الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي قيد الإسار وَقتلت الرفاق الْكِبَار وغنمت من هَذِه الْغَزْوَة أَقوام كَانَت أَعينهم لَا تعرف عين الدِّرْهَم وَلَا وَجه الدِّينَار
فصل فِي تخريب حصن بَيت الأحزان وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول
قَالَ الْعِمَاد جمع السُّلْطَان جموعا كَثِيرَة من الخيالة والرجالة وَسَار فوصل إِلَى المخاضة يَوْم السبت تَاسِع عشر الشَّهْر والحصن مَبْنِيّ دونهَا من الغرب فخيم مِنْهَا بِالْقربِ وضاق ذَلِك المرج عَن الْعَسْكَر وَاحْتَاجَ إِلَى نصب ستائر لأجل المنجنيقات فَركب السُّلْطَان بكرَة الْأَحَد إِلَى ضيَاع صفد وَكَانَت قلعة صفد يَوْمئِذٍ للداوية وَهُوَ عش البلية
وَأمر بِقطع كرومها وَحمل أخشابها فَأخذ كل مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَرجع بعد الظّهْر وزحفوا إِلَى الْحصن بعد الْعَصْر فَمَا أَمْسَى الْمسَاء إِلَّا وهم قد استولوا على الباشورة وانتقلوا بكليتهم إِلَيْهَا وَبَاتُوا طول اللَّيْل يَحْرُسُونَ وخافوا أَن تفتح الفرنج الْأَبْوَاب ويغيروا عَلَيْهِم على غرَّة وَإِذا الفرنج قد أوقدوا خلف كل بَاب نَارا ليأمنوا من الْمُسلمين اغْتِرَارًا
فاطمأن الْمُسلمُونَ وَقَالُوا مَا بَقِي إِلَّا نقب البرج
ففرقه السُّلْطَان على الْأُمَرَاء فَأخذ فرخشاه الْجَانِب القبلي وَأخذ السُّلْطَان الْجَانِب الشمالي وَقصد نَاصِر الدّين بن شيركوه بِقُرْبِهِ نقبا وَكَذَلِكَ تَقِيّ الدّين وكل كَبِير فِي الدولة جعل لَهُ قسما وَكَانَ البرج مُحكم الْبناء فصعب نقبه لَكِن مَا انْقَضى يَوْم الْأَحَد إِلَّا وَقد تمّ نقب السُّلْطَان وعلق وَحشِي بالحطب لَيْلَة الِاثْنَيْنِ وَحرق وَكَانَ النقب فِي طول ثَلَاثِينَ ذِرَاعا فِي عرض ثَلَاث أَذْرع وَكَانَ عرض السُّور تسع أَذْرع فَمَا تأثر
بذلك فَاحْتَاجَ السُّلْطَان صَبِيحَة يَوْم الِاثْنَيْنِ إِلَى إطفاء النيرَان ليتم نقبه وَقَالَ من جَاءَ بقربة مَاء فَلهُ دِينَار
قَالَ الْعِمَاد فَرَأَيْت النَّاس للقرب حاملين ولأوعية المَاء ناقلين حَتَّى أغرقوا تِلْكَ النقوب فخمدت فَعَاد نقابوها وَقد بردت فخرقوه وعمقوه وفتحوه وفتقوه وشقوا حجره وفلقوه ثمَّ حشوه وعلقوه واستظهروا فِيهِ يومي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء ثمَّ أحرقوه
وَاشْتَدَّ الْحِرْص عَلَيْهِ لِأَن الْخَبَر أَتَاهُم بِأَن الفرنج قد اجْتَمعُوا بطبرية فِي جمع كثير فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس الرَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الأول وَتَعَالَى النَّهَار انقض الْجِدَار وتباشرت الْأَبْرَار
وَكَانَ الفرنج قد جمعُوا وَرَاء ذَلِك الْوَاقِع حطبا فَلَمَّا وَقع الْجِدَار دخلت الرِّيَاح فَردَّتْ النَّار عَلَيْهِم وأحرقت بُيُوتهم وَطَائِفَة مِنْهُم فَاجْتمعُوا إِلَى الْجَانِب الْبعيد من النَّار وطلبوا الْأمان
فَلَمَّا خمدت النيرَان دخل النَّاس وَقتلُوا وأسروا وغنموا مئة ألف قِطْعَة من الْحَدِيد من جَمِيع أَنْوَاع الأسلحة وشيئا كثيرا من الأقوات وَغَيرهَا وَجِيء بالأسارى إِلَى السُّلْطَان فَمن كَانَ مُرْتَدا أَو راميا ضربت عُنُقه وَأكْثر من أسر قَتله فِي الطَّرِيق الْغُزَاة المطوعة وَكَانَ عدَّة الْأُسَارَى نَحْو سبع مئة وخلص من الْأسر أَكثر من مئة مُسلم وسير بَاقِي الْأُسَارَى إِلَى دمشق
وَأقَام السُّلْطَان بِمَنْزِلَتِهِ حَتَّى هُدُوا الْحصن إِلَى الأساس وطم جب مَاء معِين كَانُوا حفروه فِي وَسطه وَرمى فِيهِ الْقَتْلَى
وَكَانَ عِنْد السُّلْطَان رَسُول القومص معافى وَهُوَ يُشَاهد بلية أهل مِلَّته
وَقد كَانَ السُّلْطَان بذل لَهُم فِي هَدمه سِتِّينَ ألف دِينَار فَلم يَفْعَلُوا فَزَادَهُم حَتَّى بلغ مئة ألف فَأَبَوا
وَكَانَ مُدَّة الْمقَام على الْحصن فِي أَيَّام فَتحه وَبعدهَا أَرْبَعَة عشر يَوْمًا
وَبعد ذَلِك سَار السُّلْطَان إِلَى أَعمال طبرية وصور وبيروت وَغَيرهَا فَأَغَارَ عَلَيْهَا وأرجف قُلُوبهم بوصوله إِلَيْهَا وَرجع السُّلْطَان إِلَى دمشق يَوْم الْأَرْبَعَاء وَمرض جمَاعَة من ذَلِك الوباء لِأَن الْحر كَانَ شَدِيدا وأنتنت جيف الْقَتْلَى
وَطول السُّلْطَان الْمقَام عَلَيْهِ بعد فَتحه لأجل تتميم هَدمه فَتوفي أَكثر من عشرَة أُمَرَاء وَعَاد المشهد اليعقوبي كَمَا كَانَ مزورا وبتكبير الْمُسلمين وصلاتهم معمورا
وهنأ الشُّعَرَاء السُّلْطَان بِفَتْح هَذَا الْحصن فَمن ذَلِك مَا أنْشدهُ نشو الدولة أَحْمد بن نفاذة الدِّمَشْقِي من جملَة مدائحه
(هَلَاك الفرنج أَتَى عَاجلا
…
وَقد آن تكسير صلبانها)
(وَلَو لم يكن قد دنا حتفها
…
لما عمرت بَيت أحزانها)
وَلأبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن رستم الساعاتي الْخُرَاسَانِي ثمَّ الدِّمَشْقِي من قصيدة أَولهَا
(بجدك أعطاف القنا تتعطف
…
وطرف الأعادي دون مجدك يطرف)
(شهَاب هدى فِي ظلمَة الشَّك ثاقب
…
وَسيف إِذا مَا هزه الله مرهف)
(وقفت على حصن الْمَخَاض وَإنَّهُ
…
لموقف حق لَا يوازيه موقف)
(فَلم يبد وَجه الأَرْض بل حَال دونه
…
رجال كآساد الشرى وَهِي تزحف)
(وجرداء سلهوب وَدرع مضاعف
…
وأبيض هندي ولدن مثقف)
(وَمَا رجعت أعلامك الصفر سَاعَة
…
إِلَى أَن غَدَتْ أكبادها السود ترجف)
(كبا من أعاليه صَلِيب وبيعة
…
وشاد بِهِ دين حنيف ومصحف)
(صليبة عباد الصَّلِيب ومنزل النزال
…
لقد غادرته وَهُوَ صفصف)
(أيسكن أوطان النَّبِيين عصبَة
…
تمين لَدَى أيمانها وَهِي تحلف)
وَمِنْهَا
(نصحتكم والنصح فِي الدّين وَاجِب
…
ذَروا بَيت يَعْقُوب فقد جَاءَ يُوسُف)
وَمن قصيدة لسعادة الضَّرِير الْحِمصِي
(حللت فَكنت الألمعي المسددا
…
وسرت فَكنت الشمري المؤيدا)
(وَقمت بأعباء الممالك ناهضا
…
فأقعدت أَعدَاء وَلم تخش مقْعدا)
(تعودت ضرب السَّيْف والطعن بالقنا
…
وكل امرئ مغرى بِمَا قد تعودا)
(نصرت الْهدى لما تخاذل حزبه
…
فناداك حزب الله يَا نَاصِر الْهدى)
(غضِبت لدين أَنْت حَقًا صَلَاحه
…
فأرضيت لما أَن غضِبت مُحَمَّدًا)
(فيا يُوسُف الْخَيْر الَّذِي فِي يَمِينه
…
من الْخَيْر مَا قد غَار فِينَا وأنجدا)
(وصلت لذِي سلم وصلت لذِي وغى
…
ففقت جَمِيع النَّاس بالبأس والندى)
(وقدت إِلَى الْأَعْدَاء جَيْشًا عرمرما
…
إِذا أبرقت فِيهِ الصوارم أرعدا)
(فَلم تبْق للطغيان شملا مجمعا
…
وَلم تبْق للْإيمَان شملا مبددا)
(فناهيك من جَيش نهضت بعبئه
…
فأقعدت لما أَن نهضت بِهِ العدى)
(حملت ذبالا فِي ذوابل سمره
…
فَلَمَّا دجا ليل العجاج توقدا)
(وزرت بِهِ الْحصن الَّذِي لَو تحصنت
…
فوارسه بِالنَّجْمِ أوردته الردى)
(قصمت بِهِ صلب الصَّلِيب ورعته
…
وسهدته لما غفا فتسهدا)
(وفض بِمَا قد فضه من سهامه
…
نواجذ ثغر الهنفري وقددا)
(هببت إِلَيْهِ هبة يوسفية
…
تعيد هباء كل مَا كَانَ جلمدا)
قَالَ وَمِنْهُم الْأَمِير نجم الدّين مَحْمُود بن الْحسن بن نَبهَان الْعِرَاقِيّ من أهل الْحلَّة المزيدية كَانَ حَاضرا فِي نوبَة ابْن بارزان لَهُ من قصيدة أَولهَا
(هَنِيئًا صَلَاح الدّين بِالْفَتْح والنصر
…
ونيل الْأَمَانِي الغر والفتكة الْبكر)
(وَمَا حزت فِيهَا من فخار وَمن علا
…
وَحسن ثَنَا يبْقى إِلَى آخر الدَّهْر)
(سموت لَهَا بالمشرفية والقنا
…
سمو أبي لَا ينَام على وتر)
(وصلت بهَا حَبل المفاخر مِثْلَمَا
…
قطعت بهَا يَوْم الوغى دابر الْكفْر)
(سللت بَيَاض الصُّبْح وَهُوَ صوارم
…
وخضت سَواد اللَّيْل وَهُوَ دم يجْرِي)
(وَقد عرف الإفرنج بأسك فِي الوغى
…
وجرعتهم مِنْهُ أَمر من الصَّبْر)
(وظنوا بِنَاء الْحصن صونا لملكهم
…
فَأصْبح بالشعراء منهتك السّتْر)
(فَمَا قبضت مِنْهُم يَد الْغدر قطعت
…
أناملها إِلَّا على صَفْقَة الخسر)
(هِيَ الفتكة الغراء لَا زلت قَائِما
…
بأمثالها للدّين فِي السِّرّ والجهر)
(وَأصْبح فِي أقْصَى خُرَاسَان ذكرهَا
…
وَفِي كل قلب مِنْهُ جَيش من الذعر)
(فَلَا ترض مِنْهُم بعْدهَا بذل طَاعَة
…
فَمَا خلقُوا إِلَّا على شِيمَة الْغدر)
(وسر واملك الأَرْض الَّتِي لَو تركتهَا
…
لأغضت عُيُون الْمجد مِنْهَا على أَمر)
(فيا آل أَيُّوب حويتم مناقبا
…
بأخمصها تعلو على الأنجم الزهر)
(إِذا عد أَرْبَاب الفخار فَأنْتم
…
ذَوُو الفعلات الغر والنائل الْغمر)
(وَأَنت الَّذِي أَصبَحت بالبأس والتقى
…
وبذل اللهى عالي السنا عطر الذّكر)
وَمن كتاب فاضلي إِلَى بَغْدَاد فِي وصف الْحصن وَقد عرض حَائِطه إِلَى أَن زَاد على عشرَة أَذْرع وَقطعت لَهُ عِظَام الْحِجَارَة كل فص مِنْهَا من سبع أَذْرع إِلَى مَا فَوْقهَا وَمَا دونهَا وعدتها تزيد على عشْرين ألف حجر لَا يسْتَقرّ الْحجر فِي مَكَانَهُ وَلَا يسْتَقلّ فِي بُنْيَانه إِلَّا بأَرْبعَة دَنَانِير فَمَا فَوْقهَا وَفِيمَا بَين الحائطين حَشْو من الْحِجَارَة الصم المرغم بهَا أنوف الْجبَال الشم وَقد جعلت تسقيته بالكلس الَّذِي إِذا أحاطت قَبضته بِالْحجرِ مازجه بِمثل جِسْمه وَصَاحبه بأوثق وأصلب من جرمه وأوعز إِلَى خَصمه من الْحَدِيد بَالا يتَعَرَّض لهدمه
وَمِنْه فِي وصف النَّار قَالَ وَبَات النَّاس فِي لَيْلَة الْجُمُعَة مطيفين بالحصن وَالنَّار بِهِ مطيفة وَعَلِيهِ مُشْتَمِلَة وعذبات ألسنتها على تاجه منسدلة وعَلى خَلفه مسبلة ونارهم قد أطفأها الله بِتِلْكَ النَّار الواقدة ومنعتهم قد أذهبها الله بِتِلْكَ الأبرجة الساجدة وبنفسج الظلماء قد اسْتَحَالَ جلنارا والشفق قد عَم اللَّيْلَة فَلم يخْتَص آصالا وَلَا أسحارا
ونفحاتها حميمية وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة وَالْبَلَاء يُنَادي بِلِسَان مصابها إياك أَعنِي
واسمعي يَا جَارة
فولجت النَّار موالج تضيق مِنْهَا الْفِكر وتعجز عَنْهَا الإبر ونقلت النبأ من الْعين إِلَى الْأَثر وَقَالَ الْكفْر إِنَّهَا لإحدى الْكبر
وخولف الْمثل إِن السَّعَادَة لتلحظ الْحجر
وأغنى ضوؤها لِسَان كل إمعة أَن يسْأَل هَذَا وَهَذَا مَا الْخَبَر وقذفت بشرر كالجمالات الصفر وزفرت بغيظ تعفر لَهُ خدود الْجبَال الصغر وتلحقها بالكثب العفر
وَبَات اللَّيْل وَالنَّهَار يشله وَكلما أغمده الخمود جعل الْوقُود يَسلهُ إِلَى أَن بدا الصَّباح كَأَنَّهُ مِنْهَا امتار الْأَنْوَار وَانْشَقَّ الشرق وَمن عصفرها صبغ الْإِزَار فَحِينَئِذٍ تقدم الْخَادِم فاقتلع شده الْأَحْجَار من أسها ومحا حُرُوف الْبُنيان من طرسها وَتَبعهُ الْجَيْش ورفاقه وكافة من اشْتَمَل عَلَيْهِ نطاقه
وَفِي كتاب آخر وَكَانَ مَبْنِيا على تل وَفِيه صهريج لما فتح الْمُسلمُونَ الْحصن رموا فِيهِ مَا يناهز ألف قَتِيل ودابة محرقة بالنَّار فَمَا سدت عرصته وَلَا مَلَأت حفرته وَكَانَ فِيهِ نَحْو ألف زردية والمقاتلة ثَمَانُون فَارِسًا بغلمانهم وَخَمْسَة عشر مقدما للرِّجَال مَعَ كل مقدم خَمْسُونَ رجلا هَذَا إِلَى الصناع مَا بَين بِنَاء ومعمار وحداد ونجار وصيقل وسيوفي وصناع أَنْوَاع الأسلحة
وَكَانَ بِهِ من أسرى الْمُسلمين مَا يزِيد على مئة رجل نزعت الْقُيُود من أَرجُلهم وَجعلت فِي أرجل الفرنج
وَكَانَت فِيهِ أقوات لعدة سِنِين وأنواع اللحوم الطّيبَة والخبيثة فِيهَا بَلَاغ ومتاع إِلَى حِين
وَلما قوتل
أول يَوْم هجم حوشه وَفِيه جمَاعَة من الْمُقَاتلَة فَضربت رقابهم وَأخذت دوابهم وَفِي الْحَال علقت النقوب على خمس جِهَات وحشيت بالنيران وَتَأَخر وُقُوع الجدران لفرط عرض الْبُنيان وَلم تزل النَّار توقد ثمَّ تخرج ثمَّ تشعل ثمَّ تخمد إِلَى أَن تمكنت النقوب وحشيت بالأحطاب وأطلقت فِيهَا النيرَان فِي يَوْم الْخَمِيس فَيَوْمئِذٍ وَقعت الْوَاقِعَة وانشقت الأبرجة فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية وَملك الْمُسلمُونَ الْحصن بِمَا فِيهِ وَمن فِيهِ واشتعلت النيرَان فِي أرجائه ونواحيه
وَكَانَ الطاغية مقدم الْحصن يُشَاهد مَا حل ببنيانه وَمَا نزل من الْبلَاء بِأَصْحَابِهِ وأعوانه
وَلما وصلت النَّار إِلَى جِهَته ألْقى نَفسه فِي خَنْدَق نَار صَابِرًا على حرهَا فَفِي الْحَال نقلته هَذِه النَّار إِلَى تِلْكَ النَّار وَلما أَخذ أُسَارَى الإفرنج وهم عدَّة تزيد على سبع مئة بعد المقتولين وَمَا تقصر عدتهمْ عَن مثلهَا توفرت الهمة على هدم هَذَا الْحصن وتعفيه أَثَره وَإِزَالَة ضَرَره فألحقت أعاليه بقواعده وَصَارَ أثرا بعد عين فِي عين مشاهده هَذَا والفرنج مجتمعون فِي طبرية يشاهدون الْأَمر عيَانًا وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْحصن قد مَلِيء نيرانا وارتفع دخانا
وسارت العساكر إِلَى أَعمال صيدا وبيروت وصور فأنثنت مُغيرَة فاستثارت كل غامضة ووصلت إِلَى كل ذخيرة وَصَارَت بِلَاد الفرنج لَا يسكن مِنْهَا إِلَّا كل قلعة أَو مَدِينَة وَلَا يُقيم فِيهَا إِلَّا من نَفسه لشدَّة الْخَوْف معتقلة فِي نَفسه أَو مشحونة
وَمن كتاب آخر فاضلي عَن السُّلْطَان إِلَى وَزِير بَغْدَاد تَأَخّر فلَان
لضرورات مِنْهَا أمراض كَانَت قد عَمت بهَا الْبلوى وَكَثُرت بهَا الشكوى وَكَانَ أَكْثَرهَا خَاصّا بالعائدين من العساكر من نوبَة فتح الْحصن
وَكَانَ خَادِمًا الْمجْلس السَّامِي ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين وَابْن عَمه نَاصِر الدّين قد جهدا وأثخنا وبلغا حد الْيَأْس وامتحنا وكادا يسقطان من ضمير المنى فَمن الله تَعَالَى بالشفا وَهَذِه الْبُشْرَى بِفَتْح الْحصن وَإِن كَانَت شريفة مواقفها عَامَّة مَنَافِعهَا فقد تَجَدَّدَتْ بعْدهَا بِشَارَة طلعت بِشَارَة رائقة وَجَاءَت فِي مَكَان الرديف لأخرى لَا فرق بَينهمَا إِلَّا أَن تِلْكَ سَابِقَة وَهَذِه لاحقة وَذَلِكَ أَن الأسطول الْمصْرِيّ غزا غَزْوَة أُخْرَى غير الأولى وَتوجه عَن السواحل الإسلامية مرّة أُخْرَى من الله فِيهَا منَّة أُخْرَى
وَكَانَت عدته فِي هَذِه السّنة قد أضعفت وقويت واستفرغت فِيهَا عزائم الْجِهَاد واستقصيت واحتلت بِهِ الرِّجَال الَّذين يعْملُونَ فِي الْبَحْر ويفتكون فِي الْبر وَمن هُوَ مَعْرُوف من المغاربة لغزو بِلَاد الْكفْر فسارت على سوار هِيَ كنائن إِلَّا أَنَّهَا تمرق مروق السِّهَام ورواكد هِيَ مَدَائِن إِلَّا أَنَّهَا تمر مر السَّحَاب غير الجهام فَلَا أعجب مِنْهَا تسمى غربانا وتنشر من ضلوعها أَجْنِحَة الْحمام وَتسَمى جواري وَكم مُبشر مجريها من النَّصْر بِغُلَام
وطوقت فِي الْأَحَد حادي عشر جُمَادَى الأولى ميناء عكا وَهِي قسطنطينية الفرنج وَدَار كفرهم أبدلها الله من الْكفْر إسلاما وخلع عَنْهَا الشّرك الْبَالِي وخلع عَلَيْهَا من التَّوْحِيد أعلاما
وَكَانَت مفروسة فَأَصْبَحت مفترسة