الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهَا فِي ذمّ مَاء دمشق ووخمها عرف الْمَمْلُوك من الْكتب الْوَاصِلَة التياث جسم الْمولى الْأَمِير عُثْمَان والحقير مِمَّا ينَال ذَلِك الْجِسْم الْكَرِيم يُوقد فِي قُلُوب الْأَوْلِيَاء الْأَثر الْعَظِيم
و (قَلِيل قذاة الْعين غير قَلِيل
…
)
وماذا يَقُول فِي بلد لَو صحت الحمية من مَائه لكَانَتْ من أكبر أَسبَاب صِحَة المحتمي وشفائه فَإِنَّهُ مَاء يُؤْكَل وَبَقِيَّة الْمِيَاه تشرب ويجد وخامته من ينصف وَلَا يتعصب
وَمِنْهَا وَأما الْمَأْمُور بِهِ فِي معنى الْمُنْكَرَات الظَّاهِرَة وَإِزَالَة أَسبَابهَا وإغلاق أَبْوَابهَا وتحصين كل مبتوتة من عصمَة وتطهير كل موسومة بوصمة فَالله يثيب الْمولى ثَوَاب من غضب ليرضيه بغضبه وَحمل الْخلق على منهاج شَرعه وأدبه
ثمَّ أورد الْعِمَاد فصولا كَثِيرَة وَقَالَ إِنَّمَا أوردت الْفُصُول الْفَاضِلِيَّةِ لِأَن فِي كل
فصل
مِنْهَا ذكر سيرة وفوائد كَثِيرَة
فصل
قَالَ الْعِمَاد وَمن جملَة مَا أغفلته ذكر مَا أسْقطه السُّلْطَان من مكس
مَكَّة شرفها الله تَعَالَى عَن الْحَاج وتعويض أميرها بجلاب غلَّة تحمل إِلَيْهِ فِي كل سنة وَتَعْيِين ضيَاع مَوْقُوفَة عَلَيْهَا بِالْأَعْمَالِ المصرية
كَانَ الرَّسْم بِمَكَّة أَن يُؤْخَذ من حَاج الْمغرب على عدد الرؤوس مَا ينْسب إِلَى الضرائب والمكوس فَإِذا دخل حَاج حبس حَتَّى يُؤَدِّي مكسه ويفك بِمَا يطلبونه مِنْهُ نَفسه وَإِذا كَانَ فَقِيرا لَا يملك فَهُوَ يحبس وَلَا يتْرك وتفوته الوقفة بِعَرَفَة وَلَا تدْرك
فَقَالَ السُّلْطَان نُرِيد أَن نعوض أَمِير مَكَّة عَن هَذَا المكس بِمَال ونغنيه عَنهُ بنوال وَإِن أعطيناه ضيَاعًا استوعبها ارتفاعا وانتفاعا فَلَا يكون لأهل مَكَّة فِيهَا نصيب
فقرر مَعَه أَن يحمل إِلَيْهِ فِي كل سنة مبلغ ثَمَانِيَة آلَاف إِرْدَب قَمح إِلَى سَاحل جدة فَإِن الْأَمِير بهَا يحْتَاج إِلَى بيعهَا للِانْتِفَاع بأثمانها ويثق أهل الْحَرَمَيْنِ من الدولة بدوام إحسانها
وَقرر أَيْضا حمل الغلات إِلَى المجاورين بالحرمين والفقراء وَمن هُنَاكَ من الشرفاء ووقف لَهَا وقوفا وخلد بهَا إِلَى قيام السَّاعَة مَعْرُوفا فَسَقَطت المكوس واغتبطت النُّفُوس وَزَاد الْبشر وَزَالَ العبوس واستمرت النعمى وَمر البوس وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين
وَمن كَلَام الْفَاضِل فِي ذَلِك فِي بعض كتبه من البشائر الَّتِي لَا عهد لحاج ديار مصر بِمِثْلِهَا وَلَا عهد لملك من مُلُوك الديار المصرية بالحصول على فخرها وأجرها انْقِطَاع المكاسين عَن جدة وَعَن بَقِيَّة السواحل وَيَكْفِي
أَن تَمام هَذِه المثوبة مُوجب الِاسْتِطَاعَة مُقيم لحجة الله فِي الْحَج فقد كَانَت الْفتيا على سُقُوطه مَعَ وجود الْحَامِل وَمَا أَكثر مَا أجْرى الله لِلْخَلَائِقِ على يَد الْمولى من الأرزاق الَّتِي تفضل عَن الِاسْتِحْقَاق وَمَا أولاه أَن يتوخى بِالْمَعْرُوفِ مَكَانَهُ من هذَيْن الْحَرَمَيْنِ الشريفين المهجورين من إسعاف أهل الاقتدار والمحروم من قدر فيهمَا على خير فأضاع فرصته بترك البدار
وَغير خَافَ عَن مَوْلَانَا همة الفرنج بالقدس برا وبحرا ومركبا وظهرا وسلما وحربا وبعدا وقربا وتوافيهم على حمايته وَهُوَ أنف فِي وَجه الْإِسْلَام ومسارعتهم إِلَى نصْرَة أهليه بالأرواح وَالْأَمْوَال على مر الْأَيَّام
ومعاذ الله أَن يستبصروا فِي الضلال ونصرف نَحن عَن الْحق وتضيق بِنَا فِي التَّوسعَة على أَهله سَعَة المجال
الْمَمْلُوك فِي مستهل رَجَب بِمَشِيئَة الله تَعَالَى يعول على السّفر إِلَى الْحجاز لقَضَاء الْفَرِيضَة قولا وفعلا والسائرون فِي هَذِه السّنة بطمعة وَقْفَة الْجُمُعَة وبفسحة وضع المكس خلق لَا يُحْصى وَالْمولى شريك فِي أجرهم فليهنه أَن الْمُلُوك عمرت بيوتها فخربت وَأَن الْمولى عمر بَيت الله فَمن كرمه سُبْحَانَهُ أَن يعمر بَيت الْمولى وَمَا أَشد خجل الْمُلُوك من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي التَّقْصِير فِي قوت جِيرَانه فِي هَذِه السّنة وَمَا هَكَذَا وصّى ابْن
اللمطي وَلَكِن للْغَائِب حجَّته
قلت وَفِي هَذِه المكرمة الَّتِي فعلهَا صَلَاح الدّين رحمه الله بالحاج يَقُول الشَّيْخ الْفَاضِل أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن جُبَير الأندلسي من قصيدة لَهُ يمدح بهَا صَلَاح الدّين وَسَتَأْتِي فِيمَا بعد أَخْبرنِي بهَا ثِقَة نقلهَا من خطه
(رفعت مغارم مكس الْحجاز
…
بإنعامك الشَّامِل الغامر)
(وَأمنت أكناف تِلْكَ الْبِلَاد
…
فهان السَّبِيل على العابر)
(وسحب أياديك فياضة
…
على وَارِد وعَلى صادر)
(فكم لَك بالشرق من حَامِد
…
وَكم لَك بالغرب من شَاكر)
(وَكم بِالدُّعَاءِ لكم كل عَام
…
بِمَكَّة من معلن جاهر)
(وَقد بقيت حسبَة فِي فلَان
…
وَتلك الذَّخِيرَة للذاخر)
(يعنف حجاج بَيت الْإِلَه
…
ويسطو بهم سطوة الجائر)
(ويكشف عَمَّا بِأَيْدِيهِم
…
وناهيك من موقف صاغر)
(وَقد وقفُوا بَعْدَمَا كشفوا
…
كَأَنَّهُمْ فِي يَد الآسر)
(ويلزمهم حلفا بَاطِلا
…
وعقبى الْيَمين على الْفَاجِر)
(وَإِن عرضت بَينهم حُرْمَة
…
فَلَيْسَ لَهَا عَنهُ من سَاتِر)
(أَلَيْسَ يخَاف غَدا عرضه
…
على الْملك الْقَادِر القاهر)
(أَلَيْسَ على حرم الْمُسلمين
…
بِتِلْكَ الْمشَاهد من غائر)
(أَلا حَاضر نَافِع زَجره
…
فيا ذلة الشَّاهِد الْحَاضِر)
(أَلا نَاصح مبلغ نصحه
…
إِلَى الْملك النَّاصِر الظافر)
(ظلوم تضمن مَال الزَّكَاة
…
لقد تعست صَفْقَة الخاسر)
(يسر الْخِيَانَة فِي بَاطِن
…
ويبدي النَّصِيحَة فِي الظَّاهِر)
(فأوقع بِهِ حَادِثا إِنَّه
…
يقبح أحدوثة الذاكر)
(فَمَا للمناكر من زاجر
…
سواك وبالعرف من آمُر)
(وحاشاك إِن لم تزل رسمها
…
فَمَا لَك فِي النَّاس من عاذر)
(ورفعك أَمْثَالهَا موسع
…
رِدَاء فخارك للناشر)
(وآثارك الغر تبقى بهَا
…
وَتلك المآثر للآثر)
(نذرت النَّصِيحَة فِي حقكم
…
وَحقّ الْوَفَاء على النَّاذِر)
(وحبك أنطقني بالقريض
…
وَمَا أَبْتَغِي صلَة الشَّاعِر)
(وَلَا كَانَ فِيمَا مضى مكسبي
…
وَبئسَ البضاعة للتاجر)
(إِذا الشّعْر صَار شعار الْفَتى
…
فناهيك من لقب شاهر)
(وَإِن كَانَ نظمي لَهُ نَادرا
…
فقد قيل لَا حكم للنادر)
(ولكنما خطرات الْهوى
…
تعن فتلعب بالخاطر)
(أما وَقد زَان تِلْكَ الْعلَا
…
فقد فَازَ بالشرف الباهر)
(وَإِن كَانَ مِنْك قبُول لَهُ
…
فَتلك الْكَرَامَة للزائر)
(ويكفيه سَمعك من سامع
…
ويكفيه لحظك من نَاظر)
(ويزهى على الرَّوْض غب الحيا
…
بِمَا حَاز من ذكرك العاطر)
قَالَ الْعِمَاد وَفِي الْمحرم من هَذِه السّنة توفّي الْحَكِيم مهذب الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى الْمَعْرُوف بِابْن النقاش الْبَغْدَادِيّ بِدِمَشْق وَكَانَ
كنعته مهذبا وَمن الْمُلُوك لِتَفَرُّدِهِ بفضله مقربا وَهُوَ مبرز فِي فنه حَتَّى إِن من شدا شَيْئا من الطِّبّ تبجح بِأَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ وَتردد لاستفادته إِلَيْهِ وَقد راضته الْعُلُوم الرياضية وأحكمت أخلاقه المعارف الْحكمِيَّة
وَفِي الثَّانِي عشر من جُمَادَى الأولى توفّي الْأَمِير نجم الدّين بن مصال بِمصْر وجاءنا نعيه وَنحن بحمص فجاوز اغتمام السُّلْطَان برزئه حَده وَجلسَ فِي بَيت الْخشب مستوحشا وَحده وَقَالَ لَا يخلف الدَّهْر لي صديقا مثله بعده
وأجرى مَا كَانَ لَهُ جَمِيعه لوَلَده وَحفظ عَهده وَكَانَ لجَماعَة من الْأَعْيَان وَالشعرَاء والأماثل والأدباء بعنايته ووساطته من السُّلْطَان رزق بقاه عَلَيْهِم كَأَنَّهُ عَلَيْهِ مُسْتَحقّ
وَفِي الْعشْر الأول من ربيع الآخر أغارت طَائِفَة من الفرنج على بلد حماة فَخرج إِلَيْهَا مُتَوَلِّي عَسْكَر حماة الْأَمِير نَاصِر الدّين منكورس بن خمارتكين صَاحب حصن بو قبيس فَأسر المقدمين وَسَفك بِسَيْفِهِ دم البَاقِينَ وَجَاء إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِظَاهِر حمص وسَاق مَعَه الْأُسَارَى فَأمر السُّلْطَان بِضَرْب أَعْنَاقهم وَأَن يتَوَلَّى ذَلِك أهل التقى وَالدّين من الْحَاضِرين
فَتقدم إِمَامه الضياء الطَّبَرِيّ وَضرب عنق بَعضهم وتلاه الشَّيْخ سُلَيْمَان المغربي ثمَّ الْأَمِير ايطغان بن ياروق واستدعي الْعِمَاد وَأمر