المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في ذكر وفاة الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين رحمهما الله وما تم في بلاده بعده وذلك بحلب - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٣

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌ فصل

- ‌فصل كَالَّذي قبله فِي حوادث مُتَفَرِّقَة

- ‌فصل فِي عمَارَة حصن بَيت الأحزان ووقعة الهنفري

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا فعل مَعَ الفرنج فِي بَاقِي هَذِه السّنة وَأول الْأُخْرَى ووقعة مرج عُيُون

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي تخريب حصن بَيت الأحزان وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي وَفَاة صَاحب الْموصل

- ‌فصل فِي وَفَاة شمس الدولة بن أَيُّوب أخي السُّلْطَان الْأَكْبَر وقدوم رسل الدِّيوَان بالتفويض إِلَى السُّلْطَان مَا طلبه

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر مرّة ثَانِيَة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر وَفَاة الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين رحمهمَا الله وَمَا تمّ فِي بِلَاده بعده وَذَلِكَ بحلب

- ‌فصل

- ‌فصل فِي أُمُور تتَعَلَّق بولاة الْيمن فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي عود السُّلْطَان من الديار المصرية إِلَى الشَّام

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي مسير السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الْمشرق مرّة ثَانِيَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب

- ‌فصل فِي أَخذ السالكين الْبَحْر لقصد الْحجاز

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي فتح آمد

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح حلب

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد فتح حلب

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى دمشق وَخُرُوجه مِنْهَا للغزاة بمخاضة الْأُرْدُن

- ‌فصل فِي ولَايَة الْملك الْعَادِل حلب وَولَايَة تَقِيّ الدّين مصر وَغير ذَلِك

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل يحتوي على ذكر المفاضلة بَين مصر وَالشَّام والتعريف بِحَال زين الدّين الْوَاعِظ

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌وَدخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِيمَا فعل السُّلْطَان فِي أَمر خلاط وميافارقين وَغَيرهمَا من الْبِلَاد

- ‌فصل فِي انتظام الصُّلْح مَعَ أهل الْموصل وَمرض السُّلْطَان المرضة الْمَشْهُورَة بحران

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة وَمن توفّي فِيهَا من الْأَعْيَان

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر مَا استأنفه السُّلْطَان بِمصْر وَالشَّام من نقل الولايات بَين أَوْلَاده

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح عكا وَغَيرهَا

- ‌فصل فِي فتح نابلس وَجُمْلَة من الْبِلَاد الساحلية بعد فتح عكا وطبرية وَذكر بعض كتب البشائر الشاهدة لذَلِك

- ‌فصل فِي فتح تبنين وصيدا وبيروت وجبيل وَغَيرهَا ومجيء المركيس إِلَى صور

- ‌فصل فِي فتح عسقلان وغزة والداروم وَغَيرهَا

- ‌فتح الْبَيْت الْمُقَدّس شرفه الله تَعَالَى

- ‌فصل

- ‌فصل فِي نزُول السُّلْطَان على الْبَيْت الْمُقَدّس وحصره وَمَا كَانَ من أمره

- ‌فصل فِي ذكر يَوْم الْفَتْح وَبَعض كتب البشائر إِلَى الْبِلَاد

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي صفة إِقَامَة الْجُمُعَة بالأقصى شرفه الله تَعَالَى فِي رَابِع شعْبَان ثامن يَوْم الْفَتْح

- ‌فَصْل

- ‌فصل فِي إِيرَاد مَا خطب بِهِ القَاضِي محيي الدّين رحمه الله

- ‌فصل فِي الْمِنْبَر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي حِصَار صور وَفتح هونين وَغير ذَلِك

- ‌فصل فِي وُرُود رسل التهاني من الْآفَاق وقدوم الرَّسُول العاتب من الْعرَاق

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ

الفصل: ‌فصل في ذكر وفاة الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين رحمهما الله وما تم في بلاده بعده وذلك بحلب

‌فصل فِي ذكر وَفَاة الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين رحمهمَا الله وَمَا تمّ فِي بِلَاده بعده وَذَلِكَ بحلب

قَالَ ابْن شَدَّاد وَكَانَ مَرضه بالقولنج وَكَانَ أول مَرضه فِي تَاسِع رَجَب وَفِي الثَّالِث وَالْعِشْرين مِنْهُ أغلق بَاب قلعة حلب لشدَّة مَرضه واستدعى الْأُمَرَاء وَاحِدًا وَاحِدًا واستحلفوا لعز الدّين صَاحب الْموصل

وَفِي الْخَامِس وَالْعِشْرين مِنْهُ توفّي رحمه الله وَكَانَ لمَوْته وَقع عَظِيم فِي قُلُوب النَّاس

وَقَالَ ابْن أبي طي كَانَ سَبَب مَوته أَن علم الدّين سُلَيْمَان بن جندر سقَاهُ سما فِي عنقود عِنَب وَهُوَ فِي الصَّيْد

وَقيل الَّذِي سقَاهُ ياقوت الْأَسدي فِي شراب

وَقيل إِنَّه أطْعمهُ خشكنانكه وَهُوَ فِي الصَّيْد

قَالَ وَدفن بالْمقَام الْكَبِير الَّذِي فِي القلعة وحزن النَّاس لَهُ حزنا عَظِيما وَكَانَ من أحسن النَّاس صُورَة وألبقهم أعطافا

قلت وَبَلغنِي أَنه كَانَ يُقَال إِن موت الْملك الصَّالح صَغِيرا كَانَ من

ص: 75

كرامات نور الدّين رحمه الله فَإِنَّهُ سَأَلَ الله تَعَالَى أَلا يعذب شَيْئا من أَجْزَائِهِ بالنَّار وَولده جزؤه فَمَاتَ قبل أَن يطول عمره على أحسن سيرة وَحَالَة رحمهمَا الله

قَالَ ابْن الْأَثِير وَلم يبلغ عشْرين سنة وَلما اشْتَدَّ مَرضه وصف لَهُ الْأَطِبَّاء شرب الْخمر تداويا بهَا فَقَالَ لَا أفعل حَتَّى استفتي الْفُقَهَاء

وَكَانَ عِنْده عَلَاء الدّين الكاساني الْفَقِيه الْحَنَفِيّ بِمَنْزِلَة كَبِيرَة يعْتَقد فِيهِ اعتقادا حسنا ويكرمه فاستفتاه فأفتاه بِجَوَاز شربهَا

فَقَالَ لَهُ يَا عَلَاء الدّين إِن كَانَ الله سبحانه وتعالى قد قرب أَجلي هَل يُؤَخِّرهُ شرب الْخمر قَالَ لَا وَالله

قَالَ وَالله لَا لقِيت الله تَعَالَى وَقد اسْتعْملت مَا حرمه عَليّ

قلت يحْتَمل أَنه ذكر لَهُ أَن من الْعلمَاء من ذهب إِلَى جَوَاز ذَلِك لَا أَنه كَانَ يرى ذَلِك فَإِن مذْهبه بِخِلَافِهِ وَالله أعلم

ص: 76

ثمَّ قَالَ ابْن الْأَثِير فَلَمَّا أيس من نَفسه أحضر الْأُمَرَاء كلهم وَسَائِر الأجناد واستحلفهم لِابْنِ عَمه أتابك عز الدّين وَأمرهمْ بِتَسْلِيم مَمْلَكَته جَمِيعهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ بَعضهم إِن ابْن عمك عز الدّين لَهُ الْموصل وَغَيرهَا من الْبِلَاد من همذان إِلَى الْفُرَات فَلَو أوصيت بحلب لِابْنِ عمك عماد الدّين لَكَانَ أحسن ثمَّ هُوَ تربية والدك وَزوج أختك وَهُوَ أَيْضا عديم الْمثل فِي الشجَاعَة وَالْعقل وَالتَّدْبِير وَشرف الأعراق وطهارة الْأَخْلَاق والخلال الَّتِي تفرد بهَا

فَقَالَ إِن هَذَا لم يغب عني وَلَكِن قد علمْتُم تغلب صَلَاح الدّين على عَامَّة بِلَاد الشَّام سوى مَا بيَدي وَمَعِي فَإِن سلمت حلب إِلَى عماد الدّين يعجز عَن حفظهَا من صَلَاح الدّين وَإِن ملكهَا صَلَاح الدّين فَلَا يبْقى لأهلنا مَعَه مقَام وَإِذا سلمتها إِلَى عز الدّين أمكنه أَن يحفظها لِكَثْرَة عساكره وبلاده وأمواله

فَاسْتحْسن الْحَاضِرُونَ قَوْله وَعَلمُوا صِحَّته وعجبوا من جودة رَأْيه مَعَ شدَّة مَرضه وَمن أشبه أَبَاهُ فَمَا ظلم

فَلَمَّا توفّي أرسل دزدار حلب وَهُوَ شاذبخت وَسَائِر الْأُمَرَاء إِلَى أتابك عز الدّين يَدعُونَهُ إِلَى حلب ليسلموها إِلَيْهِ فورد الْخَبَر وَمُجاهد الدّين قايماز قد سَار إِلَى ماردين لمهم عرض فلقي القاصدين عِنْدهَا فأخبروه الْخَبَر فَسَار إِلَى الْفُرَات وَأرْسل إِلَى أتابك عز الدّين يعرفهُ الْحَال وَيُشِير بتعجيل الْحَرَكَة وَأقَام

ص: 77

على الْفُرَات ينتظره وَسَار أتابك مجدا فَلَمَّا وصل إِلَى الْمنزلَة الَّتِي بهَا مُجَاهِد الدّين أَقَامَ مَعَه وَأرْسل إِلَى حلب يستحضر الْأُمَرَاء فَحَضَرُوا كلهم عِنْده وجددوا الْيَمين لَهُ فَسَار حِينَئِذٍ إِلَى حلب ودخلها وَكَانَ يَوْمًا مشهودا

وَلما عبر الْفُرَات كَانَ تَقِيّ الدّين عمر بن أخي صَلَاح الدّين بِمَدِينَة منبج فَسَار عَنْهَا هَارِبا إِلَى مَدِينَة حماة وثار أهل حماة وَنَادَوْا بشعار أتابك

وَكَانَ صَلَاح الدّين بِمصْر فَأَشَارَ عَسْكَر حلب على عز الدّين بِقصد دمشق وأطمعوه فِيهَا وَفِي غَيرهَا من الْبِلَاد الشامية وأعلموه محبَّة أَهلهَا للبيت الأتابكي فَلم يفعل وَقَالَ بَيْننَا يَمِين فَلَا نغدر بِهِ

وَأقَام بحلب عدَّة شهور ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى الرقة فَأَقَامَ بهَا وجاءته رسل أَخِيه عماد الدّين يطْلب مِنْهُ أَن يسلم إِلَيْهِ حلب وَيَأْخُذ عوضهَا \ مَدِينَة سنجار فَلم يجبهُ إِلَى ذَلِك ولج عماد الدّين وَقَالَ إِن سلمتم إِلَيّ حلب وَإِلَّا سلمت أَنا سنجار إِلَى صَلَاح الدّين فَأَشَارَ حِينَئِذٍ الْجَمَاعَة بتسليمها إِلَيْهِ وَكَانَ أَكْثَرهم فِي ذَلِك مُجَاهِد الدّين قايماز فَإِنَّهُ لج فِي تَسْلِيمهَا إِلَى عماد الدّين وَلم يُمكن أتابك عز الدّين مُخَالفَته لتمكنه فِي الدولة وَكَثْرَة عساكره وبلاده فوافقه وَهُوَ كَارِه فَسلم حلب إِلَى أَخِيه وتسلم سنجار وَعَاد إِلَى الْموصل

وَكَانَ صَلَاح الدّين بِمصْر وَقد أيس من الْعود إِلَى الشَّام فَلَمَّا بلغه ذَلِك برز عَن الْقَاهِرَة إِلَى الشَّام فَلَمَّا سمع أتابك عز الدّين بوصول

ص: 78

صَلَاح الدّين إِلَى الشَّام جمع عساكره وَسَار عَن الْموصل خوفًا على حلب من صَلَاح الدّين

فاتفق أَن بعض الْأُمَرَاء الأكابر مَال إِلَى صَلَاح الدّين وَعبر الْفُرَات إِلَيْهِ فَلَمَّا رأى أتابك ذَلِك لم يَثِق بعده إِلَى أحد من أمرائه إِذْ كَانَ ذَلِك الْأَمِير أوثقهم فِي نَفسه فَعَاد إِلَى الْموصل

وَعبر صَلَاح الدّين الْفُرَات وَملك الْبِلَاد الجزرية ونازل الْموصل فَلم يتَمَكَّن من النُّزُول عَلَيْهَا وَعَاد إِلَى حلب وحصرها فسلمها عماد الدّين إِلَيْهِ وَسبب ذَلِك أَن عز الدّين لما تسلم حلب لم يتْرك فِي خزائنها من السِّلَاح وَالْأَمْوَال شَيْئا إِلَّا نَقله إِلَى الْموصل وتسلمها عماد الدّين وَهِي كَمَا يُقَال بطن حمَار فَهُوَ كَانَ السَّبَب فِي تَسْلِيمهَا لصلاح الدّين وَأخذ عوضهَا سنجار والخابور ونصيبين وسروج والرقة وَغير ذَلِك

قَالَ ابْن شَدَّاد وَلما توفّي الْملك الصَّالح سارعوا إِلَى إِعْلَام عز الدّين مَسْعُود بن قطب الدّين بذلك وَبِمَا جرى لَهُ من الْوَصِيَّة إِلَيْهِ وتحليف النَّاس لَهُ فسارع سائرا إِلَى حلب مبادرا خوفًا من السُّلْطَان فَكَانَ أول قادم من أمرائه إِلَى حلب مظفر الدّين بن زين الدّين وَصَاحب سروج وَوصل مَعَهُمَا من حلف جَمِيع الْأُمَرَاء لَهُ وَكَانَ وصولهم فِي ثَالِث شعْبَان

ص: 79

وَفِي الْعشْرين مِنْهُ وصل عز الدّين إِلَى حلب وَصعد القلعة وَاسْتولى على خزائنها وذخائرها وَتزَوج أم الْملك الصَّالح فِي خَامِس شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة

ثمَّ أَقَامَ عز الدّين بقلعة حلب إِلَى سادس عشر شَوَّال وَعلم أَنه لَا يُمكنهُ حفظ الشَّام مَعَ الْموصل لِحَاجَتِهِ إِلَى مُلَازمَة الشَّام لأجل السُّلْطَان وألح عَلَيْهِ الْأُمَرَاء فِي طلب الزِّيَادَات وَرَأَوا أنفسهم أَنهم قد اختاروه وضاق عطنه

وَكَانَ صَاحب أمره مُجَاهِد الدّين قايماز وَكَانَ ضيق العطن لم يعْتد مقاساة أُمَرَاء الشَّام فَرَحل من حلب طَالب الرقة وَخَلفه وَلَده ومظفر الدّين بن زين الدّين بهَا فَأتى الرقة ولقيه أَخُوهُ عماد الدّين عَن قَرَار بَينهمَا وَاسْتقر مقايضة حلب بسنجار وَحلف عز الدّين لِأَخِيهِ عماد الدّين على ذَلِك فِي حادي عشر شَوَّال وَسَار من جَانب عماد الدّين من تسلم حلب وَمن جَانب عز الدّين من تسلم سنجار وَفِي ثَالِث عشر الْمحرم سنة ثَمَان وَسبعين صعد عماد الدّين قلعة حلب

قلت ووقفت على كتاب فاضليّ عَن السُّلْطَان إِلَى عز الدّين

ص: 80

فرخشاه وَهُوَ نَائِبه دمشق وقفنا على كِتَابه وَعلمنَا مَا تجدّد من الْخَبَر بِمَرَض الْملك الصَّالح واشتداد حَاله وَانْقِطَاع الدَّاخِل عَلَيْهِ

ثمَّ أَشَارَ بتنفيذ عَسْكَر إِلَى جِهَة أَخِيه تَقِيّ الدّين على إِظْهَار قَاعِدَة النّظر فِي الْقَضِيَّة يالحادثة بَين أهل ديار بكر وَابْن قرا أرسلان والتوجه لفصلها قَالَ فَيكون ظَاهر حَرَكَة الْعَسْكَر لهَذَا السَّبَب الْمُتَقَدّم وباطنها لهَذَا السَّبَب الْمُتَأَخر

وَقد كُوتِبَ الْوَلَد تَقِيّ الدّين أَن يتَوَجَّه إِلَى منبج على الظَّاهِر وَالْبَاطِن الْمَذْكُورين وَأَن يحفظ الْمَغَازِي ويرابط الْفُرَات وَيمْنَع المعابر وَلنَا بالس وقلعة جعبر ومنبج وتل بَاشر وَهِي جُمْهُور الطّرق بل كلهَا وَقد أوعزنا إِلَى تَقِيّ الدّين بِأَن يكون حمام حماة فِي حلب وحمام دمشق فِي حماة

وَإِلَى الْأَجَل نَاصِر الدّين بِأَن يكون حمام دمشق فِي حمص وحمام حمص فِي حلب

وولدنا عز الدّين يُؤمر بِأَن يكون حمام بصرى فِي دمشق

وَقد بعثنَا نجابين يكونُونَ منبجين ببصرى فَإِن تحققت الْوَفَاة فَنحْن أسبق إأليكم من الْجَواب قولا وفعلا ووعدا ونجحا فالعلة مزاحة والعساكر مستريحة وَالظّهْر قد استعد والمصلحة فِي الْحَرَكَة ظَاهِرَة وحجج انتقاد المنتقدين فِي هَذِه الْقَضِيَّة سَاقِطَة

وَقَالَ الْعِمَاد كَانَ قصد السُّلْطَان إصْلَاح حَال الْملك الصَّالح وَأَنه الْقَائِم مقَام أَبِيه فصده عَنهُ مماليكه فَأخذت بِلَاده بلجاجهم ومرضت دولته لسوء علاجهم فَامْتنعَ بحلب إِلَى أَن توفّي

وَوصل ابْن عَمه عز الدّين

ص: 81

مَسْعُود صَاحب الْموصل إِلَى حلب فَجمع ظَاهره وباطنه وَأخذ خزائنه واستخرج دفائنه وأخلى كنائنه ثمَّ إِنَّه عرف أَنه لَا يسْتَقرّ لَهُ بهَا أَمر فَرغب أَخَاهُ عماد الدّين تزنكي صَاحب سنجار فِي تعويضها لَهُ بحلب فَمَال إِلَى بذله وَرغب

وَلما سمع السُّلْطَان فِي مصر بوفاة الْملك الصَّالح تحرّك عزمه وَنَدم على النزوح من الشَّام مَعَ قرب هَذَا المرام فَكتب إِلَى ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين وَهُوَ يتَوَلَّى لَهُ المعرة وحماة وَأمره بالتأهب والنهوض وَكَذَلِكَ شحذ عزائم نوابه بِالشَّام بتجديد المكاتبات لَهُم وبعثهم على الاستعداد وَحَملهمْ

وَكَانَ نَائِبه بِدِمَشْق ابْن أَخِيه عز الدّين مزخشاه قد نَهَضَ فِي مُقَابلَة الفرنج بالكرك فَإِن الإبرنس الكركي كَانَ يحدث نَفسه بِقصد تيماء فِي الْبَريَّة فَمَا زَالَ فرخشاه فِي مُقَابلَته حَتَّى نكص اللعين على عَقِبَيْهِ ذليلا وَلم يجد إِلَى مَا حدثته بِهِ نَفسه سَبِيلا فَعرف السُّلْطَان اشْتِغَاله بِهَذَا المهم

فَكتب كتابا بشرح الْحَال إِلَى بَغْدَاد بِاللَّفْظِ الْعِمَادِيّ يَقُول فِيهِ وشاع الْخَبَر بغارة فرنج أنطاكية على حارم وَأتوا من السَّبي والنهب بالعظائم وشاع أَيْضا أَن عَسْكَر حلب أغار على الراوندان وَهِي فِي عَملنَا ورسولهم عِنْد الفرنج يستنجد بهم ويغريهم بِنَا وَقد راسلوا الحشيشية وَالْمرَاد من الرسَالَة

ص: 82

غير خَافَ وَالْعلم بالمعتاد مِنْهُ كَاف

وَابْن أخينا غَائِب فِي أقْصَى بِلَاد الفرنج فِي أول بَريَّة الْحجاز فَإِن طاغية مِنْهُم جمع خيله وَرجله وحدثته نَفسه الخبيثة بِقصد تيماء وَهِي دهليز الْمَدِينَة على ساكنها السَّلَام واغتنم كَون الْبَريَّة معشبة مخصبة فِي هَذَا الْعَام

وَالْعجب أَنا نحامي عَن قبر النَّبِي صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه مشتغلين بمهمه وَالْمَذْكُور يَعْنِي صَاحب الْموصل يُنَازع فِي ولَايَة هِيَ لنا ليأخذها بيد ظلمه وَكم بَين من يحارب الْكفْر وَيحمل إِلَيْهِم قواصم الْآجَال وَبَين من يتخذهم بطانة دون الْمُؤمنِينَ وَيحمل إِلَيْهِم كرائم الْأَمْوَال

هَذَا مَعَ مَا نعد فِي الْملَّة الحنيفية والدولة الهادية العباسية من آثَار لَا يعد مثلهَا أَولا لأبي مُسلم لِأَنَّهُ أقدم ثمَّ خام ووالى ثمَّ ولى وَلَا آخرا لطغرلبك فَإِنَّهُ نصر وَنصب ثمَّ حجر وحجب وَقد عرف

ص: 83

مَا فضلنَا الله بِهِ عَلَيْهِمَا فِي نصر الدولة وَقطع من كَانَ يُنَازع الْخلَافَة رداءها وتطهير المنابر من رِجْس الأدعياء وَلم نَفْعل مَا فعلنَا لأجل الدُّنْيَا غير أَن التحدث بِنِعْمَة الله وَاجِب والتبجح بِالْخدمَةِ الشَّرِيفَة والافتخار بالتوفيق فِيهَا على السجية غَالب

وَلَا غنى عَن بروز الْأَوَامِر الشَّرِيفَة إِلَى الْمَذْكُور بِأَن يلْزم حَده وَلَا يتَجَاوَز حَقه فَإِن دُخُول الْأَيْدِي الْمُخْتَلفَة عَن الْأَعْدَاء المتفقة شاغل وَيحْتَاج إِلَى مغرم ينْفق فِيهِ الْعُمر بِغَيْر طائل فَإِن الْأَعْمَال تمر مر السَّحَاب والفرص تمض ومض السراب

وبقاؤنا فِي هَذِه الدَّار الْقَلِيل اللّّبْث الْقصير الْمكْث نؤثر أَنْت نغتنمه فِي مجاهدة الْعَدو الْكَافِر الَّذِي صَار بِهِ الْبَيْت الْمُقَدّس محلا للأرجاس وَمَضَت عَلَيْهِ دهور وملوك لم يحصلوا من رَجَاء تَطْهِيره إِلَّا على الياس وَإِن كَانَ الْقَوْم قد بذلوا للدَّار العزيزة بذولا معارة فقد أسلف الْخَادِم خدمات لَيست بعوار فَإِنَّهُم لَو بذلوا بِلَادهمْ كلهَا مَا وفت بِفَتْح مصر الَّتِي رجل بهَا أسامي الأدعياء الراكبة أعوادها وَأعَاد إِلَى عينهَا بعد بَيَاض عماها من نور الشعار العباسي سوادها فَإِن اقْتَضَت الْأَوَامِر الشَّرِيفَة أَن يوعز للمذكور فِي حلب بتقليد فَالْأولى أَن يُقَلّد الْجَمِيع فَلَا رَغْبَة فِيمَا لَا يُؤمن مَعَه شَرّ الشَّرِيك ولمالك الْأَمر الحكم فِي ممالك المماليك

وَكَانَ فِي الْكتاب أَيْضا مَا مَعْنَاهُ إِن حلب من جملَة الْبِلَاد الَّتِي اشْتَمَل

ص: 84

عَلَيْهَا تَقْلِيد أَمِير الْمُؤمنِينَ المستضيء بِأَمْر الله لَهُ وَإِنَّمَا تَركهَا فِي يَد ابْن نور الدّين لأجل أَبِيه والآن فَليرْجع كل إِلَى حَقه وليقنع برز قه

وَمن كتاب آخر فاضلي فقد صرف وجهنا فِي هَذَا الْوَقْت عَن جِهَاد لَو كُنَّا بصدده وَعَن فرض لَو وصلنا يَوْمه بغده لَكَانَ الْإِسْلَام قد أعفي من شركَة الشّرك وانفك أَهله من ربقة أهل الْإِفْك

ولكانت الْأَسْمَاء الشَّرِيفَة قد قرعت مَنَابِر طالما عزلت الصلب خطباءها ولكان الدّين الْخَالِص قد خلص إِلَى بِلَاد صَار الْمُشْركُونَ متوطنيها والمسلمون غرباءها

وَفِي كتاب آخر لَهُ وَقد علم الله سُبْحَانَهُ أَنا لهدنتهم كَارِهُون وَفِي مصلحَة أهل الْإِسْلَام وَفِي مصالحهم راغبون وَلَكنَّا قد بلينا بِقوم كالفراش أَو أخف عقولا وكالأنعام أَو أضلّ سَبِيلا إِن بني مَعَهم فعلى غير أساس وَإِن عدد الْغدر مِنْهُم فَهُوَ أَكثر من الأنفاس

وَفِي كتاب آخر وَالْخَادِم وَالْحَمْد لله يعدد سوابق فِي الْإِسْلَام والدولة العباسية لَا تعدها أولية أبي مُسلم لِأَنَّهُ والى ثمَّ وارى وَلَا آخرية طغرلبك لِأَنَّهُ نصر ثمَّ حجر

وَالْخَادِم بِحَمْد الله خلع من كَانَ يُنَازع الْخلَافَة رداءها وأساغ الغصة الَّتِي ذخر الله للإساغة فِي سَيْفه ماءها فَرجل الْأَسْمَاء الكاذبة الراكبة على المنابر وأعز بتأييد إبراهيمي فَكسر الْأَصْنَام

ص: 85

الْبَاطِنَة بِسَيْفِهِ الظَّاهِر لَا السَّاتِر وَفعل وَمَا فعل للدنيا وَلَا معنى للاعتداد بِمَا هُوَ متوقع الْجَزَاء عَنهُ فِي الْيَوْم الآخر

وَمن كتاب آخر عِنْد دُخُول صَاحب الْموصل حلب واستيلائه عَلَيْهَا وَكَانَت دَاخِلَة فِي تَقْلِيد السُّلْطَان السَّابِق فَقَالَ دخل حلب مستوليا وَحصل بهَا معتديا وعقود الْخُلَفَاء لَا تحل وَالسُّيُوف فِي أوجه أَوْلِيَائِهِمْ لَا تسل وَإنَّهُ إِن فتح بَاب الْمُنَازعَة أدني من ندامة وَأبْعد من سَلامَة وخرق مَا يعيي على الراقع وجذب الرِّدَاء فَلم تغن فِيهِ إِلَّا حِيلَة الخالع

وَلَيْسَ الِاسْتِيلَاء بِحجَّة فِي الولايات لطالبها وَلَا الدُّخُول إِلَى الدَّار بِمُوجب ملك غاصبها إِلَّا أَن تكون الْبِلَاد كالديار المصرية حِين فتحهَا الْخَادِم وَأَهله حَيْثُ الْجُمُعَة مستريبة والخلافة فِي غير أَهلهَا غَرِيبَة والعقائد لغير الْحق مستجيبة فَتلك الْولَايَة أولى بهَا مِمَّن منحها من فتحهَا وَكَانَ سلطانها من أَدخل فِي خبر كَانَ شيطانها

وَأما حلب الَّتِي الْكَلِمَة فِيهَا عالية والمنابر فِيهَا بِالِاسْمِ الشريف حَالية فَإِنَّمَا تكون لمن قلدها لَا لمن توردها وَلمن بِالْحَقِّ تسلمها لَا لمن بِالْبَاطِلِ تسنمها وَلَو كَانَت حلب كَمَا كَانَت مصر لدخلها الْخَادِم وَلم يشاور ولولجها وَلم يناظر وَلكنه أَتَى الْبيُوت من أَبْوَابهَا واستمطر القطار من سحابها

ثمَّ ذكر أَن المواصلة راسلوا الْمَلَاحِدَة الحشيشية واتخذوهم بطانة من دون الْمُؤمنِينَ وواسطة بَينهم وَبَين الفرنج الْكَافرين ووعدوهم بقلاع من يَد

ص: 86

الْإِسْلَام تقلع وبضياع من فَيْء الْمُسلمين تُوضَع وبدار دَعْوَة بحلب ينصب فِيهَا علم الضَّلَالَة وَيرْفَع وياللعجب من الْخصم يهدم دولة حق وَهِي تبنيه وَمن العَبْد يَبْنِي ملكهَا بِنَفسِهِ وَمَاله وَذَوِيهِ وَهِي تراقب أعداءه فِيهِ ودعواه فِي رسائلهم وغوائلهم لَيست بِدَعْوَى لَا يقوم شَاهدهَا وَلَا هِيَ بشناعة لَا يَهْتَدِي قائدها بل هَذَا رسولهم عِنْد سِنَان صَاحب الْمَلَاحِدَة ورسولهم عِنْد القومص ملك الفرنج وَهَذِه الْكتب الْوَاصِلَة بذلك قد سيرت ولاستنجاب الْولَايَة طرق أما السَّبق إِلَى التَّقْلِيد فللخادم السَّبق

وَأما الْعَدَالَة وَالْعدْل فَلَو وَقع الْفرق لوقع الْحق

وَأما بالآثار بِالطَّاعَةِ فَلهُ فِيهَا مَا لَوْلَا مَعُونَة الْخَالِق فِيهِ لقصرت عَنهُ أَيدي الْخلق وَمَتى استمرت الْمُشَاركَة فِي الشَّام أفضت إِلَى ضعف التَّوْحِيد وَقُوَّة الْإِشْرَاك وترامت إِلَى أخطار تعجز عَنْهَا خواطر الِاسْتِدْرَاك وأحوجت قَابض الأعنة إِلَى أَن يعليها الجدد ويرسلها العراك

وَطَرِيق الصّلاح والمصالحات الْأَيْمَان والمشار إِلَيْهِم لَا يلتزمون ربقتها وَلَا يوجبون صفقتها فَكفى بالتجريب ناهيا عَن الْغرَّة وَلَا يلْدغ الْمُؤمن إِلَّا مرّة وَإِذا اجْتمعت فِي الشَّام أيد ثَلَاث يَد عادلة وَيَد ملحدة وَيَد كَافِرَة نَهَضَ الْكفْر بتثليثه وَقصرت عَن

ص: 87