الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما بغداد، فكان بها قحطٌ لم ير مثله، وهرب الخلق، فكان النساء يخرجن عشرين وعشراً، يمسك بعضهنّ ببعض، ويصحن: الجوع الجوع، ثم تسقط الواحدة بعد الواحدة ميتة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي شوال، مات أبو عبد الله البريدي، وقام أخوه أبو الحسين مقامه، فأساء إلى الترك والدّيلم، فهموا به، وقدَّموا به، عليهم أبا القاسم، ولد أبي عبد الله، فهرب عمداً أبو الحسين ماشياً، فأتى هجر، واستجار بالقرامطة، فبعثوا معه جيشاً، فنازل البصرة مدّة، ثم اصطلحوا، فمضى أبو الحسين إلى بغداد.
وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الطحّان بالرَّملة، ورحل إلى الشام والجزيرة والعراق، وروي عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته.
وفيها أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم المديني الأصبهاني، رحل إلى الشام والعراق، والريّ، روى عن يحيى بن أبي طالب وأبو عمرو بن حكم وأبي حاتم وطبقتهما.
وفيها أبو علي اللُّؤلؤي، محمد بن أحمد بن عمرو البصري، راوية السنن عن أبي داود، لزم أبا داود مدة طويلة، يقرأ السُّنن للناس.
سنة أربع وثلاثين وثلاثمئة
فيها دثرت بغداد، وتداعت لخراب من شدة القحط والفتن والجور، فإن توزون، أتابك الجيوش، هلك بعلّة الصرع في المحرم، بهيت،
ومعه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد فطمع في المملكة، وحلف العساكر لنفسه، وجاء فنزل بظاهر بغداد، وخرجت إلى عنده الأتراك والدَّيلم، فبعث إليه المستكفي بالله بالخلع، ولم يكن معه مال، فشرع في مصادرة التجار والدواوين.
وفيها اصطلح سيف الدولة والإخشيد وصاهره، وتقرر لسيف الدولة حلب وحمص وأنطاكية، وقصد معزّ الدولة أحمد بن بويه بغداد، فاختفى الخليفة وابن شيرزاد، وضعفا عنه، فتسللت الأتراك إلى الموصل، وأقامت الدَّيلم ببغداد، ونزل معزّ الدولة بباب الشماسيّة، وقدّم له الخليفة التقاديم والتحف، ثم دخل في جمادي الأولى، إلى خدمة الخليفة وبايعه، فلقَّبه يومئذ معز الدولة، ولقَّب إخوته عليّا: عماد الدولة، والحسن: ركن الدولة، وضربت لهم السكّة، وظهر ابن شيرازاد وأتى إلى خدمة معز الدولة، وخضع له، واستوتقت المملكة لمعز الدولة، فلما تمكن كحل المستكفي بالله وخلعه من الخلافة، لأن علم القهرمانة، كانت تأمر وتنهى، وعملت دعوة عظيمة، حضرها خرشيذ، مقدّم الديلم، وعدة أمراء، فخاف معز الدولة من غائلتها، وأيضاً فإن بعض الشيعة كان يثير الفتن، فآذاه الخليفة، وكان معز الدولة يتشّيع، فلما كان في شهر جمادي الآخرة، دخل الأمراء إلى الخدمة، ودخل معزّ الدولة، فتقدم اثنان فطلبا من المستكفي رزقهما، فمدّ لها يده ليقبّلاها، فجذباه إلى الأرض وسحباه، فوقعت الضجّة، ونهبت دور الخلافة، وقبضوا على علم، وعلى خواصّ الخليفة، وساقوا الخليفة ماشياً إلى
دار معز الدولة وكانت خلافته سنة وأربعة أشهر وصار ثلاثة خلفاء مسمولين، وهو والذي قبله والقاهر، ثم أحضر معزّ الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر بالله فبايعه ولقَّبه المطيع لله، وله يومئذٍ أربع وثلاثون سنة، وقرر له معز الدولة كل يوم، مائة دينار للنفقة، وانحط دست الخلافة إلى هذه المنزلة، وإيش هي المائة دينار؟ وما هي إلا بقيمة عشرة دنانير في الرخاء، فإن في شعبان، أكلوا ببغداد الميتات والآدميين، ومات الناس على الطرق، وبيع العقار بالرُّغفان. واشترى المطيع كرَّ دقيق بعشرة الآن ألف درهم، وجيّش ناصر الدولة ابن حمدان، وجاء فنزل بسامرّا، فالتقى هو ومعز الدولة، فانكسر معز الدولة، ودخل ناصر الدولة بغداد، وملك الجانب الشرقي، ونزل معز الدولة، ومعه المطيع تبعاً له، ثم تخاذل عسكر ناصر الدولة، فانهزم. ودخل معز الدولة إلى الجانب الشرقي، ووقع النَّهب والحريق فيه، ووضعت الدَّيلم السيف في الناس، وسبوا الحريم.
وفيها توفي قاضي القضاة، أبو الحسن أحمد بن عبد الله الخرقي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء مصر، ثم قضاء بغداد، في سنة ثلاثين، وكان قليل العلم إلى الغاية، إنما كان هو وأبوه وأهله من كبار العدول، فتعجّب الناس من ولايته، لكنه ظهرت منه صرامة وعفة وكفاءة.
وفيها أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال
السُّلمي الدمشقي، في جمادى الأولى، وله بضعٌ وتسعون سنة، تفرّد بالرواية عن جماعة، وحدّث عن موسى بن عامر المرِّي، ومحمد بن إسماعيل بن عليَّة، وطبقتهما.
وفيها الصَّنوبري الشاعر، أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن الضبِّي الحلبي، وشعره في الذروة العليا.
وفيها الحسين بن يحيى بن عيّاش، أبو عبد الله المتُّوثي القطَّان، في جمادي الآخرة ببغداد، وله خمس وتسعون سنة. روى عن أحمد بن المقدام العجلي وجماعة، وآخر من حدَّث عنه، هلال الحفّار.
وفيها عثمان بن محمد، أبو الحسين الذَّهبي البغدادي بحلب، روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وطبقته.
وفيها علي بن إسحاق المادرائي أبو الحسن، محدّث البصرة. روى عن عليّ بن حرب وطائفة.
وفيها الوزير العادل، أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح البغدادي الكاتب، وزر مرّات للمقتدر، ثم للقاهر. وكان محدّثاً عالماً ديّنا حيّرا، كبير الشأن، عالي الإسناد. روى عن أحمد بن بديل، والحسن الزَّعفراني وطائفة، وعاش تسعين سنة، وكان في الوزراء، كعمر بن بن عبد العزيز في الخلفاء.
قال أحمد بن كامل القاضي: سمعت الوزير علي بن عيسى يقول: كسبت سبعمئة ألف دينار، أخرجت منها في وجوه البرّ ستمئة ألف، وثمانين ألف دينار. آخر من روى عنه، ابنه عيسى في أماليه.
وفيها الإمام أبو القاسم الخرّقي، عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي، صاحب " المختصر " في الفقه بدمشق، ودفن بباب الصغير.
وفيها الحافظ أبو علي القشيري، محمد سعيد الحرّاني، نزيل الرقَّة ومؤرخها، روى عن سليمان بن سيف الحراني وطبقته، وتوفي في هذا العام أو فيما بعده.
وفيها الإخشيذ، أبو بكر محمد بن طغج بن جفّ التركي الفرغاني، صاحب مصر والشام، ولي ديار مصر سنة إحدى وعشرين، ثم أضيف إليه دمشق وغيرها في سنة ثلاث وعشرين.
والإخشيذ بالتركي: ملك الملوك؛ وطغج عبد الرحمن، وهو من أولاد ملوك فرغانة، وكان جدّه جفّ، من الترك الذين حملوا إلى المعتصم، فأكرمه وقرّبه ومات في العام الذي قتل فيه المتوكل، فاتصل طغج بابن طولون، وصار من كبار أمرائه، وكان الإخشيذ، شجاعاً حازماً يقظاً شديد البطش، لا يكاد أحد يجرُّ قوسه، توفي بدمشق في ذي الحجة، وله ست وستون سنة، ودفنوه ببيت المقدس. وكان له ثمانية آلاف مملوك وفيها القائم بأمر الله أبو القاسم نزار بن المهدي عبيد الله، الدَّعي الباطني، صاحب المغرب، وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها، فما قدِّر له، وجرت له أمور يطول شرحها، ومات بالمهديّة في شوال، وهو تحت