الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجنة عرضها السموات والأرض فأين النار
؟
قال صاحب كتاب توحيد الخالق في كتابه ص370:
قال: وهذه شبهة أخرى تقول: إذا كان الله قد وصف الجنة بأن عرضها السموات والأرض، فأين النار؟.
ثم قال: والجواب: في مكان آخر يعلمه الله، ألا ترى أنه إذا جاء النهار ذهب الليل الذي كان يملأ الآفاق إلى جهة أخرى. انتهى.
الجواب: صاحب كتاب توحيد الخالق لا يعرف موضع الجنة وموضع النار لأنه مفتون بعلوم الغرب التي مُسَلَّماتها عنده وعند أمثاله أن الأرض تدور لأنها منفصلة بِفِعل دوران السديم المزعوم.
ودوران الأرض لا يتّفق معه إثبات علو وسفول للكون لأن الذي يكون في وقت عالٍ يكون في وقت آخر سافل، وهكذا باستمرار.
فكيف يتفق لمن هذا اعتقاده معرفة الجنة والنار على الحقيقة بل والسموات وهو لا يثبت عنده علو ولا سفول للكون ثابتاً.
أما من يعتقد ثبات الأرض وسكونها فعلو الكون وسفوله ثابت عنده لا سيما وهذا من مهمات اعتقاده حيث معرفته بربه سبحانه وعلوّه وفوقيته فطرة وشرعة يتعبد بذلك إلهه ويتطلبه قلبه، فهو يطلبه فوقه دائماً
كما أخبر سبحانه عن نفسه وأخبر بذلك عنه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وعلوم الغرب مبنية على الضلالة، فمن أول خطوة إلى آخرها لا وجود للرب ولا ذِكر له ولا بإسمه (1) فضلاً عن العلم بعلوه ومكانه سبحانه ومكان الجنة ومكان النار، إن فاقد الشيء لا يعطيه، والهدى لا يدرك بمسالك الضلالة، والشر لا يأتي بالخير.
والمراد أنه إذا كان عرض الجنة السموات والأرض فليس معناه أنه تشغل حيِّز السموات والأرض وتملأ فراغ السموات والأرض وإنما المقصود أن مسافة عرضها كمسافة عرض السموات والأرض فهذا مُراد منه تقدير السِّعة لا شغل الحيِّز.
وبما أن الجنة فوق السماء السابعة وسقفها عرش الرحمن، وبما أن السموات كروية فسماؤنا الدنيا هذه الأرض في وسطها كالنقطة في الدائرة لكن بما أن هذه الأجسام كروية فيقال في وسطها وجوفها أوضح من أن يقال: كالنقطة في الدائرة، ثم السماء الدنيا في جوف الثانية وهكذا.
فإذا علمت أن المسافات بين كل سماء وسماء كما بيننا وبين السماء الدنيا تبين لك سعة العالَم العلوي لا سيما ما فوق السماء السابعة وهناك
(1) ولا ينبغي أن يغتر من وجد لله ذكراً بين علومهم من آيات القرآن أو غيرها، فهذا من تصرّف المترجمين لتروج البضاعة بحصول هذا اللبس.
الجنة والجنة درجات فيها مائة درجة ما بين كل درجة والأخرى كما بين السماء والأرض.
والجنة وإن كانت درجات آخذة في العلو فهي كما وصف ابن القيم رحمه الله فدرجاتها كما يكون الجبل العظيم المنبسط فالجنان المرتفعة يوصل إليها كالصعود على الجبل الذي على أكنافه البساتين، كذلك النزول من الدرجات العلى إلى ما هي أسفل كالنزول من الجبل الذي تقدم ذكره هذا تقريب لبيان أن ليس درجاتها كالدار التي غرفها فوق بعض بالتساوي.
وبما أن الجنة فوق السماء السابعة فلا تسأل عن سعتها، فإذا كانت الأرض في جوف كرة السماء الدنيا فهي صغيرة بالنسبة إليها إذ السماء الدنيا محيطة بها من كل الجهات فكيف بسعة السماء الثانية، وهكذا.
فسعة العالَم العلوي عظيمة، لكنها شيء وهذيان الملاحدة شيء آخر حيث أن السّعة عندهم إلى ما لا نهاية.
وعرض الجنة ذكره الرب سبحانه في سورة (آل عمران) قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وفي سورة (الحديد) قال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) الآية.
والقرآن يفسر بعضه بعض فقوله تعالى: (عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ
وَالأَرْضُ) يفسّره قوله تعالى: (كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).
فهذا قياس ظاهر بهذا التحديد (كعرض).
أما النار فهي أسفل سافلين وهو سجين وهو الأرض السابعة السفلى.
أما إن صَحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فأين الليل إذا جاء النهار)(1) فهو جواب فَهِمَ السائل منه المراد.
وليس هناك تعارض بين وجود النار وكون الجنة عرضها السموات والأرض، والنار ليست في السماء.
قال ابن كثير: والصحيح أن سِجِّيناً مأخوذ من السجن وهو الضيق، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتّسع، فإن الأفلاك السبعة (هي السموات) كل واحد منها أوسع وأعلى من الذي دونه، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة.
ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل السافلين كما قال تعالى: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) وقال ها هنا: (كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ) وهو يجمع بين الضيق والسفول، إلى آخره، من تفسير ابن كثير.
(1) رواه الإمام أحمد (3/ 441).