الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَادَة السَّعَادَة الْقَدِيمَة وَاجْتمعَ السُّلْطَان بِهِ فبثه أسراره واستزال بصفو رَأْيه أكداره وَدخل جنته وجنى ثماره وزاره مرّة واستزاره وراجعه فِي مصَالح دولته واستشاره وَجلسَ السُّلْطَان فِي دَار الْعدْل لكشف الْمَظَالِم وَبث المكارم وإحياء المعالم وَإِقَامَة مواسم المراسم
وَقَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَلما وجد السُّلْطَان نشاطا من مَرضه رَحل يطْلب جِهَة حلب وَكَانَ وُصُوله إِلَيْهَا يَوْم الْأَحَد رَابِع عشر الْمحرم وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لشدَّة فَرح النَّاس بعافيته ولقائه فَأَقَامَ بهَا أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ رَحل فِي ثامن عشره نَحْو دمشق فَلَقِيَهُ أَسد الدّين شيركوه بن مُحَمَّد بن شيركوه بتل السُّلْطَان وَمَعَهُ أُخْته وَقد صَحبه خدمَة عَظِيمَة وَقرب زَائِدَة وَمن عَلَيْهِ بحمص وَأقَام أَيَّامًا يعْتَبر تَرِكَة أَبِيه ثمَّ سَار يطْلب جِهَة دمشق وَكَانَ دُخُوله إِلَيْهَا فِي ثَانِي ربيع الأول وَكَانَ يَوْمًا لم ير مثله فَرحا وسرورا
فصل فِي ذكر مَا استأنفه السُّلْطَان بِمصْر وَالشَّام من نقل الولايات بَين أَوْلَاده
قَالَ الْعِمَاد وَكَانَ السُّلْطَان لملازمة أَخِيه الْعَادِل لَهُ قد مَال إِلَى رَأْيه
وَكَانَ الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ بِمصْر وَهُوَ وَلَده الْأَكْبَر وَقد بَدَأَ يظْهر وعَلى تجويد الْخط وَالْأَدب وَسَمَاع الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة يتوفر وَقد مَالَتْ إِلَيْهِ بِمصْر جمَاعَة وَله مِنْهُم طَاعَة وَرُبمَا نقم تَقِيّ الدّين النَّائِب هُنَاكَ من أحد أمرا فَوَقَعت مِنْهُ فِيهِ شَفَاعَة فَكتب يشكو من اختلال أمره واشتغال سره وَكَانَ فِي نفس السُّلْطَان أَن ينْقل وَلَده الْملك الْعَزِيز عُثْمَان إِلَى مصر ليَكُون عزيزها وليحرز مملكتها ويحوزها وَهُوَ مفكر فِي طَرِيق تَدْبيره وَوجه تَقْرِيره حَتَّى بدا لَهُ نقل الْأَفْضَل إِلَى الشَّام فَكتب إِلَيْهِ يتشوقه ويستدعيه بِجَمِيعِ أَهله وجماعته ووالدته وحشمه وَأَصْحَابه فَخرج وَوصل دمشق يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى وَخرج السُّلْطَان لاستقباله وأنزله بالقلعة فِي دَار رضوَان وَكتب إِلَى تَقِيّ الدّين أَنه قد اسْتَقل أمره وَزَالَ عذره
فابتهج بتفرده وخفي عَنهُ أَنه كَانَ فِي ذمَّة ولد السُّلْطَان وعصمته وَأَن تَمام حرمته بحرمته
قَالَ وَلما وصلنا إِلَى دمشق كَانَ بهَا من أَوْلَاد السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر غَازِي غياث الدّين فزاره عَمه الْعَادِل وَهُوَ صهره وَقد اشْتَدَّ بمصاهرته ظَهره فَقَالَ لَهُ قد نزلت عَن حلب لَك وَأَنا قَانِع من أخي بإقطاع أَيْن كَانَ وألزم الْخدمَة وَلَا أُفَارِق السُّلْطَان فاطلبها من أَبِيك إِن كَانَت ترضيك
وَجَاء إِلَى السُّلْطَان وَقَالَ هَذِه حلب مَعَ رغبتي فِيهَا ومحبتي لتوليها أرى أَن أحد أولادك بهَا أَحَق وَهَذَا ولدنَا الْملك الظَّاهِر أحب أَن أوثره بهَا
فَقَالَ السُّلْطَان المهم الْآن تَدْبِير أَمر وَلَدي الْملك الْعَزِيز فَإِن مصر لَا بُد أَن يكون لي بهَا ولد أعْتَمد عَلَيْهِ وَأسْندَ ملكهَا إِلَيْهِ
ورحل إِلَى الزَّرْقَاء
وَمَعَهُ ولداه الْعَزِيز وَالظَّاهِر وَأَخُوهُ الْعَادِل فالتمس الْعَادِل عوض حلب بلادا عينهَا ونواحي بِمصْر بَينهَا
وَكَانَ قد مَال الْملك الْعَزِيز إِلَيْهِ لإشفاقه عَلَيْهِ فَسَأَلَ أَبَاهُ أَن يسير مَعَه الْعَادِل فَإِنَّهُ نعم الْكَافِي الكافل فَأعْطَاهُ السُّلْطَان بِمصْر الْبِلَاد الْمَعْرُوفَة بالشرقية وَاعْتمد عَلَيْهِ فِي نيابته فِي سَائِر الممالك المصرية
وَلما سمع تَقِيّ الدّين هَذَا الْخَبَر نبا وَنَفر وذم الْغَيْر واستبدل من الصفو الكدر وغار من تغير الرَّأْي فِيهِ وَإِذا تولى أَبُو بكر فَلَا عمر
فَعبر إِلَى الجيزة مظْهرا أَنه يمْضِي إِلَى بِلَاد الْمغرب ليملكها وَكتب وَسَأَلَ السُّلْطَان أَن لَا يمنعهُ من سلوك مسلكها وسمت همته إِلَى مملكة جَدِيدَة وأقاليم ذَات ظلال مديدة وبلاد وَاسِعَة ومدن شاسعة
وَقد كَانَ أحد مماليكه الْمَعْرُوف بقراقوش قد جمع من قبل الجيوش وَسَار إِلَى بِلَاد برقة فملكها وهدته الأمنية إِلَى النفائس من بِلَاد نفوسة فأدركها وَتجَاوز إِلَى إفريقية وَهُوَ يكْتب أبدا إِلَى مَالِكه الْملك المظفر يرغبه فِي تِلْكَ المملكة وَيَقُول إِن الْبِلَاد سائبة
فَلَمَّا تجدّد لتقي الدّين مَا تجدّد وتمهد لِعَمِّهِ الْعَادِل مَا تمهد عَاد لَهُ ذكر الْمغرب فَعبر بعسكره ومالت إِلَيْهِ عَسَاكِر مصر لبذله وَقدم مَمْلُوكه يوزبا فِي الْمُقدمَة
فَلَمَّا انْتهى إِلَى السُّلْطَان خبر عزمه قَالَ لعمري إِن فتح الْمغرب مُهِمّ لَكِن فتح الْبَيْت الْمُقَدّس أهم والفائدة بِهِ أتم والمصلحة مِنْهُ أخص وأعم وَإِذا توجه تَقِيّ الدّين واستصحب مَعَه رجالنا الْمَعْرُوفَة ذهب الْعُمر
فِي اقتناء الرِّجَال وَإِذا فتحنا الْقُدس والساحل طوينا إِلَى تِلْكَ الممالك المراحل
وَعلم لجاج تَقِيّ الدّين فِي ركُوب تِلْكَ اللجة فَكتب إِلَيْهِ يَأْمُرهُ بالقدوم عَلَيْهِ وجهز وَلَده الْعَزِيز إِلَى مصر وَقرر لَهُ قوص وأعمالها وَسَار وَمَعَهُ عَمه الْعَادِل فدخلا الْقَاهِرَة فِي خَامِس شهر رَمَضَان
وَأما الْملك الظَّاهِر فسيره السُّلْطَان إِلَى حلب وأنعم عَلَيْهِ بهَا وبسائر قلاعها وأقاليمها وَندب مَعَه الْحَاجِب شُجَاع الدّين عِيسَى بن بلاشو وَعَاد السُّلْطَان وَمَعَهُ الْأَفْضَل
وَقدم تَقِيّ الدّين فِي آخر شعْبَان وتلقاه السُّلْطَان وخيم على الْمصْرِيّ فَوق قصر أم حَكِيم فَلَمَّا قرب ركب إِلَى موكبه ورحب بِهِ وَدخل دمشق وَعَاد إِلَى مَا كَانَ لَهُ من الْبِلَاد حماة ومنبج والمعرة وَسَائِر أَعمالهَا ثمَّ أضَاف إِلَيْهِ ميافارقين وَجَمِيع مَا فِي ذَلِك الإقليم من المعاقل وَكتب إِلَى مصر باستدعاء رِجَاله وإعلامهم بِتَأْخِير عزم الْمغرب بل إِبْطَاله
فامتثلوا الْأَمر وفارقوا إِلَى الشَّام مصر سوى مَمْلُوكه زين الدّين يوزبا فَإِنَّهُ رتب لَهُ عسكرا إِلَى الْمغرب فَمضى واستصحبه وَغلب على بِلَاد إفريقية ثمَّ قَصده صَاحب الْمغرب فَأَخذه مأسورا ثمَّ أغزاه مَعَ الغز فِي ثغر من الثغور فألفاه مَشْهُورا مشكورا فقدمه عَلَيْهِم
قلت وَكتب الْفَاضِل إِلَى تَقِيّ الدّين سَبَب هَذِه الْخدمَة مَا اتَّصل بالمملوك من تردد رسائل مَوْلَانَا فِي التمَاس السّفر إِلَى الْمغرب والدستور إِلَيْهِ
(يَكْفِي الزَّمَان فمالنا نستعجل
…
)
يَا مَوْلَانَا مَا هَذَا الْوَاقِع الَّذِي وَقع وَمَا هَذَا الْغَرِيم من الْهم الَّذِي مَا انْدفع بالْأَمْس مَا كَانَ لكم من الدُّنْيَا إِلَّا الْبلْغَة وَالْيَوْم قد وهب الله هَذِه النِّعْمَة وَقد كَانَ الشمل مجموعا والهم مَقْطُوعًا مَمْنُوعًا أفتصبح الْآن الدُّنْيَا ضيقَة علينا وَقد وسعت والأسباب بِنَا مَقْطُوعَة وَلَا وَالله مَا انْقَطَعت يَا مَوْلَانَا إِلَى أَيْن وَمَا الْغَايَة وَهل نَحن فِي ضائقة من عَيْش أَو فِي قلَّة من عدد أَو فِي عدم من بِلَاد أَو فِي شكوى من عدم كَيفَ نَخْتَار على الله وَقد اخْتَار لنا وَكَيف ندبر لأنفسنا وَهُوَ دبر لنا وَكَيف ننتجع الجدب وَنحن فِي دَار الخصب وَكَيف نعدل إِلَى حَرْب الْإِسْلَام الْمنْهِي عَنْهَا وَنحن فِي الْمَدْعُو إِلَيْهَا من حزب أهل الْحَرْب معاشر الخدام والجلساء وأرباب الْعُقُول والآراء {أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد}
(تعقب الرَّأْي وَانْظُر فِي أواخره
…
فطالما اتهمت قدما أَوَائِله)
لَا زَالَ مَوْلَانَا يمْضِي الآراء صائبة ويلحظها بادية وعاقبة وَلَا خلت مِنْهُ دَار إِن خلت فهيهات أَن تعمر وَلَا عدمته أَيَّام إِن لم تطلع فِيهَا شمس وَجهه دخلت فِي عداد اللَّيَالِي فَلم تذكر
وَقَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَفِي سَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وصل الْملك الْأَفْضَل إِلَى دمشق وَلم يكن رأى الشَّام قبل ذَلِك وَكَانَ السُّلْطَان رأى رواح الْملك الْعَادِل إِلَى مصر فَإِنَّهُ كَانَ آنس بأحوالها من الْملك المظفر فَمَا زَالَ يفاوضه فِي ذَلِك وَهُوَ على حران مَرِيض وَحصل ذَلِك فِي نفس الْعَادِل فَإِنَّهُ كَانَ يحب الديار المصرية
فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان إِلَى دمشق وَمن الله بعافيته سير يطْلب الْعَادِل إِلَى دمشق فَخرج من حلب جَرِيدَة وَأقَام بِدِمَشْق فِي خدمَة السُّلْطَان يجْرِي بَينهمَا أَحَادِيث ومراجعات فِي قَوَاعِد تقرر إِلَى جُمَادَى الْآخِرَة فاستقر عود الْعَادِل إِلَى مصر وَيسلم بِلَاد حلب إِلَى الْملك الظَّاهِر وَسلم السُّلْطَان إِلَيْهِ وَلَده الْملك الْعَزِيز وَجعله أتابكه
قَالَ وَلَقَد قَالَ لي الْملك الْعَادِل لما اسْتَقَرَّتْ هَذِه الْقَاعِدَة اجْتمعت بِخِدْمَة الْملك الْعَزِيز وَالْملك الظَّاهِر وَجَلَست بَينهمَا وَقلت للعزيز اعْلَم يَا مولَايَ أَن السُّلْطَان قد أَمرنِي أَن أَسِير فِي خدمتك إِلَى مصر وَأَنا أعلم أَن المفسدين كثير وَغدا فَمَا يَخْلُو مِمَّن يَقُول عني مَا لَا يجوز ويخوفك مني فَإِن كَانَ لَك عزم تسمع فَقل لي حَتَّى لَا أجيء
فَقَالَ لَا أسمع وَكَيف يكون ذَلِك ثمَّ الْتفت وَقلت للْملك الظَّاهِر أَنا أعرف أَن أَخَاك رُبمَا سمع فِي أَقْوَال المفسدين وَأَنا فَمَالِي إِلَّا أَنْت وَقد قنعت مِنْك بمنبج مَتى ضَاقَ صَدْرِي من جَانِبه
فَقَالَ مبارك
وَذكر كل خير
ثمَّ إِن السُّلْطَان سير وَلَده الظَّاهِر إِلَى حلب وأعادها إِلَيْهِ وَكَانَ رحمه الله يعلم أَن حلب هِيَ أصل الْملك وجرثومته وقاعدته وَلِهَذَا دَاب
فِي طلبَهَا ذَلِك الدأب وَلما حصلت أعرض عَمَّا عَداهَا من بِلَاد الشرق وقنع مِنْهُم بِالطَّاعَةِ والمعونة على الْجِهَاد فسلمها إِلَيْهِ علما مِنْهُ بحذاقته وحزمه وَحفظه فَسَار إِلَيْهَا حَتَّى أَتَى الْعين الْمُبَارَكَة وسير فِي خدمته شحنة حسام الدّين بِشَارَة وواليا شُجَاع الدّين عِيسَى بن بلاشو وَنزل يَوْم الْجُمُعَة بِالْعينِ الْمُبَارَكَة وَخرج النَّاس إِلَى لِقَائِه بكرَة يَوْم السبت تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة وَصعد القلعة ضاحي نَهَاره وَفَرح النَّاس بِهِ فَرحا شَدِيدا وَمد على النَّاس جنَاح عدله وأفاض عَلَيْهِم وابل فَضله
وَأما الْملك الْعَزِيز والعادل فَإِن السُّلْطَان قرر حَالهمَا وَكتب إِلَى الْملك المظفر يُخبرهُ بمسيرهما إِلَى مصر ويأمره بالوصول إِلَى الشَّام
فشق ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى ظهر للنَّاس وعزم على الْمسير إِلَى ديار الغرب إِلَى برقة فقبح ذَلِك عَلَيْهِ جمَاعَة من أكَابِر الدولة وعرفوه أَن عَمه السُّلْطَان يخرج من يَده فِي الْحَال وَالله يعلم مَا يكون مِنْهُ بعد ذَلِك فَرَأى الْحق يعين البصيرة وَأجَاب بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَسلم الْبِلَاد ورحل واصلا إِلَى خدمَة السُّلْطَان فَسَار السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه فَلَقِيَهُ بمرج الصفر وَفَرح بوصوله فَرحا شَدِيدا وَذَلِكَ فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من شعْبَان وَأَعْطَاهُ حماة وَسَار إِلَيْهَا وَكَانَ عقد بَين الظَّاهِر وَبَعض بَنَات الْعَادِل عقد نِكَاح فتمم ذَلِك وَدخل بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان وَدخل الْملك الْأَفْضَل على زَوجته بنت نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شيركوه فِي شَوَّال من هَذِه السّنة
وَمن كتاب فاضلي إِلَى السُّلْطَان الْملك الْعَادِل وَالْملك المظفر
الْمَذْكُورَان مَا هما أَخ وَلَا ابْن أَخ بل هما ولدان لَا يعرفان إِلَّا الْمولى والدا ومنعما وكل وَاحِد مِنْهُمَا لَهُ عش كثير الْفِرَاخ وَبَيت كرقعة الشطرنج فِيهِ صغَار وكبار كالبياذق والرخاخ فَلَا يقنع كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا طرف يملكهُ وإقليم ينْفَرد بِهِ فيدبر مَوْلَانَا فِي ذَلِك بِمَا يَقْتَضِيهِ صَدره الْوَاسِع وجوده الَّذِي مَا نظر مثله النَّاظر وَلَا سمع السَّامع وَلَا ينس قَول عمر بن الْخطاب رضي الله عنه مرو الْقَرَابَة أَن يتزاوروا وَلَا يتجاوروا
وَمَا على مَوْلَانَا عجلة فِي تَدْبِير يدبره وَلَا فِي أَمر يبته
وستبدي لَك الْأَيَّام مَا كنت عَارِفًا وَفِي غَد مَا لَيْسَ فِي الْيَوْم وَللَّه أقدار وَلها أمد وَقد رزق الله مَوْلَانَا ذُرِّيَّة تود لَو قدمت أَنْفسهَا بَين يَدَيْهِ وَلَو اكتحلت أجفانها بغبار قَدَمَيْهِ مَا فِيهَا من يشتكى مِنْهُ إِلَّا التزيد فِي الطّلب وَهُوَ من بَاب الثِّقَة بكرم الْمُنعم وَلَهُم أَوْلَاد وَالْمولى مد الآمال لَهُم كَمَا قَالَ مولى الْأمة لَهَا تناكحوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم طالما قَالَ لَهُم الْمولى لدوا وَعلي تجهيز الْإِنَاث وغنى الذُّكُور وَسَوَاء على أفق هَذَا الْبَيْت طُلُوع الشموس والبدور
قَالَ الْعِمَاد ومدحت تَقِيّ الدّين بقصيدة سينية سنية قطوفها دانية جنية تشْتَمل على مئة وَأَرْبَعين بَيْتا أنشدته إِيَّاهَا فِي ثَالِث شهر رَمَضَان من هَذِه السّنة بِدِمَشْق وأوردت بَعْضهَا ومطلعها
(عَفا الله عَن ذَوي الشوق نفسوا
…
فقد تلفت منا قُلُوب وأنفس)
وَمِنْهَا
(ألم تعلمُوا أَنِّي من الشوق مُوسر
…
ألم تعلمُوا أَنِّي من الصَّبْر مُفلس)
(ظننتم بعيني أَنَّهَا تألف الْكرَى
…
فَهَلا بعثتم طيفكم يتجسس)
(وَلَيْسَ لقلبي فِي السرُور تصرف
…
فقلبي على الأحزان وقف محبس) وَمِنْهَا
(لفتك محبيه تيقظ طرفه
…
وتحسبه من سقم عَيْنَيْهِ يَنْعس)
(لَهُ نَاظر عِنْد الْخلاف مناظر
…
يَقُول دَلِيل الدل عِنْدِي أَقيس)
(إِذا درست ألحاظه السحر أَصبَحت
…
رسوم اصْطِبَارِي حِين تدرس تدرس)
(وَلم أنس أنسي بالحمى رعي الْحمى
…
عَشِيَّة لي مجنى ومجلى ومجلس)
(لحا الله أَبنَاء الزَّمَان فكلهم
…
صَحِيفَته أودى بهَا المتلمس)
(وَلَوْلَا ابتسامات المظفر بالندى
…
لما راق نَفسِي صبحه المتنفس)
(جلت شمس لقيَاهُ الحنادس بَعْدَمَا
…
عرتنا وَهل يبْقى مَعَ الشَّمْس حندس)
(وَصَارَ بِهِ هَذَا الزَّمَان جَمِيعه
…
نَهَارا فَمَا للنَّاس ليل معسعس)
(إِذا صال فالمغلول ألف مدرع
…
وَإِن جاد فالمبذول ألف مكيس)
(وَلَيْسَ بمغبون على فضل رَأْيه
…
ويغبن فِي الْأَمْوَال مِنْهُ ويبخس)
(إِذا أطلق الْملك المظفر فِي الوغى
…
أعنته فالشمس بالنقع تحبس)
(فدَاك مُلُوك لَا يلبون دَاعيا
…
وَكلهمْ عَن دَعْوَة الْحق يخنس)