الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي مسير السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الْمشرق مرّة ثَانِيَة
قَالَ الْعِمَاد ثمَّ إِن السُّلْطَان عزم على الْمسير إِلَى حلب وبلغه أَن المواصلة كاتبوا الفرنج ورغبوهم فِي الْخُرُوج إِلَى الثغور ليشغلوا السُّلْطَان عَن قصدهم
فَتوجه على سمت بعلبك وخيم بالبقاع وَكَانَ قد وَاعد أسطول مصر أَن يتجهز إِلَى بِلَاد السَّاحِل فَبَلغهُ الْخَبَر أَنه وصل إِلَى بيروت فبادره السُّلْطَان بعسكره جَرِيدَة قبل أَن يفوت فَلَمَّا وصل رأى أَن أَمر بيروت يطول وَكَانَ قد سبى الأسطول مِنْهَا وسلب وظفر من غنيمتها بِمَا طلب فَأَغَارَ السُّلْطَان على تِلْكَ الْبِلَاد وَرجع وَأعَاد فرخشاه إِلَى دمشق ورحل إِلَى بعلبك وَمِنْهَا إِلَى حمص فَخرج الْفَقِيه الْمُهَذّب عبد الله بن أسعد بن الدهان وَله فِي السُّلْطَان مدائح مِنْهَا قصيدة أَولهَا
(أعلمت بعْدك وقفتي بالأجرع
…
ورضى طلولك عَن دموعي الهمع)
(مطرَت غضى فِي منزليك فذاويا
…
فِي أَربع ومؤججا فِي أضلع)
(هَل يعلم المتحملون لنجعة
…
أَن الْمنَازل أخصبت من أدمعي)
(دَعْنِي وَمَا شَاءَ التَّلَذُّذ والأسى
…
وأقصد بلومك من يطيعك أَو يعي)
(لَا قلب لي فأعي الملام فإنني
…
أودعته بالْأَمْس عِنْد مودعي)
(قل للبخيلة بِالسَّلَامِ تورعا
…
كَيفَ استبحت دمي وَلم تتورعي)
(وبديعة الْحسن الَّتِي فِي وَجههَا
…
دون الْوُجُوه عناية للمبدع)
(مَا بَال مُعْتَمر بربعك دائبا
…
يقْضِي زيارته بِغَيْر تمتّع)
وَمِنْهَا
(ووعدتني إِن عدت عود وصالنا
…
هَيْهَات مَا أبقى إِلَى أَن تَرْجِعِي)
(هَل تسمحين ببذل أيسر نائل
…
أَن اشتكي وجدي إِلَيْك وتسمعي)
(فتيقني أَنِّي بحبك مغرم
…
ثمَّ اصنعي مَا شِئْت بِي أَن تصنعي)
وَمِنْهَا
(فسقى الرّبيع الجون ربعا طالما
…
أَبْصرت فِيهِ الْبَدْر لَيْلَة أَربع)
(وَلَو اسْتَطَعْت سقيته سبل الْغنى
…
من كف يُوسُف بالأدر الأنقع)
(بيَدي فَتى لَو أَن جود يَمِينه
…
للغيث لم يَك ممسكا عَن مَوضِع)
(فَإِذا اتبسم قَالَ يَا جودا ندفق
…
فيضا وَيَا سحب الندى لَا تقلعي)
(وَإِذا تنمر قَالَ يَا أَرض أرجفي
…
بالصاهلات وَيَا جبال تزعزعي)
(وَإِذا علا فِي الْمجد أَعلَى غَايَة
…
قَالَت لَهُ الهمم الجسام ترفع)
(كم وَقْفَة لَك فِي الوغى محمودة
…
أبدا وَكم جود حميد الْموقع)
(وَالنَّاس بعْدك فِي المكارم والندى
…
رجلَانِ إِمَّا سَارِق أَو مدعي)
قَالَ ثمَّ رَحل السُّلْطَان إِلَى حماة واستصحب مَعَه ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين فَلَمَّا قرب من حلب أقبل مظفر الدّين كوكبري بن عَليّ كوجك صَاحب حران حِينَئِذٍ فَاجْتمع بالسلطان وَصَارَ فِي خدمته من جملَة الأعوان وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يعبر الْفُرَات وَيجوز مَا وَرَاءَهَا وَيتْرك حلب إِلَى مَا بعد ذَلِك لِئَلَّا تشغله عَن غَيرهَا
فاستصوب السُّلْطَان رَأْيه وَعبر الْفُرَات
وَقَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد نزل السُّلْطَان على حلب فِي ثامن عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَسبعين فَأَقَامَ ثَلَاثَة أَيَّام ورحل فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين مِنْهُ يطْلب الْفُرَات وَاسْتقر الْحَال بَينه وَبَين مظفر الدّين بن زين
الدّين وَكَانَ صَاحب حران وَكَانَ قد استوحش من جَانب الْموصل وَخَافَ من مُجَاهِد الدّين فالتجأ إِلَى السُّلْطَان وَعبر إِلَيْهِ إِلَى قَاطع الْفُرَات وقوى عزمه على الْبِلَاد وَسَهل أمرهَا عِنْده فَعبر الْفُرَات وَأخذ الرها والرقة ونصيبين وسروج ثمَّ شحن على الخابور وأقطعه
وَقَالَ ابْن أبي طي فِي أول السّنة أَرَادَ مظفر الدّين بن زين الدّين وَكَانَ إِلَيْهِ شحنكية حلب الِاسْتِيلَاء على قلعة حلب بِأَن يهجمها فَلم يتَمَكَّن وَظهر أمره وَبعد هَذِه الْوَقْعَة اجْتمع الأخوان عز الدّين وعماد الدّين على الرقة وتحالفا على بِسَاط وَاحِد وَسلم عماد الدّين مَا كَانَ بِيَدِهِ من سنجار وَغَيرهَا إِلَى عز الدّين وَسلم عز الدّين إِلَيْهِ حلب فَسَار إِلَيْهَا ودخلها فَخرج مظفر الدّين عَنْهَا وَصَارَ إِلَى الْفُرَات فَلَمَّا اتَّصل بِهِ قصد السُّلْطَان حلب سَار إِلَى خدمته وَاجْتمعَ بِهِ على جباب التركمان وَأَشَارَ على السُّلْطَان بعبور الْفُرَات والاستيلاء على بِلَاد الشرق وَتَأْخِير أَمر حلب فَفعل
ورحل عَن حلب بعد أَن أَقَامَ عَلَيْهَا سِتَّة أَيَّام وَأقَام على تل خَالِد ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رَحل إِلَى البيرة وفيهَا شهَاب الدّين مُحَمَّد بن الياس الأرتقي فَنزل إِلَيْهِ وَقبل الأَرْض بَين يَدَيْهِ وَسَأَلَهُ الصعُود إِلَى قلعة البيرة فَأَجَابَهُ وَقدم لَهُ مَفَاتِيح القلعة فَردهَا إِلَيْهِ ووعده باستخلاص مَا كَانَ صَاحب ماردين غَلبه عَلَيْهِ
ورحل السُّلْطَان إِلَى سروج فَنزل إِلَيْهِ صَاحبهَا ابْن مَالك مستأمنا فَأَعَادَهُ إِلَى بَلَده وراسل صَاحب ماردين فِي رد مَا كَانَ تغلب عَلَيْهِ من أَعمال البيرة فَفعل
ثمَّ أَخذ الرها ثمَّ الرقة ثمَّ سلم الرها إِلَى ابْن زين الدّين والرقة إِلَى صَاحب الرها لِأَنَّهُ سَأَلَ أَن يكون فِي خدمَة السُّلْطَان
وَمن كتاب فاضليّ عَن السُّلْطَان إِلَى عز الدّين فرخشاه يُعلمهُ بِالْحَال وَفِي آخِره ولتعجل بِحمْل مَا هُنَاكَ من الْأَمْوَال فَكلما فتحت الْبِلَاد أَبْوَابهَا قد فتحت المطامع أفواهها واستوعبت الخزائن إخراجا وإنفاقا واستنفدت الحواصل إِعْطَاء وإطلاقا وَقدمنَا على بَحر لَا يسده إِلَّا بَحر وعَلى أيد إِن كَانَ بهَا الْغنى فَفِي أَنْفسهَا الْفقر
وَمن كتاب آخر إِلَى الْعَادِل يعلم مِقْدَار الْحَاجة إِلَى الأنفاق وَكَثْرَة الخرج الَّذِي اشْترك فِيهِ أهل الْآفَاق وَأَنه مَتى نضبت الْموَاد وقفت الْأُمُور الَّتِي قد شارفت نهاياتها وَتَفَرَّقَتْ الجموع الَّتِي تناذرت الْأَعْدَاء نكاياتها وَمَا دون تملك الْبِلَاد إِلَّا الْوُصُول إِلَيْهَا وَالنُّزُول عَلَيْهَا
قَالَ الْعِمَاد وَقَالَ مظفر الدّين للسُّلْطَان مازلت شوقا إِلَيْك فِي حران حران وَإِلَى الرّيّ من ورد خدمتك ظمآن وَهِي لَك مبذولة وبأوليائك
من أهل الدّين وَالدُّنْيَا مأهولة والرها لَا يعسر أمرهَا والرقة لرقك وَبَعض حَقك والخابور فِي انْتِظَار خبرك ودارا دَارك ونصيبين نصيبك وَملك الْموصل موصلك إِلَى الْملك وَمَا هَذَا أَوَان الونى فادن إِلَيْنَا وكل بعيد قد دنا
قَالَ وَوصل الْبَحْر إِلَى الْفُرَات وخيم عَلَيْهَا من غربي البيرة وَمد الجسر وَكَانَت البيرة قد طمع فِيهَا صَاحب ماردين وَاسْتولى على مَوَاضِع من أَعمالهَا فَلَمَّا سمع بالسلطان تخلى عَنْهَا فَأَعَادَ إِلَيْهَا صَاحبهَا شهَاب الدّين مُحَمَّد بن إلْيَاس الأرتقي
وَكتب السُّلْطَان بالمثال الفاضلي إِلَى الدِّيوَان عِنْد عبور الْفُرَات كتابا فائقا طَويلا يَقُول فِيهِ خدم الْخَادِم مُتَوَالِيَة إِلَى الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة خلد الله سلطانها شارحا لأحواله ومعتدا بهَا من صَالح أَعماله ومتوقعا من الْأَجْوِبَة عَنْهَا مَا يُهَيِّئ لَهُ من أمره رشدا وَيفرق الْأَعْدَاء إِذْ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا فَإِن الآراء الشَّرِيفَة لَو لم تفصح عَنْهَا الإنشاءات وتتضمنها الإجابات والابتداءات لأفصحت عَنْهَا مُوالَاة الْخَادِم الَّتِي استفتحت الدولة بعقائل الْفتُوح قبل خطبتها وَردت الْأَسْمَاء الشَّرِيفَة إِلَى أوطانها من المنابر
بعد طول غربتها فَتلك الْأَعْمَال كالهجرة وَلكُل امْرِئ مَا هَاجر إِلَيْهِ وَنِيَّة الْمَرْء ثَوْبه فَلَا يلبس إِلَّا مَا خلعته النِّيَّة عَلَيْهِ
وَكتاب الْخَادِم الْآن من البيرة بَعْدَمَا قطع الْفُرَات وَكَانَ من لَا تقرب عَلَيْهِ العزائم مَا هُوَ بعيد وَلَا يلقِي السّمع وَهُوَ شَهِيد يظنّ أَن سَاكن النّيل يحول الْفُرَات بَينه وَبَين قَصده وَأَنه ينسى عَزِيمَة رَأْيه إِذا ذكر طول مدَّته وهول مده وكيفما كَانَ هَذَا الْمخْرج المحرج فقد أَحْسَنت إِلَى الْخَادِم إساءته إِلَيْهِ وقربه من مَحل دَار السَّلَام بل الْإِسْلَام فَمَا أَكثر مَا قَالَ السَّلَام عَلَيْهِ واستشرف جنانه من جنابه أمنا وذعرا أوجبتهما الْمُوَالَاة والمهابة وطالعت عينه أنواء وأنوارا تنْسب إِلَى بركاتها كل سَحَابَة وَكَاد ينزل عَن السُّرُوج والأكوار وَيقبل الثرى لأجل شرف الْجوَار وتستنفد غَلَّته مَاء الْفُرَات لِأَنَّهُ يمر بِتِلْكَ الديار وَيقْرَأ من صفائه صفاء تِلْكَ الخواطر الْعَظِيمَة الأخطار وَمن عذوبته ذَلِك الإنعام الَّذِي هُوَ أَعم وأغمر للأقطار من القطار وتنور دَار الْإِسْلَام من مَنْزِلَته فأدناه النّظر العالي وأسفلته آماله حوز الْفَوْز بِمَا قربه نجيا من قربهَا والآمال أمالي وَالله تَعَالَى
يشرف أَرضًا هُوَ واطئها ويرعى سروجا هُوَ كالئها ويسعد بِهِ أمة هُوَ بارها طَاعَة لمن هُوَ بارئها
وَلما تحقق الْخَادِم أَن المواصلة قد واصلوا الفرنج مُوَاصلَة أَخْلصُوا فِيهَا الضمائر وَلم يستطيعوا فِيهَا كتمان السرائر وخصمتهم خطوط الْأَيْدِي المتمسكة بعصم الكوافر وعقدوا مَعَهم عقدا شهده من هُوَ حاضره وَنَقله إِلَى من سَمعه من هُوَ ناظره وَكَانَ عقدهم إِحْدَى عشرَة سنة والمستقر لَهُم فِي كل سنة عشرَة آلَاف دِينَار على أَن تسلم ثغور الْمُسلمين إِلَى الْكفَّار مِنْهَا بانياس وشقيف تيرون وحبيس جِلْدك وأسارى الفرنج فِي كل بَلْدَة بِأَيْدِيهِم وَفِي كل بلد يسترجعونه من الْخَادِم بمساعدة الفرنج
وَلما تمّ لَهُم هَذَا العقد وحملوا إِلَى الفرنج ذَلِك النَّقْد ظنُّوا أَن الْحق يجادله الْبَاطِل فيدحضه وَأَن يَد الْكفْر تنبسط إِلَى الْإِسْلَام فتقبضه وَأَن الْخَادِم لَا يُمكنهُ أَن يتَوَجَّه إِلَيْهِم إِلَّا بِأَن تكون الفرنج سلما وَلَا يَسْتَطِيع أَن يقسم العساكر فَيجْعَل بِإِزَاءِ الفرنج قسما وبإزائهم قسما وَعمِلُوا على هَذَا الْوَهم وبنوا على هَذَا الحكم واستنهضوا الفرنج على تثاقل الخطوة واستخرجوهم على مَا بهم من كلوم الْغَزْوَة بعد الْغَزْوَة فتحاملت أرجل الْكفْر على ظلعها وَخرجت على طمعها إِلَى قرعها وأنفقت فِي رجالها مَالا حملوه إِلَيْهِم
جما وَجَرت إِلَى الْإِسْلَام جَيْشًا جهزه من يَدعِي الْإِسْلَام لفظا ويفارقه حكما وتواعد المواصلة مَعَ الفرنج ليطلبوا ولَايَة الْخَادِم من جَانب ويطلبها الفرنج من جَانب ونظروا فِيمَا يُوصل المساءة إِلَى الْخَادِم وَلم ينْظرُوا لِلْإِسْلَامِ فِي العواقب فوصل المواصلة إِلَى نَصِيبين مجدين محفلين وحركوا الفرنج لِلْخُرُوجِ إِلَى الشَّام متطرفين ومتوغلين فَلَا جرم أَن أُمَرَاء جانبهم وخواص صَاحبهمْ لم يسعهم المروق من الدّين وَلَا الْخُرُوج عَن زمرة الْمُوَحِّدين فأرضوا الله بإسخاطهم وَأَشْفَقُوا على دينهم إشفاقا دلّ على تحرزهم لَهُ واحتياطهم فاتبعوا الْحق وسلكوا سَبيله وَرفع لَهُم الْهدى مناره فاقتفوا دَلِيله {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله} فاستعان الْخَادِم عَلَيْهِم بِاللَّه الَّذِي استعانوا على دينه بأعدائه وَلما رأى أَنهم قد أملوا النَّصْر من أَرضهم أمله من سمائه فرتب الْخَادِم فِي رَأس المَاء بِدِمَشْق بِإِزَاءِ الفرنج الْمَمْلُوك فرخشاه ابْن أَخِيه وَأبقى عَسْكَر الشَّام وحاميته فِيهِ واستنهض أَخَاهُ من مصر إِلَى مَا يَلِيهِ من بِلَاد الْكفْر فَنَهَضَ وَقَامَ للخادم بِمَا أَقَامَهُ لَهُ وَللَّه عز وجل بِمَا فرض وَسَار الْخَادِم بالعسكر الْمصْرِيّ إِلَى هَذَا الْجَانِب الَّذِي هُوَ الْآن فِيهِ وَكَانَ أيسره يَكْفِيهِ وتثاقل فِي الطَّرِيق انتظارا لِأَن يَأْتُوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا
ويفرجوا عَن الْولَايَة أَيدي اغتصابها وتعتذر إِلَى السَّيْف أَلْسِنَة تشفق على رقابها فَأَبَوا إِلَّا الإباء وَرَأَوا الْملك إِرْثا مَا ادعوا فِيهِ تَقْلِيد الْخُلَفَاء بل الْآبَاء
وَلما قرب الْخَادِم من الْفُرَات وصل إِلَيْهِ صَاحب حران ابْن زين الدّين عَليّ كوجك مقدم عَسْكَرهمْ وَابْن أَمِير معشرهم وَكَذَلِكَ صَاحب سروج وَصَاحب البيرة وكل بِيَدِهِ مَفَاتِيح بَلَده وأمامه أَمَان الْخَادِم لَهُ قد استبدله من مقلده ووراءه عسكره على كَمَال عدده وعدده وتوالت كتب أمرائهم الَّذين يَأْخُذُونَ إقطاعاتهم خدما ومصانعات ورعاياهم الَّذين يَأْخُذُونَ أَمْوَالهم جنايات ومقاطعات ومكوسا وعشورا واحتكارات يرغبون إِلَى الْخَادِم فِي الإنفاذ ويحثونه فِي الْمسير على الأغذاذ ويشكون أَنهم مَعَ جوَار دَار الْخلَافَة المعظمة لَا يسْلك فيهم سننها وَلَا يقتفى فيهم شرائعها وسننها ونمي إِلَى الْخَادِم من تفاصيل المغارم الَّتِي تلْزم الْفَرِيقَيْنِ ويعدل بهَا عَن أقصد الطَّرِيقَيْنِ مَا يروع السَّامع وَيسمع الرائع ويسجل عَلَيْهِم بِالْخِلَافِ وَيشْهد لَهُم بالانحراف لأَنهم إِن ادعوا تقليدا فقد نقضه كَونهم ابتدعوا وَمَا اتبعُوا وَنَقَضُوا وَمَا افترضوا ومثلوا بِالْحَقِّ وَمَا امتثلوا وَأمرُوا بكف الْأَيْدِي وَقد بسطوها وبأخذ الْأَمْوَال من حلهَا وَقد خلطوها وبرعاية أمة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد أسخطوه فِيهَا وأسخطوها
وَابْن الدعْوَة العباسية من رعاها لَا من ادَّعَاهَا والعهود وَصَايَا وَمَا الأولى بهَا من سَمعهَا بل من وعاها وَأي عهد لمن لَا عهد لَهُ بِالطَّاعَةِ وَأي ولَايَة
لمأمور بِأَن يجمع أهل الْفرْقَة فَفرق أهل الْجَمَاعَة فالجندي تُؤْكَل الأَرْض باسمه وَلَا شَيْء بيدَيْهِ والعامي يرفع إِلَى السَّمَاء استغاثة مَا لَا يُمْهل الله عَلَيْهِ وَلَقَد تعجب الْخَادِم من إسفاف الْأَنْفس الغنية إِلَّا أَنَّهَا الفقيرة والارتفاق بِتِلْكَ الطّعْم الجليلة وَهِي على الْحَقِيقَة الحقيرة {يَوْم يحمى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فتكوى بهَا جباههم وجنوبهم وظهورهم} الْآيَة
هَذَا إِلَى طامة أُخْرَى لَا تقر عَلَيْهَا الْجنُوب وَلَا تدر عَلَيْهَا الحلوب وَلَا ينَام على سهر بارقها وَإِن كَانَ الخلوب وَهُوَ أَن الْخَادِم بلغه أَنهم كاتبوا جِهَة من الْجِهَات الَّتِي الدولة منحرفة عَنْهَا وبذلوا الطَّاعَة لَهَا وَقد أمروا بالامتناع مِنْهَا وَهَذَا نَص فِي الْخلاف لَا يدْخلهُ التَّأْوِيل وَقَول قد أحَاط بِهِ الْعلم فَلَا يختلجه التقويل وكل صَغِيرَة من هَذِه الْكَبَائِر وكل وَاحِد من هَذَا الْجمع المتكاثر ينْقض الْولَايَة ويجرح الْعَدَالَة ويسلب الرشد وَيثبت الضَّلَالَة ويمضي نِيَّة الْوَلِيّ فِيمَا هُوَ لَهُ مَاض وَيبْعَث عزمه فَيَقْضِي مَا هُوَ قَاض ويسخطه وَكَيف لَا يسْخط وَالْمولى غير رَاض ويغيظه بِمَا لَا عذر لَهُ لمغتاظ منغاض
وَمَا أنهى الْخَادِم مِمَّا اتَّصل بِهِ الْأَوَائِل والأطراف وَمَا عول إِلَّا على مَا صححته النَّفس دون مَا خيله الإرجاف وَإِذ قد سَاق الله إِلَى هَذِه الْولَايَة حظها من معدلة كَانَ الزَّمَان بهَا طَويلا مطله وأنشأها