الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلعلي أدْرك صَوْم رَمَضَان بِمَكَّة
فالتزم لَهُ ذَلِك وَأعَاد أَصْحَابه إِلَى بَغْدَاد ليأتوه من طريقها إِلَى الْحجاز وَرجع شهَاب الدّين بشير فِي جَوَاب رسَالَته وَمَعَهُ رَسُوله ضِيَاء الدّين الشهرزوري وَأَنْشَأَ الْعِمَاد كتابا فِي الْجَواب إِلَى الدِّيوَان وَفِيه وَقد توجه الْخَادِم إِلَى الديار المصرية لتجديد النّظر فِيهَا ثمَّ يستخير الله فِي الْحَج وأدائه وَيعود إِلَى مجاهدة أعدائه
فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر مرّة ثَانِيَة
قَالَ الْعِمَاد وَلما عزم السُّلْطَان على الرحيل استناب بِالشَّام ابْن أَخِيه عز الدّين فرخشاه وَكَانَ عَزِيز الْمثل غزير الْفضل
وَقَالَ فِيهِ الْعِمَاد عِنْد توديعه قصيدة مِنْهَا
(أسأَل الله ذَا الْعلَا أَن تعيشا
…
ألف عَام لنصره مستجيشا)
وَمِنْهَا
(مَا أكدي شَيْئا سوى فَرْوَة مِنْك
…
وأبغي لسفرتي إكديشا)
(كَيفَ يَخْلُو من دفء ظهر وَظهر
…
سالك طرق أَيْلَة والعريشا)
ووقفت على ثَلَاثَة كتب للفاضل عَن الْملك الْعَادِل إِلَى الْوُلَاة بِالْيمن يعلمهُمْ أَن مُلُوك الشرق قد دخلُوا فِي طَاعَة السُّلْطَان وَأَنه عازم على الْقدوم إِلَى مصر وَصَوْم رَمَضَان بهَا وَالْحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام مِنْهَا وَيَأْمُرهُمْ بالاستكثار مِمَّا يحمل لأَجله إِلَى مَكَّة من المَال والأزواد وَالْخلْع مِمَّا تشْتَمل عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَعْمَال
ووقفت على كتابين أُخْرَيَيْنِ أَحدهمَا إِلَى أَمِير مَكَّة وَالْآخر إِلَى أَمِير يَنْبع يعلمهما بذلك ليتأهبا لقدومه
ووقفت على كتاب سادس للفاضل إِلَى السُّلْطَان فِي ذَلِك يَقُول فِيهِ جعل الله الْمُلُوك ذمَّة لسيفه وشرد مَنَام الْأَعْدَاء مِنْهُم بطيفه وَأمن أهل الْإِسْلَام بعدله من جور الدَّهْر وحيفه وأشهده موقف الْحَج الْأَكْبَر وزان بمحضره مشْهد خيفه وَجعل وفده الأكرم وضيف بَيته منتظمين فِي هَذِه السّنة فِي وفده وضيفه
ثمَّ هنأه بِمَا فتح الله عَلَيْهِ من محبَّة الْجِهَاد وَمَا أَثَره فِي بِلَاد الأرمن وَغَيرهَا من الْبِلَاد وَمَا تبع ذَلِك من نِيَّة الْحَج بلغه الله مِنْهُ المُرَاد
وَدخُول السُّلْطَان بِلَاد الأرمن كَانَ فِي هَذِه السّنة كَمَا سبق فَلَعَلَّهُ سنح لَهُ الْحَج مَعَ شيخ الشُّيُوخ ثمَّ حصل لَهُ مَا مَنعه مِنْهُ
قَالَ الْعِمَاد ورحل السُّلْطَان إِلَى مصر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشر رَجَب وَمَعَهُ صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ فَأَقَامَ يَوْمَيْنِ كَمَا ذكر وَتوجه مِنْهَا إِلَى مَكَّة على الْبَحْر فَأدْرك الصَّوْم
قَالَ الْعِمَاد ووصلنا إِلَى الْقَاهِرَة على طَرِيق أَيْلَة ثَالِث عشر شعْبَان واستقبلنا أَهلهَا ولقينا الأكابر والأعيان وَالْملك الْعَادِل أَخُو السُّلْطَان حِينَئِذٍ بهَا نَائِبه وتلقتنا مواكبه ومواهبه وخدمته بقصيدة ذكرت فِيهَا الْمنَازل والمناهل من يَوْم الرحيل من دمشق إِلَى الْوُصُول بِالْقَاهِرَةِ مِنْهَا
(أحبة قلبِي طَال ليلِي بعدكم
…
أسى فَمَتَى ألْقى بوجهكم الفجرا)
(فقدت حَياتِي مذ فقدت لقاءكم
…
فَهَل لحياتي مِنْكُم نشأة أُخْرَى)
(أجيران جيرون المجيرين جارهم
…
من الْجور حوزوا فِي مشوقكم الأجرا)
(محبكم قد خانه الصَّبْر فَاطْلُبُوا
…
محبا سواهُ عَنْكُم يحسن الصبرا)
(ومذ غبت عَن مقرى مقري قد نبا
…
سقى ورعى رَبِّي مقري فِي مقرى)
(أحن إِلَى عذرا وعذري وَاضح
…
لِأَن الْهوى العذري مني فِي عذرا)
(إِن الْقدر المحتوم من جلق بِنَا
…
إِلَى مصر أسرى فالقلوب بهَا أسرى)
(رحلنا فَمَا باحت بأسرارنا سوى
…
عبارَة عين خوف يَوْم النَّوَى عبرى)
(تركنَا دمشقا والجنان وَرَاءَنَا
…
وقدامنا بالكسوة الرّفْقَة السفرا)
(وَجِئْنَا إِلَى المرج الَّذِي طَابَ نشره
…
فَلَا زَالَ من أحبابنا طيبا نشرا)
(رحلنا بمرج الصفر العيس غدْوَة
…
فسارت وحطت فِي محجتها ظهرا)
(وَقد قطعت تبنى إِلَى الدَّيْر بعْدهَا
…
وَمَا عرست حَتَّى أناخت على بصرى)
(نزلنَا الدناح والجلاعب بعْدهَا
…
وبعدهما غدر البشامية الغزرا)
(وَرَأس الحسا والقريتين وَكلهَا
…
موارد فِيهَا السحب قد غادرت غدرا)
(وردنا من الزَّيْتُون حسمى وأيلة
…
وجزنا عقَابا كَانَ مسلكها وعرا)
(إِلَى قلتة الرَّاعِي إِلَى نابع إِلَى
…
جراول فالنخل الَّذِي لم يزل قفرا)
(إِلَى منزل فِي رَوْضَة الْجمل اغتدت
…
بِهِ عيسنا فِي صدر شَارِحه صَدرا)
(وَدون حثا لما حثثنا رِكَابنَا
…
عُيُون لمُوسَى لم يزل مَاؤُهَا مرا)
(هُنَاكَ تلقانا الْوُفُود ببرهم
…
فسروا بِنَا نفسا وَزَادُوا بِنَا بشرا)
(قَطعنَا إِلَى بَحر الندى بَحر قلزم
…
وَمن قَصده بَحر الندى يقطع البحرا)
(عبرنا إِلَى من كاثر الرمل جوده
…
وجزنا إِلَيْهِ ذَلِك الرمل والجسرا)
(وَلم يرونا مَاء الثماد بعجرد
…
وَلم يقتنع بالقل من يأمل الكثرا)
(وَجِئْنَا البويب والمصانع قبله
…
إِلَى بركَة الْجب الَّتِي قربت مصرا)
(إِلَى عَزمَة فِي الْمجد غير قَصِيرَة
…
وَكَانَ قصارى أمرنَا أَن نرى القصرا)
(وَلما نزلنَا مصر فِي شهر طوبة
…
وردنا بكف الْعَادِل النّيل فِي مسرى)
(غَدا قاصرا عَن قصره قصر قَيْصر
…
وإيوان كسْرَى عِنْد إيوانه كسرا)
قَالَ الْعِمَاد وَفِي هَذِه السّنة بِمصْر عربت كتاب كيمياء السَّعَادَة تصنيف الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ فِي مجلدين وفزت من تعريبه وَعلم مَا فِيهِ بسعادتين وَذَلِكَ بِأَمْر فاضلي لزمني امتثاله وشملني فِي إِتْمَامه إقباله
قَالَ وفيهَا فِي خَامِس عشر شَوَّال توفّي صَاحِبي الْمُعْتَمد إِبْرَاهِيم بِدِمَشْق وَأَنا بِمصْر
قلت وَهَذَا غير وَالِي دمشق الْمَعْرُوف بالمبارز إِبْرَاهِيم بن مُوسَى ويلقب أَيْضا بالمعتمد
ورثى الْعِمَاد صَاحبه بقصيدة مِنْهَا
(أرى الْحزن لَا يجدي على من فقدته
…
وَلَو كَانَ فِي حزني مزِيد لزدته)
(تَغَيَّرت الْأَحْوَال بعْدك كلهَا
…
فلست أرى الدُّنْيَا على مَا عهدته)
(عقدت بك الآمال بالنجح واثقا
…
فَحلت يَد الأقدار مَا قد عقدته)
(وَكَانَ اعتقادي أَنَّك الدَّهْر مسعدي
…
فخانتني الْأَيَّام فِيمَا اعتقدته)
(أردْت لَك الْعُمر الطَّوِيل فَلم يكن
…
سوى مَا أَرَادَ الله لَا مَا أردته)
(وداع دَعَاني باسمه ذَاكِرًا لَهُ
…
فأطربني ذكر اسْمه فاستعدته)
(فقدت أحب النَّاس عِنْدِي وَخَيرهمْ
…
فَمن لائمي فِيهِ إِذا مَا نشدته)
قَالَ ورثيته ببيتين وَذكرت العناصر الْأَرْبَعَة فِي وَاحِد مِنْهُمَا
(لهفي على من كَانَ صبحي وَجهه
…
فعدمت حِين عدمته أنواره)
(سكن التُّرَاب وغاض مَاء حَيَاته
…
مذ أطفات ريح الْمنية ناره)
قَالَ ابْن أَبى طي وَفِي هَذِه السّنة سَافر قراقوش إِلَى قابس
فَذكر محاصرته لجملة من القلاع وَقَتله جمَاعَة من البربر وَمِمَّا ذكره أَنه أسر جمَاعَة على حصن وَأمر بِقَتْلِهِم وَفِيهِمْ صبي أَمْرَد فبذل فِيهِ أهل القلعة عشرَة آلَاف دِينَار على أَن لَا يقْتله فَأبى فزادوه إِلَى مئة ألف فَأبى وَقَتله