الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
إمكان القتل من المدعى عليه، وإلا فلا تسمع الدعوى كبعد المدعى عليه عن مكان الحادث وقت حدوثه.
توجيه الدعوي في القسامة على غير معين:
1 -
يرى الشافعية والحنابلة أن الدعوى في القسامة لا بد أن تكون على شخص بعينه لحديث: "تُقسمون على رجل منهم، فيدفع إليكم برمته"، وبذلك يثبت القتل قصاصًا.
2 -
ويرى أبو حنيفة أن الدعوى في القسامة تُسمع إذا كانت على أهل مدينة أو قرية أو محلة أو أحد غير معين أو جماعة منهم بغير أعيانهم، ويستحلف منهم خمسون ويترتب عليهم ما يترتب على الواحد من حيث الإبراء والدية دون القصاص؛ لأن الأنصار ادَّعوا القتل على يهود خيبر، ولم يعينوا القاتل فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم دعواهم.
3 -
ويرى أبو حنيفة والشعبي والثوري والنخعي: أن اليمين توجه إلى المدَّعى عليهم أولًا، فيحلف خمسون من أهل المحلة بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلًا فإذا حلفوا يغرمون الدية ولا قصاص، وذلك لما روى من أحاديث منها ما روى زياد بن أبي مريم أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني وجدت أخي قتيلًا في بني فلان فقال صلى الله عليه وسلم: "اجمع منهم خمسين فيحلفون بأنهم ما قتلوه ولا علموا له قاتلًا"، فقال: يا رسول الله، ليس لي من أخي إلا هذا. فقال:"بل لك مئة من الإبل"، فدل الحديث على وجوب القسامة على المدعى عليهم وهم أهل المحلة لا على المدعي، وعلى وجوب الدية عليهم مع القسامة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وجد قيل بخيبر فقال صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا من هذا الدم"، وقال صلى الله عليه وسلم:"يحلفون خمسين يمينًا ثم يغرمون الدية"، وهذا نص في الباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غرمهم الدية لا القصاص.
وكذلك ما روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما حيث ألزما أهل القرية القسامة والدية ولم ينقل الإنكار عليهما من أحد من الصحابة فيكون إجماعًا، وبناء على القاعدة في توجيه اليمين إلى المدَّعى عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اليمين على المدعى عليه"(1).
4 -
ويرى الحسن: أن يستحلف المدَّعى عليهم أولًا خمسين يمينًا ويبرءون، فإن أبو أن يحلفوا استحلف خمسون من المدعين: أن حقنا قبلكم ثم يعطون الدية ولا قصاص لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولكن اليمين على المدَّعى عليه"(2)، وذلك لأنها يمين في دعوى فوجبت في جانب المدَّعى عليه ابتداء كسائر الدعاوى (3).
الراجح: نرى أن الأولى هو القول بالبدء بأيمان المدعين، فيحلفون خمسين يمينًا يستحقون بها دم المدعى عليه بالقتل عمدًا لقوله صلى الله عليه وسلم:"يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع إليكم برمته"(4). ولمسلم في صحيحه: "ويسلم إليكم"، وفي لفظ:"تستحقون دم صاحبكم"، والذي يظهر أن وقوع القسامة إنما يحدث نادرًا لكن في شرعيتها حماية للأنفس، وحتى لا يذهب دم القتيل هدرًا، إذ أن القتل إنما يحدث غالبًا في الخفاء، أما الحديث الذي احتج به من يرى توجيه اليمين إلى المدعي عليه فهو عام، وموضوع القسامة خاص فيقدم عليه، كما أن الحديث قد رواه ابن عبد البر بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة"(5). ويعمل بهذه
(1) رواه مسلم.
(2)
أخرجه مسلمٌ (3/ 1336).
(3)
بدائع الصنائع، للكاساني (10/ 47307)، وجواهر الإكليل شرح مختصر خليل، للأزهري (2/ 273)، ونهاية المحتاج، للرملي (7/ 396)، والمبدع في شرح المقنع لابن مفلح (9/ 38).
(4)
أخرجه البخاريُّ (8/ 41)، ومسلمٌ (3/ 1292).
(5)
أخرجه الدراقطني (4/ 218).
الزيادة؛ لأن الزيادة من الثقة مقبولة.
وإن نكل المدعون فإن الحلف يتجه إلى المدعى عليه فيحلف خمسين يمينًا ويبرأ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم"(1). كما تقدم وتجب الدية حينئذ في بيت المال؛ لئلا يضيع دم القتيل، فإن امتنع المدعى عليهم من اليمين، فإنه لا يجب القصاص؛ لأن النكول حجة ضعيفة لا يثبت بها القصاص وإنما تجب عليهم الدية لقوله صلى الله عليه وسلم:"إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب"(2).
وأما إذا لم يحلف المدعون، ولم يرضوا بيمين المدعى عليه؛ فإن دية القتيل تدفع من بيت المال لقصة عبد الله بن سهل حين قتل بخيبر حيث وداه النبي صلى الله عليه وسلم حينما لم يحلف الأنصار ولم يقبلوا أيمان اليهود.
وتكون القسامة في الاتهام بقتل العمد ويثبت بها القصاص وفي الخطأ كذلك وتثبت بها الدية.
وقد ورد بشأن القسامة قرار مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية برقم 41 في 13/ 4 / 1396 هـ، وقد جاء فيه: قرر المجلس بالأكثرية. أن الذي يحلف من الورثة هم الذكور العقلاء ولو واحدًا سواء كان عصبة أو لا لما في الصحيحين من حديث سهل بن أبي حثمة، ولأنها يمين في دعوى حق، فلا تشرع في حق غير المتداعين كسائر الأيمان.
(1) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ.
(2)
أخرجه البخاريُّ (8/ 41)، ومسلمٌ (3/ 1292).