الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) الآية
وذكر صاحب كتاب توحيد الخالق أن زغلول النجار أخبره أنه اطلّع على كلام لبعض من يسمون رواد الفضاء وأنه يذكر أنه عندما يخرج من الغلاف الهوائي للأرض ويدخل خارج الغلاف الهوائي أن هناك ظلام دامس وأن الشمس تبدو في تلك المنطقة باهتة جداً والنجوم ضعيفة جداً والسواد هو الغالب عليه وأن هذا الرائد يقول أثناء صعوده: الآن يقلّ الضوء، الآن سُدَّتْ أبصارنا وأغلقت، لا نرى شيئاً، قد أصبحنا عمياً، لأنه ليس هناك من انعكاسات لأشعة تأتي إلينا، ثم قال زغلول النجار المصري: لما سمعت هذا الكلام تذكرت قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) انتهى (1).
الجواب: أن هذا الزغلول المصري الجيولوجي شابه صاحب كتاب توحيد الخالق في الكلام بالقرآن بهذه الضلالات وغصب آياته لتجاري هذه الفتن، وليس المعنى كما ذهبوا إليه بل هو فاضح لتخريفهم فإن الخطاب مع الكفار المعاندين وأنهم كما قال ابن كثير: يخبر تعالى عن
(1) العلم طريق الإيمان، (ص11).
قوة كفرهم وعنادهم ومكابرتهم للحق أنه لو فتح لهم باباً من السماء فجعلوا يصعدون لما صَدّقوا بذلك بل قالوا: (إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) قال مجاهد وابن كثير والضحاك: سُدَّت أبصارنا، وقال قتادة: عن ابن عباس: أُخِذَتْ أبصارنا، وقال العوفي عن ابن عباس: شُبِّهَ علينا وإنما سُحِرْنا، وقال الكلبي: عميت أبصارنا، وقال ابن زيد:(سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) السكران الذي لا يعقل. انتهى من تفسير ابن كثير.
فالذي يُخبر به الذين يسمون: روّاد الفضاء أنهم إذا ارتفعوا وجدوا ظلمة وأنهم يقولون: سُدَّتْ أبصارنا وأغلقت لا نرى شيئاً، فهم يخبرون عن ظلمة يدخلون فيها إذا ارتفعوا في الفضاء.
أما الذي تخبر عنه الآيتان فإنما هو تقدير معناه أن الله لو فتح لهم باباً من السماء المبنية ذات الأبواب ثم أقدرهم سبحانه على الصعود حتى وصلوا إلى السماء ودخلوا بابها واستمروا في الصعود لقالوا الذي ذكر الله عنهم.
يعني أنه من شِدّة مكابرتهم وعنادهم ينكرون هذه الحقائق العظيمة لو حصلت لهم كما ذكر سبحانه، فأين هذا من هذا؟.
فالرب سبحانه يخبر في الآيتين عن الكفار أنهم لو صعدوا ورأوْا بأعينهم صدق خبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأن يُفتح لهم باب السماء فيعرجون
فيه ويرون آيات السماء (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) يقولون ذلك جحوداً ومكابرة وعناداً.
فالقصة كلها ليس فيها ذكر ظلمات أثناء الصعود بل بالعكس فيها إبصار حقيقي ونظر تام على تقدير حصولها فإنهم رغم ما يبصرونه ويشاهدونه بأعينهم عن قرب من آيات ربهم الذي أرسل إليهم هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يلجّون في عتوّهم وعنادهم ويقولون ما ذكر الله عنهم.
وقد ذكر الله من تعنّتهم ما يشبه هذا في سورة الإسراء وغيرها من سور القرآن، قال تعالى عنهم:(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَراً رَسُولاً).
ويزيد ما تقدم وضوحاً ما رواه ابن جرير من حديث ابن عباس عن اجتماع كبراء قريش وسؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء التي ذكر الله عنهم في سورة الإسراء والحديث طويل وفي آخره أنه لما قام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قام معه عبد الله بن أبي أمية وهو ابن عمته عاتكة ابنة عبد المطلب،
فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل لهم ما تخوّفهم به من العذاب، فو الله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بصحيفة منشورة ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وأيْم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك، ثم انصرف وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً أسفاً لِما فاته مما كان يطمع فيه من قومه حين دعوْه. انتهى.
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس في تفسير الآيات المتقدمة.
والشاهد في قول عبد الله بن أبي أمية: (وأيم الله لو فعلتَ ذلك لظننت أني لا أصدقك) والقرآن يفسر بعضه بعضاً، فأين هذا مما ذهب إليه زغلول النجار وأيده عليه صاحب كتاب توحيد الخالق؟ كيف تصرف معاني القرآن إلى هَوَس الملاحدة؟ هذا والله عظيم.
وإنه لظاهر بيِّن أن هؤلاء لا يُعَوِّلون على تفاسير السلف إلا ما نَدَر، كذلك فإنه ظاهر بيِّن أنهم بأدنى ما يظنونه مناسبة بين الآية وبين كشوف الكفار ولو كان من باب:
سارت مشرقة وسرت مغرباً
…
شتّان بين مشرق ومغربِ
إنهم يظنون أنهم وجدوا ضالّتهم لترويج البضاعة المزجاة، وبذلك أتوْا بما لم تستطعه الأوائل.
فليعلم هؤلاء أن فعلهم هذا يستلزم أن السلف قد أجمعوا في تفسير القرآن الذي خالفوهم به على ضلالة وحسْبهم بهذا ضلالة.