المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غلو صاحب كتاب توحيد الخالق بعلمه الحديث - الفرقان في بيان إعجاز القرآن

[عبد الكريم الحميد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌نيوتن والجاذبية وقانونها

- ‌المجموعة الشمسية

- ‌العلوم التجريبية والاعتماد على المحسوس

- ‌هل صِدْق الرسول صلى الله عليه وسلم متوقفاً على هذيان أرباب العلوم التجريبية

- ‌أمثلة من الخوض بالجهالة والضلالة

- ‌إعجاز صاحب كتاب توحيد الخالق

- ‌نهار الكواكب وليلها

- ‌(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ) الآية

- ‌(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) الآية

- ‌(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً) الآية

- ‌مشابهة المتكلمين

- ‌غلو صاحب كتاب توحيد الخالق بعلمه الحديث

- ‌فلا أقسم بمواقع النجوم

- ‌الإعجاز المزعوم يُضل عن السموات وما فوقها

- ‌المجرات الخيالية وأصل علوم المعطلة

- ‌المجرة باب السماء المبنية

- ‌ترويج البضائع الفاسدة

- ‌الذرة

- ‌الجناية على القرآن

- ‌ضلال في نشأة الكون

- ‌السموات السبع

- ‌هل الشريعة مَرِنَة

- ‌تجهيل السلف

- ‌(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) الآية

- ‌النار السوداء

- ‌(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ)

- ‌(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)

- ‌السديم

- ‌الكنيسة

- ‌أمثلة من الضحايا

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌دوران الأرض

- ‌(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا) الآية

- ‌(كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)

- ‌(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ) الآية

- ‌(وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً)

- ‌(قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ)

- ‌(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا) الآية

- ‌(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)

- ‌(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الآية

- ‌(وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) الآية

- ‌(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) الآية

- ‌(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) الآية

- ‌(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) الآية

- ‌(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) الآية

- ‌الوعيد على تفسير القرآن بالرأي

- ‌هل معاني آيات القرآن غير معروفة حتى يُبينها المتأخرون

- ‌ إعجاز القرآن

- ‌الظلمات الثلاث

- ‌شوائب الداروينية

- ‌خوض بجهل

- ‌(بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) الآية

- ‌كلام في القدر

- ‌الجنة عرضها السموات والأرض فأين النار

- ‌(لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ)

- ‌كروية الأرض وثباتها

- ‌جريان الشمس بالفلَك غير الجريان حول المجرة

- ‌الأرض مركز الكون

- ‌(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) الآية

- ‌(وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) الآية

- ‌(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) الآية

- ‌(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)

- ‌خوض في مسمى العلم

- ‌(لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) الآية

- ‌تصديق صاحب كتاب توحيد الخالق بالوصول إلى الكواكب

- ‌أرض العرب والمروج والأنهار

- ‌الدعوة إلى الله بالطرق الشرعية

- ‌علم الأمة ميراث الرسول

- ‌(وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ)

- ‌بداية الكون

- ‌(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ) الآية

- ‌(وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)

- ‌انشقاق القمر

- ‌حيل لترويج بضائع فاسدة كاسدة

- ‌(وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) الآية

- ‌(فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) الآية

- ‌كلام باطل عن الشمس

- ‌(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الآية

- ‌رد الباطل بالباطل يُغري أهل الباطل

- ‌آثار نشأة الكون على نظرية داروين

- ‌عجائزنا ومجانيننا خير من علماء المعطلة

- ‌(أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) الآية

- ‌الملحقات

- ‌زيادة بيان وإيضاح برهان

- ‌العلم التجريبي

الفصل: ‌غلو صاحب كتاب توحيد الخالق بعلمه الحديث

‌غلو صاحب كتاب توحيد الخالق بعلمه الحديث

قال صاحب كتاب توحيد الخالق تحت عنوان: (الأدوار التي مَرَّ بها علم التوحيد):

أولاً: منذ قامت دولة التوحيد على يد خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم بقيت عقدية التوحيد، تستمد قدسيتها من وحي الله وتعاليم السماء، وتعتمد أول ما تعتمد على كتاب الله العزيز، وكان منهج القرآن في غرس هذه العقيدة في القلوب، هو أن يعرضها على الناس عرضاً كله السهولة والبساطة، والمنطق السليم، فيلفت أنظارهم إلى ملكوت السموات والأرض، ويوقظ عقولهم إلى التفكير في آيات الله، وينبه فطرهم إلى ما غرس فيها من شعور بالتدين، وإحساس بعالم وراء هذا العالم المادي، وعلى هذه السنن مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرس عقيدة التوحيد في نفوس أمته، لافتاً للأنظار، موجهاً للأفكار وموقظاً للعقول، ومنبهاً للفطر، ومتعهداً هذا الغراس بالتربية والتنمية، حتى بلغ الغاية من النجاح، واستطاع أن ينقل الأمة من الوثنية، والشرك، إلى عقيدة التوحيد، ويملأ قلوبها بالإيمان واليقين كما استطاع أن يجعل من أصحابه قادة للإصلاح، وأئمة للهدى والخير، وأن ينشئ جيلاً يعتز بالإيمان، ويعتصم بالحق، فكان

ص: 47

هذا الجيل كالشمس للدنيا، والعافية للناس حتى وصفهم الله بقوله:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)(1).

يقال لصاحب كتاب توحيد الخالق: إن الطريق الذي وصلت به الأمة إلى هذا الذي ذكرت وأعظم منه هو طريق رسول الله صلى الله عليه فلماذا آخر الأمة لا تنهجه وتكتفي به أم أنهم يريدون أن يكونوا أهدى منهم؟.

ومن العجائب أن يقول صاحب كتاب توحيد الخالق في كلامه هذا: (وكان منهج القرآن في غرس هذه العقيدة في القلوب هو أن يعرضها على الناس عرضاً كله السهولة والبساطة والمنطق السليم فيلفت أنظارهم إلى ملكوت السموات والأرض

إلى آخر كلامه المتقدم).

فيقال له: الأمر كما قال الإمام مالك رحمه الله: (إنه لن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).

ومالك قال هذا الكلام لفقهه رحمه الله بوصايا نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن من العجائب أن يتكلم صاحب كتاب توحيد الخالق بهذا الكلام عن منهج القرآن في غرس العقيدة في القلوب وذلك بعرضها عرضاً كله السهولة والبساطة ومع هذا يُفْتَن بهذه العلوم المحدثة العَسِرَة المنال التي هي نتاج زبالات أفكار الملاحدة الكفرة ووسائلها وغاياتها ضالة مضلّة.

(1) توحيد الخالق، ص150.

ص: 48

ليعلم صاحب كتاب توحيد الخالق وغيره ممن فُتِن بهذه المسْتجدات والمحدثات الدخيلة على المسلمين في هذا العصر الذي تتهيّؤ فيه الدنيا للدجال وتتهيؤ فيه لختم أجلها الذي دنى وأوشك أن يَفْجَأ، ليعلم أن كل هذه الفتن خارجة عن السهولة والبساطة المتناسبة مع الفطرة الشِّرعية وأن الأمة اليوم لبست غير لباسها وسارت في غير طريقها إذْ أنها تشبهت بمن نُهِيَتْ عن التشبه بهم فسلكت مسالكهم فضلّت بضلالهم ووقعت في شدائدهم.

نعم تركت الأمة السهولة والبساطة المتناسبة مع الشرعة والفطرة فهي اليوم تجني ثمار المخالفة.

ثم ذكر صاحب كتاب توحيد الخالق ما أصاب الأمة نتيجة الخلافات السياسية والاتصال بالمذاهب الفكرية الأخرى وإقحام العقل فيما ليس له فيه مجالاً وأن ذلك كان سبباً للعدول عن منهج القرآن الحكيم كما كان سبباً في تحول الإيمان من بساطته وإيجابيته وسموّه إلى قضايا فلسفية وأقيسة منطقية ومناقشات كلامية تافهة ولم يعد الإيمان هو الإيمان الذي تزكو به النفس أو يصلح به العمل أو ينهض به الفرد أو تحيا به الأمة.

هذا الكلام والذي قبله صحيح فيقال لصاحب كتاب توحيد الخالق وأمثاله ممن سلكوا هذه المسالك المُحدَثَة: ما أشبه الليلة بالبارحة، إن

ص: 49

إعجازكم هذا وما أُحدث لكم من هذه العلوم الدخيلة هو السبب في تحول الإيمان من بساطته وسمّوه إلى هذا التعقيد والتشديد الذي أنتجته هذه الطرق المعوجّة المظلمة، وهو عُدول عن منهج القرآن فما بالكم تعيبون من على مثل طرقكم هذه من المتقدمين وتمدحون طريقكم وتدعون إليها؟ هذا تناقض بيّن. أين (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)؟ (1) وأين (وإياكم ومحدثات الأمور)؟ (1) وأين (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)؟ (2).

ثم قال صاحب كتاب توحيد الخالق بعد الكلام السابق: (وكان من أثر العدول عن نهج الفطرة والتأثر بالمذاهب الفكرية الطارئة وإقحام العقل في مجال الوحي أن انقسمت الأمة إلى مذاهب مختلفة مزّقتها شِيَعاً وأحزاباً).

يقال لصاحب كتاب توحيد الخالق: وكذلك الذي تسمونه الإعجاز هو عدول عن نهج الفطرة وهو التأثر بالمذاهب الفكرية الطارئة ونتيجته كنتيجة ما ذكرت وأشد لكن لا يُشعر تائه بمصابه، فهذه العلوم الدخيلة الطارئة أثرها على الدين أعظم من تلك المذاهب التي لم تعمّ الأمة ولم يحصل بسببها اللبس الذي حصل من هذه.

ثم إن صاحب كتاب توحيد الخالق ذكر بعد ذلك أن الأمة بعد تلك الحالة تحوّلت إلى الجمود والتقليد، ثم قال: (ثم شاء الله أن تعود هذه

(1) هذا جزء من حديث العرباض بن سارية الذي أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي (حسن صحيح). وهو كما قال.

(2)

أخرجه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

ص: 50

الأمة إلى المنهج القويم في أخذ عقيدة التوحيد من الكتاب المجيد فنهض منها أفراد من العلماء الأعلام يدعون إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام كما كان عليه السلف الصالح، ويبينون للناس أن الخير كله في الإتباع والشر كله في الجمود والابتداع، وبذلك تنبهت العقول من غفلتها، واستيقظت من سباتها فوجدت القرآن يدعوها إلى النظر في هذه الكائنات، والتفكر في عجائب هذه المخلوقات، فنظر أولو العقول، وفكروا، فإذا بالعلوم الحديثة تكشف حقائق كانت من قبل مجهولة غير معلومة، بيد أن القرآن قد نبه عليها، وأشار إليها إشارات صريحة، من قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، فكان ذلك تفسيراً عملياً لقوله تعالى:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(1).

وقوله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا)(2).

كما وجد أصحاب العقول، أن العلوم الحديثة، في مختلف اتجاهاتها، تكشف عن آيات الله التي بثها في مخلوقاته، فإذا كان الأولون يرون أن في خلقهم حكمة تشهد بأن خالقها هو الحكيم، فإن هذه العلوم الحديثة قد جاءت لتكشف عن دقائق الحكمة الباهرة، وتقف بالإنسان أمام

(1) فصلت، آية:53.

(2)

النمل، آية 93.

ص: 51

أسرار عظيمة من الحكمة، والإتقان، وإذا كان الأولون يرون في السماء ونجومها قوة وإبداعاً، فلقد جاءت العلوم الحديثة لتعمق إيماننا بالقوي المبدع بما تظهر من ضخامة النجوم، وسعة السماء، وقوة النظام، وبديع الإحكام والإتقان، وهكذا يقول الله:(إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)(1).

بعد أن ذكر صاحب كتاب توحيد الخالق تحولات الأمة إلى خلافات سياسية ومذاهب فكرية وجمود وتقليد بعد الذي كانت عليه قبل، وذلك في أولها قبل التغيير والتبديل وقد وصف الرعيل الأول بوصف حسن ثم دخل على عصره هذا بالكلام المتقدم وهو أن أفراداً من العلماء الأعلام كما وصف فكروا فإذا العلوم الحديثة تكشف حقائق كانت من قبل مجهولة غير معلومة، إلى آخر كلامه.

والجواب على هذا أن يُقال: لقد وصفتَ حال الأمة لما كانت على البساطة والسهولة زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بوصف حسن وعِبْتَ الأزمنة التي جاءت بعدهم بالتغيير فما الذي يُخرج منهجكم في التعليم المحدَث

(1) الجاثية، آية 3 - 6.

ص: 52

والكلام في القرآن والحديث وخوضكم في علوم الكفار كما تقدم من انحراف الأمة؟ هذا أشدّ لأنه الْتبس فيه الحق بالباطل وأجملت عليه الأمة إلا ما ندر، إنكم بإعجازكم هذا تغضبون علم الشريعة ليجاري الضلال وأهله.

وقول صاحب كتاب توحيد الخالق عن علومه الحديثة أنها تكشف حقائق كانت من قبل مجهولة غير معلومة كلام خطير وهو طعن على السلف الذين حازوا قصب السبق في علم القرآن والحديث، وحَسْب من جاء بعدهم من الفضل أن يسير على نهْجهم ويستضيء بنور علمهم، أما من سار في طريق ما أحْدث في هذا الزمان فالبعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، ولا والله ما خفي أمرهم والْتبس إلا على أمثالهم ممن سلكوا مناهجهم وقلّدوهم، وجعلوهم حجاباً كثيفاً بينهم وبين نبيهم.

وأيّ حقائق كشفتها هذه العلوم الحديثة كانت من قبل مجهولة للسلف؟ دوران الأرض والمجرات أم وصول القمر أم نظرية داروين وما شابه ذلك من الباطل؟ لقد حماهم الله من هذا الزيغ والضلال.

وأي حقائق كشفتها هذه العلوم الحديثة؟ يقول صاحب كتاب توحيد الخالق في كلامه السابق: (وإذا كان الأولون يرون في السماء ونجومها قوة وإبداعاً فلقد جاءت العلوم الحديثة لتعمق إيماننا بالقوي

ص: 53

المبدع بما تُظهر من ضخامة النجوم وسعة السماء وقوة النظام وبديع الإحكام والإتقان).

أقول: هنا تُسكب العبرات، أما الأولون فكانوا يرون السماء ونجومها وشمسها وقمرها وعجائب صُنْعها كما قال الله في كتابه:(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) ونحو ذلك من الآيات ينظرون بعيونهم بلا واسطة ولا دلالة كفار فيزدادون بذلك إيماناً ويقيناً، وما دعا الله عباده للنظر إلى السماء كيف خلقت إلا أن ذلك مُدْرك بحاسة البصر وقال عز وجل:(فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) إلا وأن ذلك مُدْرك بسهولة بحيث لو كان في السماء فطوراً التي هي الشقوق لأدركها البصر ولكن لا فطور فيها التي هي الفروج، ثم إنه سبحانه أثنى على عباده الصالحين الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، ومعلوم أن الذين في الذروة من هذا الثناء هم الصحابة ومعلومة كيفية نظرهم وتفكّرهم، كذلك من جاء بعدهم سائراً على نهجهم علموا أن الله يخاطبهم بما يعرفونه ويقدرون عليه، وهو الطريقة السهلة البسيطة كما وصفها بذلك صاحب كتاب توحيد الخالق، ولذلك كتبوا نتائج نظرهم وعلمهم ودَوّنوها فجاءت مطابقة للمعلوم بخلاف من ضلّوا في متاهات بعيدة.

ص: 54

أنظر إن أردت ما كتبه ابن القيم عن السماء وعجائبها في كتابه النفيس (مفتاح دار السعادة) فقد جاء بعلم يعجز عن أقل القليل منه أرباب هذه العلوم والكشوف حتى ذكر أن كون لون السماء بهذه الصِّفة لئلا تنكأ الأبصار حيث التطلع إليها دائماً وأخبر أن الأطباء ينصحون من في بصره ضعف أن يديم النظر إلى الخضرة وما يقاربها ليتقوى نظره وأن هذا اللون اختاره الله بحكمته لطفاً بعباده لئلا تتضرر أبصارهم.

وما الذي دَلّ عليه العلم الحديث في شأن السماء وما فيها؟ لقد دَلّ وهدى إلى ضلال لا نظير له وذلك لفساد أصوله فقد اعتمد القوم على ما يُحسّونه ويشاهدونه وما عدا ذلك فلا يدخل حسابهم، مع أن صاحب كتاب توحيد الخالق أنكر طريقتهم هذه لا سيما في إنكار وجود الإله سبحانه وجاء بكلام جيّد لكنه مُعَظّم لهم في كلامهم بالكونيات من الجماد والحيوان في العالَم العلوي والسفلي، ولقد بَهَرَتْه وبهرت كثيرين مثله علومهم المادِّية الزائفة.

والمراد هنا الكلام على ما كشفه العلم الحديث من السماء ونجومها وسعتها وقوّة نظامها كما أعجب ذلك صاحب كتاب توحيد الخالق، ولكن قبل ذلك لا بد من الكلام على الخطوة الأولى في مسير النظر

ص: 55

والتفكر بالفارق الكبير بين السلف ومن تبعهم على نهجهم وبين المتبعين لأرباب العلم الحديث.

معلوم أن الرب سبحانه خاطب الأمة لينظروا في هذا الملكوت العظيم ليزدادوا إيماناً ويقيناً لكن لم يأمرهم بذلك ويثني عليهم ليكْتشفوا ويسْتظهروا خفايا مَخْبوئة وغيبيات لا تتجلى إلا بكشفهم وتحكيم عقولهم وبذلهم جهدهم بل ندَبهم لينظروا في ملكوت هو سبحانه وَصَفَهُ لهم بصفاته الحقيقية من سعة السماء وارتفاعها وبنائها وشمسها وقمرها واختلاف ليلها ونهارها لينظروا بضابط علم خالق هذا المُلْك العظيم الذي يقول: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فقد بين الله صفات السماء بناءها وأبوابها وارتفاعها واتساعها وما فيها من آيات فهم ينظرون بإيمان مُسَبّق وعلم مُسَبّق بخلاف أرباب العلوم الحديثة والكشوف فإنهم أصَّلوا نظريات للكون وما فيه كقواعد يسيرون عليها أمْلَتْها عليهم عقولهم الكافرة الضالّة حيث نظروا إلى الكون على أنه لا خالق له وإنما نشأ وتحرك مُتَحَرِّكه وسكن ساكنه من ذاته ونفسه، فلا خالق ولا مُصَرّف مُدَبِّر، هذا أصل علومهم التجريبية.

ولا عجب منهم ولا أسى عليهم إن استمرءوا الضلال واستطابوه وأُعجبوا به ودعوا إليه وأفْنوا أعمارهم في سبيله إنما العجب من المقَلِّدة الذين يزعمون أنهم ينصرون الدين ويبيّنون إعجاز القرآن بسيرهم خلف

ص: 56

هؤلاء وتقليدهم لهم وكأنّ الشر يأتي بالخير، وكأنّ الأعمى بصير، وكأنّ العنب يُجنى من الشوك، والمراد هنا ظهور الفرق بجلاء في أمر الأصول والقواعد التي سار عليها الأولون في النظر والتفكر وأنها حسب وصف وعلم وتدبر خالق هذا الكون العليم به سبحانه والعليم بما ينفع عباده ويضرهم، أما مُقلّدة أرباب العلوم الحديثة والكشوفات فإنهم من أول خطوة يسيرون على نهج مُخَطّط مرسوم من قِبَل الملاحدة الضُّلال، فالنظريات الضالة التي هي قواعد وأصول مرسومة ومنتهى منها قبل الكشف والنظر، وما عليك إلا أن تكون تابعاً للقوم تُثْبت ما يثبتون وتنكر ما ينكرون في شأن المخلوقات وكأنّ خالقنا ونبينا تركنا عالة على هؤلاء في معرفة ملكوت ربنا، والذي أقوله في وصْف المقلِّدة ظاهر بيّن لمن نظر فيما يتكلمون به ويكتبونه في مؤلفاتهم.

وانظر متابعة صاحب كتاب توحيد الخالق لضلال الملاحدة الذي لا يتفق معه وجود سموات مبنية وخالق فوق سمواته فوق عرشه.

ص: 57