الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البط سابح
فَقَالَ معلمه وَكَانَ حَاضرا نعم وجرو الْكَلْب نابح
فخجلت من خطاء خطابه وَإِذا بِهِ على دأبه فِي سوء آدابه ومقصوده أَن يذكر قرينَة وَلَا يُبَالِي بِعَيْنِه قريرة أم سخينة ودأب أدباء أَوْلَاد الْمُلُوك لاجترائهم على أعزة أَوْلَادهم الاجتراء على الْآبَاء وَيحْتَمل مَا يصدر مِنْهُم لعزة الْأَبْنَاء وَإِنَّمَا يصلح لمجالسة الْمُلُوك من يتحفظ فِي كَلَامه ويتيقظ حَتَّى فِي مَنَامه
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مئة
قَالَ الْعِمَاد وَفِي خَامِس الْمحرم مِنْهَا رَحل السُّلْطَان من الْبركَة قَاصِدا إِلَى الشَّام وَلم يعد بعْدهَا إِلَى مصر حَتَّى أدْركهُ الْحمام
وَأخذ على طَرِيق صدر وأيلة فِي المفاوز فَبَاتَ بالبويب ثمَّ كَانَت مَنَازِله على الجسر ووادي مُوسَى وحثا وَصدر وَبعد خمس لَيَال وصل عقبَة أَيْلَة وَهُنَاكَ سمع باجتماع الْكفَّار بالكرك لقصد قطع الطَّرِيق فاحترز بِحِفْظ الْأَطْرَاف وَجَاز بحسمى ثمَّ عقبَة شتار ثمَّ القريتين وأغار فِي تِلْكَ الْأَيَّام على أَطْرَاف بِلَاد الْعَدو ثمَّ تجرد السُّلْطَان فِي كماته وسلك بهم سمت الكرك
إِلَى الحسا وَأمر أَخَاهُ تَاج الْمُلُوك بوري على النَّاس وَأمره أَن يسير بهم يمنة مِنْهُ ثمَّ اجْتَمعُوا بالسلطان بالأزرق بعد أُسْبُوع
وَوصل الْخَبَر بظفر الْملك الْمَنْصُور عز الدّين فرخشاه قَالَ الْعِمَاد ويلقب أَيْضا معز الدّين بِمَا غنمه أَيْضا من بِلَاد الْعَدو وَذَلِكَ أَن الفرنج لما سمعُوا بمسير السُّلْطَان من مصر وَمَعَهُ خلق من التُّجَّار اجْتَمعُوا بالكرك للقرب من الطَّرِيق لَعَلَّهُم ينتهزون فرْصَة فيقتطعون من الْقَافِلَة قِطْعَة
فَخرج فرخشاه من دمشق واغتنم خلو دِيَارهمْ فَأَغَارَ على بِلَاد طبرية وعكا وَفتح دبورية وَجَاء إِلَى حبيس جِلْدك بِالسَّوَادِ وَهُوَ شقيف يشرف على بِلَاد الْمُسلمين ففتحه وَأَسْكَنَهُ الْمُسلمين فَبَقيَ عينا على الْكفَّار بَعْدَمَا كَانَ لَهُم وَرجع بالغنائم والأسرى مظفرا منصورا وَمَعَهُ ألف أَسِير وَعِشْرُونَ ألف رَأس من الْأَنْعَام
ثمَّ وصل السُّلْطَان بصرى وَدخل دمشق سَابِع عشر صفر
قَالَ وَفِي الْعشْر الأول من ربيع الأول خرج السُّلْطَان وأغار على بِلَاد طبرية وبيسان والتحم بَينهم الْقِتَال تَحت حصن كَوْكَب وَاسْتشْهدَ جمَاعَة
من الْمُسلمين وَلَكِن كَانَت الدائرة على الْكَافرين وَرجع السُّلْطَان بِحَمْد الله ظافرا
وَكتب بالمثال الفاضلي إِلَى الدِّيوَان كَانَ الْخَادِم طالع بِخُرُوجِهِ من مصر طَالبا للغزاة الْمَفْرُوضَة والمسافة بَين مصر وَالشَّام لمن يرفق فِي الْمسير لَا تقصر عَن ثَلَاثِينَ يَوْمًا فحشد الفرنج ونزلوا بالكرك على إرجاف بالمصاف وَلم يزل الْخَادِم على مداومة الإعمال إِلَى أوساط الْأَعْمَال فَحل بهَا وَشن الْغَارة فأبعد وأذكى النَّار فَأوقد وَطلب المَاء المحمي أزرقه بأزرقهم فأورد وَسَفك دم الخصب بالنَّار وَأخذ فِيهَا عدل السَّيْف الْجَار بالجار وَعلم أَن الفرنج قد تسللوا لِوَاذًا وتعللوا بالحصون احتجازا ولياذا وَأَنَّهُمْ لَا يُقَاتلُون إِلَّا فِي قرى مُحصنَة وَلَا يُقَاتلُون إِلَّا على نجاة متيقنة وسرح الْخَادِم إِلَى تِلْكَ الذَّرَارِي واستنفر لَهَا من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة وَسَارُوا فِي طَرِيق على الْعَدو غير خافية وَمِنْهُم غير خائفة وَركب هُوَ وحمية الْإِسْلَام الحامية الَّتِي تستنهض أَرْوَاح الْكفْر إِلَى نَار الله الحامية
وسلك الْبِلَاد المؤدية أَوديتهَا إِلَى سيول الشّرك الطامية وسيوف الضلال الدامية فجثموا جثوم الكسير وجدعوا أنوف الْأنف جدعا قصر فِيهِ رَأْي قصير
وَجَاز الْخَادِم الْمسَافَة الْمُقَابلَة لَهُم الَّتِي كَانَت تجاز فِي يَوْم وَاحِد فِي أَيَّام وَأورد عَلَيْهِم طيف الْخَوْف غير لابس ثِيَاب الأحلام وَيسر الله الْوُصُول ورقاب عصبَة الْكفْر تكَاد تتوثب عَلَيْهَا رقاقها وعيون الْأَعْيَان مِنْهُم قد قيدها للذل إطراقها
وَتوجه يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع شهر ربيع الأول وَنزل أَمَام طبرية لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع عشر ربيع الأول فَجَاءَهُ الْخَبَر بِأَن الفرنج رحلوا فِي ليل ركبوه جملا ولبسوه سترا دون اللِّقَاء مسبلا وأصبحت الأطلاب الإسلامية طالبة الْأُرْدُن وأشرف عَلَيْهِم الْمَمْلُوك فرخشاه وَكَانَ على ميسرَة الْإِسْلَام فَمَا خرج مِنْهُم من أخرج كفا وَلَا تطرف مِنْهُم من أجال طرفا وَلَا من ركض طرفا وَلم يزل الْخَادِم مُقيما يُنَادي لِلْخُرُوجِ الصم الَّذين لَا يسمعُونَ الدُّعَاء إِلَى أَن طوى النَّهَار ملاءته وَمد عَلَيْهِم كلاءته فَإِنَّهُ رعى مَا بَينه
وَبَين مُنَاسبَة وُجُوههم وصحائفهم بسواده وَلِأَن اللَّيْل يدعى كَافِرًا فهداهم وخبأهم فِي فُؤَاده وانبرى لَهُم من المماليك ذَوُو سِهَام كل رمية مِنْهَا طعنة وكل أنة من قوسها تجاوبها للحين أنة فَاسْتَخْرَجُوا ضمائر كنائنهم وقصدوا بهَا ضمائر ضغائنهم فمرت كَأَن التَّوْفِيق يَقُودهَا إِلَى حَيْثُ أمت فأماتت وطارت جَرَادًا ترعى زرع الْحَيَاة فبتت وَمَا أباتت وَلم يرَوا مضاجع ذَوَات حسك كمضاجع حسكها السِّهَام وَلَا لَيْلَة هم ذَات أَحْلَام كليلة حلمها يقظة الْحمام وأصابت خيولهم صوائبها وتعلقت نصالهم بدهمها فكأنهم فِي ظلماتها كواكبها فَلَمَّا انْشَقَّ الصُّبْح غيظا من شقَاق كفرهم شوهدوا نازلين من حصنهمْ الَّذِي كَانُوا إِلَيْهِ آوين وطالبي التباعد عَنهُ إِلَى حصن الطّور الَّذِي كَانُوا إِلَيْهِ ناوين فساقت إِلَيْهِم أطلاب الميسرة صُحْبَة الْمَمْلُوك فرخشاه
وسَاق الْمَمْلُوك عمر من الميمنة طَالبا لحومة الْقِتَال فَرَأَوْا الخطة عَلَيْهِم متضايقة وشهادات الْبلَاء إِلَى فئتهم متناسقة وَأنزل الله النَّصْر من سمائه على مطيعه فِي أرضه ومنح نَافِلَة الموهبة لمن قَامَ فِي الْجِهَاد بفرضه
وتوالت من الفرنج حملات ألجأهم إِلَيْهَا الِاضْطِرَار لَا الِاخْتِيَار وَثَبت من دنا مِنْهُم من الْمُسلمين من الأطلاب ولقوهم وهم الْأَعْدَاء لِقَاء الأحباب وتعانقت لغير الوداد فَصَارَت أيديها أوشحة وطارت إِلَى أقرانها فَصَارَت أرجل الْخَيل لَهَا أَجْنِحَة وصرعت للفرنج أبطال وخيالة وتمت الحملة الإسلامية على من كَانَ وَرَاءَهُمْ من الرجالة فَأخذ الْقَتْل كثيرا وقليلا ترك وفر روح الْكَافِر من الْجَسَد وَعلمت النَّار أَنه سلك وألجأهم
الْبلَاء إِلَى حصن يعرف بعفربلا وسع الْخَوْف مِنْهُ مَا هُوَ ضيق وَتعلق بِالْحَيَاةِ مِنْهُم من هُوَ بِهِ مُتَعَلق وَلم تَنْصَرِف صُدُور الْخَيل دون أَن اعتقلتهم فِي سجنه وألزمتهم بِهِ فصاروا قرطا فِي أُذُنه وَكَانَ الْيَوْم من الْأَيَّام الَّتِي اضطرمت فِيهَا نيران الْجَحِيم ارتياحا لمن قدمهَا من أَرْوَاح الْكفَّار
وَكَانَ قَائِم الظهيرة فِي الْغَوْر قد منع من استتمام عودة المغار ومورد المَاء بعيد من غَرِيمه والري وَلَو أَنه من حميم أحب إِلَى الْمَرْء من حميمه فمالت الْجنُود إِلَى المناهل مُتَفَرِّقَة عَلَيْهَا ومنصرفة إِلَيْهَا وحافة بهَا من حواليها وأذعن الْكفَّار بالحصر والتفادي من الإصحار والاعتماد على المطاولة والأضجار والاستعصام بِمَا لَا يُطَاق من أنفاس الهجير الْحرار
وَبَات الْخَادِم والمسلمون على الْحصن الْمَذْكُور الَّذِي يَأْتُوا بِهِ نازلين قد حققوا من أَحْوَال اللِّقَاء مَا كَانُوا بِهِ جاهلين وَفعل الله سبحانه وتعالى فِي هَذِه النّوبَة مَا عواقبه مسفرة عَن المُرَاد ودلائله مُحَققَة لقَوْله تَعَالَى {لَا يغرنك تقلب الَّذين كفرُوا فِي الْبِلَاد} وَأَن الْكفْر مذ قَامَ قائمه وَالشَّام مذ حلّه ظالمه لم يعبر أحد من وُلَاة الْأَمر هَذَا الْحَد إِلَّا على حِين غَفلَة من أَهله وَلم يواجه الْكفْر وَهُوَ مُجْتَمع فِي خيله فضلا عَن رجله وَلم يهدد الْعَدو بِضَرْب مصَاف إِلَّا واستكانت العزائم لتهديده وَلم يجمع أمره على اللِّقَاء إِلَّا صرفه عَنهُ الْآمِر بصرفه بذهبه لَا بحديده فَأَما الْآن فقد أنس الْمُسلمُونَ بحزبه وتمرنوا بحربه