الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتب إلى بغداد يستعفي، وامتنع من الحكم فأعفي، ثم توجه إلى بغداد.
وفيها محمد بن الفضل البلخي الزاهد أبو عبد الله نزيل سمرقند، وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير، يقال إنه مات في مجلسه أربعة أنفس، صحب أحمد بن خضرويه البلخي، وهو آخر من روى عن قتيبة، وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ.
وفيها محدث الأندلس أبو عبد الله محمد بن فطيس ابن واصل الغافقي الإلبيري الفقيه الحافظ، روى عن محمد بن أحمد العنبي وأبان بن عيسى، ورحل وسمع من أحمد بن أخي ابن وهب، ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهم. وصنّف وجمع، وسمع بأطرابلس المغرب من أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الحافظ.
قال ابن الفرضي: كان ضابطاً نبيلاً صدوقاً، وكانت الرحلة إليه، حدّثنا عنه غير واحد، وتوفي في شوال عن تسعين سنة.
والمؤمَّل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس، الرئيس أبو الوفا النيسابوري، لم يدرك الأخذ عن أبيه، وسمع من إسحاق الكوسج، والحسن بن محمد الزَّعفراني وطبقتهما. وكان صدر نيسابور وكان أمير خراسان ابن طاهر، اقترض منه ألف ألف درهم. وقال أبو علي النيسابوري، خرّجت لأبي الوفا، عشرة أجزاءٍ، وما رأيت أحسن من أصوله، فأرسل إليّ مائة دينار وأثواباً.
سنة عشرين وثلاثمئة
لما استفحل أمر مرداويج الدَّيلمي، لاطفه الخليفة، وبعث إليه
بالعهد واللواء والخلع، وعقد له على أذربيجان وأرمينيّة وأرّان وقمّ ونهاوند، وسجستان.
وفيها نهب الجند دار الوزير فهرب، وسخّم الهاشميون وجوههم وصاحوا: الجوع الجوع! للغلاء، لأن القرمطي ومؤنساً منعوا الجلب، وتسلّل الجند إلى مؤنس، وتملّك الموصل، ثم تجهزوا قبل في جمع عظيم، فأمر المقتدر هرون بن غريب أن يلتقي بهم، فامتنع. ثم قالت الأمراء للمقتدر: انفق في العساكر، فعزم على التوجُّه إلى واسط في الماء، ليستخدم منها ومن البصرة والأهواز: فقال له محمد بن ياقوت: اتّق الله، ولا تسلّم بغداد بلا حرب، فلما أصبحوا، ركب في موكبه وعليه البردة وبيده القضيب، والقرّاء والمصاحف حوله، والوزير خلفه، فشق بغداد إلى الشماسية، وأقبل مؤنس في جيشه، وشرع القتال، فوقف المقتدر على تلّ، ثم جاء إليه ابن ياقوت، وأبو العلاء بن حمدان، فقالا: تقدم، فأبى، فألحّوا عليه، فتقدم وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف، في طائفة قليلة، فانكشف أصحابه، وأسر منهم جماعة، وأبلى ابن ياقوت، وهرون بن غريب بلاءً حسناً. وكان معظم جيش مؤنس الخادم: البربر، فجاء علي بن يلبق فترجّل وقال: مولاي أمير المؤمنين، وقبّل الأرض، فعطف جماعة من البربر إلى نحو المقتدر، فضربه رجل من خلفه ضربة فسقط إلى الأرض، وقيل رماه بحربة وحزّ رأسه بالسيف، ورفع على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مهتوك العورة، حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له حفرة، وطمر وعفِّي أثره، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وذلك لثلاث بقين
من شوال. وكانت خلافته خمساً وعشرين سنة، إلا بضعة عشر يوماً، وكان مسرفاً مبذّراً ناقص الرأي، محق الذخائر، حتى إنه أعطى بعض جواريه الدرة اليتيمة التي وزنها ثلاثة مثاقيل، ويقال: إنه ضيّع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار، وكان في داره عشرة آلاف خصيّ من الصقالبة، وأهلك نفسه بسوء تدبيره فإنا لله وإنا إليه راجعون وخلّف عدة أولاد، منهم: الراضي بالله محمد، والمتقي لله إبراهيم، والأمير إسحاق ووالد القادر بالله والمطيع لله. وذكر طبيبه ثابت بن سنان في تاريخه: أن المقتدر أتلف نيّفا وسبعين ألف ألف دينار.
وأما مؤنس، فإنه ترك بالشماسيّة فأحضر إليه رأس المقتدر، فندم وبكى وقال: قتلتموه، والله لنقتلنّ كلنا، فأظهروا أن قتله عن غير قصد، ثم بايعوا القاهر بالله، الذي كان قد بايعوه في سنة سبع عشرة، فصادر آل المقتدر، وعذّب أمه وهي مريضة، ثم ماتت وهي معلقة بحبل، وبالغ في الظلم، فمقتته القلوب، وكان ابن مقلة، قد نقل إلى الأهواز، فاستحضره واستوزره.
وفيها توفي الحافظ محدث الشام، أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف ابن موسى بن جوصا، سمع كثير بن عبيد وطبقته، وجمع وصنَّف، وتبحرّ في الحديث.
قال أبو علي النيسابوري: كان ركناً من أركان الحديث.
قال محمد بن إبراهيم الكرجي: جان بن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة.
وقال غيره: كان ابن جوصا كثير الأموال، يركب البغلة، توفي في جمادى الأولى.
قال الدَّارقطني: تفرد بأحاديث، ولم يكن بالقويّ.
وفيها أحمد بن القاسم بن نصر، أبو بكر، أخو أبي اللّيث الفرائضي، ببغداد في ذي الحجة، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن لوين وإسحاق بن أبي إسرائيل وعدّة.
وفيها المقتدر بالله، أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد، بن الموفق طلحة، بن المتوكل على الله بن المعتصم بالله العباسي. في أيامه اضمحلّت دولة الخلافة العباسية وصغرت، وسمع أمير الأندلس، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين، فلقّب نفسه: أمير المؤمنين الناصر لدين الله عبد الرحمن. وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلاثمئة. ولا شك أن حرمته ودولته، كانت أميز من دولة المقتدر ومن بعده، وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد، وكان ربعة جميل الصورة، أبيض مشرباً حمرة، أسرع الشيب إلى عارضيه، وعاش ثمانياً وثلاثين سنة، وكان جيّد العقل والرأي، لكنه كان مؤثراً للعب والشهوات، غير ناهضٍ بأعباء الخلافة، كانت أمه وخالته والقهرمانة، يدخلن في الأمور الكبار، والولايات والحلّ والعقد.
قال الوزير علي بن عيسى: ما هو إلا أن يترك هذا الرجل النبيذ
خمسة أيام، وكان ربما يكون في إصابة الرأي، كأبيه وكالمأمون.
وفيها أبو العباس عبد الله بن عتّاب بن الزفتي، محدّث دمشق، وله ستّ وتسعون سنة. روى عن هشام بن عمّار وعيسى بن حماد زغبة، وخلق.
قال أبو أحمد الحاكم: رأيناه ثبتاً.
وفيها الحافظ الثقة أبو القاسم بن عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، ابن أخي أبي زرعة الرازي، روى عن يونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن منصور الرَّمادي، وطبقتهما.
وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري صاحب البخاري، وقد سمع من عليّ بن خشرم لما رابط بفربر، وكان ثقة ورعا، توفي في شوال، وله تسع وثمانون سنة.
وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزري مولاهم البغدادي، وكان من خيار القضاة حلما وعقلاً، وجلالة وذكاءً وصيانة، ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين، وروى عن زيد بن أخرم، والحسن بن أبي الربيع، وجماعة حمل عنهم في صغره، ولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد بالله، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر بالله، قم قلده قضاء القضاة، سنة سبع عشرة وثلاثمئة، وكان له مجلس في غاية الحسن، كان يقعد للإملاء، والبغويّ عن يمينه، وابن صاعد عن يساره، وابن زياد النيسابوري بين يديه، وقد حفظ من جدّه حديثاً، وهو ابن أربع سنين، توفي في رمضان.