الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) الآية
ومن نمط التحيّل على النصوص أيضاً ما ذكره صاحب كتاب توحيد الخالق في (ص377) قال:
وقد رأى بعض المفسرين أن قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) إشارة صريحة إلى أنه دوران الأرض، وأنكروا أن يكون ذلك يوم القيامة، لأنه لا يبعث الإنسان إلا بعد أن تكون الأرض قاعاً صفصفاً فلا يتمكن من الرؤية فيها، قال تعالى:(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً)(1).
الجواب: صاحب كتاب توحيد الخالق يتشبّث بأي شيء يظن أنه يُرَوِّج بضاعة القوم ويأبى الله أن تنطمس المعالِم بشبهات زائفة وتأويلات زائغة وهو لم يذكر هؤلاء السادة الذين أتوا بما لم تستطعه الأوائل بمخالفتهم السلف في تفسير القرآن، وسياق الآيات يبين أن ذلك يوم القيامة فالتأويل الباطل هنا لدوران الأرض كالتأويل الباطل للسلطان في سورة الرحمن.
(1) طه، آية: 105 - 107.
أما من أنكر أن يكون ذلك يوم القيامة لأن الإنسان لا يبعث إلا والأرض قاعاً صفصفاً فلظنه أن الرؤية هنا للبصر وليس كذلك، بل الرؤية في آية سورة النمل للبصيرة كقوله تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) مع أن هذه الواقعة وقعت عام مولده صلى الله عليه وسلم وإن كانت رؤية بالبصر فهي في القيامة.
أما في آية سورة طه فالمقصود رؤية البصر (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
ثم يقال: كلام الله ينزه عن هذه المعاني الركيكة فإنه على تقدير أن الأرض تدور وأن معنى (تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) يعني الجبال فإن لَفْت النظر بهذا الاعتبار إلى الأرض كلها هو المناسب لبلاغة كلام الله، ولماذا تُخَصّ الجبال وهي أجزاء صغيرة بالنسبة لما انْبَسط من الأرض من الصحاري والسهول بل والبحار، أليس يقول الله عز وجل:(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ).
إن هذا أبلغ في القدرة وأبلغ في البلاغة، لو كانت الأرض تدور وإن هذا والله التكلف، وكم ذكر الله الأرض في كتابه العزيز وليس في ذلك ولا آية واحدة تشير ولو من بعيد إلى الدوران كيف والآيات جاءت ببيان القرار والسكون، ولا يسلم من هذا الوباء والبلاء إلا من حل عقدة
(حذامي) بُعداً وسحقاً لأعداء الله كيف بلغت بنا الفتنة بهم إلى أن يهون علينا كلام ربنا كل هذا الهون حتى نجرّ آياته بعمايتنا إلى عماية من ضلوا وأضلوا كثيراً، ووالله ما أمَّلوا أن يحصل لهم كل هذا ولا يُقاربه، ولكنها الفتن وظلمات الذنوب ومن هنا يتحير السالك، ومن هنا وقعنا في المهالِك.