الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمثلة من الخوض بالجهالة والضلالة
خلق آدم وذريته
بين يديّ كتاب اسمه (رسالة الرضوان)، وقد تكلم فيه كاتبه عن خلق الإنسان وأنه مخلوق من تراب فذكر كل الآيات التي فيها ذكر خلق الإنسان من تراب ومن طين فجعل المراد بذلك سائر الناس وأنهم خُلقوا من تراب ومن طين، قال:(ولأول مرة يتبادر إلى الذهن عدم معقوليّة خلْقنا من تراب لكننا بعد تأمل وتدبّر نجد أن خَلْقنا من تراب حقيقة ساطعة كالشمس).
يريد أن سائر الناس خلقوا من تراب مع أن كل ما ذكر الله سبحانه في القرآن من خلق الإنسان من التراب ومن الطين المراد به آدم عليه السلام ليس المراد الذريّة فالذرية يذكر الله أنه خلقهم من الماء المهين وهو النطفة لكن مراده تفسير آيات القرآن على مقتضى علوم الملاحدة، ولذلك ذكر تركيب الإنسان من العناصر الأرضية وأنها تُرابيّة.
ولقد تكلّف وقال بالقرآن برأيه ووقع في خطأ فاحش، وقد سَرَد الآيات التي فيها ذكر التراب والطين زاعماً أن المراد سائر الناس وذلك لأجل حَشْر القرآن في رَكْب علوم الملاحدة المضلة، وقد
ذكر قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) وقوله تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) وقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) وقوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ) وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) وقوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) وقوله تعالى: (وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) وقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ).
وهذه الآيات التي ذكر كلها في شأن آدم عليه السلام كما سيظهر إن شاء الله.
قال ابن كثير في آية سورة الروم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) قال: (وَمِنْ آيَاتِهِ) الدالة على عظمته وكمال قدرته أنه خلق أباكم آدم من تراب، (ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) قال: فأصلكم من تراب ثم من ماء مهين، ثم تَصَوّر فكان علقه .. إلى آخر كلامه.
هذا هو المراد بقوله تعالى: (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) أنه أصلكم وهو آدم عليه السلام، فالخطاب وإن كان للذرية فالمراد أصلهم.
أما الذرية فخلقهم الله من النُّطَف التي هي الماء المهين، وكم ذكر الله هذا في القرآن.
وفي مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزَن وبين ذلك)(1).
أما آية سورة الحج (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) قال ابن كثير: أي أصل برئه لكم من تراب وهو الذي خُلق منه آدم عليه السلام (ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ) أي ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، وأما آية السجدة (وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) قال ابن كثير: يعني خلق أبا البشر آدم من طين.
ولن اطيل هنا فانقل ما ذكره اهل التفسير من السلف غير ابن كثير في جميع الآيات التي يذكر الله فيها التراب والطين لأنه إجماع من السلف أن المراد آدم، فيلزم صاحب الكتاب أن السلف قد أجمعوا على ضلالة في تفسير هذه الآيات، وأنهم يقرؤن هذه الآيات ولا يعرفون المراد منها وإنما عرف المراد مقلدة الملاحدة في هذيانهم.
ولا ننكر تكوين جسم الإنسان من النبات والحيوان إنما المنكر الباطل أن هذه الآيات معناها ما ذهب إليه صاحب ذلك الكتاب، إن الفرق بيّن بين خلق جنس الإنسان وخلق الأب -آدم عليه السلام.
(1) رواه الإمام احمد في سنده (4/ 400) وأبو داود (4690).
قال ابن تيمية رحمه الله في قوله تعالى: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) قال: (الإنسان) هو اسم جنس يتناول جميع الناس ولم يدخل فيه آدم الذي خُلق من طين. انتهى. (1)
والطين هو التراب إذا أُضيف إليه الماء.
والمراد هنا ذكر نماذج من ضلالات أرباب الإعجاز المزعوم وأنهم مخالفون للسلف، وأن إطلاق اسم العلم على علوم الكفار ضلال، فلا بد من تقييد اسم العلم بما يميزه عن العلم الديني الحق الممدوح أهله، ولذلك يقول ذلك الكاتب:
وأما الدليل العلمي: فاتضح للدارسين المختصين في علوم الحياة والكيمياء إذ أنهم وجدوا أن حقيقة خلقنا من التراب التي أخبر عنها القرآن الكريم منطبقة تمام الانطباق على طبيعة تكوين أجسامنا ذات الطبيعة المادية الترابية الأصل إذ تبيّن لهم بعد الدراسة والتحليل الكيميائي لِبنية الإنسان أنها بنية مكوّنة من عناصر ترابية محضة. إلى آخره. (2)
فيقال له: أهذا إعجاز القرآن أم الإضلال عن القرآن؟
وكذلك صاحب كتاب (الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان) ذكر في (ص41) خلق الإنسان من تراب بتطابق تركيب تراب الأرض مع تراب
(1) مجموعة الفتاوى 16/ 260.
(2)
رسالة الرضوان، ص52.
ورميهم الإنسان بعد فناء جسده، ثم قال: لقد جاء المثل الإلهي مُذهلاً يأخذ بالألباب في الآية الخامسة من سورة الحج حيث قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ) الآية.
قال: فبعد أن خلق الله الإنسان من تراب قَدّر فيه أجهزته المختلفة، انتهى. وقد تبين هذا الخطأ والاستدلال عليه وأن المراد بالمخلوق من التراب والطين هو آدم عليه السلام.
فالحذر من هذه التفاسير للآيات والمعاني للأحاديث التي أحدثها من يزعمون إعجاز القرآن فإنهم يحيلون معاني القرآن والحديث المعجزة حقاً إلى معاني بين باطل محض والحق لا يجتمع مع الباطل بل هو ضده، وبين معانٍ تافهة هزيلة وكأن كلام الله يشبه كلام البشر، ومن هنا تسقط حرمة القرآن ويستعمل في غير ما أنزل له.