المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌السموات السبع ومما يوضح ما أقول هنا أن أرباب الإعجاز المزعوم - الفرقان في بيان إعجاز القرآن

[عبد الكريم الحميد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌نيوتن والجاذبية وقانونها

- ‌المجموعة الشمسية

- ‌العلوم التجريبية والاعتماد على المحسوس

- ‌هل صِدْق الرسول صلى الله عليه وسلم متوقفاً على هذيان أرباب العلوم التجريبية

- ‌أمثلة من الخوض بالجهالة والضلالة

- ‌إعجاز صاحب كتاب توحيد الخالق

- ‌نهار الكواكب وليلها

- ‌(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ) الآية

- ‌(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) الآية

- ‌(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً) الآية

- ‌مشابهة المتكلمين

- ‌غلو صاحب كتاب توحيد الخالق بعلمه الحديث

- ‌فلا أقسم بمواقع النجوم

- ‌الإعجاز المزعوم يُضل عن السموات وما فوقها

- ‌المجرات الخيالية وأصل علوم المعطلة

- ‌المجرة باب السماء المبنية

- ‌ترويج البضائع الفاسدة

- ‌الذرة

- ‌الجناية على القرآن

- ‌ضلال في نشأة الكون

- ‌السموات السبع

- ‌هل الشريعة مَرِنَة

- ‌تجهيل السلف

- ‌(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) الآية

- ‌النار السوداء

- ‌(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ)

- ‌(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)

- ‌السديم

- ‌الكنيسة

- ‌أمثلة من الضحايا

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌دوران الأرض

- ‌(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا) الآية

- ‌(كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)

- ‌(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ) الآية

- ‌(وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً)

- ‌(قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ)

- ‌(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا) الآية

- ‌(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)

- ‌(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الآية

- ‌(وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) الآية

- ‌(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) الآية

- ‌(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) الآية

- ‌(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) الآية

- ‌(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) الآية

- ‌الوعيد على تفسير القرآن بالرأي

- ‌هل معاني آيات القرآن غير معروفة حتى يُبينها المتأخرون

- ‌ إعجاز القرآن

- ‌الظلمات الثلاث

- ‌شوائب الداروينية

- ‌خوض بجهل

- ‌(بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) الآية

- ‌كلام في القدر

- ‌الجنة عرضها السموات والأرض فأين النار

- ‌(لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ)

- ‌كروية الأرض وثباتها

- ‌جريان الشمس بالفلَك غير الجريان حول المجرة

- ‌الأرض مركز الكون

- ‌(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) الآية

- ‌(وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) الآية

- ‌(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) الآية

- ‌(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)

- ‌خوض في مسمى العلم

- ‌(لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) الآية

- ‌تصديق صاحب كتاب توحيد الخالق بالوصول إلى الكواكب

- ‌أرض العرب والمروج والأنهار

- ‌الدعوة إلى الله بالطرق الشرعية

- ‌علم الأمة ميراث الرسول

- ‌(وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ)

- ‌بداية الكون

- ‌(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ) الآية

- ‌(وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)

- ‌انشقاق القمر

- ‌حيل لترويج بضائع فاسدة كاسدة

- ‌(وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) الآية

- ‌(فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) الآية

- ‌كلام باطل عن الشمس

- ‌(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الآية

- ‌رد الباطل بالباطل يُغري أهل الباطل

- ‌آثار نشأة الكون على نظرية داروين

- ‌عجائزنا ومجانيننا خير من علماء المعطلة

- ‌(أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) الآية

- ‌الملحقات

- ‌زيادة بيان وإيضاح برهان

- ‌العلم التجريبي

الفصل: ‌ ‌السموات السبع ومما يوضح ما أقول هنا أن أرباب الإعجاز المزعوم

‌السموات السبع

ومما يوضح ما أقول هنا أن أرباب الإعجاز المزعوم لا تجد للسموات المبنية في علومهم ذكراً، لأن البناء من الأصل مبني على فضاء لا ينتهي وأجرام كواكب تدور فيه بسرعة هائلة، ولا يوجد في علوم أرباب هذه النظريات غير ذلك إطلاقاً.

إن أمثل أهل الإعجاز طريقة من لَوْ ذكر السموات السبع قال: فوق ذلك، يعني السموات فوق هذا الفضاء اللانهائي وفوق المجرات، ومعلوم أن هذا من أعظم التناقض والتعارض والمكابرة حيث أن فضاء هذه الخيالات لا ينتهي بحَدّ كيف وهم يذكرون أبعاداً لا يستوعبها الخيال بين بلايين المجرات يزعمون تقديرها بالسنين الضوئية، وكل هذا منحوت في أذهان مظلمة، والحقيقة شيء آخر.

أما سائر الأتباع مُقَلِّدة الملاحدة فبعضهم يقول: لا أدري ما السموات السبع، وبعضهم يقول: هي كواكب، وبعضهم يقول: طبقات غازية في الفضاء، وهكذا تراهم بين إنكار واضطراب وشك.

وبمعرفة كيفية السموات كما خلقها الله تنهدم نظريات الكفر من أصلها ولا سيما السماء الدنيا، فخذ التعريف بها من وصف خالقها

ص: 124

سبحانه ومن كلام العلماء حقيقة الذين هم علماء الدين لا علماء الملاحدة الذين أُطْلق عليهم اسم العلماء وهم أضل من الأنعام.

السماء الدنيا بناء ولها أبواب، لها جُرمٌ وسمك، قريبة جداً إذا قارَنْتَ مسافتها بما يتخيّله الملاحدة، ما لها شقوق ولا فروق ولا فطور وهذه الثلاث بمعنى واحد، ولولا أنها بناء لما نفى الله عنها الفروج والفطور، ولما وصفها بأنها شداداً وطباقاً.

فكونها بناء قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء)، وقال تعالى:(أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ) وغير ذلك من الآيات.

وأما الأبواب فقال تعالى: (وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَاباً) أنظر هنا (وفتحت) وفي حديث الإسراء المتقدم أن جبريل كلما جاء سماء يستفتح بابها فيفتح له.

أما الجرم فمعلوم أن البناء له جرم وله سمك، ولا يكون بناء يوصف بأنه له أبواب وما له فطور ولا فروج إلاّ ما يُحسّ ويلمس، والجن أخبر الله عنهم أنهم يقولون:(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً).

أما القرب فالسماء الدنيا قريبة جداً وذلك بالنسبة للمسافات الخيالية التي يهذي بها الملاحدة فهي مسيرة خمسمائة عام بتقدير سَيْر الإبل.

ص: 125

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (ما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام) الحديث رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد بإسناد صحيح على شرط مسلم.

وله حكم المرفوع فمثله لا يقال من قِبَل الرأي.

وفي حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم والبزار، عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:(وهل تدرون ما فوقكم؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف، ثم قال: هل تدرون كم بينكم وبينها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (بينكم وبينها خمسمائة سنة) الحديث قال الترمذي: هذا حديث غريب.

وفي حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (هل تدرون كم بين السماء والأرض؟) قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: (بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة)(1). وأحاديث أخرى تدل على نفس المسافة بين السماء والأرض وأنها خمسمائة عام تركتها اكتفاء بما ذكرت.

سبق وقلت أنه بمعرفة كيفية السموات كما خلقها الله تنهدم نظريات الكفر من أصلها ولا سيما السماء الدنيا.

(1) رواه الإمام أحمد (1/ 206) وأبو يعلى في مسنده (12/ 75).

ص: 126

وهذا لزيادة التعريف بالسماء وزيادة انهيار نظريات الكفار أذكر شكلها وَوَضْعها بالنسبة للأرض، إنها محيطة بالأرض من كل جانب إحاطة الكرة بما في وسطها حيث أن شكلها كروي.

سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجلين تنازعا في (كيفية السماء والأرض) هل هما (جسمان كُرِّيّان) فقال أحدهما: كُرِّيّان، وأنكر الآخر هذه المقالة: وقال: ليس لها أصل ورَدَّها فما الصواب؟.

فأجاب رحمه الله: السموات مستديرة عند علماء المسلمين، وقد حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من العلماء أئمة الإسلام: مثل أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أحد الأعيان الكبار من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف.

وحكى الإجماع على ذلك الإمام محمد بن حزم وأبو الفرج بن الجوزي، وروى العلماء ذلك بالأسانيد المعروفة عن الصحابة والتابعين، وذكروا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله، وبسطوا القول في ذلك بالدلائل السمعية، وإن كان قد أُقيم على ذلك أيضاً دلائل حسابية، ولا أعلم في علماء المسلمين المعروفين من أنكر ذلك إلا فرقة يسيرة من أهل الجدل لما ناظروا المنجّمين، وذكر كلاماً ثم قال: وما علمت من قال أنها غير مستديرة وجزم بذلك إلا مَنْ لا يُؤبَهُ له من الجهال.

ص: 127

ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).

وقال تعالى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ).

وقال: وأما من ادّعى ما يخالف الكتاب والسنة فهو مبطل في ذلك. انتهى باختصار (1).

وقال: وإذا كانت سماء الدنيا فوق الأرض محيطة بها فالثانية كُرِّيَّة وكذا الباقي، والكرسي فوق الأفلاك كلها. (يعني السموات) والعرش فوق الكرسي. انتهى (2).

وقال ابن تيمية: المنكِر لكروية السماء مخالف لجميع الأدلة. انتهى (3).

قال ابن كثير في البداية والنهاية 1/ 31: وقد حكى ابن حزم وابن المنير وأبو الفرج ابن الجوزي وغير واحد من العلماء الإجماع على أن السموات كرة مستديرة. انتهى.

إن من عرف وصف السماء وشكلها كما تقدم يظهر له بجلاء أن ما يتخيّله أرباب العلم الحديث من الفضاء اللانهائي والمجرات التي لا تحصى

(1) مجموعة الفتاوى 6/ 586.

(2)

مجموعة الفتاوى 5/ 150.

(3)

الفتاوى 25/ 189.

ص: 128

ضلال عن الخالق وتعطيل له وأن هذه تبدأ بعقيدة الدهرية وتنتهي إليها وأي شيء أعظم من هذا؟.

قد تبينت المسافة بين السماء المبنية المشاهدة ذات اللون الأزرق في الأرض وأنها مسافة صغيرة جداً وأن ذلك هو الفضاء كله وأنه ما يقارب تسعة ملايين كيلو متر حسب اصطلاح أهل العصر، وأنه هو الذي يقول عنه الرب عز وجل:(وَمَا بَيْنَهُمَا) عندما يذكر السماء والأرض، هذا هو الفضاء كله.

أما فضاء خيال الملاحدة ومُقلِّديهم فهذا قطرة من بحره إذْ فضاؤهم لا يُحَدْ، فقارن الآن بين الحق والباطل، بين الهدى والضلال بين ما يُصَدِّقه العقل السليم ويؤيده ويشهد بصحته وبين ما يستنكره ويُنكره، وذلك بوصف ما تخيّل الملاحدة وأتباعهم في العالم العلوي، وحيث قلتُ هنا:(العالَم العلوي) فمرادي من لم تفسد فطرته بعلوم الملاحدة فهو يثبت العلو والسفول للكون، والذي هو لازم ثباته في الوجود وفي عقيدة المسلم لمعرفة علوّ ربه وقصده له.

قال شيخ الإسلام في مسألة الجهة: وإنما الجهة اللازمة الثابتة الحقيقية هي جهتا العلو والسفل فقط، فالعلو ما فوق العالَم، والسفل (سجين) وأسفل السافلين وهو أسفل العالَم وقعْره وجوفه. انتهى (1).

(1) نقض التأسيس 2/ 121.

ص: 129

أما الملاحدة ومن قلدهم فليس للكون عندهم علو ثابت ولا سفول ثابت لأنهم يعتقدون فضاء لا ينتهي وكواكب تدور فيه فما كان في ساعة أعلى صار في الساعة التي بعدها أسفل وهكذا فلا ثبات للكون عندهم، فلا علو ولا سفول ثابت ومن عرف هذا عَلِمَ المراد بهذه النظريات وأنه الإضلال عن المعبود الحق سبحانه ليتوه القلب عن معبوده.

والمراد أن الضّدُّ يُظهر حسنه الضّدّ فبإشارة إلى خيال الملاحدة في الكون مع المقارنة بما تقدم من الوصف الصحيح له يتميز الحق من الباطل والحالي من العاطل.

وسوف أنقل هنا ما ذكرته في (هداية الحيران) من وصف سيد قطب للكون بعد أن ذكر قوله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) قال: وهذه الشمس واحدة من نحو مائة مليون من الشموس في المجرة القريبة منا، والتي نحن منها، وقد كشف البشر حتى اليوم نحو مائة مليون من هذه المجرات مُتناثرة في الفضاء الهائل من حوْلها تكاد تكون تائهة فيه. انتهى.

تأمل اللاّمعقول المُكَذَّب بصحيح المنقول، فهذه الشمس واحدة من نحو مائة مليون شمس، ونحن لا نجد في كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم إلا شمساً واحدة، كذلك الأمة بعد نبيها من جيل الصحابة رضي الله عنهم إلى وقتنا هذا لم يذكروا شمساً ثانية مع هذه الشمس فضلاً عن مائة

ص: 130

شمس أو ألف شمس أو مليون شمس، كيف بمائة مليون شمس؟ كذلك الأمم قبلنا.

ومع هذا الخيال يقول سيد قطب بعد الكلام السابق: (والذي كشَفَه البشر جانب ضئيل صغير لا يكاد يُذكر من بناء الكون، وهو على ضآلته هائل شاسع يُدير الرؤوس مُجرّد تَصَوّره). انتهى.

تأمل الجانب الضئيل الذي لا يكاد يُذكر من بناء الكون تعرف معنى (الفضاء لا حَدَّ له) في كلامهم في علومهم الحديثة، كيف إذا عرفت أن مائة المليون الشمس كل شمس منها لها توابع كتوابع شمسنا هذه التي سَمّوها:(المجموعة الشمسية) وكل مجموعة شمسية المسافة بينها وبين توابعها 3675 مليون ميلاً.

ثم قال قطب: فالمسافة بيننا وبين الشمس نحو ثلاثة وتسعين مليوناً من الأميال ذلك رأس أسرة كوكبنا الأرضي بل هي على الأرجح أم هذه الأرض الصغيرة. انتهى.

هذه المسافة التي ذكر قطب هي المسافة بين الأرض والشمس عندهم، وهو هنا جاوز السماء الدنيا المحيطة بالأرض إحاطة الكرة بما فيها المبنية ذات الأبواب بأربعة وثمانين مليوناً من الأميال، حيث بيّنت قبل أن المسافة بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام كما في الأحاديث وأنها تقارب تسعة ملايين كيلو متر مع اعتبار الفرق بين الميل والكيلو متر،

ص: 131

وهذا لا يؤثر بما نحن فيه إذ الأمر أعظم من أن يوصف.

ثم ملايين قطب تلك ليست كل مسافة التي يسمونها المجموعة الشمسية وإنما هذا الذي بين الأرض والشمس فقط، وقد تقدم ذكر مسافة المجموعة الشمسية عندهم، فالمريخ أبعد من الأرض والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو كما زعموا.

ثم قال قطب: (أما المجرة التي تتبعها الشمس فقطرها نحو من مائة ألف سنة ضوئية، والسنة الضوئية تعني مسافة ستمائة مليون ميل). انتهى.

يقول عن قطر المجرة أنه (نحو مائة ألف مليون سنة ضوئية) هذه المائة ألف مليون كل واحدة منها تعني مسافة ستمائة مليون ميل.

كل هذه الخيالات تبين معنى قولهم: الفضاء لا ينتهي.

ثم قال قطب: (وأقرب المجرات الأخرى إلى مجرتنا تبعد عنا بنحو خمسين وسبعمائة ألف سنة ضوئية).

وقد وجدتُ مثل هذا الكلام عن المجرات والسنين الضوئية المزعومة في الكتاب المسمى: (الله يتجلى في عصر العلم) فقد ذكر صاحب الكتاب قول الله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) ثم قال: ويحدثنا علماء الفلك بأن المسافات بين النجوم تبلغ حَدَّ الخيال، وهي جديرة بأن يُقسم بها الخالق لعظمها، فإن مجموعات النجوم التي تُكَوِّن أقرب مجرات السماء منا تبعد عنا بنحو

ص: 132

700 ألف سنة ضوئية، والسنة الضوئية تعادل عشرة ملايين الملايين من الكيلو مترات. انتهى ص164.

لاحظ 700 ألف سنة ضوئية والسنة الواحدة تعادل عشرة ملايين الملايين من الكيلو مترات، ولاحظ أن هذه المجرة أقرب مجرات السماء منا، فكل هذا يبين معنى الفضاء اللانهائي فإذا جاء السؤال: أين السموات السبع أين الله؟ جاء الجواب بالإنكار أو أحسن الأحوال الريب والشك وحسبك به بلاءاً عظيماً وكفراً.

ومع هذا يقول قطب بعد الكلام السابق: ونذكر مرة أخرى أن هذه المسافات وهذه الأبعاد وهذه الأحجام هي التي استطاع علم البشر الضئيل أن يكشف عنها، وعلم البشر هذا يعترف أن ما كشفه قطاع صغير في هذا الكون العريض. انتهى.

ولذلك لما قلّدهم قطب في هذه العلوم الفاسدة لم يستطع إثبات السموات المبنية المحيطة لأن أرباب هذه العلوم ينكرون وجود السموات وما فوقها، وراجع إن شئت كلام قطب عن السموات فقد ذكرت ذلك في (هداية الحيران) ص43 الطبعة الأولى 1412 هجرية وص30 الطبعة الثانية.

وقد رسم صاحب كتاب التوحيد المجرة المزعومة في كتابه وأنها تدور وتدور معها الشمس ص379 ولا شك أن القوم أصحاب خيال

ص: 133

ضال وأن من قلّدهم في هذيانهم ضل، انظر ما ينقل عنهم صاحب كتاب (من الإعجاز العلمي) 1/ 97 يقول:

واقترح العلماء أن المجموعة الشمسية تستغرق 200 مليون سنة لكي تُتِم دورة واحدة كاملة حول مركز درب التبانة وأن المجموعة الشمسية قد دارت في مدارها منذ نشأتها حتى اليوم نحو 20 دورة فما بالنا بمقدار دورة الكون كله حول مركزه. انتهى.

ويقول في إعجازه 1/ 147: وأن شمسنا يمكن لها أن تحتفظ بصورتها الحالية دون تغيير ملحوظ في حجمها العام لمدة طويلة من الزمن تصل إلى نحو 30 بليون سنة. انتهى.

ليعلم الناظر في هذا أن هذه الخيالات من الملايين والبلايين في تقدير الزمان والمسافات أنها وحي شيطاني ليذهل المخلوق عن الموت وأمر الآخرة زيادة على ما حصل له من إضلاله عن خالقه وذهوله عما خُلق له، وكل يعمل على شاكلته.

وانظر الآن صاحب كتاب (من علم الفلك القرآني) ص61 لتعلم ضلال القوم عن السماء التي وصف الله ورسوله، قال:

السماء بمعنى الكون: وإذا عنينا بالسماء الكون وما فيه من نجوم ومجرات وما بينها من غيوم فكل شيء في الكون يرجع إلى ما كان عليه، فمن المتفق عليه اليوم بين أكثر علماء الفلك أن الكون ليس أزلياً، بل بدأ

ص: 134

منذ خمسة عشر مليار سنة تقريباً بكتلة بدائية هائلة انفجرت وتَشَتَّتَتْ في أرجاء الكون ومنها تكونت لاحقاً النجوم والكواكب والمجرات والسُّدُم، فالنجوم تنشأ من غيمة كونية خلال ملايين بل مليارات السنين بفعل تكثّف المواد التي تؤلف الغيمة وتحوّل جزءاً منها إلى نجم يضيء خلال ملايين أو مليارات السنين ثم ينفذ وقوده فيتحول إلى نجم هائل متفجر ما يلبث أن ينفجر، ثم يموت ليرجع كما بدأ غيمة كونية، ثم تعاد الكرة التي تتطلب ملايين السنين مصداقاً لقوله تعالى:(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ)(1).

ولقد رأى العلماء في القرن العشرين كيف يبدأ الله الخلق ثم يعيده، ليس فقط في النجوم بل في كل المخلوقات، أما في زمن التنزيل فلم يكن باستطاعة العلم أن يرى شيئاً عن عملية بدء الخلق وإعادته، فسبحان الذي صدقنا وعده، كيف لا، وهو القائل:(لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(2).

وقد وعدنا بأننا سنرى كيف يبدأ الخلق ثم يعيده، واستقر خبر ما أنبأنا به بعد خمسة عشر قرناً من التنزيل من خلال الكشف العلمي لدورة الحياة في المخلوقات الحية وغير الحية. انتهى.

(1) العنكبوت، آية:19.

(2)

الأنعام، آية:67.

ص: 135

هكذا يتكلمون عن السماء تقليداً للمعطلة الضّلاّل، وأعجب من قول هذا: أما في زمن التنزيل فلم يكن باستطاعة العلم أن يرى شيئاً من عملية بدء الخلق وإعادته، فهذا تجهيل للسلف.

والمطلوب بعد هذا المقارنة بين ما جاء في الكتاب والسنة من وصف الكون وما جاء به العلم الحديث المحدث المضل.

وصاحب كتاب توحيد الخالق تكلم عن توحيد الصفات وعن الشرك بكلام مُقارب لكنه يذكر أنواع العبادة ولا يذكر المحبة التي هي أصل العبادة، كما أنه حين ذكر اسم (الإله) قال:(هو المالك الذي يملك جميع الصلاحيات والسلطات في السموات والأرض، فالحق مختص به والنعمة كلها بيده، والأمر له وحده، والقوة والحول في قبضته، وكل ما في السموات والأرض قانت له مطيع لأمره طوعاً وكرهاً، ولا سلطة لأحد سواه، ولا ينفذ في الكون حكم لغيره إلا برضاه). انتهى ص218.

هذا الكلام الذي ذكره صاحب الكتاب في معنى (الإله) غير صحيح وإنما هو في معنى (الرب).

أما معنى (الإله) فهو المألوه بالعبادة، والتألّه عمل القلب وهو يختص بعمل العبد لما يتصف به الإله الحق سبحانه من صفات الجلال والجمال والكمال الموجبة لتألّهه فطرة وشرعة، فهذا الذي يُسمى (توحيد الألوهية) و (توحيد العبادة)، وهذا التوحيد لا يتحقق للعبد إلا بإفراد

ص: 136

الإله الحق بالتألّه ونفيه عما سواه، وأصله المحبة، وصاحب كتاب توحيد الخالق أهملها، ولذلك قال: وتشتمل العبادة على الشكر والإنابة والسجود والتسبيح والخضوع والاستسلام والدعاء والتوكل، ولا يستحق أحد العبادة سوى الله. انتهى.

وهذا صحيح ولكنه ناقص حيث لم يذكر إفراد الله بالمحبة إذ هي أصل العبودية.

وعبارات السلف وافية بالمقصود بخلاف المتأخرين، وانظر ما نقله مؤلف كتاب (فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد) من كلام السلف في معنى "الإله" وتوحيد الإلهية) في أوله.

قال ابن القيم: (الإله) هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وإنابة وإكراماً وتعظيماً وذلاً وخضوعاً وخوفاً ورجاءً وتوكلاً.

إن مثل هذه التعريف يعطي العبد فرقاناً بين توحيد أفعال الرب سبحانه وتوحيد أفعال العبد فيفرّق بين ما يفعله هو وهو مطلوب منه وبين ما يُقرُّ به لربه، فالأول في اعتقاد فعل الرب والثاني في عمل العبد.

قال صاحب كتاب توحيد الخالق تحت عنوان: (الروح الإلهية):

إن أي كلام من كلام البشر، إنما يكون انعكاساً لشخصية قائلة، وعلمه ومزاجه ونفسيته، وكل كلام يحمل روح قائله لأنه أثر من آثاره، وقارئ القرآن المتدبر لا بد أن يقع في نفسه شعور بأن هذا القرآن كلام

ص: 137

الله وأنه مطبوع بروح الخالق سبحانه القائل: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ)(1).

كلام صاحب كتاب توحيد الخالق هذا خطأ فاحش ولا يقال: القرآن مطبوع بروح الخالق فلا يوصف الرب سبحانه إلا بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

أما كلامه سبحانه فوصفه بأنه روح لأن به تحيا الأرواح، فهذا معنى:(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا).

(1) الشورى، آية:52. توحيد الخالق ص229.

ص: 138