المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في ذكر يوم الفتح وبعض كتب البشائر إلى البلاد - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٣

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌ فصل

- ‌فصل كَالَّذي قبله فِي حوادث مُتَفَرِّقَة

- ‌فصل فِي عمَارَة حصن بَيت الأحزان ووقعة الهنفري

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا فعل مَعَ الفرنج فِي بَاقِي هَذِه السّنة وَأول الْأُخْرَى ووقعة مرج عُيُون

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي تخريب حصن بَيت الأحزان وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي وَفَاة صَاحب الْموصل

- ‌فصل فِي وَفَاة شمس الدولة بن أَيُّوب أخي السُّلْطَان الْأَكْبَر وقدوم رسل الدِّيوَان بالتفويض إِلَى السُّلْطَان مَا طلبه

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر مرّة ثَانِيَة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر وَفَاة الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين رحمهمَا الله وَمَا تمّ فِي بِلَاده بعده وَذَلِكَ بحلب

- ‌فصل

- ‌فصل فِي أُمُور تتَعَلَّق بولاة الْيمن فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي عود السُّلْطَان من الديار المصرية إِلَى الشَّام

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي مسير السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الْمشرق مرّة ثَانِيَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب

- ‌فصل فِي أَخذ السالكين الْبَحْر لقصد الْحجاز

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي فتح آمد

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح حلب

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد فتح حلب

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى دمشق وَخُرُوجه مِنْهَا للغزاة بمخاضة الْأُرْدُن

- ‌فصل فِي ولَايَة الْملك الْعَادِل حلب وَولَايَة تَقِيّ الدّين مصر وَغير ذَلِك

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل يحتوي على ذكر المفاضلة بَين مصر وَالشَّام والتعريف بِحَال زين الدّين الْوَاعِظ

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌وَدخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِيمَا فعل السُّلْطَان فِي أَمر خلاط وميافارقين وَغَيرهمَا من الْبِلَاد

- ‌فصل فِي انتظام الصُّلْح مَعَ أهل الْموصل وَمرض السُّلْطَان المرضة الْمَشْهُورَة بحران

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة وَمن توفّي فِيهَا من الْأَعْيَان

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر مَا استأنفه السُّلْطَان بِمصْر وَالشَّام من نقل الولايات بَين أَوْلَاده

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح عكا وَغَيرهَا

- ‌فصل فِي فتح نابلس وَجُمْلَة من الْبِلَاد الساحلية بعد فتح عكا وطبرية وَذكر بعض كتب البشائر الشاهدة لذَلِك

- ‌فصل فِي فتح تبنين وصيدا وبيروت وجبيل وَغَيرهَا ومجيء المركيس إِلَى صور

- ‌فصل فِي فتح عسقلان وغزة والداروم وَغَيرهَا

- ‌فتح الْبَيْت الْمُقَدّس شرفه الله تَعَالَى

- ‌فصل

- ‌فصل فِي نزُول السُّلْطَان على الْبَيْت الْمُقَدّس وحصره وَمَا كَانَ من أمره

- ‌فصل فِي ذكر يَوْم الْفَتْح وَبَعض كتب البشائر إِلَى الْبِلَاد

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي صفة إِقَامَة الْجُمُعَة بالأقصى شرفه الله تَعَالَى فِي رَابِع شعْبَان ثامن يَوْم الْفَتْح

- ‌فَصْل

- ‌فصل فِي إِيرَاد مَا خطب بِهِ القَاضِي محيي الدّين رحمه الله

- ‌فصل فِي الْمِنْبَر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي حِصَار صور وَفتح هونين وَغير ذَلِك

- ‌فصل فِي وُرُود رسل التهاني من الْآفَاق وقدوم الرَّسُول العاتب من الْعرَاق

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ

الفصل: ‌فصل في ذكر يوم الفتح وبعض كتب البشائر إلى البلاد

وَكَذَلِكَ خرجت الإبرنساسة أم هنفري وَهِي ابْنة فليب وَزَوْجَة الإبرنس الَّذِي سفك دَمه يَوْم حطين وَهِي صَاحِبَة الكرك والشوبك وَهِي بنوابها محوطة وبرأيها منوطة فَجَاءَت سَائِلَة فِي وَلَدهَا العاني فوعدت أَنَّهَا إِن سمحت بحصنها سمح لَهَا بابنها ثمَّ أعفيت وأطلقت وعصمت واستحضر ابْنهَا هنفري بن هنفري من دمشق إِلَيْهَا وَأقر بِرُؤْيَتِهِ عينيها وَسَار مَعهَا من الْأُمَرَاء والأمناء من يتسلم مِنْهُم تِلْكَ المعاقل فَخرجت فمضت إِلَى حصونها لتسلمها فمانعها أَهلهَا ودافعوها وردوها ذليلة خائبة فسكنت صور واستودعت السُّلْطَان ابْنهَا المأسور ووعدها بِإِطْلَاقِهِ إِذا تسلم تِلْكَ الْحُصُون

‌فصل فِي ذكر يَوْم الْفَتْح وَبَعض كتب البشائر إِلَى الْبِلَاد

قَالَ الْعِمَاد تسلم الْمُسلمُونَ الْبَلَد يَوْم الْجُمُعَة أَوَان وجوب صلَاتهَا وطلعت الرَّايَات الناصرية على شرفاتها وأغلقت أَبْوَابهَا لحفظ ناسها فِي طلب القطيعة والتماسها وضاق وَقت الْفَرِيضَة وَتعذر أَدَاؤُهَا وللجمعة مُقَدمَات وشروط لم يُمكن استيفاؤها وَكَانَ الْأَقْصَى لَا سِيمَا محرابه مَشْغُولًا بالخنازير والخنا مملوءا بِمَا أَحْدَثُوا من الْبَنَّا مسكونا مِمَّن كفر وغوى وضل وظلم وجنى مغمورا بالنجاسات الَّتِي حرم علينا فِي تَطْهِيره مِنْهَا الونى فَوَقع الإشتغال بالأهم الأنفع والأتم الأنجح الأنجع وَهُوَ حفظهم وضبطهم إِلَى أَن يُوجد شرطهم وَيُؤْخَذ قسطهم

ص: 344

وَاتفقَ فتح الْبَيْت الْمُقَدّس فِي يَوْم كَانَ فِي مثل ليلته مِنْهُ الْمِعْرَاج وَتمّ بِمَا وضح من منهاج النَّصْر الابتهاج وَجلسَ السُّلْطَان بالمخيم ظَاهر الْقُدس للهناء وللقاء الأكابر والأمراء والمتصوفة وَالْعُلَمَاء وَهُوَ جَالس على هَيْئَة التَّوَاضُع وهيبة الْوَقار بَين الْفُقَهَاء وَأهل الْعلم جُلَسَائِهِ الْأَبْرَار وَوَجهه بِنور الْبشر سَافر وأمله بعز النجح ظافر وبابه مَفْتُوح ورفده ممنوح وحجابه مَرْفُوع وخطابه مسموع ونشاطه مقبل وبساطه مقبل ومحياه يلوح ورياه يفوح وَقد جلت لَهُ حَالَة الظفر وَكَأن دسته بِهِ هَالة الْقَمَر والقراء جُلُوس يقرؤون ويرشدون وَالشعرَاء وقُوف ينشدون وينشدون والأعلام تبرز لتنشر والاقلام تزبر لتبشر والعيون من فرط المسرة تَدْمَع والقلوب للفرح بالنصرة تخشع والألسنة بالابتهال إِلَى الله تضرع وَبشر الْمَسْجِد الْحَرَام بخلاص الْمَسْجِد الْأَقْصَى وتلي {شرع لكم من الدّين مَا وصّى} وهنئ الْحجر الْأسود بالصخرة الْبَيْضَاء ومنزل الْوَحْي بِمحل الْإِسْرَاء ومقر سيد الْمُرْسلين وَخَاتم النَّبِيين بمقر الرُّسُل والأنبياء ومقام إِبْرَاهِيم بِموضع قدم الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وأدام أهل الْإِسْلَام بشرف بنيته مستمتعين

وتسامع النَّاس بِهَذَا النَّصْر الْكَرِيم وَالْفَتْح الْعَظِيم فوفدوا للزيارة من كل فج عميق وسلكوا إِلَيْهِ فِي كل طَرِيق وأحرموا من الْبَيْت الْمُقَدّس إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق وتنزهوا من زهر كراماته فِي الرَّوْض الأنيق

وَقد سبق أَن الْعِمَاد كَانَ توجه إِلَى دمشق وَالسُّلْطَان على بيروت

ص: 345

للألم الَّذِي ألم بِهِ فَلَمَّا سمع بنزول السُّلْطَان على الْقُدس أبل من مَرضه وَتوجه إِلَيْهِ فوصل يَوْم السبت ثَانِي يَوْم الْفَتْح قَالَ وطلعت عَلَيْهِ صبحا عِنْد طُلُوع الصُّبْح فَاسْتَبْشَرَ بقدومي وخلع على البشير قبل رؤيتي وَكَانَ أَصْحَابه يطالبونه بكتب البشائر ليغربوا بهَا ويشرقوا وَهُوَ يَقُول لهَذِهِ الْقوس بار ولهذه المأدبة قار

قَالَ فَكتبت فِي ذَلِك الْيَوْم سبعين كتاب بِشَارَة كل كتاب بِمَعْنى بديع وَعبارَة فَمِنْهَا الْكتاب إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز بِبَغْدَاد أفتتحه بِهَذِهِ الْآيَة {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا}

الْحَمد لله الَّذِي أنْجز لِعِبَادِهِ الصَّالِحين وعد الِاسْتِخْلَاف وقهر بِأَهْل التَّوْحِيد أهل الشّرك وَالْخلاف وَخص سُلْطَان الدِّيوَان الْعَزِيز بِهَذِهِ الْخلَافَة وَمكن دينه المرتضى وَبدل الْأَمْن من المخافة وَذخر هَذَا الْفَتْح الْأَسْنَى والنصر الأهنى للعصر الإمامي النَّبَوِيّ الناصري على يَد الْخَادِم أخْلص أوليائه وأخص من اعتزازه باعتزائه إِلَيْهِ وانتمائه

وَهَذَا الْفَتْح الْعَظِيم والنجح الْكَرِيم قد انقرض من الْمُلُوك الْمَاضِيَة والقرون الخالية على حسرة تمنيه وحيرة ترجيه ووحشة الْيَأْس من تسنيه وتقاصرت عَنهُ طوال الهمم وتخاذلت عَن الِانْتِصَار لَهُ أَمْلَاك الْأُمَم فَالْحَمْد لله الَّذِي أعَاد الْقُدس

ص: 346

إِلَى الْقُدس وأعاذه من الرجس وحقق من فَتحه مَا كَانَ فِي النَّفس وَبدل وَحْشَة الْكفْر فِيهِ من الْإِسْلَام بالأنس وَجعل عز يَوْمه ماحيا ذل الأمس وَأَسْكَنَهُ الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء بعد الْجُهَّال والضلال من البطرك والقس وَعَبدَة الصَّلِيب ومستقبلي الشَّمْس وَقد أظهر الله على الْمُشْركين الضَّالّين جُنُوده الْمُؤمنِينَ الْعَالمين وَقطع دابر الْقَوْم الظَّالِمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين فَكَأَن الله شرف هَذِه الْأمة وَقَالَ لَهُم اعزموا على اقتناء هَذِه الْفَضِيلَة الَّتِي بهَا فَضلكُمْ وحقق فِي حَقهم امْتِثَال أمره فِي قَوْله الْكَرِيم {ادخُلُوا الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكم}

وَهَذَا الْفَتْح قد أقدره الله على افتضاضه بِالْحَرْبِ الْعوَان وَجعل مَلَائكَته المسومة لَهُ من أعز الْأَنْصَار وَأظْهر الأعوان وَأخرج يَوْم الْجُمُعَة من بَيته الْمُقَدّس أهل الْأَحَد وقمع من كَانَ يَقُول إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة بِمن يَقُول هُوَ الله أحد

وأعان الله بإنزال الْمَلَائِكَة وَالروح وأتى بِهَذَا النَّصْر الممنوح الَّذِي هُوَ فتح الْفتُوح وَقد تَعَالَى أَن يُحِيط بِهِ وصف البليغ نظما ونثرا وَعبد الله فِي الْبَيْت الْمُقَدّس سرا وجهرا وملكت بِلَاد الْأُرْدُن وفلسطين غورا ونجدا وَبرا وبحرا وملئت إسلاما وَكَانَت قد ملئت كفرا وتقاضى الْخَادِم دين الدّين الَّذِي غلق رَهنه دهرا وَالْحَمْد لله شكرا حمدا يجدد لِلْإِسْلَامِ كل يَوْم نصرا وَيزِيد وُجُوه أَهله ببشرى فتوحه بشرا وأبى الْخَادِم إِلَّا اسْتِبَاحَة أَمْوَالهم وأرواحهم وحسم دَاء اجتراحهم باجتياحهم وَأَنه لَا بُد من تَطْهِير الأَرْض المقدسة برجس دِمَائِهِمْ وَقتل رِجَالهمْ وَسبي

ص: 347

ذَرَارِيهمْ وَنِسَائِهِمْ وَلما أيسوا من النجَاة وَفتح أَبْوَابهَا المرتجة من أَسبَابهَا المرتجاة خوفوا بقتل الْأُسَارَى الْمُسلمين وهم أَكثر من ثَلَاثَة آلَاف وَأَنَّهُمْ يفسدون جَمِيع مَا فِي الْبَلَد من مَال وَبِنَاء بهدم وإحراق وَإِتْلَاف وَعرف أَن جهلهم على كل نكر شنيع وَأَنَّهُمْ تدعوهم فظاظتهم إِلَى كل ضرّ فظيع وبذلوا إِطْلَاق الأسرى وشرطوا حمل مَال الفدا وَمَا زَالُوا يبتهلون ويضرعون ويذلون ويخشعون حَتَّى اسْتَقر الْأَمر أَنهم يفادون وأجيبت الصَّخْرَة المقدسة عِنْد استصراخها وبركت الْبركَة الناهضة إِلَيْهَا فِي مناخها وغسلت من أوضارها وأوزارها بعبرات الْعُيُون وَرجع اضطرابها إِلَى السّكُون وفديت بنواظر أهل الْإِيمَان وصوفحت للوفاء بعهدها المجدد بالأيمان وَذكرت فِي يَوْم خلاصها من رَجَب بليلة الْمِعْرَاج وتجلى إظلامها بإنارة سنا السراج وأعيدت الْكَنَائِس مدارس وأضحت بإحياء رَمِيم التَّوْحِيد رسوم الْكفْر عَافِيَة دوارس وزالت ضجرة الصَّخْرَة ونعشها الله من العثرة وَبدل بالأنس فِيهَا مَا كَانَ من الوحشة وَالْحَسْرَة فَالْحَمْد لله على هَذِه النُّصْرَة والْمنَّة لَهُ على هَذِه المبرة

وَقد تسلمنا مَعَ بَيت الْمُقَدّس جَمِيع المعاقل من حد الداروم إِلَى حد طرابلس وكل مَا كَانَ جَارِيا فِي مملكة ملك الْقُدس ونابلس وَلم يبْق إِلَّا صور فَإِنَّهَا قد تَأَخّر انتزاعها وَتقدم امتناعها والفرنج فِيهَا قد ضريت بآمالها أطماعها وَهِي بتأييد الله مستفتحة والقلوب بتذليل جامحها منشرحة

وَمن كتب أخر فتح بَيت الله الْمُقَدّس الَّذِي عجز الْمُلُوك عَن تمنيه فَكيف تسنيه وَمَاتَتْ الأطماع دونه فَلم تطمع فِيهِ فَمن الله علينا بتذليل صعبه وإعذاب شربه وتسهيل وعره وَتَحْصِيل فخره وَقضى الْمُلُوك فِي

ص: 348

ليله وَجِئْنَا نَحن عِنْد إسفار فجره وَقد كَانَت الصَّخْرَة مستصرخة ومطايا الْكفْر بكلاكلها عَلَيْهَا منوخة فأجيبت دعوتها وأصينت حظوتها وتناثرت على حجرها يَوَاقِيت الشفاه وقوبلت قبلتها بقبل الأفواه ودنا الْمَسْجِد الْأَقْصَى للقاصي والداني وَزَالَ رين العائن وقرت عين الراني

هَذَا فتح عَظِيم قدره جسيم فخره فَاضل عصره كَامِل نَصره غير منسي إِلَى يَوْم الْحَشْر ذكره وَقد اقتض بِنَا بكره واقتضي بسيفنا وتره وزهر زهره وَظهر قهره وَهلك الْكَافِر وكفره وَجَاء من نعم الله مَا لزم على الْأَبَد شكره

أَبينَا إِلَّا إحراقهم بنيران الصوارم وإغراقهم فِي أمواه الطلى والجماجم وتسلمنا الْقُدس فِي يَوْم كَانَت فِي مثل ليلته لَيْلَة الْمِعْرَاج وحنت الصَّخْرَة حنين جذع المعجزة الأولى فِي ظلمَة لَيْلهَا إِلَى ذَلِك السراج الْوَهَّاج وَالْحَمْد لله على سلوك مَا وضح من الْمِنْهَاج ونضوب مَا كَانَ نبع من الأجاج وخلا بَيت الله لقصد الْحَاج وَصدق الْحَاج

مبشرة بِمَا فضل الله بِهِ عصرنا وَعجل بِهِ نصرنَا ونظم بِهِ سلكنا وطرز بِهِ ملكنا وَهُوَ فتح بَيت الله الْمُقَدّس الَّذِي غلق رَهنه دهرا واغتصبت من الْإِسْلَام قهرا وارتد كفرا وامتدت بِهِ الْأَيَّام عمرا فعمرا وتقاصرت الهمم عَن استفتاحه وأصلد زند الْمُلُوك فِيهِ فعجزوا عَن اقتداحه ونزلوا بالرغم على التمَاس الْكفْر واقتراحه وَاحْتَملُوا لحفظ

ص: 349

مواضعهم نكاية اجترامه واجتراحه فَلَا جرم أعده الله لأيامنا وذخره لمواسم اعتزامنا وفتحه بِنَا إِظْهَارًا لفضيله هَذِه الْأَيَّام وإيثارا لما نَحن نؤثره من إعلاء كلمة الْإِسْلَام فأصرخنا الصَّخْرَة وأهدينا إِلَيْهَا النُّصْرَة ومكنا من قَلبهَا وَإِن كَانَ من الْحجر المسرة

وتسلمنا الْقُدس يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب وقضينا من حق هَذَا الْبَيْت مَا وَجب وَجَاء الْقُدس إِلَى الْقُدس وَزَالَ الرجس وَذهب وَتَوَلَّى فِيهِ الْإِسْلَام وَتَوَلَّى عَنهُ الْكفْر وَعظم الْأجر وفخم الْفَخر وطاب النشر وَزَاد الْبشر ومحي الرجس وَثَبت الطُّهْر وَهلك الْمُشرك وذل البطرك وأقصي من الْمَسْجِد الْأَقْصَى الساجد إِلَى الشَّمْس وتجلى الْحق بنوره الكاشف للبس

عَاد بَيت الله الْمُقَدّس إِلَى طَهَارَته ونطق مِنْهُ لِسَان التَّقْدِيس بعبارته وتهلل وَجه السعد بنضارته وخصنا الْقدر فِي إتْمَام أمره بخطابه وإشارته وزادت الْوُجُوه بشرا ببشارته وَقد أعَاد الله إِلَى الْإِسْلَام الْمَسْجِد الْأَقْصَى وملكنا أدناه وأقصاه وأسنى دولتنا بِمَا سناه من فَتحه وهناه وَعَلمُوا أَنهم هالكون وَأَنا لَهُم بالقهر مالكون وَفِي سَبِيل الْقَتْل والأسر والسبي سالكون فَخَرجُوا يطْلبُونَ الْأمان ويبذلون الإذعان حَتَّى يسلمُوا الْمَكَان فَقيل لَهُم الْآن وَقد عصيتم ورضيتم بِمَا فِيهِ هلاكهم وَأَبَيْتُمْ فروعوا بقتل أُسَارَى الْمُسلمين وهم أُلُوف وعرفنا أَنهم لَا يقصرون عَن شَرّ فَإِن جهلهم مَعْرُوف فتضرعوا وتشفعوا وتعفروا فِي تُرَاب الذل ووقعوا وتقرر

ص: 350

عَلَيْهِم مَال اشْتَروا بِهِ أنفسهم فنزعوا بِهِ من الْخَوْف ملبسهم وسلموا الْقُدس فأعدناه إِلَى الْقُدس وطهرناه من الرجس وأجبنا دَعْوَة الصَّخْرَة وغسلنا عَنْهَا وضر الْكفْر بعبرات الْعبْرَة

فتح بَيت الله الْمُقَدّس الَّذِي غلق رَهنه وَطَالَ فِي يَد الْكفْر أسره وسجنه واستهل بغر أيامنا مزنه وأنار يمنه وَعَاد بإحساننا حسنه وَزَالَ بِنَا خَوفه وَزَاد أَمنه وَبَقِي قريب مئة سنة فِي يَد الْكفْر مسجونا وبرجس الشّرك مشحونا حَتَّى أعَاد الله بِنَا رونقه وأذهب قلقه وأعدم فرقه وَهَذَا فتح لم يكن مُنْذُ عصر الصَّحَابَة رضي الله عنهم لَهُ نَظِير وأفق الدّين بِهِ منيف مُنِير وَشرف أيامنا بِهِ كَبِير وَهُوَ إِمَام فتوحنا المدخرة لنا وَمَا لَهَا بتأييد الله تَأْخِير

فتح الْبَيْت الْمُقَدّس الَّذِي لم يخْطر تمنيه بخاطر الْمُلُوك وتوعر على عزائمهم نهج طَرِيقه المسلوك وحالت دونه قنطاريات الفرنج وطوارقها وجنت على الْإِسْلَام فِيهِ حوادث اللَّيَالِي وطوارقها حَتَّى دَعَانَا الله لفتحه فأجبناه ووعدنا بالفوز فأصبناه وأوردنا مشرع صفائه فاستعذبناه وعرفنا طيب عرفه فاستطبناه وَذخر لعصرنا هَذَا الْفَتْح فاستقبلناه

رَأَوْا أَحْجَار المنجنيقات قد أنزلت الأسوار بالأسوار وَغَارَتْ الصخور للصخرة الْمُبَارَكَة فجدت فِي إنقاذها من الأسار وهتمت ثنايا الأبراج وأعضل بهَا فِي علاج دَاء العلاج فعاينوا الْحمام وشاهدوا الْمَوْت الزؤام

ص: 351

أَقَامَت المنجنيقات على حصانته جد الرَّجْم وواقعت ثنايا شرفاته بالهتم وتطايرت الصخور من نصْرَة الصَّخْرَة الْمُبَارَكَة وحجرت على حكم السُّور بِسَفَه الْأَحْجَار المتداركة وحسرت النقوب عَن عروس الْبَلَد نقب الأسوار وانكشفت للعيون انكشاف الْأَسْرَار

نهضت لإصراخ الصَّخْرَة المقدسة الصخور وطارت من أوكار المجانيق كَأَنَّهَا الصقور مَا أسر الْبَيْت الْحَرَام بفكاك أَخِيه من الْأسر وإجراء مَاء الْإِسْلَام فِيهِ لغسل أوضار الْكفْر وإنقاذ الصَّخْرَة الْمُبَارَكَة مِمَّن قُلُوبهم كالحجارة أَو أَشد قسوة وإلحافها من الْبَهَاء والرونق والعز الإسلامي كسْوَة وَلَقَد غسلت من أدران الْكفْر وأدناسه وطهرت من أرجاس أنجاسه بمياه الْعُيُون الَّتِي بهَا قذفت وصقلت بشفاه الْمُؤمنِينَ وطالما بأيدي الْكفْر صديت وأعيد إِلَيْهَا ذكر الله تَعَالَى بعد طول الغربة وتذكرت بِصُحْبَة الاولياء مَا سلف لَهَا فِي عهد الصَّحَابَة رضي الله عنهم من حسن الصُّحْبَة ودنا الْمَسْجِد الْأَقْصَى فأقصي مِنْهُ الساجد للشمس وَسكن الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء فِي مَوَاطِن البطرك والقس وأبدل الناقوس بِالْأَذَانِ بل الْكفْر بِالْإِيمَان وَصلى محراب الْإِسْلَام فِي الْمِحْرَاب الَّذِي أسلم وَقد سنى الله تَعَالَى هَذَا الْفَتْح الْأَعْظَم والنجح الأفخم

وَقد ندب فلَان فِي الرسَالَة القدسية والبشارة العرسية الَّتِي تمّ بهَا ماتم الْكفْر وعرس الْإِسْلَام وَعَاد بهَا الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى مداناة الْمَسْجِد الْحَرَام وتجلت عروس الصَّخْرَة لعيون الناظرين وفاضت عَلَيْهَا مياه أحداق

ص: 352