الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كروية الأرض وثباتها
ثم قال صاحب كتاب توحيد الخالق في كتابه، ص376:
كروية الأرض ودورانها:
هناك من يقول: إن القرآن قد وصف الأرض بأنها مسطحة، بينما أثبت العلم أنها كروية، فقد جاء في القرآن قوله تعالى:(وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) كما أن القرآن لم يخبر بدوران الأرض، ومثل هذا القول لا يدل على عمق في تدبر آيات لقرآن الكريم، ولهذا فلا بد من نظرة تأمل عميقة لقول الله عز وجل:(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) انتهى.
قوله: أثبت العلم أنها كروية، يقال له: أنت تنفخ في صورة هذا العلم المرْديَ المهلك، وتَتَهالك في تزكيته وتحْسينه وليس لك في ذلك حجة ولا برهان بل فعلك هذا من علامات تَشَرّب قلبك بفتنة علوم المعطلة الدهرية، حتى أن المتابع لكتاباتك يظن أن السلف كانوا في عِماية وجهل وأن من لم ينْهل من هذه العلوم والكشوف ويسير معها حيث سارت، ويطير معها حيث طارت، ويغوص معها حيث غاصت، يظن أنه
من عداد الدراويش.
ولقد صارت من نتائج هذا التّبنّي مْنك ومن أمثالك لعلوم الغرب الترويج لهذه البضائع الكاسدة الفاسدة حيث لما فُتنتم بها مزجتموها مزجاً مع كلام الملك العظيم سبحانه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي هو صفة من صفاته، وفضله على سائر الكلام كفضل من تكلم به سبحانه على خلقه.
فكون الأرض على شكل الكرة تكلم بذلك أهل العلم من السلف قبل وجود علمك هذا وقبل وجود أهله ونقلوا الإجماع على ذلك.
فكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك مشهور وقد نقل الإجماع الذي ذكره ابن المنادي على ذلك، كذلك تكلم في ذلك ابن القيم في مفتاح دار السعادة وغيره.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون ذلك من قوله تعالى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) والتكوير إنما يكون على الجسم المستدير.
كذلك فإن هذه الآية تدل على تكوير السماء، وقد تقدم ذلك.
والمراد هنا أن الأمة في غُنْية عن هؤلاء وعلومهم، وإن غايتهم إذا اكتشفوا من هذه المخلوقات شيئاً على هيئته بعد فناء الأعمار وإفساد العقول والأفكار فغايتهم أن يعرفوا هذا المخلوق على ما هو عليه، وليس
في هذا طائل فتفسير الماء بعد الجهد بالماء تكلف من فارغ، كيف وقد ضلوا بالمخلوقات عن خالقها، والذي ينبغي التنبّه له بما أن الفتنة حاصلة بشكل لم يسبق له مثيل أن التدقيق في علم الكونيات على تقدير الإصابة في ذلك ليس مما جاءت به الرسل عليهم السلام، لأن أهْوَن أضراره أنه شاغل عن المطلوب، ولذلك لا نجد من أئمة الإسلام من كان همّه وشغله وعلمه بالسفليات كحال علوم الكفَرة الذين يُفنون أعمارهم في ذلك، وفي الآخر يأتون بالضلالات وأحسن أحوالهم تفسير الماء بعد الجهد بالماء، ثم لا يسلم المتابع لعلوم هؤلاء وكشوفهم من الزيغ والضلال لأنهم من أول خطوة ينكرون الخالق سبحانه، وأيّ خير يرجى من هؤلاء.
والمراد النظر بما تقدم من كلام صاحب كتاب توحيد الخالق على علوم الملاحدة وكشوفهم واستشهاده بالقرآن وبيان الضلال في ذلك، وهنا لما تمخّض الجمل فَوَلَدَ فأراً، يعني لما كشف هؤلاء شكل الأرض حيث خلقها الله كذلك جاء صاحب كتاب توحيد الخالق يقول: أثبت العلم أنها كروية، وقبله قطب صاحب الضلال زعم أن الكروية اكتشفت حديثاً، وقد تقدم أن ذلك معروف عن السلف.
ثم إن هنا شيء لا بد من فهمه وهو أن إثبات الملاحدة لكروية الأرض إنما هو بناء على أصولهم الفاسدة التي تبدأ من السديم، ولذلك فَكَرَوِيّتها عندهم إنما حصلت نتيجة الدوران ملايين السنين وقد كانت
غازاً ثم تكثفت وتصَلّبت وصلحت للحياة، هنا تبدأ نظرية المتأقْرِدْ (داروين) وغيرها من نظريات الزيْف لبدء الحياة على الأرض.
إنها والله ضلالات يقود بعضها إلى بعض، ولقد كنا بعافية قبل هذا الانفتاح الضلالي.
أما المسلم الموفق فيعتقد ولله الحمد أن الله عز وجل خلق الأرض بقدرته على هذه الصورة من أول ما خلقها، وجعلها برحمته ولطفه صالحة للحياة من حين خلقها.
وقد استغل صاحب كتاب توحيد الخالق الفرصة هنا بأنْ قَرَنَ دَوران الأرض مع كرويتها، وقد جَرَفَتْه علوم الملاحدة جرفاً وإلا فأين هذا من هذا؟.
إن دوران الأرض المزعوم المتَخَيَّل الموهوم لا يعدو مساحة أخيْلة مظلمة، ليس له في الواقع شاهد ولا دليل بل الواقع المحسوس الملموس يُكذِّبه، كذلك النقل والإجماع أيضاً وقد بيّنت ذلك ولله الحمد بكتاب (هداية الحيران) وكتاب (الأرض ودورانها) وقد وضّحْت بالأدلة والرسوم ما يبين أن الأرض ثابتة قارّة ساكنة والحمد لله.
وقد ذكر صاحب كتاب توحيد الخالق في صفحة 377 أن قوله تعالى: (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) يُوَضّح دوران الأرض حيث زعم أن الدحو في اللغة هو الدّحْرجة والدحْرجة تعني الدوران، وعقل صاحب
كتاب توحيد الخالق مُتكيّف لقبول مثل هذه المحالات، كما أنه مستعد للتحيّل لجرِّ الآيات إلى عالمَ الضلالات.
فكلامه أن معنى الدّحو الدوران من أبطل الباطل، ونعوذ بالله من التكلف والقول على الله بغير علم.
وقد بيّن ابن كثير معنى الآية، فقد نقل قول ابن عباس رضي الله عنهما: ودحْيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشقق فيها الأنهار وجعل فيها الجبال والرمال والسُّبل والآكام فذلك قوله تعالى: (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا).
وذكر ابن كثير أن معنى: (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) هو (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا) وفي تفسير سورة السجدة ذكر ابن كثير ما يوضح ذلك أيضاً.
وما الذي أعمى صاحب كتاب توحيد الخالق عن أكثر من آية يذكر الله سبحانه فيها أنه جعل الأرض قراراً، والقرار بلغة القرآن الثبات والسكون وآيات أخرى يذكر سبحانه فيها إلقاءه الجبال عليها لتستقر وتثبت لأنها على الماء؟ لكن جاء التحيّل فيقولون: لا ننكر القرار وإنما هو حاصل مع الدوران كذلك إرساء الجبال لحفظ توازن الأرض أثناء الدوران، فإن الكلام في قرارها وحفظ توازنها جاء من نظريات الملاحدة الذي يزعمون أن الجبال برزت من باطنها لحفظ توازنها، وقرارها أثناء
الدوران، وهذا هَوَس يليق بأفكارهم وإلا فالجبال ملقاة إلقاء من فوق الأرض، خُلِقَتْ فألقيت لم تبرز من الأرض، ولما كانت هذه النظريات لا تقوم على أركان وثيقة بل هي من أول خطوة ظلمات بعضها فوق بعض، فلا تروج إلا بالتحيّل.