصلي عَلَيْكُم الصَّلَوَات المباركات

فاحفظوا رحمكم الله هَذِه الموهبة فِيكُم واحرسوا هَذِه النِّعْمَة عنْدكُمْ بتقوى الله الَّتِي من تمسك بهَا سلم وَمن اعْتصمَ بعروتها نجا وعصم وإحذروا من اتِّبَاع الْهوى وموافقة الردى وَرُجُوع الْقَهْقَرَى والنكول عَن العدى وخذوا فِي انتهاز الفرصة وَإِزَالَة مَا بَقِي من الغصة وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده وبيعوا عباد الله أَنفسكُم فِي رِضَاهُ إِذْ جعلكُمْ من

ص: 388

عباده وَإِيَّاكُم أَن يستزلكم الشَّيْطَان وَأَن يتداخلكم الطغيان فيخيل لكم أَن هَذَا النَّصْر بسيوفكم الْحداد وبخيولكم الْجِيَاد وبجلادكم فِي مَوَاطِن الجلاد لَا وَالله {وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله إِن الله عَزِيز حَكِيم}

واحذروا عباد الله بعد أَن شرفكم بِهَذَا الْفَتْح الْجَلِيل والمنح الجزيل وخصكم بِهَذَا الْفَتْح الْمُبين وأعلق أَيْدِيكُم بحبله المتين أَن تقترفوا كَبِيرا من مناهيه وَأَن تَأْتُوا عَظِيما من مَعَاصيه فتكونوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثا وَالَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا فَأتبعهُ الشَّيْطَان فَكَانَ من الغاوين وَالْجهَاد الْجِهَاد فَهُوَ من أفضل عباداتكم وأشرف عاداتكم انصروا الله ينصركم اذْكروا الله يذكركم اشكروا الله يزدكم ويشكركم جدوا فِي حسم الدَّاء وَقطع شأفه الْأَعْدَاء وتطهير بَقِيَّة الأَرْض الَّتِي أغضبت الله وَرَسُوله واقطعوا فروع الْكفْر واجتثوا أُصُوله فقد نادت الْأَيَّام بالثارات الإسلامية وَالْملَّة المحمدية

الله أكبر فتح الله وَنصر غلب الله وقهر أذلّ الله من كفر

وَاعْلَمُوا رحمكم الله أَن هَذِه فرْصَة فانتهزوها وفريسة فناجزوها ومهمة فأخرجوا لَهَا هممكم وبرزوها وسيروا إِلَيْهَا سَرَايَا عزماتكم

ص: 389

وجهزوها فالأمور بأواخرها والمكاسب بذخائرها فقد أَظْفَرَكُم الله بِهَذَا الْعَدو المخذول وهم مثلكُمْ أَو يزِيدُونَ فَكيف وَقد أضحى فِي قبالة الْوَاحِد مِنْهُم مِنْكُم عشرُون وَقد قَالَ الله تَعَالَى {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ} أعاننا الله وَإِيَّاكُم على اتِّبَاع أوامره والازدجار بزواجره وأيدنا معشر الْمُسلمين بنصر من عِنْده {إِن ينصركم الله فَلَا غَالب لكم وَإِن يخذلكم فَمن ذَا الَّذِي ينصركم من بعده} وَتَمام الْخطْبَة وَالْخطْبَة الثَّانِيَة قريب مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة وَقَالَ بعد الدُّعَاء للخليفة اللَّهُمَّ وأدم سُلْطَان عَبدك الخاضع لهيبتك الشاكر لنعمتك الْمُعْتَرف بموهبتك سَيْفك الْقَاطِع وشهابك اللامع والمحامي عَن دينك المدافع والذاب عَن حَرمك الممانع السَّيِّد الْأَجَل الْملك النَّاصِر جَامع كلمة الْإِيمَان وقامع عَبدة الصلبان صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين مطهر الْبَيْت الْمُقَدّس أبي المظفر يُوسُف بن أَيُّوب محيي دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ

اللَّهُمَّ عَم بدولته البسيطة وَاجعَل ملائكتك براياته مُحِيطَة وَأحسن عَن الدّين الحنيفي جزاءه واشكر عَن الْملَّة المحمدية عزمه ومضاءه

اللَّهُمَّ أبق لِلْإِسْلَامِ مهجته ووق للْإيمَان حوزته وانشر فِي الْمَشَارِق والمغارب دَعوته

اللَّهُمَّ كَمَا فتحت على يَده الْبَيْت الْمُقَدّس بعد أَن ظنت الظنون وابتلي

ص: 390

الْمُؤْمِنُونَ فافتح على يَده أداني الأَرْض وأقاصيها وَملكه صياصي الْكَفَرَة ونواصيها فَلَا تَلقاهُ مِنْهُم كَتِيبَة إِلَّا مزقها وَلَا جمَاعَة إِلَّا فرقها وَلَا طَائِفَة بعد طَائِفَة إِلَّا ألحقها بِمن سبقها

اللَّهُمَّ اشكر عَن مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم سَعْيه وأنفذ فِي الْمَشَارِق والمغارب أمره وَنَهْيه اللَّهُمَّ وَأصْلح بِهِ أوساط الْبِلَاد وأطرافها وأرجاء الممالك وأكنافها

اللَّهُمَّ ذلل بِهِ معاطس الْكفَّار وأرغم بِهِ أنوف الْفجار وانشر ذوائب ملكه على الْأَمْصَار وابثث سَرَايَا جُنُوده فِي سبل الأقطار

اللَّهُمَّ ثَبت الْملك فِيهِ وَفِي عقبه إِلَى يَوْم الدّين واحفظه فِي بنيه وَبني أَبِيه الْمُلُوك الميامين وَاشْدُدْ عضده ببقائهم واقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم

اللَّهُمَّ كَمَا أجريت على يَده فِي الْإِسْلَام هَذِه الْحَسَنَة الَّتِي تبقى على الْأَيَّام وتتخلد على مر الشُّهُور والأعوام فارزقه الْملك الأبدي الَّذِي لَا ينْفد فِي دَار الْمُتَّقِينَ وأجب دعاءه فِي قَوْله (رب أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت عَليّ وعَلى وَالِدي وَأَن أعمل صَالحا ترضاه وأدخلني بِرَحْمَتك فِي عِبَادك الصَّالِحين)

ثمَّ دَعَا بِمَا جرت بِهِ الْعَادة

ص: 391