الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) الآية
وقال صاحب كتاب توحيد الخالق في قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ)(1).
البنان: هي أطراف الأصابع وتسويتها هنا معناها: إعادتها إلى هيئتها الأولى، فأيهما أصعب: إعادة البنان أم إعادة العظام؟ قد يتساوى الأمر عند النظرة الأولى، ولكن إذا عرفنا أن لكل إنسان رسماً خاصاً لبنانه لا يشابه رسم لبَنان أي إنسان آخر، وقد استخدمت بصمات البنان في التعرف على الشخصية. انتهى.
قول صاحب كتاب توحيد الخالق عن تسويتها أن معناها إعادتها إلى هيئتها الأولى غلط فليس هذا المراد بالتسوية هنا إنما هو كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطية العوفي ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وابن جرير: وأنه لو شاء تعالى لجعله خُفًّا أو حافراً، ذكره ابن كثير في تفسيره.
(1) القيامة، آية 3، 4.
قال ابن القيم: لو شاء لَسَوّاها وجعلها طبقاً واحداً كالصفيحة انتهى (1).
والرب سبحانه هنا جمع بين كمال قدرته على جمع عظام الإنسان ونعمته عليه بأنه جعل بنانه بهذه الصفة التي يتمكن بها من أغراضه ما لا يحصل بدونها مع تجميله بها.
أما البصمات وإرادة التعرّف على الشخصية كما ذكر فليس هو المراد قطعاً وليست البصمات أبلغ في اختلاف الناس في خطوطها من صفاتهم الأخرى التي هي أظهر وأبين لكل أحد لا سيما في وقت نزول القرآن الذي ألْقى النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته معانيه كما ألقى لهم ألفاظه، وكان اهتمامهم بالمعاني أعظم من اهتمامهم باللفظ.
إن اختلاف الخلق في صُوَر وجوههم وأصواتهم وجميع صفاتهم ظاهر بيّن وقد جعل سبحانه ذلك من آياته الدّالة على قدرته فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ) الآية. فاختلاف اللغات والحلى التي هي الألوان ظاهر بل واختلاف نبرات الأصوات من شخص إلى آخر، وغير ذلك من عجائب قدرة الله.
فلو كان الأمر كما زعم صاحب كتاب توحيد الخالق أن التسوية المراد بها الإعادة إلى الهيئة الأولى لكان ذكر إعادة صور الوجود على
(1) مفتاح دار السعادة 1/ 192.
هيئتها الأولى كذلك الأصوات أبلغ وأظهر لكل أحد، وخطوط أطراف الأصابع أمر خفي.
وقطعاً فليس هو المراد، أما القدرة فصالحة لكل شيء فليس النزاع فيها ولا في اختلاف الخطوط في البنان من شخص لآخر، إنما المراد معنى الآية وكوْن القرآن يُطَوَّع على مقتضى أحوال الناس والزمان فيجاري أهوائهم ويُساير أغراضهم.
وفي صفحة 366 (توحيد الخالق) ذكر صاحب كتاب توحيد الخالق قول من يقول: (إن الإسلام رجعية) ثم تكلم عن الإسلام والرجعية بكلام حق وباطل وتمام عن معنى التقدم.
وعلى كل حال فلصاحب كتاب توحيد الخالق أمثال كثيرون يقيسون الأمور بآرائهم بكلامهم في الدين حيث يسْتحسنون ما فُتِنَتْ به الأمة في هذا الزمان ويعظمون شأنه مما فُتح على أعداء الله استدراجاً وإضلالاً.
والتقدم والتأخر حقيقتة ما قال سبحانه في كتابه العزيز: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) أي يتقدم بطاعة الله ورسوله أو يتأخر بمعصية الله ورسوله.
وما أكثر الخوض في عصرنا في معاني أسماء مُحْدَثة وأمور مُحْدَثة بهوى جارف وعقل تالف.
ولقد بَهَرَتْ معجزات نبينا في هذا الزمان بوقوعها كما أخبر صلى الله عليه وسلم مثل قبض العلم بموت العلماء فتظهر الرؤوس الجهال (1) وقد امتلأت اليوم منهم الأرض وهم الذين يقيسون الأمور بآرائهم فيستحسنون ما وافق أهوائهم وإن خالف الحق.
وظهرت معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في وقتنا جليّة ناطقة فقد أخبر إخبارات خرجت مخرج الذّم والتحذير لأمته فوقع تصديق ما أخبر به واتباعه كما أخبر بالوصف الدقيق (شبراً بشبر) و (ذراعاً بذراع)(2) ونحو ذلك مما يبين شدة العناية بتحقيق اتباع سنن أهل الكتاب وغيرهم من الأمم.
والمراد أن الكلام في الدين لم يكن هكذا كما حصل في وقتنا كُلٌّ يخوض بما شاء، فترى الشخص شُهد له أنه قد ارتفع مقامه وعَلَتْ مكانته فتراه فوق وهو لا يُحسن تثبيت قدمه على الدرجة الأولى.
(1) كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (1/ 50) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.
(2)
رواه البخاري (3/ 1274) ومسلم (4/ 2054) عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.