الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرُهْبَان فقدوها بِأسَارَى الْمُسلمين ولاذوا بالأمان معتصمين ثمَّ أَنَاخَ على جينين فأهبط أوجها وَهدم برجها وآب بالنهاب والسبايا والمرباع والصفايا وَاجْتمعَ بِأَصْحَابِهِ على الفوار وتحدث بالإنجاد لحوادث الْغَوْر فِي الغوار
فصل
ثمَّ رَحل السُّلْطَان إِلَى دمشق للاجتماع برسل الْخلَافَة شيخ الشُّيُوخ وَبشير وَكَانُوا وصلوا وَالسُّلْطَان محاصر الكرك فَاجْتمع بهم وَأكْرمهمْ وَكَانُوا قد مرضوا وَمَات جمَاعَة من أَصْحَابهم وَعَاد السُّلْطَان شيخ الشُّيُوخ كل يَوْم وَلَيْلَة فِي الرِّبَاط بالمنيبع وَاسْتَأْذَنُوا فِي الْعود قبل الشِّفَاء فضاقت الصُّدُور بصدر ذَلِك الصَّدْر على تِلْكَ الْحَالة وعجزت تِلْكَ العثرة كَمَا شَاءَ الله عَن الْإِقَالَة ثمَّ اسْتَقل مودعا وداع الْأَبَد
وَكَانَ حسام الدّين طمان مقدم عَسْكَر سنجار مَعَ السُّلْطَان حَاضرا فِي الْجِهَاد فَأذن لَهُ فِي الْعود وَأمره بمرافقة صدر الدّين وَالرسل مَعَه والرفق بهم فِي مَسِيرهمْ فَسَارُوا على سمت الرحبة فاغتنم الْأَمِير طمان بركَة تِلْكَ الصُّحْبَة فأدركت الْمنية شهَاب الدّين بشيرا بالسخنة ووصلوا بشيخ الشُّيُوخ إِلَى الرحبة وَهُنَاكَ لَقِي ربه
قَالَ وَلَقَد توفاه الله على الْوَفَاء بعهده والوفاق لعقده مشيم الْكَرم كريم الشيم صَالح الْعَمَل ناجح الأمل مفارقا للدنيا فِي حَيَاته مُقبلا على الْآخِرَة قبل وَفَاته فَهُوَ مِمَّن رفعت سَرِيره الملائك وَوضعت لَهُ فِي عليين
الأرائك وَكَانَت وَفَاته فِي شعْبَان بوأه الله الْجنان
قلت كَانَ صدر الدّين هَذَا أحد السَّادة وَأَبوهُ وجده من أكَابِر الْأَعْيَان وشيوخ مَشَايِخ الزَّمَان وَهُوَ عبد الرَّحِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي سعد أَحْمد بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي وَقد ذكرت تَرْجَمَة وَالِده فِي تَارِيخ دمشق وألحقتها من أَخْبَار جده مِمَّا ذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِي تَارِيخه
وَقَالَ ابْن القادسي توفّي صدر الدّين فِي رَجَب برحبة مَالك بن طوق وَدفن فِي قبَّة إِلَى جَانب قبر الشَّيْخ موفق الدّين مُحَمَّد بن المتقنة الرَّحبِي وَكَانَ مولده فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَخمْس مئة وَكَانَ شَيخا ماثلا فِي الْعلم وَالدّين والسداد ثَابت الْجنان فِي الْحَوَادِث المزعجة والوقائع الباغتة المجلجلة سديد البديهة صافي الفكرة وَجمع بَين نظم الشّعْر ونثر الترسل وَكَانَ يُرْسل إِلَى الْأَطْرَاف ورتب فِي مشيخة الشُّيُوخ مُنْذُ توفّي وَالِده فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخمْس مئة وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي وَتَوَلَّى بعده مشيخة الرِّبَاط صفي الدّين إِسْمَاعِيل
وَمن شعره يَعْنِي صدر الدّين
(وَلم أخضب مشيبي وَهُوَ زين
…
لإيثاري جهالات التصابي)
(وَلَكِن كي يراني من أعادي
…
فأرهبه بوثبات الشَّبَاب)
قلت ووقفت على كتاب فاضلي إِلَيْهِ جَوَابا عَن كتاب عتب فِيهِ وقف على التَّحِيَّة الطّيبَة والكرامة الصيبة والألفاظ الْعَذَاب إِلَّا أَنَّهَا الغضاب وَالنَّعِيم إِلَّا أَنه الْعَذَاب والمسامحة إِلَّا أَنَّهَا الْحساب والمتشابهات اللواتي تأولها أحسن تَأْوِيلهَا والمحكمات اللواتي هن أُمَّهَات الْكتاب وَيَكْفِي أَنه مزج الصاب بعسله وأرعف قلمه بِمَا لَا يرعفه الشجاع من أنوف أسله
وَهَذَا بَاب قد آن سَده وسبيل قد وَجب صده وَعين دهر أَصَابَت هَذِه الْمَوَدَّة وَقد آن لَهَا أَن تنطرف وتنصرف وبادرة هم قد حَان أَن تنكشف وتنكشف فَلَا نظر بعْدهَا للعين الَّتِي أَصَابَت وَلَا خطرات فِي أَثَرهَا للخطرة الَّتِي رابت وَلَا كَانَ للأيام فِي فضل سيدنَا على عَبده نصيب وَلَا عدا أبدا على شباب الرضى عَنهُ مشيب وَلَا تمكن من حبيب وده إِلَى الْقلب رَقِيب وَلَا ملك رقّه غير تِلْكَ الْيَد الْكَرِيمَة وَلَا سَمِعت حَدِيث الْحَوَادِث تِلْكَ الْمَوَدَّة الْقَدِيمَة
قَالَ الْعِمَاد وَخَرجْنَا من دمشق فِي شعْبَان وخيمنا على سعسع ودعا تَقِيّ الدّين فَأمره أَن يرجع بالعسكر إِلَى مصر فَسَار فِي منتصف الشَّهْر ثمَّ رَجعْنَا من فرض الْجِهَاد إِلَى فرض الصّيام بِدِمَشْق وَرجع كل عَسْكَر إِلَى مركزه
ومدح الْعِمَاد تَقِيّ الدّين فِي هَذِه الْمرة بقصيدة ثائية نَحْو خَمْسَة وَثَمَانِينَ بَيْتا أَولهَا
(إِذا شئتما عَن غير قلبِي تحدثا
…
فَمَا حل فِيهِ الْهم إِلَّا ليلبثا)
(خذا شَاهِدي صدق على صِحَة الْهوى
…
ضنى ساكتا مني ودمعا مُحدثا)
(مريضكما أشفى على الْيَأْس سقمه
…
فَلَا تعجلا فِي أمره وتريثا)
(رثى لي عدوي من جفَاء أحبتي
…
وناهيك من حَال عدوي لَهَا رثى)
وَمِنْهَا
(عهودكم بعد النَّوَى مَا تشعثت
…
وحاشى لذاك الْعَهْد أَن يتشعثا)
(وأملك بِالْملكِ المظفر ظافرا
…
من الْجد والجدوى قَدِيما ومحدثا)
(مخوف السطا صَعب الإبا حسن الثنا
…
مرجى الندى سهل الرضى طيب النثا)
(صفا آخر العمرين من عمر الَّذِي
…
بِهِ الْعمرَان الْيَوْم فِي الْعدْل ثلثا)
(هم أَحْدَثُوا قمع الضَّلَالَة بِالْهدى
…
فمذ ملكوا لم تلق فِي الدّين مُحدثا)
(غثائي وغثي أَنْت حَامِل نَقصه
…
بِفَضْلِك إِن الْبَحْر يحْتَمل الغثا)
وَمِنْهَا فِي وصف القصيدة
(وَقد سهلت والثاء أوعر مرتقى
…
فَلَا فرق عِنْدِي بَين رَاء وَبَين ثا)