الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ وَأما محراب دَاوُد عليه السلام خَارج الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَإِنَّهُ فِي حصن عِنْد بَاب الْمَدِينَة منيع وَمَوْضِع عَال رفيع وَهُوَ الْحصن الَّذِي يُقيم بِهِ الْوَالِي فرتب السُّلْطَان لَهُ إِمَامًا ومؤذنين وقواما وَهُوَ مثابة الصَّالِحين ومزار الغادين والرائحين فأحياه وجدده ونهج لقاصديه جدده وَأمر بعمارة جَمِيع الْمَسَاجِد وصون الْمشَاهد وإنجاح الْمَقَاصِد وإصفاء الْمَوَارِد للقاصد والوارد وَكَانَ مَوضِع هَذِه القلعة دَار دَاوُد وَسليمَان عليهما السلام وَكَانَ ينتابهما فيهمَا الْأَنَام
وَكَانَ الْملك الْعَادِل نازلا فِي كَنِيسَة صهيون وأجناده على بَابهَا مخيمون
وفاوض السُّلْطَان جُلَسَاؤُهُ من الْعلمَاء الْأَبْرَار والأتقياء الأخيار فِي مدرسة للفقهاء الشَّافِعِيَّة ورباطا للصلحاء الصُّوفِيَّة فعين للمدرسة الْكَنِيسَة الْمَعْرُوفَة بصند حنة عِنْد بَاب أَسْبَاط وَعين دَار البطرك وَهُوَ بِقرب كَنِيسَة قمامة للرباط ووقف عَلَيْهِمَا وقوفا وأسدى بذلك إِلَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعْرُوفا وارتاد أَيْضا مدارس للطوائف ليضيفها إِلَى مَا أولاه من العوارف
فصل
قَالَ فِي الْبَرْق وَشرع الفرنج فِي إخلاء الْبيُوت وَبيع مَا ذخروه من الأثاث والقوت وأمهلوا حَتَّى باعوا بأرخص الْأَثْمَان وَكَانَ خُرُوجهَا شَبِيها بالمجان لَا سِيمَا مَا تعذر لثقله نَقله وصعب حمله وَكَانَ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {كم تركُوا من جنَّات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كَانُوا فِيهَا فاكهين كَذَلِك وأورثناها قوما آخَرين} فباعوا مَا تهَيَّأ على البيع إِخْرَاجه
رخيصا وابقوا مَا لم يَجدوا من تَركه محيصا وغلبوا على مَا فِي الدّور من الماعون والمذخور
وَأما الصناديق والأخشاب والرخام وَمَا يجْرِي مجْراهَا مِمَّا توفرت مِنْهُ الْأَنْوَاع والأقسام فَإِنَّهَا بقيت بِحَالِهَا متروكة وَلمن يسكن تِلْكَ الْأَمَاكِن مَمْلُوكَة
وَكَانَت قمامة وَهِي كنيستهم الْعُظْمَى ومتعبدهم الَّتِي يَجْتَمعُونَ بهَا للدّين وَالدُّنْيَا مفروشة بالبسط الرفاع مكسوة بالستور النسيج وَالْحَرِير الممزوج من سَائِر الْأَنْوَاع وَالَّذِي يذكرُونَ أَنه قبر عِيسَى عليه السلام محلى بصفائح الْفضة وَالْعين ومصوغات الذَّهَب واللجين مصفح بالنضار مثقل من نفائس الْحلِيّ بالأوقار فَأَعَادَهُ البطرك مِنْهُ عاطلا وَتَركه طللا ماثلا فَقلت للسُّلْطَان هَؤُلَاءِ إِنَّمَا أخذُوا الْأمان على أَمْوَالهم فَمَا بَال هَذَا المَال وَهُوَ بألوف يحملونه فِي أثقالهم فَقَالَ هم مَا يعْرفُونَ هَذَا التَّأْوِيل وينسبون إِلَيْنَا لما حرمناه التَّحْلِيل وَيَقُولُونَ إِنَّهُم لم يحفظوا الْعَهْد وَلم يلحظوا العقد وَنحن نجريهم على ظَاهر الْأمان ونغريهم بِذكر محَاسِن الْإِيمَان وَكَانَت المهلة أَنه من عجز بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَن أَدَاء مَا عَلَيْهِ من القطيعة ضرب عَلَيْهِ الرّقّ بِحكم الشريطة ووفق الشَّرِيعَة فتولاهم النواب بعد خروجنا من الْقُدس وَبَقِي مِنْهُم مِمَّن ضرب عَلَيْهِ الرّقّ زهاء خَمْسَة عشر ألفا فِي الْحَبْس ففرقهم السُّلْطَان وَتَنَاهَتْ بهم الْبلدَانِ وَحصل لي مِنْهُم سَبَايَا نسوان وصبيان وَذَلِكَ بعد أَن وفى ابْن بارزان بِالضَّمَانِ
وَأدّى ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَأخرج من ذكر أَنه فَقير بِحَسب الْإِمْكَان وَكَانُوا تَقْدِير ثَمَانِيَة عشر ألفا واعتقد أَنه لم يبْق فَقير وَبَقِي بعد أَدَائِهِ على مَا ذَكرْنَاهُ كثير
وَأما النَّصَارَى الساكنون بالقدس فَإِنَّهُم بذلوا مَعَ القطيعة الْجِزْيَة ليسكنوا وَلَا يزعجوا ويؤمنوا وَلَا يخرجُوا فأقروا بِوَاسِطَة الْفَقِيه وَأقر من قسوس النَّصَارَى أَرْبَعَة قوام لقمامة وأعفاهم وَلم يكلفهم الغرامة وَأقَام بِمَدِينَة الْقُدس وأعمالها مِنْهُم أُلُوف فشمروا وعمروا وعرشوا وغرسوا فَلهم مِنْهَا مجان وقطوف وَكَانَت لأمراء الفرنج ومقدميهم مجاورة للصخرة وَعند بَاب الرَّحْمَة مَقْبرَة وقباب معمرة فعفينا آثارها ورحضنا أوضارها
وَقَالَ فِي الْفَتْح وَأمر السُّلْطَان بإغلاق كَنِيسَة قمامة وَحرم على النَّصَارَى زيارتها وَلَا إلمامة وتفاوض النَّاس عِنْده فِيهَا فَمنهمْ من أَشَارَ بهدم مبانيها وتعفية آثارها وتعمية نهج مزارها وَقَالُوا إِذا هدمت ونبشت الْمقْبرَة وعفيت وحرثت أرْضهَا وَدَمرَ طولهَا وعرضها انْقَطَعت عَنْهَا أَمْدَاد الزوار وانحسمت عَن قَصدهَا مواد أطماع أهل النَّار وَمهما استمرت الْعِمَارَة استمرت الزِّيَارَة وَقَالَ أَكثر النَّاس لَا فَائِدَة فِي هدمها وهدها فَإِن متعبدهم مَوضِع الصَّلِيب والقبر لَا مَا يُشَاهد من الْبناء وَلَا يَنْقَطِع عَنْهَا قصد أَجنَاس النَّصْرَانِيَّة وَلَو نسفت أرْضهَا فِي السَّمَاء وَلما فتح أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رضي الله عنه الْقُدس فِي صدر الْإِسْلَام أقرهم على هَذَا الْمَكَان وَلم يَأْمر بهدم الْبُنيان