المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الذرة قال الزنداني تحت عنوان (أصل واحد) في كتابه توحيد الخالق - الفرقان في بيان إعجاز القرآن

[عبد الكريم الحميد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌نيوتن والجاذبية وقانونها

- ‌المجموعة الشمسية

- ‌العلوم التجريبية والاعتماد على المحسوس

- ‌هل صِدْق الرسول صلى الله عليه وسلم متوقفاً على هذيان أرباب العلوم التجريبية

- ‌أمثلة من الخوض بالجهالة والضلالة

- ‌إعجاز صاحب كتاب توحيد الخالق

- ‌نهار الكواكب وليلها

- ‌(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ) الآية

- ‌(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) الآية

- ‌(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً) الآية

- ‌مشابهة المتكلمين

- ‌غلو صاحب كتاب توحيد الخالق بعلمه الحديث

- ‌فلا أقسم بمواقع النجوم

- ‌الإعجاز المزعوم يُضل عن السموات وما فوقها

- ‌المجرات الخيالية وأصل علوم المعطلة

- ‌المجرة باب السماء المبنية

- ‌ترويج البضائع الفاسدة

- ‌الذرة

- ‌الجناية على القرآن

- ‌ضلال في نشأة الكون

- ‌السموات السبع

- ‌هل الشريعة مَرِنَة

- ‌تجهيل السلف

- ‌(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) الآية

- ‌النار السوداء

- ‌(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ)

- ‌(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)

- ‌السديم

- ‌الكنيسة

- ‌أمثلة من الضحايا

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌دوران الأرض

- ‌(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا) الآية

- ‌(كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)

- ‌(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ) الآية

- ‌(وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً)

- ‌(قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ)

- ‌(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا) الآية

- ‌(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)

- ‌(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الآية

- ‌(وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) الآية

- ‌(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) الآية

- ‌(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) الآية

- ‌(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) الآية

- ‌(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) الآية

- ‌الوعيد على تفسير القرآن بالرأي

- ‌هل معاني آيات القرآن غير معروفة حتى يُبينها المتأخرون

- ‌ إعجاز القرآن

- ‌الظلمات الثلاث

- ‌شوائب الداروينية

- ‌خوض بجهل

- ‌(بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) الآية

- ‌كلام في القدر

- ‌الجنة عرضها السموات والأرض فأين النار

- ‌(لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ)

- ‌كروية الأرض وثباتها

- ‌جريان الشمس بالفلَك غير الجريان حول المجرة

- ‌الأرض مركز الكون

- ‌(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) الآية

- ‌(وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) الآية

- ‌(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) الآية

- ‌(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)

- ‌خوض في مسمى العلم

- ‌(لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) الآية

- ‌تصديق صاحب كتاب توحيد الخالق بالوصول إلى الكواكب

- ‌أرض العرب والمروج والأنهار

- ‌الدعوة إلى الله بالطرق الشرعية

- ‌علم الأمة ميراث الرسول

- ‌(وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ)

- ‌بداية الكون

- ‌(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ) الآية

- ‌(وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)

- ‌انشقاق القمر

- ‌حيل لترويج بضائع فاسدة كاسدة

- ‌(وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) الآية

- ‌(فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) الآية

- ‌كلام باطل عن الشمس

- ‌(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الآية

- ‌رد الباطل بالباطل يُغري أهل الباطل

- ‌آثار نشأة الكون على نظرية داروين

- ‌عجائزنا ومجانيننا خير من علماء المعطلة

- ‌(أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) الآية

- ‌الملحقات

- ‌زيادة بيان وإيضاح برهان

- ‌العلم التجريبي

الفصل: ‌ ‌الذرة قال الزنداني تحت عنوان (أصل واحد) في كتابه توحيد الخالق

‌الذرة

قال الزنداني تحت عنوان (أصل واحد) في كتابه توحيد الخالق (ص176): (وإذا سألت عن أصل المادة أجابك المختصون: بأن أصغر شيء في المادة هو الذرة، وأنها أصل كل مادة شًوهدت في الأرض أو السماء، إنها لبنة البناء في مادة الكوْن المشاهد).

ثم تكلم صاحب كتاب توحيد الخالق عن مكونات الذرة كما قال مَنْ سماهُم (الباحثون) وأنهم اكتشفوا أن بعض جسيمات الذرة لا يُعمِّر في الذرّة أكثر من عشرة أجزاء من مليون جزء في الثانية. انتهى.

على القارئ أن يُبعد عقله الآن ويعيد قراءة ما تحته خط بلا عقل ليُجاري العلوم الحديثة بدون تفكّر ولا تعقّل.

تأمل هذا وتأمل ما يذكرونه عن فضائهم الخيالي الذي يحوي ملايين من المجرات المسافات بينها تُقَدّر بالسنين الضوئية ونحو ذلك من اللامعقول والذي يعارضه ويكذِّبه المنقول تعلم أن الكل خرج من مشكاة واحدة وهي مشكاة الضلال والتضليل.

إن عشرة أجزاء من مليون جزء من الثانية في الخيالات الدقيقة مثل بلايين المجرات في الخيالات الكبيرة، والكل من مشكاة اللامعقول وليُعلم دجل أرباب هذه العلوم الحديثة وخرصهم وظنهم وأنهم يتكلمون عن

ص: 86

مجرد نظريات هي في خيالاتهم المظلمة ويثبتونها رسْماً ورقماً على الورق، فلذلك يتكلمون حتى عن تركيب السماء وأنه مركب من الذرات كما ينقل صاحب كتاب توحيد الخالق عنهم في قوله السابق عن الذرة: وأنها أصل كل مادة شوهدت في الأرض أو السماء.

ومعلوم أن السماء عندهم هي الكواكب السابحة في الفضاء الذي لا نهاية له، وإنما قالوا ذلك باعتبار أن الكل منفصل من أصل واحد وهو السديم فتركيب جميع الكون مثل تركيب هذا السديم وهو الذرات، وهم والله لا رَأوْا سديماً ولا عندهم أثارة من علم تدلّهم عليه، وَوَحْي الأنبياء لا يرجعون إليه، وليس في وحي الأنبياء ذكر سديم ولا ذرات حسب ما يتخيلون ويتخرصون، وإنما في القرآن الخبر اليقين عن بداية الخلق ونهايته وكل ما يحتاجه أهل الإسلام في دينهم ودنياهم.

والذرة هي الجوهر الفرد الذي ضل به متكلمة الجهمية وقد أنكره علماء المسلمين وضلّلوهم به.

فضلالهم في العالَم العلوي كضلالهم في العالَم السفلي وأعظم حيث أن مادة العالَم العلوي خفيفة وشفافة مستنيرة.

أما الأرض وما فيها فكثيفة مظلمة معتمة تختلف كُلِّياً عن تلك.

صاحب كتاب توحيد الخالق ينقل في كلامه عن الذرة وغيرها عمن هو مشغوف بعلومهم، ففي كتابه (العلم طريق الإيمان)(ص88) ذكر

ص: 87

تحت عنوان: (هذا ليس من كلام البشر) قال: أما البروفيسور الفريد كرومر من ألمانيا وهو من كبار علماء الجيولوجيا أيضاً فقد ذَهل عندما سمع قول الله: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا). (1)

قال يستحيل أن يكون هذا من معلومات البشر، لأن البشر كانوا يعتقدون في زمن محمد وما بعده بقرون أن أصل المواد أربعة: ماء، ونار، وهواء، وتراب. ثم بعد التقدم العلمي الحديث اكتشفنا أمن أصل الموجودات ترجع إلى الذرات، والذرات ترجع إلى إلكترونات وبرتونات وأن الماء والهواء والنار والتراب كلها تتكون من ذرات إلا أنها تختلف في العدد الذري.

قال: يستحيل أن يتصور إنسان في زمن محمد أو ما بعده بقرون لا يعرف الطبيعة الذرية في تركيب المواد أن ماء الأرض كان متحداً مع نار الشمس، غير ممكن!! نعم لا يمكن .. وكيف يمكن أن يتخيل إنسان هذا إلَاّ إذا علم أن الماء أصلاً والنار كلها جميعاً ترجع إلى مادة واحدة، ويمكن أن تكون شيئاً واحداً متصلاً، ولذلك لا يمكن أن يكون هذا الكلام منسوباً إلى محمد صلى الله عليه وسلم إلَاّ بوحي من أعلى.

(1) الأنبياء، آية:30.

ص: 88

الجواب: يقال: أرباب هذه العلوم الحديثة أحالوا في شأن ما سَمّوْه (الذرة) إلى مالا يُحَس ولا يشعر به بل ولا يعقل، وهذا مخالف للأصل الذي أصّلوه من عدم إيمانهم بغير المحسوس، أما القول بأن أصل المواد أربعة: الماء، والنار، والهواء، والتراب، فهذا هو المحسوس المشاهد في الكون.

فكون هذه المواد الأربع تتكون من الذرات، يقال: ما علمكم بذلك؟ إنهم لم يُحسّوا ذلك ولم يلمسوه ولم يشاهدوه بل يقولون: إن الذرة لا تُرى ولا بأكبر المجاهر، وأنا يعتمدون على آثار يزعمون أنها تحصل بسبب الذرة.

وكلامهم له أصل في الضلالة عريق، فالمتكلمون قبلهم الذين ذمّهم علماء الإسلام غاية الذم وبينوا ضلالهم ذكروا ما سَمّوْه الجوهر الفَرْد، وهو أصغر شيء في المادة ولا يُرى فالمشكاة واحدة وهي مشكاة الضلالة.

فالجهمية المتكلمة ذكر عنهم شيخ الإسلام من جنس ما يعتقده هؤلاء في الذرة قال رحمه الله في كتاب (النبوات)(ص107).

فحقيقة أصل أهل الكلام المتبعين للجهمية أنه لا يُحْدُث شيئاً ولا يُفني شيئاً بل يَحدث كل شيء بنفسه ويفنى بنفسه.

ص: 89

ثم قال: وهذه الأصول هي أصول دينهم العقلية التي بها يعارضون الكتاب والسنة والمعقولات الصريحة، وهي في الحقيقة لا عقل ولا سمع كما حكى الله عن من قالوا:(لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ).

ثم قال قدس الله روحه في الرد عليهم وهو رَدّ على أهل الذرة في هذا الزمان، قال: والخلق يشهدون إحداث الله لِما يُحدثه وإفناءه لِما يُفنيه، كالمني الذي استحال وفني وتلاشى وأحدث منه هذا الإنسان، وكالحبة التي فنيت واستحالت وأحدث منها الزرع، وكالهواء الذي استحال وفني وحدث منه النار أو الماء، وكالنار التي استحالت وحدث منها الدخان، فهو سبحانه دائماً يُحدث ما يُحدثه ويكوّنه ويُفني ما يُفنيه ويُعدمه.

والإنسان إذا مات وصار تراباً فني وعدم، وكذلك سائر ما على الأرض كما قال:(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) ثم يعيده من التراب كما خلقه ابتداء من التراب، ويخلقه خلقاً جديداً.

ثم ذكر أن من ظن أن جَوَاهره (ذراته) لم يخلقها إذْ خَلَقَه بل جَوَاهر المني وجَوَاهر ما يأكله ويشربه باقية بعينها فيه لم يخلقها أو أن مادته التي تقوم بها صورته لم يخلقها إذْ خَلَقَه بل هي باقية أزلية أبدية لم يكن قد عرف أنه مخلوق محدث. (هذا بعينه هو مذهب أهل الذرة).

ص: 90

ثم قال: والعلماء ينكرون على من يقول: إن روح الإنسان قديمة أزلية من المنتسبين إلى الإسلام، وهؤلاء الذين يقولون: إن مادة جسمة باقية بعينها وهي أزلية أبدية أبعد عن العقل والنقل منهم.

هذا هو مذهب أهل الذرة مع الفارق أن من يتكلم عنهم شيخ الإسلام ينسبون للإسلام ويُقرون بالخالق، وأهل الذرة معطلة دهرية ومقلِّدتهم من المنتسبين للإسلام يرومون الجمع بين الحق والباطل.

وتأمل وصف شيخ الإسلام لمتكلمة الجهمية المطابق لأهل الذرة مع الفارق الذي تقدم ذكره، قال رحمه الله: ثم يَدّعون أن الجواهر جميعها أُبْدعت ابتداء لا من شيء، وهم لم يعرفوا قط جَوْهراً أُحدث لا من شيء كما لم يعرفوا عرضاً أُحدث لا في محل، وحقيقة قولهم أن الله لا يُحدث شيئاً من شيء لا جوهراً ولا عرضاً، فإن الجواهر كلها أُحدثت لا من شيء، والأعراض كذلك.

والمشهود المعلوم للناس إنما هو إحداثه لما يُحدثه من غيره لا إحداثاً من غير مادة، ولهذا قال تعالى:(وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) ولم يقل خلقتك لا من شيء، وقال تعالى:(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء) ولم يقل خلق كل دابة لا من شيء.

وهذا هو القدرة التي تبهر العقول وهو أن يقلب حقائق الموجودات فيُحيل الأول ويُفنيه ويُلاشيه ويُحدث شيئاً آخراً كما قال تعالى: (فَالِقُ الْحَبِّ

ص: 91

وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ). انتهى (1).

وذكر رحمه الله عنهم أنهم ينكرون أن الله يقلب جنساً إلى جنس آخر، ويقولون: الجواهر كلها جنس واحد فإذا خلق النطفة إنساناً لم يقلب عندهم جنساً إلى جنس، بل نفس الجواهر هي باقية كما كانت. انتهى (2).

وهذا بعينه هو مذهب أهل الذرة.

ثم قال مما يبين ضلال هؤلاء وأولئك: وخاصيّة الخلق إنما هي بقلب جنس إلى جنس وهذا لا يقدر عليه إلا الله كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية. انتهى.

وبما أن خاصيّة الخلق هي بقلب جنس إلى جنس فالذي يقوله أهل الذرة وأسلافهم أن التغيّر في الحدوث والحادثات هو بالاقتران والافتراق وما يسمونه: التركيب الذري، ولأنهم لا يعرفون سوى المادة معرفة تليق بكفرهم حيث أحالوا لها الإحداث بنفسها.

أما الذين يقولون إن أصل المواد أربعة وهي الماء، والنار، والهواء، والتراب، فقد أحالوا إلى محسوس كذلك أثبتوا قدرة خالق تبهر العقول حيث أنه

(1) النبوات، (ص109).

(2)

النبوات، (ص110).

ص: 92

سبحانه يُصَرّف هذه المواد بقلب حقائقها وإحالتها وإفنائها وإحداث شيء آخرٍ ومُغايرٍ للأول كما ذكر الشيخ.

وأي علم عند هؤلاء وأي خير عندهم؟ إنهم ضالون مُصلون، والعلم أتى به نبينا من ربنا، وقد أدرك منه السلف الحظ الوافر فعلموا وعملوا وحماهم الله من هذيان المعطلة الدهرية.

وسوف أنقل كلاماً لشيخ الإسلام أيضاً يوضح ما عليه أرباب هذه العلوم من الضلال، قال رحمه الله:

فأهل الكلام أصل كلامهم في الجواهر والأعراض مبني على مخالفة الحسّ والعقل، فإنهم يقولون: إنا لا نشهد بل ولا نعلم في زماننا حدوث شيء من الأعيان القائمة بنفسها.

بل كل ما نشهد حدوثه، بل كل ما حَدَث من قبل أن يخلق آدم إنما تحدث أعراض في الجواهر التي هي باقية لا تستحيل قط، بل تجتمع وتتفرق (هذا الذي يُقرّره أرباب العلوم الحديثة تماماً إذْ أن التغير عندهم في المواد جواهرها وأعراضها إنما هو نتيجة الاجتماع للذرات والافتراق وأن الذرات باقية لا تستحيل كجواهر أولئك المزعومة غير أن الفرق بينهم اعترافهم بالخالق وبآدم وبأنهم ينتسبون للإسلام بخلاف هؤلاء الدهرية).

ص: 93

ثم قال شيخ الإسلام: والخلق عندهم الموجود في زماننا وقبل زماننا إنما هو جمع وتفريق لا ابتداع عيْن وجوهر قائم بنفسه، ولا خلْق لشيء قائم بنفسه لا إنسان ولا غيره، وإنما يخلق أعراضاً.

ويقولون: إن كل ما نشاهده من الأعيان فإنها مركبة من جواهر كل جوهر منها لا يتميز يمينه عن شماله، وهذا مخالفة للحس والعقل. انتهى (1).

فأولئك يقولون عن الجوهر الفرد: لا يتميز يمينه عن شماله وهؤلاء يقولون: الذرة لا تُرى ولا بأكبر المجاهر، فالمشكاة واحدة.

وأهل الذرة يرون أنها لا تفنى ولا تعدم وانظر كلام شيخ الإسلام عن أمثالهم من الجهمية وأنها (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ).

فقد ذكر عنهم أنهم يقولون: إنه لا يفنى ويعدم في زماننا شيء من الأعيان بل كما لا يحدث شيء من الأعيان لا يفنى شيء من الأعيان، فهذا أصل علمهم ودينهم ومعقولهم الذي بنوا عليه حدوث العالم وإثبات الصانع وهو مخالف للحسّ والعقل. انتهى (2).

ومما يبيّن أيضاً مجاراة صاحب كتاب توحيد الخالق لنظريات المعطلة الضالة المضلّة وأنها بزعمه صحيحة وصالحة إذا قارنها الإقرار بأن الله خالقها يقول في (ص326)(توحيد الخالق).

(1) النبوات، ص449.

(2)

النبوات، ص449.

ص: 94

(الذرة التي يتكون منها السديم مُركبة من جسيمات مختلفة واجتماع المكونات المختلفة في الذرة يدل على لحظة التقت فيها تلك المكونات، وإذَنْ فللذّرة بداية، وإذا كانت جسيمات الذرة قد خُلقتْ لتكوين الذرة وللذرة بداية فلا شك إذن أن لهذه المكونات بداية بِعكْس ما يظن الماديون). انتهى.

يُقال: لقد تُكُلِّم قبل هؤلاء بما يُشبه الذرة وهو (الجوهر الفرد) وهو أصغر ما في المادة بزعمهم لكنه لا يُرى ولقد أنكر العلماء على المتكلمين ما انتحلوه مما سَمّوْه الجوهر الفرد واعتبروا طرقهم طرق ضلالة، ولقد صارت نهايتهم إلى سوء.

كما تقدم من كلامهم عن أنفسهم.

قال ابن تيمية في إبطال (الجوهر الفرد) الذي يُشبه (ذرة) هؤلاء.

قال: وإذا كان الحيّز الواحد الذي أردته لا يتميّز ولا يُعلم به كان العلم بحلول الشيء فيه أو عدم حلوله باطلاً (كذلك يقال لهؤلاء: بما أن الذرة نفسها غير معلومة ولا تُرى فكيف ادّعيْتم أنها مكوّنة من جسيمات مختلفة تسمونها: البروتون والنترون والإلكترون؟).

ص: 95

ثم قال شيخ الإسلام: لأن العلم بحلول الشيء في محله فرع تصوّر المحل، فإذا كان المحل لا يُعلم تَوَحّده ولا يتميّز كان الحكم بثبوت الحلول فيه أو عدمه حكماً باطلاً فيكون الدليل باطلاً. انتهى (1).

كذلك الذرة المزعومة كيف يُجعل لها تركيب وهي لا تُعلم ولا تتميّز؟ وإنما يتكلمون عن الآثار فقط.

وقال أيضاً شيخ الإسلام في ردّة ما يسمى (الجوهر الفرد) وإبطاله.

وأما العقل فهذا الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة: إنه أمر لا يُعقل ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدّر في الذهن، ليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قَدّر ولا يتميّز منه شيء عن شيء بحيث يمكن أن لا يُرى ولا يُدْرَك ولا يُحاط به وإن سماه المسمي جسماً. انتهى (2).

تأمله فإنه منطبق على ذرة هؤلاء الخيالية، ولسنا نُنكر الآثار الحاصلة لكنها ليست منها لأنه لا وجود لها إلا في الذهن.

ولذلك فإن الزنداني لما رام إثبات الخالق سبحانه مع الإقرار بالذرة المزعومة التي هي في الأذهان لا في الأعيان لم يأت ببرهان وإنما غايته أن ذكر أن اجتماع المكوِّنات المختلفة في الذرة يدل على وقت التقت فيه

(1) نقض التأسيس 2/ 308.

(2)

نقض التأسيس 1/ 483.

ص: 96

تلك المكوِّنات فهذا دليل البداية والخلق عنده، وليس كذلك، بل كلامه هذا أغرى الكفرة بكفرهم وأضل المسلمين عن ربهم.

فيقال له: هم لا يُسَلّمون بالالتقاء ولا ببدايته وإنما هذه الذرة المزعومة بمركباتها أزليّة عندهم ولو أقروا بأن لتركيبها وقت بدأ فيه فلا يقرّون أن هذه المركبات مخلوقة أصلاً وأن لها بداية أصلاً.

يعني أنهم لا يقرون بخالق للإلكترون المزعوم والبروتون والنيترون، فهذه الأجزاء الثلاث عندهم أزليّة فكيف يُحْتج عليهم بنفس التركيب؟ بل هذه طريقة المتكلمين (كل مُحْدَث لا بد له من محدِث).

وإنما الحجة والبرهان أن هذه الذرة لا وجود لها إلا في أذهانهم، وقد تقدم الكلام في الجوهر الفرد وهو أصغر شيء بزعمهم في المادة وأنه لا يتميز يمينه عن شماله ولا يُرى، قال تعالى:(تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ).

وقد نهى العلماء أن يُحْتَجَّ على أهل الباطل بحجج ضعيفة حيث أن ذلك يُغْريهم بباطلهم، كيف بمن يحتج عليهم بإقراره بباطلهم وبُفْهمهم ويُفهم المسلمين أن الخالق خلق المخلوقات على الصورة التي يذكرون وهي: السديم وأنه متكون من ذرات وأنه يدور وانفصلت منه الأرض والكواكب، وهكذا تجده مسايراً لهم خطوة خطوة وغايته إثبات خالق، إن الجمع بين الحق والباطل لا يكون.

ص: 97

ولقد ضل خلائق في شأن الذرة وما زعموا أنها تتركب منه من مكونات تدور حول نواتها حيث سايروا علوم الملاحدة فنتج لديهم أن حركة الكون آلية ميكانيكية وأنها عبارة عن اجتماع وافتراق وحركة وسكون لا تحتاج إلى خالق.

وإنما الأصل فاسد ولذلك قام عليه بناء منهار، فالذرة بإقرارهم لا تُرى ولا بأكبر المجاهر، والمادة أصلاً ليست تتكون من الذرة.

وقد ذكر شيخ الإسلام أن القول بالجوهر الفرد وهو ذرة هؤلاء باطل لم يقل به أحد من سلف الأمة ولا جمهور الأمة.

قال قدس الله روحه: فالقائلون بأن الأجسام مركبة من الجواهر التي لا تقبل التجزي كما يقوله كثير من أهل الكلام وإما من جواهر لا نهاية لها كما يُحكى عن النظام فالقائلون بأن الأجسام مركبة من الجواهر يقولون: إن الله لا يُحدث شيئاً قائماً بنفسه وإنما يُحدث الأعراض التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون وغير ذلك من الأعراض، ثم من قال منهم بأن الجواهر مُحدَثة قال: إن الله أحدثها ابتداء ثم جميع ما يحدثه إنما هو إحداث أعراض فيها لا يُحدث الله بعد ذلك جواهر، وهذا قول أكثر المعتزلة والجهمية والأشعرية ونحوهم.

ومن أكابر هؤلاء من يظن أن هذا مذهب المسلمين ويذكر إجماع المسلمين عليه وهو قول لم يقل به أحد من سلف الأمة ولا جمهور الأمة

ص: 98

بل جمهور الأمة حتى من طوائف أهل الكلام ينكرون الجوهر الفرد وترَكُّب الأجسام من الجواهر. انتهى (1).

لاحظ أن الذين يتكلم عنهم شيخ الإسلام يُقرون بالخالق ولكنهم على هذا الضلال الذي هو مثل ما يعتقده أهل الذرة.

ولزيادة بيان أن الذرة هي الجوهر الفرد الذي أنكره السلف قال شيخ الإسلام:

وهؤلاء القائلون بأن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة المشهور عنهم بأن الجواهر متماثلة بل ويقولون أو أكثرهم: إن الأجسام متماثلة لأنها مركبة من الجواهر المتماثلة وإنما اختلفت باختلاف الأعراض وتلك صفات عارضة لها ليست لازمة. انتهى.

كذلك أهل الذرة اختلاف المواد عندهم باختلاف التركيب الذري كما يزعمون وهو اختلاف الأعراض الذي ذكره الشيخ عن أولئك.

يعني رحمه الله أن جواهر المادة باقية وإنما تغيرت صفاتها بالاجتماع والافتراق والحركة والسكون، وهذا بعينه هو كلام هؤلاء وهو باطل مبني على خيال لا وجود له في الخارج.

وفصل الخطاب في هذه المسألة العظيمة التي ملأت في زماننا الكون لكنه الكون الخيالي فصل الخطاب فيها ومذهب السلف هو ما قاله شيخ

(1) مجموع الفتاوى 17/ 244.

ص: 99

الإسلام في رده على أمثال هؤلاء قال: إن القول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء من أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال هو قول الفلاسفة والأطباء.

ثم ذكر الحق في هذه المسألة فقال: وهذا القول وهو القول في خلق الله للأجسام التي يُشاهد حُدوثها أن يقلبها ويُحيلها من جسم إلى جسم هو الذي عليه السلف والفقهاء قاطبة والجمهور.

أنظر الفرق الذي ذكر الشيخ وهو أن مذهب السلف أنه سبحانه وبحمده يحيل المواد من جسم إلى جسم وليس بالتحول في التركيب الذري وسوف أنقل ما يوضح هذا من كلامه.

قال: ولهذا يقول الفقهاء في النجاسة، هل تطهر بالاستحالة أم لا؟ كما تستحيل العذرة رماداً والخنزير وغيره ملحاً ونحو ذلك.

يريد الشيخ بكلامه هذا أنه مُتَقرّر عند فقهاء أهل الإسلام أن هذه المواد تستحيل إلى مواد أخرى وإنما نقاشهم في شأن طهارتها ونجاستها، وهذا هو قلب المادة إلى مادة أخرى.

يوضحه قوله: والمني الذي في الرِّحم يقلبه الله علقة ثم مضغة، وكذلك الثمر يُخلق بقلب المادة التي يُخرجها من الشجرة من الرطوبة مع الهواء والماء الذي نزل عليها وغير ذلك من المواد التي يقلبها ثمرة بمشيئته وقدرته.

ص: 100

وكذلك الحبة يفلقها وتنقلب المواد التي يخلقها منها سنبلة وشجرة وغير ذلك، وهذا خَلْقه لِما يخلقه سبحانه وتعالى كما خلق آدم من الطين فقلب حقيقة الطين فجعلها عظماً ولحماً وغير ذلك من أجزاء البدن، وكذلك المضغة يقلبها عظاماً وغير عظام قال الله تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)(1).

فقد ظهر أن الله سبحانه يخلق المواد بقلب بعضها إلى بعض ليس باختلاف تركيب الذرات الخيالية.

قال ابن القيم رحمه الله: فعناصر العالم ومواده مُنْقادة لربها وفاطرها وخالقها يُصرّفها كيف يشاء ولا يسْتعصي عليه منها شيء أراده، بل هي طوْع مشيئته مُذَلَّلَة مُنقادة لقدرته، ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين وكفر به وأنكر ربوبيته.

وذكر ابن تيمية معنى الجوهر الفرد وهو أن الأجسام تتناهى في تجزئها وانقسامها حتى تصير أفراداً وهذا هو زعم أهل الذرة.

(1) مجموعة الفتاوى 17/ 244.

ص: 101

ثم قال رحمه الله: ومعلوم أن هذا القول لم يقله أحد من أئمة المسلمين لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ولا أحد من أئمة العلم المشهورين بين المسلمين، وأول من قال ذلك طائفة من الجهمية والمعتزلة. انتهى (1).

وقال رحمه الله عن الجوهر الفرد: وهذا بَنَوْه على أن الأجسام مركبة من الجواهر المنفردة التي لا تقبل القسمة، وقالوا: إن الأجسام لا يستحيل بعضها إلى بعض.

وجمهور العقلاء من السلف وأنواع العلماء وأكثر النّظار يخالفون هؤلاء فيما يثبتون من الجوهر الفرد، ويثبتون استحالة الأجسام بعضها إلى بعض، ويقولون: بأن الرب لا يزال يُحدث الأعيان كما دَلّ على ذلك القرآن.

ولهذا كانت هذه الطرق باطلة عقلاً وشرعاً وهي مكابرة للعقل. انتهى (2).

(1) مجموعة الفتاوى 17/ 316.

(2)

مجموعة الفتاوى 16/ 270.

ص: 102