المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْأَوْلِيَاء فرحضت عَنْهَا أوضار الْكَافرين وَكَانَ الْإِسْلَام مِنْهُ غَرِيبا فَرجع - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٣

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌ فصل

- ‌فصل كَالَّذي قبله فِي حوادث مُتَفَرِّقَة

- ‌فصل فِي عمَارَة حصن بَيت الأحزان ووقعة الهنفري

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا فعل مَعَ الفرنج فِي بَاقِي هَذِه السّنة وَأول الْأُخْرَى ووقعة مرج عُيُون

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي تخريب حصن بَيت الأحزان وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي وَفَاة صَاحب الْموصل

- ‌فصل فِي وَفَاة شمس الدولة بن أَيُّوب أخي السُّلْطَان الْأَكْبَر وقدوم رسل الدِّيوَان بالتفويض إِلَى السُّلْطَان مَا طلبه

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر مرّة ثَانِيَة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر وَفَاة الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين رحمهمَا الله وَمَا تمّ فِي بِلَاده بعده وَذَلِكَ بحلب

- ‌فصل

- ‌فصل فِي أُمُور تتَعَلَّق بولاة الْيمن فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي عود السُّلْطَان من الديار المصرية إِلَى الشَّام

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي مسير السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الْمشرق مرّة ثَانِيَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب

- ‌فصل فِي أَخذ السالكين الْبَحْر لقصد الْحجاز

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي فتح آمد

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح حلب

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد فتح حلب

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى دمشق وَخُرُوجه مِنْهَا للغزاة بمخاضة الْأُرْدُن

- ‌فصل فِي ولَايَة الْملك الْعَادِل حلب وَولَايَة تَقِيّ الدّين مصر وَغير ذَلِك

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل يحتوي على ذكر المفاضلة بَين مصر وَالشَّام والتعريف بِحَال زين الدّين الْوَاعِظ

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌وَدخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِيمَا فعل السُّلْطَان فِي أَمر خلاط وميافارقين وَغَيرهمَا من الْبِلَاد

- ‌فصل فِي انتظام الصُّلْح مَعَ أهل الْموصل وَمرض السُّلْطَان المرضة الْمَشْهُورَة بحران

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة وَمن توفّي فِيهَا من الْأَعْيَان

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر مَا استأنفه السُّلْطَان بِمصْر وَالشَّام من نقل الولايات بَين أَوْلَاده

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح عكا وَغَيرهَا

- ‌فصل فِي فتح نابلس وَجُمْلَة من الْبِلَاد الساحلية بعد فتح عكا وطبرية وَذكر بعض كتب البشائر الشاهدة لذَلِك

- ‌فصل فِي فتح تبنين وصيدا وبيروت وجبيل وَغَيرهَا ومجيء المركيس إِلَى صور

- ‌فصل فِي فتح عسقلان وغزة والداروم وَغَيرهَا

- ‌فتح الْبَيْت الْمُقَدّس شرفه الله تَعَالَى

- ‌فصل

- ‌فصل فِي نزُول السُّلْطَان على الْبَيْت الْمُقَدّس وحصره وَمَا كَانَ من أمره

- ‌فصل فِي ذكر يَوْم الْفَتْح وَبَعض كتب البشائر إِلَى الْبِلَاد

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي صفة إِقَامَة الْجُمُعَة بالأقصى شرفه الله تَعَالَى فِي رَابِع شعْبَان ثامن يَوْم الْفَتْح

- ‌فَصْل

- ‌فصل فِي إِيرَاد مَا خطب بِهِ القَاضِي محيي الدّين رحمه الله

- ‌فصل فِي الْمِنْبَر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي حِصَار صور وَفتح هونين وَغير ذَلِك

- ‌فصل فِي وُرُود رسل التهاني من الْآفَاق وقدوم الرَّسُول العاتب من الْعرَاق

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ

الفصل: الْأَوْلِيَاء فرحضت عَنْهَا أوضار الْكَافرين وَكَانَ الْإِسْلَام مِنْهُ غَرِيبا فَرجع

الْأَوْلِيَاء فرحضت عَنْهَا أوضار الْكَافرين وَكَانَ الْإِسْلَام مِنْهُ غَرِيبا فَرجع إِلَى وَطنه وَسكن مِنْهُ إِلَى التوطن فِي مَسْكَنه وزالت مخاوفه وَعَاد إِلَى مأمنه وفاض الْعرف من منبعه وأنار التَّوْحِيد من مطلعه وَعلا سنا السّنة وحلا جنى الْجنَّة وخلصت مَوَاضِع المخلصين من أَوْلِيَاء الْأمة وَخرج البطاركة والقسيسون من مَسَاجِد الْأَئِمَّة وعادت الْكَنَائِس مدارس وآيات التَّثْلِيث بهَا دوارس ووجوه الْإِيمَان باشرة ووجوه أهل الصَّلِيب عوابس ومحت أيامن هَذِه الْأَيَّام تِلْكَ اللَّيَالِي الدوامس وَقد أُقِيمَت الْجمع وَالْجَمَاعَات ونظفت بل طهرت تِلْكَ الساحات وَصلى فِي محرابه المحرب ودرس فِيهِ الْخلاف وَالْمذهب فَالْحَمْد لله الَّذِي تسنى بفضله هَذَا الْمطلب وتيسر بتأييده الْأَمر الأصعب

‌فصل

قَالَ الْعِمَاد وَكَانَ الْمولى الْأَجَل الْفَاضِل مُتَأَخِّرًا بِدِمَشْق لعَارض من الله بشفائه فَمن جملَة مَا كتب السُّلْطَان إِلَيْهِ أما الْفَتْح فَمن جملَة بَرَكَات همته وآثار جذبات عزمته فَأن الله تَعَالَى سهل مَا سجل أهل الدَّهْر بِأَنَّهُ صَعب وَأهب نسيم النَّصْر إبان يُقَال لَيْسَ لَهُ مهب وخصنا بِهَذَا الشّرف وألحقنا فِي هَذِه الْفَضِيلَة بصالحي السّلف وَقد بدل الْكفْر بِالْإِيمَان والناقوس بِالْأَذَانِ وَجلسَ الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء فِي مجَالِس الرهبان وَفتحت بِهَذَا الْفَتْح من بَيت الله الْمُقَدّس أَبْوَاب الْجنان وتزاحم الخارجون من الْبَلَد

ص: 353

من الفرنج وَالنَّصَارَى فِي دُخُول أَبْوَاب النيرَان وَصلى محَارب الدّين فِي الْمِحْرَاب وَرفع الْمَلَائِكَة مَا كَانَ تكاثف بِأَنْفَاسِ الْكفْر من الْحجاب وغسلت الصَّخْرَة الْمُبَارَكَة من أوضارها بِمَاء الْعُيُون الفائض الْفَائِق غزارة الأمواه وَقبلت بالشفاه وبوشرت بالأفواه وطهرت بِأَهْل الْعلم والحلم من أدناس أهل الْجَهْل والسفاه

وَالْحَمْد لله ثمَّ الْحَمد لله وَمَا كَانَ يعوزنا ويعوزه إِلَّا حُضُور الْمجْلس السَّامِي أسماه الله فَمَا لهَذَا الْأَمر رواء إِلَّا بروائه وَلَا للأنس لِقَاء إِلَّا بأنس لِقَائِه وَكَاد يصحف الْفَتْح لَوْلَا صَالح دُعَائِهِ وَحسن آلائه

وَالْحَمْد لله الَّذِي خصنا بِهَذِهِ الخاصية وفضلنا بالنصرة القدسية وَذخر لنا هَذَا الْبر الَّذِي عجز بل قصر عَنهُ مُلُوك الْبَريَّة

وَالْحَمْد لله على هَذِه النِّعْمَة السّنيَّة فَمَا أشوقنا وأشوق الْقُدس إِلَى قدومه وَمَا أظمأنا وأظمأه إِلَى خُصُوص الرّيّ بِهِ وعمومه وَيَا حَظّ هَذَا الْبَيْت الَّذِي هُوَ أَخُو الْبَيْت الْحَرَام من زيارته وَمَا آنق روضه وأوفق رِضَاهُ إِذا فَازَ بنظره ونضارته وَنحن نَعْرِف أَن همته الْعَالِيَة تحدوه وَأَن دينه إِلَى إِجَابَة دَعوته تَدعُوهُ ونسأل الله تَعَالَى أَن يكمل صِحَّته وينعش نهضته وَيُقَوِّي قوته وَمَا أَقَمْنَا بِهَذَا الْبَلَد إِلَّا لتطهيره وترتيب أمره وتدبيره

وَمن كتب أخر نصرنَا الله بملائكته المسومين وأوليائه الْمُؤمنِينَ واستخلصنا بتأييده الْبِلَاد وانتزعناها واقتضضناها بالبيض الذُّكُور من الْحَرْب

ص: 354

الْعوَان أبكار الْفتُوح وافترعناها وَهَذِه موهبة مذهبَة ومنقبة لَا تبلغ إِلَى وصفهَا بلاغة موجزة وَلَا مسهبة ونوبة مَا لِلْإِسْلَامِ بعْدهَا نبوة وحظوة فِي مذاق أهل التَّقْوَى وَالْمَغْفِرَة حلوة وبشرى تجلو الْوُجُوه ببشرها وتضوع مهاب المحاب بنشرها ويغرق أهل الشرق والغرب سِجَال غربها وتقر عين الْمُؤمنِينَ فِي الْبعد والقرب بأنوار قربهَا

عَاد التَّقْدِيس إِلَى الأَرْض الَّتِي بِهِ وصفت وأحاطت الْبركَة بالبقعة الَّتِي بقوله تَعَالَى {باركنا حوله} عرفت وَظَهَرت الصَّخْرَة المقدسة وطهرت وزهيت أيامن هَذِه الْأَيَّام وزهرت وقمعت الطَّائِفَة الباغية من أهل التَّثْلِيث بِأَهْل التَّوْحِيد وقهرت واستبشر الْمِحْرَاب والمنبر بخطبته وإمامه وافتخر الزَّمَان بعصر مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأيامه وَقد تملكنا الْبِلَاد الساحلية وتسلمناها حصنا حصنا ونقضنا من الْكفْر ركنا ركنا وأجلينا الْكفَّار مِنْهَا فاجتلينا بهَا من الْحسنى حسنا

فتح شرف الله بِهِ هَذِه الْأمة وجلا بِهِ الْغُمَّة وكشف الملمة بل شرفنا بفخره وأعدنا لذخره وخصنا بفضيلته فِي عصره وأجرى لنا مَا كَانَ قد أَبْطَأَ من عَادَة نَصره وقمع بِأَهْل دينه من عساكرنا أهل كفره وَقَامَت بواترنا بوتره وغرق الْبِلَاد الساحلية من دم الْكفْر ببحره وأصرخت الصَّخْرَة وحفت بهَا النُّصْرَة وزالت عَنْهَا الْمضرَّة وعادت إِلَيْهَا المبرة ونعشت مِنْهَا العثرة وفاضت لَهَا من عين الْمُؤمنِينَ الْعبْرَة وزفت عروسها الْبكر مُحصنَة

ص: 355

لم تقتض مِنْهَا الْعذرَة وحالت العرة ولاحت الْغرَّة وَظَهَرت من صدف قبتها الدرة وصوفحت آثَار الْقدَم النَّبَوِيَّة بِالْإِيمَان وجددت بعهدها صَفْقَة الْإِيمَان وَبَطل الناقوس بِحَق الْأَذَان وَفتحت أَبْوَاب الْجنان لأَهْلهَا وَأخرج مِنْهَا أهل النيرَان وَالْحَمْد لله على هَذَا الْإِحْسَان حمدا مستمرا على مر الزَّمَان

وَمن كتاب إِلَى سيف الْإِسْلَام بِالْيمن فتح بَيت الله الْمُقَدّس الَّذِي غلق نيفا وَتِسْعين سنة مَعَ الْكفْر رَهنه وَطَالَ فِي أسره سجنه واستحكم وهنه وَقَوي نكره وَضعف رُكْنه وَزَاد حزنه وَزَالَ حسنه وأجدبت من الْهدى أرضه وأخلف مزنه وواصله خَوفه وفارقه أَمنه واشتغل خاطر الْإِسْلَام بِسَبَبِهِ وساء ظَنّه وَذكر فِيهِ الْوَاحِد الْأَحَد الَّذِي تَعَالَى عَن الْوَلَد أَن الْمَسِيح ابْنه وَربع فِيهِ التَّثْلِيث فعز صليبه وصلبه وأفرد عَنهُ التَّوْحِيد فكاد يهي مَتنه ودرج الْمُلُوك المتقدمون على تمني استنقاذه فَأبى الشَّيْطَان غير استيلائه واستحواذه وَكَانَ فِي الْغَيْب الإلهي أَن معاده فِي الْآخِرَة إِلَى معاذه وطنت أوطانه وبقراءة الْقُرْآن وَرِوَايَة الحَدِيث وَذكر الدُّرُوس وجليت الصَّخْرَة المقدسة جلوة الْعَرُوس وزارها شهر رَمَضَان مضيفا لَهَا نَهَار صَومهَا بالتسبيح وليل فطرها بالتراويح

وَمن كتب أخر الْبَيْت الْمُقَدّس صَار مقدسا وَأصْبح لِلْإِسْلَامِ معرسا وَرجع أهل التَّقْوَى إِلَيْهِ فقد كَانَ بهَا مؤسسا وخرس الجرس وَذهب الدنس وَبَطل الناقوس وَخرج القسوس وَزَالَ الْأَذَى بِالْأَذَانِ وصوفحت الصَّخْرَة المقدسة بأيمان أهل الْإِيمَان وَمَا صلت فِي محراب الْبَيْت الْمُقَدّس

ص: 356

التقاة حَتَّى صلت فِي محاريب رِقَاب الْكفْر المشرفيات وَمَا تمّ الرضى بِفَتْح الْمَسْجِد الْأَقْصَى حَتَّى أقصي مِنْهُ من أقصاه الله عَن رِضَاهُ وَمَا تبوأ الْمُسلم الْمُصَلِّي فِيهِ مثواه من الْجنَّة حَتَّى تبوأ الْكَافِر الْمصلى بالنَّار مثواه

صوفح مَوضِع الْقدَم الْمُبَارَكَة لَيْلَة الْمِعْرَاج بِالْأَيْدِي وَقَالَ لأولياء الله أهل الْإِخْلَاص أَهلا بكم فَمَا أحسن الْخَلَاص من ولَايَة أهل التَّعَدِّي وَعَاد الْمَسْجِد الْأَقْصَى للمصلين المقربين جنَّة ومنارا بعد أَن كَانَ للمقصين المضلين نَارا ودارا وتسلم محرب الْإِسْلَام محرابه وأصبحت لألافه لما ألفى أَصْحَابه وترنح الْمِنْبَر لترنم الْخَطِيب وانجبر الدّين بانكسار صلب عَابِد الصَّلِيب السليب

خلا باله من أَمر الْقُدس بإعادته إِلَى قدسه وإخلائه من رجز الشّرك ورجسه وإجلاء داويه واسيتاره وبطركه وقسه وتعويضه من وَحْشَة الضَّلَالَة من الْهدى بأنسه ورد الْإِسْلَام الْغَرِيب إِلَى بَيته الْمُقَدّس وَنفي الْكَافِر مِنْهُ كاسف البال راغم المعطس وَنصب الْمِنْبَر بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لإِقَامَة الْخطْبَة الإمامية وَرفع مَا رفع قدره من الْأَعْلَام العباسية والإفراج عَن محرابه بهدم مَا بني دونه من مباني الشّرك وكشف أَسْتَار الْكَفَرَة الَّتِي حجبت بالهتك والفتك وَإِقَامَة الْجمع فِيهِ وَالْجَمَاعَات وإدامة أوراد الْعِبَادَات بِهِ ووظائف الطَّاعَات وَغسل الصَّخْرَة المقدسة بِدَم الْكَافِر ودمع الْمُؤمن وَنزع لِبَاس بَأْس الْمُسِيء عَنْهَا بإفاضة ثوب ثَوَاب المحسن وتنزيه تِلْكَ الْجنَّة من دنس أهل النَّار وإعلاء مَا كَانَ درس من معالم الْأَبْرَار ومطالع الْأَنْوَار

ص: 357

وَقد رَجَعَ الْإِسْلَام الْغَرِيب مِنْهُ إِلَى دَاره وَخرج قمر الْهدى بِهِ من سراره وَذَهَبت ظلم الضَّلَالَة بأنواره وعادت الأَرْض المقدسة إِلَى مَا كَانَت مَوْصُوفَة بِهِ من التَّقْدِيس وَأمنت المخاوف فِيهَا وَبهَا فَصَارَت صباح السرى ومناخ التَّعْرِيس وَقد اقصي عَن الْمَسْجِد الْأَقْصَى الأقصون من الله الأبعدون وتوافى إِلَيْهِ المصطفون الأقربون وَالْمَلَائِكَة المقربون وخرس الناقوس بزجل المسبحين وَخرج المفسدون بِدُخُول المصلحين وَقَالَ الْمِحْرَاب لأَهله مرْحَبًا وَأهلا وَشَمل جمَاعَة الْمُسلمين من إِقَامَة الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة مَا جمع لِلْإِسْلَامِ فِيهِ شملا وَرفعت الْأَعْلَام العباسية على منبره فَأخذت من بره أوفى نصيب وتلت بألسنة عذبها {نصر من الله وَفتح قريب} وغسلت الصَّخْرَة الْمُبَارَكَة بدموع الْمُتَّقِينَ من دنس الْمُشْركين وَبعد أهل الْأَحَد من قربهَا بِقرب الْمُوَحِّدين فَذكر بهَا مَا كَاد ينسى من عهد الْمِعْرَاج النَّبَوِيّ وأقامت بدلائلها براهين الإعجاز المحمدي

عَاد الْإِسْلَام بِإِسْلَام الْبَيْت الْمُقَدّس إِلَى تقديسه وَرجع بُنْيَانه من التَّقْوَى إِلَى تأسيسة وَزَالَ ناموس ناقوسه وَبَطل بِنَصّ النَّصْر قِيَاس قسيسه وَفتح بَاب الرَّحْمَة لأَهْلهَا وَدخلت فِيهِ الصَّخْرَة لفضلها وباشرت الْحَيَاة بهَا مَوَاضِع سجودها وصافحت أَيدي الْأَوْلِيَاء آثَار الْقدَم النَّبَوِيَّة بتجديد عهودها وَشهد مقَام الْمِعْرَاج وموطئ براقه ورؤيء نور الْإِسْلَام ومطلع إشراقه ودنا الْمَسْجِد الْأَقْصَى للراكع والساجد وامتلأ ذَلِك الفضاء بالأتقياء الأماجد

ص: 358

وَمن كتاب فاضلي إِلَى بَغْدَاد تقلص ظلّ الْكَافِر الْمَبْسُوط وَصدق الله أهل دينه فَلَمَّا وَقع الشَّرْط وَقع الْمَشْرُوط وَجَاء أَمر الله وأنوف أهل الشّرك راغمة وأدلجت السيوف والآجال نَائِمَة واسترد الْمُسلمُونَ تراثا كَانَ عَنْهُم آبقا وظفروا يقظة بِمَا لم يصدقُوا أَنهم يظفرون بِهِ طيفا على النأي طَارِقًا

وَمِنْه فِي وصف نقب السُّور فأخلي السُّور من السيارة وَالْحَرب من النظارة وَأمكن النقاب أَن يسفر للحرب النقاب وَأَن يُعِيد الْحجر إِلَى سيرته من التُّرَاب فَتقدم إِلَى الصخر فمضغ سرده بأنياب معوله وَحل عقده بضربه الأخرق الدَّال على لطافة أنمله وأسمع الصَّخْرَة الشَّرِيفَة حنينه فاستغاثته إِلَى أَن كَادَت ترق لمقتله وتبرأ بعض الْحِجَارَة من بعض وَأخذ الخراب عَلَيْهَا موثقًا فَلَنْ يبرح الأَرْض

ثمَّ قَالَ واستقرت على الْأَعْلَى أَقْدَامهم وخفقت على الْأَقْصَى أعلامهم وتلاقت على الصَّخْرَة قبلهم وشفيت بهَا وَإِن كَانَت صَخْرَة كَمَا يشفى بِالْمَاءِ غللهم وَملك الْإِسْلَام خطة كَانَ عَهده بهَا دمنة سكان فخدمها الْكفْر إِلَى أَن صَارَت رَوْضَة جنان لَا جرم أَن الله أخرجهم مِنْهَا وأهبطهم وأرضى أهل الْحق وأسخطهم وأوعز الْخَادِم برد الْأَقْصَى إِلَى عَهده الْمَعْهُود وَأقَام لَهُ من الْأَئِمَّة من يُوفيه ورده المورود وأقيمت الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة رَابِع شعْبَان فَكَادَتْ السَّمَوَات للسجوم يتفطرن وَالْكَوَاكِب مِنْهَا للطرب ينتثرن وَرفعت إِلَى الله كلمة التَّوْحِيد وَكَانَت طريقها مسدودة وطهرت قُبُور الْأَنْبِيَاء وَكَانَت بالنجاسات مكدودة وأقيمت الْخمس وَكَانَ

ص: 359

التَّثْلِيث يقعدها وجهرت الألسن بِاللَّه أكبر وَكَانَ سحر الْكفْر يعقدها وجهر باسم أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي وَطنه الْأَشْرَف من الْمِنْبَر فَرَحَّبَ بِهِ ترحيب من بر بِمن بر وخفق علماه فِي حفافيه فَلَو طَار سُرُورًا لطار بجناحيه

وَكَانَ الْخَادِم لَا يسْعَى سَعْيه إِلَّا لهَذِهِ الْعُظْمَى وَلَا يقاسي تِلْكَ البؤسى إِلَّا رَجَاء هَذِه النعمى وَلَا يحارب من يستظلمه إِلَّا لتَكون الْكَلِمَة مَجْمُوعَة فَتكون كلمة الله هِيَ الْعليا وليفوز بجوهر الْآخِرَة لَا بِالْعرضِ الْأَدْنَى من الدُّنْيَا وَكَانَت الألسن رُبمَا سلقته فأنضج قلوبها بالأحتقار وَكَانَت الخواطر رُبمَا رُبمَا غلت عَلَيْهِ مراجلها فأطفأها بِالِاحْتِمَالِ والاصطبار وَمن طلب خطيرا خاطر وَمن رام صَفْقَة رابحة جاسر وَمن سما لِأَن يجلي غمرة غامر

وَوصف فِيهِ يَوْم حطين فَقَالَ وَكَانَ الْيَوْم مشهودا وَكَانَت الْمَلَائِكَة لَهُ شُهُودًا وَكَانَ الصَّلِيب صَارِخًا وَكَانَ الْإِسْلَام مولودا وَأسر الْملك وَبِيَدِهِ أوثق وثائقه وآكد وَصله بِالدّينِ وعلائقه وَهُوَ صَلِيب الصلبوت وقائد أهل الجبروت مَا دهموا قطّ بِأَمْر إِلَّا وَقَامَ بَين دهمائهم يحرضهم يبسط لَهُم بَاعه وَكَانَ مد الْيَدَيْنِ فِي هَذِه الدفعة وداعه لَا جرم أَنه يتهافت على ناره فراشهم ويجتمع فِي ظلّ ظلامه خشاشهم ويقاتلون تَحت ذَلِك الصَّلِيب أَصْلَب قتال وأصدقه ويرونه ميثاقا يبنون عَلَيْهِ أَشد عقد وأوثقه ويعدونه سورا تحفر حوافر الْخَيل خندقه وَلم يفلت مِنْهُم مَعْرُوف إِلَّا القومص وَكَانَ لَعنه الله مَلِيًّا يَوْم الظفر بِالْقِتَالِ ومليا يَوْم الخذلان بالاحتيال فنجا وَلَكِن كَيفَ وطار خوفًا من أَن يلْحقهُ منسر الرمْح وَجَنَاح

ص: 360