الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوليائنا وأنصارنا
وَلما لم يبْق فِي الْبِلَاد الإسلامية إِلَّا مَا هُوَ فِي يدنا أَو فِي يَد مُطِيع لنا كَانَ من شكر هَذِه النِّعْمَة أَن نصرف الْقُوَّة ونثني العزمة ونحد الشَّوْكَة ونلبس الشكة للفرنج الملاعين فتنازلهم ونقارعهم ونخاصمهم إِلَى الله وننازعهم فنطهر الأَرْض المقدسة من رجسهم بدمائهم إِلَى أَن ترق السيوف للصخرة الشَّرِيفَة لما مر بهَا من قسوة كفرهم واعتدائهم
فَنحْن نرجو أَن نَكُون عين الطَّائِفَة من الْأمة الَّتِي أخبر نَبينَا صلوَات الله عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تزَال على الْحق ظَاهِرَة وبثواب الله وعدوه ظافرة وَالله تَعَالَى يعيننا على مَا يعنينا ويلهمنا الاستجابة لدعوته إِلَى مَا يحيينا
فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى دمشق وَخُرُوجه مِنْهَا للغزاة بمخاضة الْأُرْدُن
رَحل السُّلْطَان من حلب فَمر على حماة ثمَّ حمص ثمَّ بعلبك ثمَّ دمشق
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد لم يقم السُّلْطَان فِي حلب إِلَّا إِلَى يَوْم السبت الثَّانِي وَالْعِشْرين من ربيع الآخر وَأَنْشَأَ عزما على الْغُزَاة فَخرج فِي ذَلِك الْيَوْم إِلَى الوضيحي مبرزا نَحْو دمشق واستنهض العساكر فَخَرجُوا يتبعونه
ثمَّ رَحل فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين مِنْهُ إِلَى حماة فوصلها ثمَّ رَحل فِي بَقِيَّة يَوْمه وَلم يزل يواصل بَين الْمنَازل حَتَّى دخل دمشق فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى فَأَقَامَ بهَا متأهبا إِلَى السَّابِع وَالْعِشْرين مِنْهُ
ثمَّ برز فِي ذَلِك الْيَوْم وَنزل على جسر الْخشب وتبعته العساكر مبرزة وَأقَام بِهِ تِسْعَة أَيَّام ثمَّ رَحل فِي ثامن جُمَادَى الْآخِرَة حَتَّى أَتَى الفوار وتعبى فِيهِ للحرب وَسَار
حَتَّى نزل الْقصير فَبَاتَ بِهِ وَأصْبح على الْمَخَاض وَعبر وَسَار حَتَّى أَتَى بيسان فَوجدَ أَهلهَا قد نزحوا عَنْهَا وَتركُوا مَا كَانَ من ثقيل الأقمشة والغلال والأمتعة بهَا فنهبها الْعَسْكَر وغنموا وأحرقوا مَا لم يُمكن أَخذه
وَسَار حَتَّى أَتَى الجالوت وَهِي قَرْيَة عامرة وَعِنْدهَا عين جَارِيَة فخيم بهَا
وَكَانَ قد قدم عز الدّين جرديك وَجَمَاعَة من المماليك النورية وجاولي مَمْلُوك أَسد الدّين حَتَّى يكشفوا خبر الفرنج فاتفق أَنهم صادفوا عَسْكَر الكرك والشوبك سائرين نجدة للفرنج فَوَقع أَصْحَابنَا عَلَيْهِم وَقتلُوا مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وأسروا مِنْهُم زهاء مئة نفر وعادوا وَلم يفقد من الْمُسلمين سوى شخص وَاحِد يدعى بهْرَام الشاووش فوصل إِلَيْهِ فِي بَقِيَّة يَوْم الكسرة وَهُوَ الْعَاشِر من جُمَادَى الْآخِرَة
وَفِي حادي عشرَة وصل الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان أَن الفرنج قد اجْتَمعُوا فِي صفورية ورحلوا إِلَى الفولة وَهِي قَرْيَة مَعْرُوفَة وَكَانَ غَرَضه المصاف فَلَمَّا سمع بذلك تعبى لِلْقِتَالِ وَسَار للقاء الْعَدو فَالْتَقوا وَجرى قتال عَظِيم وَقتل من الْعَدو جمَاعَة وجرح جمَاعَة وهم يَنْضَم بَعضهم إِلَى بعض يحمي راجلهم فارسهم وَلم يخرجُوا للمصاف وَلم يزَالُوا سائرين حَتَّى أَتَوا الْعين فنزلوا عَلَيْهَا وَنزل السُّلْطَان حَولهمْ وَالْقَتْل وَالْجرْح يعْمل فيهم لِيخْرجُوا إِلَى المصاف وهم لَا يخرجُون لخوفهم من الْمُسلمين فَإِنَّهُم كَانُوا فِي كَثْرَة عَظِيمَة فَرَأى السُّلْطَان الانتزاح عَنْهُم لَعَلَّهُم
يرحلون فَيضْرب مَعَهم مصَاف فَرَحل نَحْو الطّور سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة فَنزل تَحت الْجَبَل مترقبا رحيلهم ليَأْخُذ مِنْهُم فرْصَة فَأصْبح الفرنج رَاجِعين على أَعْقَابهم ناكصين فَرَحل رحمه الله نحوهم وَجرى من رمي النشاب واستنهاضهم للمصاف أُمُور عَظِيمَة فَلم يخرجُوا وَلم يزل السُّلْطَان حَولهمْ حَتَّى نزلُوا الفولة رَاجِعين إِلَى بِلَادهمْ وَعَاد السُّلْطَان منصورا وَقد نَالَ مِنْهُم قتلا وأسرا وَخرب عفربلا وبيسان وزرعين وقرى عدَّة فَنزل الفوار وَأعْطى النَّاس دستورا فَسَار من آثر الْمسير وأتى هُوَ دمشق يَوْم الْخَمِيس الرَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة
قَالَ فَانْظُر إِلَى هَذِه الهمة الَّتِي لم يشغلها عَن الْغُزَاة أَخذ حلب وَلَا الظفر بهَا بل كَانَ غَرَضه رَحْمَة الله عَلَيْهِ الِاسْتِعَانَة بالبلاد على الْجِهَاد فَالله يحسن جزاءه فِي الْآخِرَة كَمَا وَفقه للأعمال المرضية فِي الدُّنْيَا
وَقَالَ الْعِمَاد خرج السُّلْطَان إِلَى الْغَزْو ورابط الْعَدو بِعَين الجالوت وَعبر المخاضة الحسينية تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة فوصل إِلَى بيسان وَقد أخلاها أَهلهَا فَأطلق النَّاس فِيهَا النيرَان ونهبوا مَا فِيهَا وَكَذَلِكَ فعلوا بأبراج وقلاع غَيرهَا
وصادفت مُقَدّمَة العساكر خيلا ورجلا للفرنج عابرين من نابلس ومقدمهم ابْن هنفري فَقتل مِنْهُم وَأسر وتوقل الْبَاقُونَ فِي الْجبَال وَوصل الْخَبَر بِأَن الفرنج قد أَقبلُوا فِي ألف وَخمْس مئة رمح وَمثله تركبلي وَخَمْسَة عشر ألف راجل فَأَتَاهُم الْمُسلمُونَ وَذَلِكَ على عين
الجالوت فَأَخذهُم الرعب وخاموا عَن الْإِقْدَام عَلَيْهِم فخندقوا حَولهمْ وأسندوا ظُهُورهمْ إِلَى الْجَبَل وَأَقَامُوا كَذَلِك خَمْسَة أَيَّام
فَلَمَّا رأى الْمُسلمُونَ مِنْهُم ذَلِك رجعُوا عَنْهُم فتنفس خناقهم ونكصوا على أَعْقَابهم إِلَى الناصرة وَعَاد الْمُسلمُونَ بالغنائم وَالْأسَارَى لم يخلص الْعَدو مِنْهَا شَيْئا وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة
وَقد كَانُوا مُدَّة مقامهم يتخطفهم الْمُسلمُونَ من كل جَانب ويرمونهم بِالنَّبلِ وينتظرون أَن يحملوا أَولا كَمَا هُوَ عَادَتهم فَمَا فعلوا
وَفِي كتاب فاضلي عَن السُّلْطَان إِلَى بَغْدَاد لما كَانَ بتاريخ الثَّامِن من جُمَادَى الْآخِرَة سَار الْخَادِم من أدنى الْمنَازل من بِلَاد الْإِسْلَام إِلَى بِلَاد الْكفْر وَقد تكاملت جنود الْإِسْلَام وتعينت ميامنه ومياسره وَأخذت أهبه وشحذت قضبه وَبَاعُوا الله مَا اشْتَرَاهُ وَمثل لأعينهم ثَوَابه فَكَأَنَّهَا ترَاهُ وَسَارُوا تَحت ليل عجاج ستر السائر تَحْتَهُ سراه وَأصْبح الْخَادِم وإياهم بِعَين الله فِي سَبيله على مَاء الْأُرْدُن وَهُوَ النَّهر الْفَاصِل بَين الْإِسْلَام وَالْكفْر والمخاضة الْمَضْرُوب مِنْهَا بسور على ذَلِك الْقطر فَخَاضَ ذَلِك الْبَحْر وَذَلِكَ النَّهر وأمدته نطف الْحَدِيد فَإِذا المَاء يَرْمِي بالشرر ويقذف بالجمر وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي يَوْم الْمسير وَهُوَ تَاسِع الشَّهْر
وَلما جَازَ المخاضة أَخذ الْبِلَاد ضرب الْمَخَاض وزلزلت أرْضهَا فَهِيَ بالقوم ترض أَو للقيامة ترَاض وَأخذت رجال الْمُسلمين تنقص الأَرْض من أطرافها وتقلع قلاع الْجبَال وَتَطير رؤوسها من أكتافها فَإِذا الْبِلَاد قد انهزم أَهلهَا فألحقها الْمُسلمُونَ
مساكنها فِي الْهَزِيمَة وعولوا فِيهَا على سيوف المعاول فَإِذا هِيَ رَاحِلَة وَكَأَنَّهَا مُقِيمَة وَهَذِه الْبِلَاد مدن مَا كَانَ غرم قبل مِنْهَا مدنيا وعمارات مَا كَانَ أمل إِلَيْهَا مفضيا بل طالما كَانَ عَنْهَا مغضيا مثل بيسان وعفربلا وزرعين وجينين كلهَا بِلَاد مشاهير لَهَا قرى مغلة وبساتين مظلة وأنهار مقلة وقلاع مطلة وأسوار قد ضربت على جهاتها وأحاطت بجنباتها واتخذتها المدن سياجا على قصباتها فغنم الْمُسلمُونَ مَا فِيهَا من أقوات مختزنة وشفوا مِنْهَا حزازات الْقُلُوب المضطغنة وأحرقوا أوعية كفرها بالنَّار وعذبوها عَذَاب أَهلهَا من الْكفَّار وقتلوها وَكَانَ الضرام لَهَا دَمًا وَكَتَبُوا عَلَيْهَا الخراب وَكَانَ السَّيْف فِيهَا قَلما فأجلوا عَن حماها حمما وتساقطت جدرها فَكَأَنَّمَا أسارت فِيهَا النَّوَى لمما
وَلما كَانَ يَوْم السبت الْحَادِي عشر ورد الْخَبَر بِأَن عَسْكَر الْكَافرين قد ركب من مَكَان مجتمعه وزحف بلابسه ومدرعه فَركب الْخَادِم يبوئ الْمُؤمنِينَ مَوَاقِف الْقِتَال ومنازل النزال فَمن متسرع يطوف عَلَيْهِم بصفاح ليطاف عَلَيْهِ بصحاف وَمن متثبت يمشي إِلَى الْمَوْت مشي الْعَرُوس سَاعَة الزفاف وهنالك منظر ود الْمُؤْمِنُونَ لَو أَن أَمِيرهمْ لَهُ نَاظر كَمَا هُوَ بِهِ أَمر وَلَا غرو أَن يصفه الْخَادِم ليسر المخدوم لَا ليوصف الْخَادِم وَمن وصف ضَرْبَة السَّيْف فَإِنَّمَا وصف الضَّارِب وَلم يصف الصارم وَنزل الْعَدو إِلَى الأَرْض منحطا عَن سَرْجه ومنحازا عَن فجه وسالكا نهجا غير نهجه وأحدق بِهِ راجله وَهُوَ زهاء عشْرين ألف راجل وركز صَلِيب صلبوته فَاسْتَوَى فِي الْعَجز الْمَحْمُول وَالْحَامِل وَنزل محصورا وَخَنْدَق فَكَأَنَّمَا
أصبح الْكَافِر فِي حفر ذَلِك الخَنْدَق مقبورا وَأقَام بإزائه خَمْسَة أَيَّام تماسيه الوقائع وتصاحبه وتماشيه الروائع وتصافحه ويفزع فِيهِ إِلَى الحفير ويتكرر إِلَيْهِ فِي الْيَوْم الْوَاحِد النفير وَيبْعَث إِلَيْهِ السهْم وَهُوَ فِي الْحَرْب السفير فَيقبل تَحِيَّة الضَّرْب مترددة وَلَا يردهَا وتتبسم إِلَيْهِ صفيحة النصل متوددة فَلَا يودها ويجتهد فِي استخراجه وَقد رأى العزائم وَلم يخرج لدعوتها والمكارم وَلم يرحل لبغيتها
وَمن كتاب آخر إِلَى وَزِير بَغْدَاد أثاروا على يَوْم الْكفْر لَيْلَة عجاج جعلت ليل من وَرَاءَهُمْ من الْإِسْلَام سكنا وصبروا وَصَابِرُوا فَكَأَنَّمَا كَانَ السَّيْف لَهُم أليفا وَكَانَ المعترك لَهُم وطنا وَأخذت فِي الْبِلَاد النَّار مأخذها ونفذت فِيهَا الْغَيْر منافذها وثلت عروشها وثلت غروسها وجليت فِي مصبغات النيرَان عروسها وأصبحت تناجي الْعُيُون ثواكلها وتصف النَّوَازِل منازلها دمنا على الأطلال مطلولة وصرعى بسيوف الْبلَاء مقتولة
وَجَاء الْعَدو فأحدقت بِهِ الْأَبْطَال وتنجزت عَادَة حَملته فمطلت وَمَا كَانَ خلقهَا المطال فَلَمَّا كثر الله الْمُسلمين فِي عيونهم وَرَأَوا بهَا مَا لم يَكُونُوا يرونه قبلهَا بظنوهم وَاسْتَمَدُّوا مغاني الشكوى لتبوح بهَا ألسنتهم إِذا خلوا إِلَى شياطينهم فأخلدوا إِلَى الأَرْض نازلين وقعدوا عَن الحملة ناكلين وَاتَّقَى فارسهم براجله ورامحهم بنابله ولاذ سيفهم بجفنه وَلَا خير فِي حامله ولاذ جفْنه بأطراقه خوفًا من كحله بِسَهْم قَاتله
وَأَقَامُوا مَحْصُورين لَا يَسْتَطِيعُونَ وردا وَلَا صَدرا وَلَا يَجدونَ مُتَقَدما وَلَا مُتَأَخِّرًا فَمَا كَانَ للكفر فِئَة ينصرونه من دون الله وَمَا كَانَ منتصرا وعزف النصل فِي لحن