الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمكن بِالشَّام وقويت شوكته وَامْتنع أَخُوهُ عز الدّين من الإذعان والإجابة إِلَى ذَلِك فَأَشَارَ الْأُمَرَاء الْكِبَار وَمُجاهد الدّين قايماز بِأَن يَجْعَل الْملك بعده لِأَخِيهِ لما هُوَ عَلَيْهِ من كبر السن والشجاعة وَالْعقل وَقُوَّة النَّفس وَحسن سياسة الْملك وَأَن يُعْطي ابنيه بعض الْبِلَاد وَيكون مرجعهما إِلَى عَمهمَا عز الدّين ليبقى لَهما ذَلِك
فَفعل ذَلِك وَحلف النَّاس لِأَخِيهِ
فَلَمَّا توفّي سيف الدّين كَانَ مُجَاهِد الدّين هُوَ الْمُدبر للدولة والنائب فِيهَا والمرجع إِلَى قَوْله ورأيه فَركب إِلَى الْخدمَة العزية وَعَزاهُ وَركبهُ إِلَى دَار المملكة وَمَشى فِي ركابه رَاجِلا فَدَخلَهَا وَجلسَ للعزاء
وَكَانَت الرّعية تخافه قبل أَن يملك لإقدامه وجرأته وحدة كَانَت فِيهِ وَكَانَ لَا يلْتَفت إِلَى أَخِيه سيف الدّين إِذا أَرَادَ أمرا فَلَمَّا تولى تَغَيَّرت أخلاقه وَصَارَ رَفِيقًا بالرعية محسنا إِلَيْهِم قَرِيبا مِنْهُم
قَالَ ابْن شَدَّاد وَفِي عَاشر الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين بلغ الْملك الصَّالح بن نور الدّين عصيان غرس الدّين قليج بتل خَالِد فَأخْرج إِلَيْهِ الْعَسْكَر ثمَّ بلغه وَفَاة ابْن عَمه صَاحب الْموصل ثَالِث صفر
فصل فِي وَفَاة شمس الدولة بن أَيُّوب أخي السُّلْطَان الْأَكْبَر وقدوم رسل الدِّيوَان بالتفويض إِلَى السُّلْطَان مَا طلبه
قَالَ ابْن أبي طي كَانَ السُّلْطَان قد أنفذ أَخَاهُ شمس الدولة إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَجعل إِلَيْهِ ولايتها فَلَمَّا حصل بهَا لم توافقه وَكَانَ يعتاده
القولنج فَهَلَك بِهِ وَدفن بقصر الْإسْكَنْدَريَّة
وَكَانَ أحد الأجواد الكرماء الْأَفْرَاد شجاعا باسلا عَظِيم الهيبة كَبِير النَّفس وَاسع الصَّدْر ممدحا فِيهِ يَقُول ابْن سَعْدَان الْحلَبِي من قصيدة
(هُوَ الْملك إِن تسمع بكسرى وَقَيْصَر
…
فَإِنَّهُمَا فِي الْجُود والبأس عبداه)
(وَمَا حَاتِم مِمَّن يُقَاس بِمثلِهِ
…
فَخذ مَا رَأَيْنَاهُ ودع مَا روينَاهُ)
(ولذ بذراه مستجيرا فَإِنَّهُ
…
يجيرك من جور الزَّمَان وعدواه)
(فَلَا تتحمل للسحائب منَّة
…
إِذا هطلت جودا سحائب جدواه)
(وَيُرْسل كفيه بِمَا اشتق مِنْهُمَا
…
فلليمن يمناه ولليسر يسراه)
قَالَ الْعِمَاد وفيهَا فِي الْمحرم توفّي بثغر الْإسْكَنْدَريَّة تورانشاه أَخُو صَلَاح الدّين وَوصل الْخَبَر بذلك إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ نَازل بِظَاهِر حمص فَحزن عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا وَجعل يكثر إنشاد أَبْيَات المراثي وَكَانَ كتاب الحماسة من حفظه وَكَانَ صَلَاح الدّين لما ملك مصر أرْسلهُ إِلَى الْيمن فملكها ثمَّ استناب فِيهَا وَقدم الشَّام سنة إِحْدَى وَسبعين فَلَمَّا وصل تيماء جَاءَ مِنْهُ كتاب وَفِيه أَبْيَات لشاعره ابْن المنجم مِنْهَا
(فَهَل لأخي بل مالكي علم أنني
…
إِلَيْهِ وَإِن طَال التَّرَدُّد رَاجع)
(وَإِنِّي بِيَوْم وَاحِد من لِقَائِه
…
لملكي على عظم المزية بَائِع)
(وَلم يبْق إِلَّا دون عشْرين لَيْلَة
…
وتجني المنى أبصارنا والمسامع)
(لَدَى ملك تعنو الْمُلُوك إِذا بدا
…
وتخشع إعظاما لَهُ وَهُوَ خاشع)
(كتبت وأشواقي إِلَيْك بِبَعْضِهَا
…
تعلمت النوح الْحمام السواجع)
(وَمَا الْملك إِلَّا رَاحَة أَنْت زندها
…
تضم على الدُّنْيَا وَنحن الْأَصَابِع)
قلت وقبر تورانشاه الْآن بالتربة الحسامية بالعوينة ظَاهر دمشق نقلته إِلَيْهَا أُخْته سِتّ الشَّام بنت أَيُّوب وَبنت الْقبَّة عَلَيْهِ وعَلى زَوجهَا نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شيركوه وَهُوَ ابْن عَمها وعَلى قبرها وقبر ابْنهَا حسام الدّين عمر بن لاجين وَسَيَأْتِي ذكره وَإِلَيْهِ تنْسب التربة فَهِيَ ثَلَاثَة قُبُور القبلي لتورانشاه والأوسط لِابْنِ شيركوه والشامي لست الشَّام وَابْنهَا رحمهم الله
قَالَ الْعِمَاد وفيهَا فِي رَجَب وصلت رسل الدِّيوَان الْعَزِيز الناصري صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحِيم وَمَعَهُ شهَاب الدّين بشير الْخَاص بالتفويض والتقليد والتشريف الْجَدِيد فتلقيناهم بالتعظيم
والتمجيد وَركب السُّلْطَان للتلقي وعَلى صفحاته بشائر الترقي فَلَمَّا ترَاءى لَهُ الرُّسُل الْكِرَام وَوَجَب لَهُ الإجلال والإعظام نزل وترجل وَأبْدى الخضوع وتوجل وَنزل الرُّسُل إِلَيْهِ وسلموا عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ فَتقبل الْفَرْض وَقبل الأَرْض ثمَّ ركبُوا ودخلوا الْمَدِينَة
قَالَ ابْن أبي طي وَكَانَت هَذِه أول خلعة قدمت من الإِمَام النَّاصِر على الْملك النَّاصِر وَكَانَت ثوب أطلس أسود وَاسع الْكمّ مَذْهَب وبقيار أسود مَذْهَب وطيلسان أسود مَذْهَب ومشدة سَوْدَاء مذهبَة وطوق وتخت وسرفسار وجواد كميت من مراكب الْخَلِيفَة عَلَيْهِ سرج أسود وسلال أسود وطوق مجوهر وقصبة ذهب وَعلم أسود وعدة خُيُول وبقج وَركب السُّلْطَان بالخلعة وزينت لَهُ دمشق وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما
قَالَ الْعِمَاد وظفر السُّلْطَان من صدر الدّين بصديق صَدُوق وَكَانَ قد عزم على قصد الديار المصرية وسلوك طَرِيق أَيْلَة والبرية فَحسن لشيخ الشُّيُوخ مصاحبته ورغبه فِي زِيَارَة قبر الشَّافِعِي رضي الله عنه فَقَالَ قد عزمت فِي هَذِه السّنة على الْحَج فَأصل مَعكُمْ إِلَى الْقَاهِرَة بِشَرْط إِقَامَة يَوْمَيْنِ وَلَا أدخلها وَإِنَّمَا أسكن بالتربة الشَّافِعِيَّة وأسير مِنْهَا إِلَى بَحر عيذاب