الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إربل فَلَمَّا أصبح النَّاس عَادَتْ الزلزلة فِي الْجبَال فتصادمت وَوَقع مِنْهَا الْحِجَارَة وَسَقَطت قلاع كَثِيرَة وَهَلَكت قرى بِمن فِيهَا وَكَانَ يكون بَين الْجمل والجمل عشرُون ذِرَاعا فتقذفهما الزلزلة فيتصادمان ويعودان إِلَى مكانهما
قَالَ ابْن أبي طي وفيهَا أحرق الإسماعيلية أسواق حلب وافتقر أَهلهَا بذلك وَكَانَت إِحْدَى الجوائح الَّتِي أَصَابَت حلب وَأَهْلهَا
قَالَ وفيهَا خرج قراقوش التقوي إِلَى طرابلس الْمغرب فَفتح بلادا وَصلى حروبا مَعَ إِبْرَاهِيم السِّلَاح دَار الَّذِي دخل بِلَاد الْمغرب أَيْضا من أَصْحَاب تَقِيّ الدّين لِأَن نَفسه أطمعته أَن يفعل فعل قراقوش فِي تملك الْبِلَاد ثمَّ أصلح بَينهمَا
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مئة
وفيهَا توفّي الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي رحمه الله بالإسكندرية وَقد زرت قَبره بهَا دَاخل الْبَاب الْأَخْضَر
قَالَ الْعِمَاد وفيهَا هادن السُّلْطَان صَلَاح الدّين الفرنج وَتوجه إِلَى بلد
الرّوم فَأصْلح بَين نور الدّين مُحَمَّد بن قَرَأَ أرسلان بن دَاوُد بن أرتق صَاحب حصن كيفا وَبَين زوج ابْنَته السُّلْطَان عز الدّين قليج أرسلان بن مَسْعُود بن قليج أرسلان واجتمعوا على نهر يُقَال لَهُ كوك سو وَكَثُرت ثمَّ الْهَدَايَا والدعوات والأفراح والهبات
وفيهَا دخل السُّلْطَان بِلَاد الأرمن لقلع ملكهم ابْن لاون لِأَنَّهُ كَانَ استمال قوما من التركمان حَتَّى يرعوا فِي مرَاعِي بِلَاده بالأمان ثمَّ صبحهمْ بغدره وحصلوا بأسرهم فِي أسره
فَدخل السُّلْطَان بِلَاده وأذل أعوانه وأجناده وَنصر الله الْمُسلمين بِالرُّعْبِ فَأحرق من الْخَوْف قلعة شامخة تعرف بالمانقير وبادر الْمُسلمُونَ إِلَى إِخْرَاج مَا فِيهَا من الْآلَات والغلات فَتَقووْا بهَا وتمموا هدمها إِلَى الأساس
قَالَ ابْن أبي طي وَوجد الْمُسلمُونَ فِي أرْضهَا صهريجا مملوءا آلَات نُحَاس وَفِضة وَذهب لَهَا زمن طَوِيل
قَالَ وبذل للسُّلْطَان جملَة من المَال وَأَنه يُطلق من عِنْده من الْأُسَارَى
فَلم يرض السُّلْطَان بِمَا بذله فَزَاد فِي المَال وَأَنه يَشْتَرِي خمس مئة أَسِير من بِلَاد الفرنج ويعتقهم فَأجَاب السُّلْطَان وَأخذ مِنْهُم رهينة على ذَلِك
قَالَ الْعِمَاد وأذعن الأرمني وذل وَأطلق مَا بِيَدِهِ من الْأُسَارَى وَرجع السُّلْطَان مؤيدا منصورا وَوصل إِلَى حماة فِي أَوَاخِر جُمَادَى الْآخِرَة
وَكَانَ الْجمال الوَاسِطِيّ أَبُو غَالب مُحَمَّد بن سُلْطَان بن الْخطاب المقرئ شَاهدا هَذِه الْغُزَاة فنظم قصيدة فِي السُّلْطَان مِنْهَا
(لقد جمل الله مِنْك الورى
…
بأوفى مليك وَفِي هجان)
(تهش إِلَى نغمات السيوف
…
فِي الْهَام لَا نغمات القيان)
(أزرت ابْن لاون لأواءه
…
فأضحى بِهِ خَبرا عَن عيان)
(ودان من الذل لَا يرعوي
…
حذارا من الراعفات اللدان)
(فَلَا قدم عِنْده للثبات
…
وَلَيْسَ لَهُ بسطاكم يدان)
(وأخلى لهيبتك المانقير
…
وغادر للهدم تِلْكَ المباني)
(وَأرْسل بالأسراء العناة
…
يسْأَل إِطْلَاقه فَهُوَ عاني)
(رتقت بعزمك والمكرمات
…
فتوقا من الأرتقي الهجان)
(ورعت ابْن سلجق فِي ملكه
…
فقعقع من رعبه بالشنان)
قَالَ وَلما وصل السُّلْطَان إِلَى حمص وخيم بالعاصي أَتَاهُ الْفَقِيه مهذب الدّين عبد الله بن أسعد الْموصِلِي وأنشده وَله فِي السُّلْطَان مدائح مِنْهَا قصيدة غراء مطْلعهَا
(أما وجفونك المرضى الصِّحَاح
…
وسكرة مقلتيك وَأَنت صاحي)
(لقد أَصبَحت فِي العشاق فَردا
…
كَمَا أَصبَحت فَردا فِي الملاح)
(يهز الْغُصْن فَوق نقى ويرنو
…
بِحَدّ ظبى ويبسم عَن أقاح)
(وَقد غرس الْقَضِيب على كثيب
…
فأثمر بالظلام وبالصباح)
(وَمَال مَعَ الوشاة وَلَا عَجِيب
…
لغصن أَن يمِيل مَعَ الرِّيَاح)
(قَطعنَا اللَّيْل فِي عتب وشكوى
…
إِلَى أَن قيل حَيّ على الْفَلاح)
(ولاح الصُّبْح يَحْكِي فِي سناه
…
صَلَاح الدّين يُوسُف ذَا الصّلاح)
(وَلما ضَاقَ حد عَن مداه
…
لقيناه بآمال فساح)
(فَمن هرم وَكَعب وَابْن سعدى
…
رعاء الشَّاء وَالنعَم المراح)
(جواد بالبلاد وَمَا حوته
…
إِذا جادوا بألبان اللقَاح)
(ليفد حَيَاء وَجهك كل وَجه
…
إِذا سُئِلَ الندى جهم وقاح)
(مُلُوك جلهم مغرى بظُلْم
…
ومشغول بلهو أَو مزاح)
(إِذا مَا جالت الْأَبْطَال ولى
…
وَيقدم نَحْو حائلة الوشاح)
(وبون بَين مَالك بَيت مَال
…
وَمَالك رق أَمْلَاك النواحي)
(هم جمعُوا وَقد فرقت لَكِن
…
جمعت بِهِ الرِّجَال مَعَ السِّلَاح)
(وَمَا خضع الفرنج لديك حَتَّى
…
رَأَوْا مَا لَا يُطَاق من الكفاح)
(وَمَا سألوك عقد الصُّلْح ودا
…
وَلَكِن خوف معلمة رداح)
(مَلَأت بِلَادهمْ سهلا وحزنا
…
أسودا تَحت غابات الرماح)
وَقَالَ ابْن شَدَّاد لما عَاد السُّلْطَان بعد الكسرة يَعْنِي كسرة الرملة إِلَى الديار المصرية وَأقَام فِيهَا ريثما لم النَّاس شعثهم وَعلم تخبط الشَّام عزم على الْعود إِلَيْهِ وَكَانَ عوده للغزاة فوصله رسل قليج أرسلان يَلْتَمِسُونَ مِنْهُ الْمُوَافقَة ويستغيث إِلَيْهِ من الأرمن
فَاشْتَمَلَ نَحْو بِلَاد ابْن لاون لنصرة قليج أرسلان عَلَيْهِ وَنزل بقراحصار وَأخذ عَسْكَر حلب فِي خدمته لِأَنَّهُ كَانَ قد اشْترط فِي الصُّلْح ذَلِك واجتمعوا على نهر الْأَزْرَق بَين بهسنى وحصن مَنْصُور وَعبر مِنْهُ إِلَى النَّهر الْأسود طرف بِلَاد ابْن لاون فَأخذ مِنْهُم حصنا وأخربه وبذلوا لَهُ أُسَارَى والتمسوا مِنْهُ الصُّلْح وَعَاد عَنْهُم
ثمَّ راسله قليج أرسلان فِي صلح الشرقيين بأسرهم وَاسْتقر الصُّلْح فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسبعين وَدخل فِي الصُّلْح قليج أرسلان والمواصلة وَأهل ديار بكر وَكَانَ ذَلِك على نهر سنجة