الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ نهر يَرْمِي إِلَى الْفُرَات وَسَار السُّلْطَان نَحْو دمشق
فصل فِي وَفَاة صَاحب الْموصل
قَالَ الْعِمَاد وَفِي أَوَائِل هَذِه السّنة توفّي صَاحب الْموصل سيف الدّين غَازِي بن مودود بن زنكي وَالسُّلْطَان مخيم على كوك سو من حُدُود بِلَاد الرّوم وَجلسَ مَكَانَهُ أَخُوهُ عز الدّين مَسْعُود بن مودود
وَجَاء رَسُول مُجَاهِد الدّين قايماز وَهُوَ الشَّيْخ الْفَقِيه فَخر الدّين أَبُو شُجَاع بن الدهان الْبَغْدَادِيّ إِلَى السُّلْطَان يطْلب مِنْهُ أَن يكون مَعَه كَمَا كَانَ مَعَ أَخِيه من إبْقَاء سروج والرها والرقة وحران والخابور ونصيبين فِي يَده فَلم يفعل السُّلْطَان
وَقد كَانَت لَهُ بِإِطْلَاق الْخَلِيفَة وَإِنَّمَا جعلهَا فِي يَد سيف الدّين غَازِي بالشفاعة على شَرط أَن يُقَوي السُّلْطَان بالعساكر
فَلَمَّا مَاتَ سيف الدّين كتب السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر يُعلمهُ بذلك وَأَن هَذِه الْبِلَاد لم يزل يتقوى بهَا ثغر الشَّام
ففوضت إِلَيْهِ على مَا أَرَادَ
وَكَانَ الْكتاب إِلَى صدر الدّين عبد الرَّحِيم شيخ الشُّيُوخ من إنْشَاء
الْعِمَاد وَفِيه قد عرف اختصاصنا من الطَّاعَة والعبودية للدَّار العزيزة النَّبَوِيَّة بِمَا لم يخْتَص بِهِ أحد وامتدت الْيَد منا فِي إِقَامَة الدعْوَة الهادية بِمصْر واليمن وَالْمغْرب بِمَا لم تمتد إِلَيْهِ يَد وأزلنا من الأقاليم الثَّلَاثَة ثَلَاثَة أدعيا وخلفناهم للردى حَيْثُ دعوا بِلِسَان الغواية خلفا
وَلَا خَفَاء أَن مصر إقليم عَظِيم وبلد كريم بقيت مئتين وَخمسين سنة مضيمة وعانت كل هضيمة وعاينت كل عَظِيمَة حَتَّى أنقذها الله عز وجل بِنَا من عبيد بني عبيد وأطلقها بمطلقات أعنتنا إِلَيْهَا من عناء كل قيد وفيهَا شيعَة الْقَوْم وهم غير مأموني الشَّرّ إِلَى الْيَوْم
وَطَوَائِف أقاليم الرّوم والفرنج من الْبر وَالْبَحْر بهَا مطيفة فَمن حَقّهَا أَن يتوفر عسكرها فَلَو حصل وَالْعِيَاذ بِاللَّه فتق لأعضل رتقه واتسع على الراقع خرقه
واحتجنا لحفظ بِلَاد الشَّام وثغور الْإِسْلَام إِلَى اسْتِصْحَاب الْعَسْكَر الْمصْرِيّ إِلَيْهَا وَله مُدَّة خمس سِنِين فِي بيكارها منتقما من كفارها متحملا لمشاقها على غلاء أسعارها
وَإِنَّمَا أحْوج إِلَى ذَلِك أَن بِلَاد هَذَا الثغر قد اقتطعت عَنهُ وعساكرها أخذت مِنْهُ وَكَانَت فِي تولي نور الدّين رحمه الله
ثمَّ ذكرهَا كَمَا سبق ففوضت إِلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي
وَقَالَ ابْن الْأَثِير توفّي سيف الدّين يَوْم الْأَحَد ثَالِث صفر سنة سِتّ وَسبعين وَكَانَ مَرضه السل وَطَالَ بِهِ
قَالَ وَمن الْعَجَائِب أَن النَّاس لما خَرجُوا يستسقون بالموصل سنة
خمس وَسبعين للغلاء الْحَادِث فِي الْبِلَاد خرج سيف الدّين فِي موكبه فثار النَّاس وقصدوه مستغيثين بِهِ وطلبوا مِنْهُ أَن يَأْمر بِالْمَنْعِ من بيع الْخمر فأجابهم إِلَى ذَلِك
فَدَخَلُوا الْبَلَد وقصدوا مسَاكِن الخمارين وخربوا أَبْوَابهَا ونهبوها وأراقوا الْخُمُور وكسروا الْأَوَانِي وَعمِلُوا مَا لَا يحل
فاستغاث أَصْحَاب الدّور إِلَى نواب السُّلْطَان وخصوا بالشكوى رجلا من الصَّالِحين يُقَال لَهُ أَبُو الْفرج الدقاق وَلم يكن لَهُ فِي الَّذِي فعله النَّاس من النهب فعل إِنَّمَا هُوَ أراق الْخُمُور وَلما رأى فعل الْعَامَّة نَهَاهُم فَلم يسمعوا مِنْهُ
فَلَمَّا شكي أحضر بالقلعة وَضرب على رَأسه فَسَقَطت عمَامَته فَلَمَّا أطلق لينزل من القلعة نزل مَكْشُوف الرَّأْس فأرادوا تغطيته بعمامته فَلم يفعل وَقَالَ وَالله لَا غطيته حَتَّى ينْتَقم الله لي مِمَّن ظَلَمَنِي
فَلم يمض غير قَلِيل حَتَّى توفّي الدزدار الْمُبَاشر لأذاه ثمَّ بعقبه مرض سيف الدّين ودام مَرضه إِلَى أَن توفّي
وَكَانَ عمره نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَت ولَايَته عشر سِنِين وشهورا
وَكَانَ من أحسن النَّاس صُورَة تَامّ الْقَامَة مليح الشَّمَائِل أَبيض اللَّوْن مستدير اللِّحْيَة متوسط الْبدن بَين السمين والدقيق
وَكَانَ عَاقِلا وقورا قَلِيل الِالْتِفَات إِذا ركب وَإِذا جلس عفيفا لم يذكر عَنهُ شَيْء من الْأَسْبَاب الَّتِي تنَافِي الْعِفَّة
وَكَانَ غيورا شَدِيد الْغيرَة لم يتْرك أحدا من الخدم يدْخل دور نِسَائِهِ إِذا كبر إِنَّمَا يدْخل عَلَيْهِنَّ الخدم الصغار
وَكَانَ لَا يحب سفك الدِّمَاء وَلَا أَخذ الْأَمْوَال مَعَ شح فِيهِ
قَالَ وَلما اشْتَدَّ مَرضه أَرَادَ أَن يعْهَد بِالْملكِ لوَلَده معز الدّين سنجرشاه فخاف من ذَلِك لِأَن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب كَانَ قد