المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌أولًا: باب الأطعمة

- ‌حكمه:

- ‌حكمة التشريع:

- ‌أنواع الأطعمة:

- ‌أولًا: النباتية:

- ‌ثانيًا: الحيوانية:

- ‌أسباب التحريم:

- ‌ثانيًا: باب الذكاة

- ‌التعريف:

- ‌الأصل في مشروعية الذكاة:

- ‌الحكمة من مشروعية الذكاة:

- ‌شروط الذكاة:

- ‌ذكاة غير المسلم:

- ‌التسمية عند الذبح:

- ‌أنواع الذكاة:

- ‌آداب الذكاة:

- ‌ذكاة الجنين:

- ‌المحرمات من الحيوانات المأكولة:

- ‌اللحوم المستوردة:

- ‌ثالثا: باب الصيد

- ‌أركان الصيد:

- ‌أنواع الصيد:

- ‌حكم الصيد:

- ‌شروط الصيد:

- ‌الصيد المحرَّم:

- ‌حكم الصيد إذا غاب عن صائده فترة ثم وجده ميتًا:

- ‌أدوات الصيد:

- ‌ما يباح للمضطر ومن يخاف على نفسه الموت:

- ‌اقتناء الكلب:

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌أولًا: باب الأيمان

- ‌الأصل في مشروعية الأيمان وثبوت حكمها:

- ‌حكمة التشريع:

- ‌صيغ اليمين:

- ‌حروف القسم:

- ‌أنواع اليمين:

- ‌حكم الأيمان:

- ‌شروط الأيمان:

- ‌الاستثناء في اليمين:

- ‌شروط صحة الاستثناء:

- ‌كفارة الأيمان:

- ‌عمل ما حلف عليه ناسيًا:

- ‌عمل ما حلف عليه مكرهًا:

- ‌تعدد الكفارة:

- ‌وقت إخراج الكفارة:

- ‌التأويل في اليمين:

- ‌الحلف بغير الله تعالى:

- ‌ثانيًا: باب النذور

- ‌أركان النذر:

- ‌شروط النذر:

- ‌حكم النذر:

- ‌أقسام النذر:

- ‌الأكل من النذر:

- ‌الجمع في النذر بين الطاعة وغيرها:

- ‌كتاب الجنايات

- ‌حكم الجنايات:

- ‌أقسام الجنايات:

- ‌الأول: الجناية على النفس

- ‌الأثر المترتب على القتل:

- ‌شروط وجوب القصاص:

- ‌القتل مع الإكراه:

- ‌الاشتراك في القتل:

- ‌قتل الغيلة:

- ‌الأدلة:

- ‌قتل السكران:

- ‌قتل الوالد بولده:

- ‌قتل المسلم بالكافر:

- ‌قتل الحر بالعبد:

- ‌أنواع القتل العمد:

- ‌شروط استيفاء القصاص:

- ‌بم يثبت القتل

- ‌صفة القصاص:

- ‌من يقيم تنفيذ القصاص:

- ‌الصلح عن القصاص بأكثر من الدية:

- ‌سقوط القصاص:

- ‌ثانيًا الجناية فيما دون النفس:

- ‌أنواع الجناية على ما دون النفس:

- ‌أولًا: الجناية على الأطراف:

- ‌ثانيًا: جناية الجروح التي يقع فيها القصاص:

- ‌ثالثًا: جناية إبطال المنافع:

- ‌شروط القصاص في الأطراف والجراح:

- ‌وقت تنفيذ القصاص فيما دون النفس:

- ‌موت المقتص منه بسبب قود الجرح: (استيفاء القصاص)

- ‌كتاب الديات

- ‌الأصل في مشروعية الديات:

- ‌أقسام الدية:

- ‌أولًا: دية النفس:

- ‌1 - دية القتل العمد:

- ‌2 - دية القتل شبه العمد:

- ‌3 - دية القتل الخطأ:

- ‌ثانيًا: دية ما دون النفس:

- ‌1 - دية قطع الأطراف والأعضاء:

- ‌2 - دية المنافع:

- ‌3 - دية الشجاج والجروح:

- ‌كسر العظام وما يجب فيه:

- ‌أصول الدية:

- ‌ثمرة الخلاف:

- ‌مقدار الدية:

- ‌دية المرأة:

- ‌دية غير المسلم:

- ‌دية العبد:

- ‌دية الجنين:

- ‌مقدار دية الجنين:

- ‌من يتحمل دية الجنين

- ‌تغليظ الدية:

- ‌مقدار تغليظ الدية:

- ‌من يتحمل الدية إذا لم يكن للجاني عاقلة أو عجزت عن تحملها:

- ‌العفو عن الدية:

- ‌باب القسامة

- ‌محل القسامة:

- ‌الأصل في القسامة:

- ‌شروط القسامة:

- ‌توجيه الدعوي في القسامة على غير معين:

- ‌كتاب الحدود

- ‌الأصل في مشروعيتها:

- ‌شروط وجوب الحد:

- ‌الفرق بين الحدود والقصاص:

- ‌أنواع الحدود:

- ‌من يقيم الحدود

- ‌وقت إقامة الحدود ومكانه:

- ‌تداخل الحدود:

- ‌سقوط الحدود:

- ‌تلف المقام عليه الحد:

- ‌الحدود كفارات للذنوب:

- ‌باب حد الزنا

- ‌الأصل في تشريع حرمة الزنى:

- ‌مقدار حد الزنى:

- ‌1 - حد البكر:

- ‌2 - حد غير الحر:

- ‌3 - حد الحر المحصن:

- ‌الجمع بين الجلد والرجم:

- ‌شروط حد الزنا:

- ‌1 - اشتراط كون الموطوءة حية

- ‌2 - كون الموطوءة امرأة

- ‌وطء البهيمة:

- ‌الاستمناء:

- ‌السحاق:

- ‌3 - كون الوطء في دار الإسلام:

- ‌4 - اشتراط الإسلام لإقامة حد الزنا:

- ‌ثبوت الزنا:

- ‌أولًا: الإقرار

- ‌شروط صحة الإقرار:

- ‌الإقرار في الجرائم المشتركة:

- ‌ثانيًا: الشهادة: ولها شروط:

- ‌علانية حد الزنا:

- ‌كيفية تنفيذ الحد:

- ‌باب القذف

- ‌تعريف القذف:

- ‌حكم القذف:

- ‌صيغة القذف:

- ‌شروط القاذف:

- ‌قذف الوالد لولده:

- ‌شروط المقذوف:

- ‌مقدار حد القذف:

- ‌شروط تنفيذ حد القذف:

- ‌سقوط حد القذف:

- ‌قذف المحدود في الزنا:

- ‌قذف الملاعنة:

- ‌حق الورثة في المطالبة بحد القذف:

- ‌قذف الواحد لجماعة:

- ‌باب حد المسكر

- ‌الأصل في تحريم المسكرات:

- ‌أنواع المسكرات:

- ‌حكم تناول الأشربة المسكرة:

- ‌شرب العصير والنبيذ

- ‌هل الخمر نجسة

- ‌شروط وجوب الحد:

- ‌حكم المشروبات الأخرى (الوسكي والجن والشمبانيا وغيرها):

- ‌المخدرات:

- ‌إثبات حد السكر:

- ‌مقدار حد المسكر:

- ‌ضابط السكر الذي يمنع صحة العبادات:

- ‌شرب المسكر اضطرارًا:

- ‌شرب المسكر للتداوى:

- ‌والصحيح:

- ‌كيفية إقامة الحد:

- ‌باب حد السرقة

- ‌التعريف:

- ‌الأصل في حكم السرقة:

- ‌أركان السرقة:

- ‌شروط السارق:

- ‌شروط المسروق منه:

- ‌شروط المسروق (المال):

- ‌شروط الأخذ في السرقة:

- ‌إثبات حد السرقة:

- ‌عقوبة السرقة:

- ‌أولًا: قطع يده:

- ‌حكم زراعة عضو قطع في حد أو قصاص:

- ‌ثانيًا: رد المسروق:

- ‌جحد الوديعة والعارية:

- ‌قطع الطرار أو النشال:

- ‌الاشتراك في السرقة:

- ‌سرقة الخمر والخنزير وآلات اللهو:

- ‌سقوط القطع في السرقة:

- ‌1 - العفو عن السارق:

- ‌2 - رجوع السارق عن إقراره:

- ‌3 - التوبة:

- ‌4 - تملك السارق المسروق قبل الحكم:

- ‌باب حد قطاع الطريق (المحاربين)

- ‌الأصل في تحريم الحرابة وقطع الطريق وجزائها:

- ‌شروط الحرابة (قطع الطريق):

- ‌1 - التكليف:

- ‌2 - أن يكون مع المحاربين سلاح:

- ‌3 - يشترط الحنفية الذكورة في المحارب:

- ‌4 - البعد عن العمران:

- ‌5 - أن يأخذ قطاع الطريق المال جهرًا:

- ‌6 - أن يبلغ ما أخذه كل منهم النصاب الذي تقطع فيه السرقة:

- ‌عقوبة الحرابة (قطع الطريق):

- ‌الاشتراك في الحرابة (قطع الطريق):

- ‌بم تثبت الحرابة (قطع الطريق):

- ‌كيفية تنفيد العقوبة:

- ‌سقوط عقوبة الحرابة (قطع الطويق):

- ‌دفاع الإنسان عن نفسه وعن غيره (دفاع الصائل):

- ‌حكم دفع الصائل:

- ‌ضمان قتل الصائل:

- ‌الدفاع عن الغير:

- ‌باب قتال أهل البغي

- ‌التعريف:

- ‌أنواع البغي:

- ‌حكم البغي:

- ‌شروط تحقق البغي:

- ‌كيفية معاملة البغاة:

- ‌ويتبع في قتال البغاة ما يأتي:

- ‌ضمان الإتلاف:

- ‌الأولى: أن يكون الإتلاف حال الحرب والقتال:

- ‌الثانية: أن يكون الإتلاف في غير الحرب والقتال:

- ‌قتلى المعارك (أهل العدل والبغاة):

- ‌أولًا: قتلى أهل العدل:

- ‌ثانيًا: قتلى البغاة:

- ‌بيع السلاح لأهل الفتنة:

- ‌باب أحكام الردة

- ‌التعريف:

- ‌حكل الردة والأصل فيه:

- ‌ما يوجب الردة:

- ‌1 - الردة بالاعتقاد:

- ‌2 - الردة بالأقوال:

- ‌3 - الردة بالأفعال:

- ‌شروط الردة:

- ‌ثبوت الردة:

- ‌استتابة المرتد وكيفية توبته:

- ‌عقوبة المرتد:

- ‌أثر الردة على المرتد:

- ‌1 - أتر الردة على الزواج:

- ‌2 - أثر الردة في تصرفات المرتد:

- ‌3 - أثر الردة على الإرث:

- ‌إطلاق الكفر على المسلم:

- ‌كفر الساحر وردته:

- ‌هل يعد الساحر كافرًا ومرتدًا

- ‌استتابة الساحر:

- ‌حد الساحر وعقوبته بعد ثبوت سحره:

- ‌حد الكاهن والعراف:

- ‌حد الكاهن والعراف وعقوبتهما:

- ‌باب التعزير

- ‌التعريف:

- ‌حكم التعزير والأصل فيه:

- ‌حكمة مشروعية التعزير:

- ‌المعاصي التي يعاقب فيها بالتعزير:

- ‌الرشوة:

- ‌التزوير:

- ‌الفرق بين الحد والتعزير:

- ‌أنواع التعزير:

- ‌أولًا: العقوبات البدنية ومنها:

- ‌1 - التعزير بالقتل:

- ‌2 - التعزير بالجلد:

- ‌3 - التعزير بالحبس:

- ‌4 - التعزير بالنفي والتغريب:

- ‌ثانيًا: التعزير بالمال:

- ‌ثالثًا: التعزير بالقول وغيره:

- ‌سقوط التعزير:

- ‌كتاب الجهاد

- ‌الأصل في مشروعية الجهاد:

- ‌حكم الجهاد:

- ‌شروط وجوب الجهاد:

- ‌1 - الإسلام:

- ‌2 - التكليف:

- ‌3 - الذكورة:

- ‌4 - السلامة من الضرر:

- ‌5 - الاستطاعة بالنفقة ومؤنة الجهاد:

- ‌6 - الحرية:

- ‌فضل الجهاد:

- ‌مراتب الجهاد:

- ‌1 - جهاد النفس:

- ‌2 - جهاد الشيطان:

- ‌3 - جهاد أهل الظلم والبغي من المسلمين:

- ‌4 - جهاد الكفار أعداء الإِسلام الذين يكيدون له ويتربصون به، وهوأنواع:

- ‌آداب الجهاد:

- ‌1 - الإخلاص في النية:

- ‌2 - المشورة بين القائد وأهل الرأي من الجيش قبل بدء المعركة:

- ‌3 - اللجوء إلى الله تعالى والاستعانة به:

- ‌4 - دعوة الكفار إلى الإِسلام قبل القتال:

- ‌5 - عدم قتل النساء والصبيان والمجانين:

- ‌6 - عدم الغدر والغلول والمثلة:

- ‌7 - إتلاف الأموال وقطع الأشجار والزرع:

- ‌8 - عدم إنزال المحاربين على ذمة الله وذمة رسوله أو إنزالهم على حكم الله ورسوله:

- ‌9 - عدم قتل الرسل:

- ‌10 - الرفق بالأسرى وحسن معاملتهم:

- ‌دعوة الكفار إلى الإسلام أو الجزية أو الحرب:

- ‌الجهاد من حيث الدفاع والطلب:

- ‌يكون الجهاد طلبًا ومبادأة وحربًا وقائية في حالات منها:

- ‌ويكون الجهاد دفاعيًا في حالات منها:

- ‌إذن الوالدين في الجهاد:

- ‌إذن الإمام في الجهاد:

- ‌الاستعانة بغير المسلمين في قتال الأعداء:

- ‌الأدله:

- ‌تترس الكفار بالنساء والذرية من المسلمين أو منهم:

- ‌الرباط في سبيل الله:

- ‌الهدنة

- ‌حكمها:

- ‌مدة الهدنة والصلح:

- ‌من له عقد الهدنة:

- ‌عقد الذمة:

- ‌من يتولى عقد الذمة:

- ‌شروط عقد الذمة:

- ‌حقوق أهل الذمة:

- ‌الجزية

- ‌الأصل في مشروعية الجزية:

- ‌حكمة مشروعيتها:

- ‌شروط أخذ الجزية:

- ‌الفيء

- ‌حكمه:

- ‌قسمة الفيء:

- ‌الأنفال

- ‌حكم التنفيل:

- ‌أقسام النفل:

- ‌مم يكون النفل:

- ‌باب الغنيمة

- ‌حكمها:

- ‌أقسام الغنيمة وما يترتب عليها:

- ‌أولًا: الأموال المنقولة:

- ‌ثانيًا: الأرض: وهي على ضربين:

- ‌باب الأمان والمستأمن

- ‌حكم الأمان:

- ‌من يملك إعطاء الأمان:

- ‌ما يترتب على إعطاء الأمان:

- ‌مدة الأمان:

- ‌ما ينتهي به الأمان للمستأمن:

- ‌العهد ونقضه

- ‌حكم العهد:

- ‌ومن الأمور التي ينتقض بها العهد:

- ‌الأسري:

- ‌حكم الأسرى من المقاتلين:

- ‌انتهاء القتال والحرب:

- ‌قتلى الحرب من المسلمين:

- ‌الشهيد

- ‌منزلة الشهيد:

- ‌من يطلق عليه شهيد:

- ‌غسل الشهيد والصلاة عليه:

- ‌واختلفوا في الصلاة عليه:

- ‌عمليات الفدائيين في الأعداء من الكفار المحاربين:

- ‌حكم القيام بها:

الفصل: ‌حكم القيام بها:

النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم"(1)

‌واختلفوا في الصلاة عليه:

1 -

فذهب أبو حنيفة وأحمدُ في رواية له إلى أنه يصلى عليه لما ورد من أحاديث في ذلك، منها حديث عقبة بن عامر قال:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا وصلى على أهل أحد صلاته على الميت"(2).

وقالوا إن الصلاة على الميت شرعت إكرامًا له والطاهر من الذنب لا يستغنى عنها كالنبي والصبي.

2 -

وذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية وهو رواية عن أحمد إلى أنه لا يصلى عليه للأحاديث الواردة في ذلك، ومنها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر في قتلى أحد بدفنهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم"(3)، ولأن الشهيد قد نال من الشرف بحيث لا يلائم تشفع من هو دونه فيه.

ومن السنة أن يدفن الشهداء في مكان قتلهم لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم "أمر أن يدفن القتلى في أحد في موقع المعركة"(4).

‌عمليات الفدائيين في الأعداء من الكفار المحاربين:

‌حكم القيام بها:

اختلفت أساليب الحرب وفنون القتال من عصر إلى آخر، ولكنها أكثر تغيرًا وفتكًا في هذا العصر، ومن أساليب القتال تلك قيام المسلم بقتل مجموعة من

(1) رواه أبو داود (3134).

(2)

أخرجه البخاريُّ (فتح الباري 3/ 209)، ومسلمٌ (4/ 1795).

(3)

أخرجه البخاريُّ (1278).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 398).

ص: 269

المحاربين ويتم ذلك بتفجير نفسه وسط الأعداء المقاتلين من الكفار فيموت هو ومن حوله، كما يحدث في فلسطين، وقد اختلف العلماء المعاصرون في مثل هذا الأسلوب:

1 -

فذهب بعضهم إلى أن هذا الأسلوب لا يجوز وهو نوع من الانتحار وأنه لم يكن معهودًا من قبل، وفيه إلقاء بالنفس إلى التهلكة والله يقول:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (1).

ويقول تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (2).

2 -

وذهب آخرون إلى جواز ذلك، فقد صرح الحنفية بأنه إن علم أنه يقتل إذا قاتل جاز بشرط أن ينكي في العدو، أما إذا علم أنه لا ينكي فيهم، فإنه لا يحل له أن يحمل عليهم، لأنه لا يحصل بحملته شيء من إعزاز الدين. وقال محمَّد بن الحسن: لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في قتل أو نكاية في العدو.

كما ذهب المالكية إلى جواز إقدام الرجل المسلم على الكثير من الكفار إن كان قصده إعلاء كلمة الله، وكان فيه قوة وظن تأثيره فيهم ولو علم ذهاب نفسه، ولكن سينكي نكاية أو سيبلي أو يؤثر أثرًا ينتفع به المسلمون فجائز أيضًا، وقيل إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل لأن مقصوده واحد منهم (3).

وذلك بيَّن في قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ

(1) سورة البقرة: 195.

(2)

سورة النساء: 19.

(3)

حاشية ابن عابدين (4/ 137)، وحاشية الدسوقي (2/ 183)، وتفسير القرطبي (2/ 363)، وروضة الطالبين (ص: 229)، والعدة شرح العمدة لبهاء الدين المقدسي (ص: 117). وانظر فقه السنة للسيد سابق (1/ 347).

ص: 270

مَرْضَاتِ اللَّهِ} (1). وقد قال رجل من المسلمين يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة بالحديقة ضعوني في الحَجَفة (2) وألقوني إليهم، ففعل الصحابة وقاتلهم وحده وفتح الباب.

ونقل الرازي (3) رواية عن الشافعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة، فقال له رجل: أرأيت إن قتلت في سبيل الله فأين أنا؟ قال: "في الجنة"، فألقى تمرات في يديه ثم قاتل حتى قتل (4)، وقال ابن العربي (5): والصحيح عندي جوازه لأن فيه أربعة أوجه:

الأول: طلب الشهادة.

الثاني: وجود النكاية.

الثالث: تجرئة المسلمين عليهم.

الرابع: ضعف نفوس الأعداء ليروا أن هذا صنيع واحد منهم فما ظنك بالجميع.

وجاء في توضيح الأحكام: "قال الحافظ: ذهب جمهور العلماء إلى أنه يجوز للرجل الشجاع أن يحمل على الكثير من العدو، إذا كان له قصد حسن، كأن يرهب العدو، أو يجرّئ المسلمين على الإقدام أو نحو ذلك من المقاصد"(6).

(1) سورة البقرة: 207.

(2)

الرجل هو البراء بن مالك أخو أنس بن مالك. والحَجَفة: ترس يتخذ من الجلود، تفسير القرطبي (2/ 364).

(3)

التفسير الكبير لفخر الدين الرازي (5/ 150).

(4)

أخرجه مسلمٌ (3/ 1309).

(5)

أحكام القرآن لابن العربي (1/ 116).

(6)

توضيح الأحكام لابن بسام (6/ 376).

ص: 271

وجاء في الموسوعة الفقهية: "وربما يشبه ذلك لبس الحزام الناسف وإلقاء النفس أمام دبابات العدو للقضاء عليها مع علمه بأنه سيقتل"(1).

الراجح: يتبين مما ذكر من أقوال الفقهاء أن تلك الحالة وما يماثلها جائزة لما ذكروه من فوائد للمسلمين، بل هي مرتبة عالية إن تحققت فيها الرغبة الصادقة لإعلاء دين الله وكسر شوكة الكفر ودفع المسلمين إلى الجرأة على أعدائهم، والنيل منهم بتحقيق الشهادة في سبيل الله ولا سيما في هذا العصر الذي اختلت فيها موازين القوى وأصبح للأعداء اليهود في فلسطين وغيرها قوة حربية كبيرة، قد لا يستطيع المسلمون التصدي لهم حاضرًا ولم يبق أمامهم إلا مثل تلك العمليات الاستشهادية قال القرطبي (2): "وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (3).

وأما الآية التي استدل بها المانعون فيجاب عنها بما جاء في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عندما غزا المسلمون القسطنطينية، فحمل رجل على عسكر العدو، فقال قوم: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: لا، إن هذه الآية نزلت في الأنصار حين أرادوا أن يتركوا الجهاد، ويعمروا أموالهم.

وأما هذا، فهو الذي قال الله فيه (4):{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (5).

(1) الموسوعة الفقهية (6/ 11).

(2)

تفسير القرطبي (2/ 363).

(3)

سورة التوبة: 111.

(4)

أخرجه أبو داود (2512)، والترمذيُّ (2972) وصححه، وقال الحاكم:"على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي على تصحيحه، توضيح الأحكام لابن بسام (6/ 375).

(5)

سورة البقرة: 207.

ص: 272

فالتهلكة هي ترك الجهاد وما فيه من عظيم الأجر وحلول النصر، والركون إلى الدنيا وما يترتب على ذلك من ضعف المسلمين وقوة أعدائهم وتسلطهم عليهم وغزوهم في عقر دارهم وإذلالهم، وهو ما يؤدي إلى التهلكة للفرد والأمة، وأما من أفتدى المسلمين والإِسلام بنفسه فقد باعها لله رغبة فيما عنده من عظيم الأجر وجزيل الثواب للشهداء والمجاهدين في سبيله.

ويجاب عن الآية الثانية بأنها لا تتناول موضوع الاستدلال، وإنما المراد بها أن يقتل الناس بعضهم بعضا، قال القرطبي (1): أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضا، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل والحرص على الدنيا وطلب المال بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي للتلف ويحتمل أن يقال:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ، في حال ضجر أو غضب، فهذا كله يتناوله النهي.

وليست تلك العمليات انتحارًا، إذ الانتحار قتل للنفس وتخلص منها بعد أن ضاقت الدنيا في وجهه لأي سبب من أسباب الحياة، فهو لا يقصد أبعد من ذلك، وإنما الفداء بالنفس لإعلاء كلمة الله وعز الإِسلام والمسلمين وقهر الأعداء والنكاية بهم شراء للآخرة بالحياة الدنيا فهو لم يقدم على إزهاق نفسه سخطًا لأمر من أمور الدنيا، وإنما أرخصها لهدف أسمى وأعلى ألا وهو الشهادة في سبيل الله، فقد باع نفسه وما يفنى بما يبقى من رضوان الله والدرجات العلى.

وقد حققت مثل هذه العمليات نتائج طيبة بالنيل من العدو ورفع الروح المعنوية للمسلمين وأنه يمكن النصر على الأعداء إذا صدق المسلمون مع الله وحققوا عوامل النصر وإن لم يكونوا مثل الأعداء عددًا وعدة كما هي شواهد التاريخ.

(1) تفسير القرطبي (5/ 156).

ص: 273

ونرى أن يقيد هذا الجواز بشروط هي:

1 -

ألا يقصد قتل نفسه والخلاص من الدنيا.

2 -

أن يحاول تنفيذ العملية الفدائية مع المحافظة على نفسه ما أمكن.

3 -

أن تكون تلك العمليات موجهة إلى أعداء المسلمين المحاربين من الكفار فقط.

4 -

أن يكون فيه مصلحة ظاهرة للمسلمين ونكاية مؤثرة في العدو.

5 -

أن تكون تلك العمليات مقرَّة من علماء البلد الذي يحارب العدو؛ لأنهم أدرى بما فيه مصلحة الإِسلام والمسلمين عندهم.

وبتحقيق تلك الشروط يتم البعد عن السلبيات التي يمكن أن تقع إذا قيل بالجواز مطلقًا. والله أعلم.

ص: 274

المراجع والمصادر

1 -

اختلاف الفقهاء، للطبري طبعة عام 1933 م.

2 -

إعانة الطالبين، لأبي بكر السيد البكري، دار إحياء الكتب العربية بمصر.

3 -

إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، محمَّد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي أبو عبد الله المتوفى سنة 751 هـ.

4 -

الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، محمَّد الشربيني الخطيب، دار إحياء الكتب العربية بمصر.

5 -

الاختيارات، لابن تيمية طبعة دار العاصمة.

6 -

الأم للشافعي، المطبعة الكبرى الأميرية بمصر 1321 هـ.

7 -

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي المتوفى سنة 885، الطبعة الأولى 1376 هـ، مطبعة السنة المحمدية.

8 -

البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم الحنفي، المطبعة العلمية، الطبعة الأولى.

9 -

التفسير الكبير للرازي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية.

10 -

الجامع الصحيح المختصر، محمَّد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، المتوفى سنة 256.

11 -

الجهاد في الإِسلام، د. عبد الله القادري الطبعة الثانية عام 1412 هـ دار المنارة جدة.

ص: 275

12 -

السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفى 458 هـ مطبعة مجلس دائرة المعارف بالهند 1350 هـ.

13 -

الشرح الكبير على المقنع، لابن قدامة، شمس الدين عبد الرحمن بن محمَّد بن أحمد بن قدامة أبو الفرج، المتوفى 682 هـ.

14 -

العدة شرح العمدة، بهاء الدين المقدسي.

15 -

الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، مطبعة كردسان العلمية، 1329 هـ.

16 -

الفتاوى الهندية، لجماعة من علماء، دار المعرفة للطباعة بيروت.

17 -

القاموس المحيط، مجد الدين محمَّد بن يعقوب الفيروزآبادي ط دار الفكر بيروت.

18 -

القوانين الفقهية، لابن جزي، محمَّد أحمد الكبلي الغرناطي، المتوفى 741 هـ.

19 -

الكافي في فقه الإِمام أحمد المقدسي المكتب الإِسلامي الطبعة الخامسة، 1408 هـ.

20 -

المبدع في شرح المقنع، أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن مفلح، المتوفى 884 هـ، المكتب الإِسلامي بيروت 1400 هـ.

21 -

المبسوط للسرخسي، شمس الدين محمَّد بن أحمد بن أبي سهلب أبو بكر، المتوفى 483 هـ.

22 -

المجموع شرح المهذب، للنووي.

23 -

المستدرك، للحافظ أبي عبد الله محمَّد المعروف بالحاكم، مطبعة مجلس دائرة المعارف بالهند، الطبعة الأولى 1334 هـ.

ص: 276

24 -

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للرافعى أحمد المقري المكتبة العلمية بيروت.

25 -

المغني، لابن قدامة. أبي محمَّد عبد الله بن أحمد بن محمَّد بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 620، مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.

26 -

الملخص الفقهي، للشيخ صالح الفوزان نشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء الطبعة الأولى 1423 هـ.

27 -

الموسوعة الفقهية الكويتية.

28 -

الموطأ، للإمام مالك رواية يحيي بن يحيى الليثي، دار النفائس بيروت.

29 -

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني المتوفى سنة 587 هـ، المطبعة الجمالية بالقاهرة، سنة 1328 هـ.

30 -

بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لمحمد بن رشد الحفيد القرطبي، دار الفكر بيروت.

31 -

بلغة السالك لأقرب المسالك، للشيخ أحمد الصاوي، المكتبة التجارية الكبرى بمصر.

32 -

بلوغ المرام من أدلة الأحكام، الحافظ بن حجر العسقلاني، المطبعة التجارية بمصر.

33 -

تفسير القرطبي، دار الكتاب العربي القاهرة، 1387 هـ.

34 -

تكملة المجموع شرح المهذب، محمَّد نجيب المطيعي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة.

ص: 277

35 -

تكملة فتح القدير على شرح الهداية، شمس الدين أحمد المعروف بقاضي زاده أفندي المكتبة التجارية بمصر.

36 -

تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لشهاب الدين ابن حجر العسقلاني، شركة الطباعة الفنية المتحدة بالقاهرة 1384 هـ.

37 -

توضيح الأحكام من بلوغ المرام، لابن بسام.

38 -

جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، صالح عبد السميع الأزهري، دار إحياء الكتب العربية.

39 -

حاشية ابن عابدين المسمى رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، محمَّد أمين بن عابدين مطبعة مصطفى الحلبي بمصر الطبعة الثانية 1386 هـ.

40 -

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، الدسوقي، للدردير، دار الفكر بيروت.

41 -

روضة الطالبين، للنووي. وعمد المفتين، النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف، المتوفى سنة 676 هـ.

42 -

سنن ابن ماجة، الحافظ أبي عبد الله محمَّد بن زيد القزويني 207 - 279 هـ مطبعة الحلبي بمصر.

43 -

سنن الدارقطني، علي بن عمر، دار المحاسن للطباعة الفنية القاهرة 1386 هـ.

44 -

سنن النسائي، أبو عبد الرحمن بن شعيب النسائي، مطبعة الحلبي بمصر، الطبعة الأولى 1383 هـ.

ص: 278

45 -

شرح الخرشي على مختصر خليل، لأبي عبد الله محمَّد الخرشي المتوفى 1101 هـ دار صادر بيروت.

46 -

شرح فتح القدير، لكمال الدين محمَّد بن عبد الواحد السيواسى ثم السكندرلاى المعروف بابن الهمام أبي الحسن، المطبعة الكبرى الأميرية بمصر الطبعة الأولى 1316 هـ.

47 -

شرح منتهى الإرادات، لمنصور البهوتي، مطبعة أنصار السنة المحمدية 1366 هـ.

48 -

صحيح ابن حبان بترتيب بن بلبان، محمَّد بن حبان أحمد أبو القاسم التميمي، المتوفى سنة 354.

49 -

صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاري، مطبعة الحلبي بمصر.

50 -

صحيح الجامع الصغير، ناصر الدين الألباني، المكتبة الإِسلامية بمصر.

51 -

صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، المتوفى سنة 261.

52 -

ضعيف سنن أبي داود، الشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإِسلامي الطبعة الأولى 1412 هـ.

53 -

عون المعبود شرح سنن أبي داود، وللمباركفوري، طبعة دار الكتب العلمية، لبنان.

54 -

فتاوى اللجنة الدائمة في السعودية.

ص: 279

55 -

فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن حجر العسقلاني، المطبعة السلفية بالمدينة.

56 -

فقه السنة، للسيد سابق دار الكتاب العربي، بيروت لبنان الطبعة الثالثة 1397 هـ.

57 -

قوانين الأحكام الشرعية، لمحمد بن جزي الكلبي المتوفى 741 هـ مكتبة عالم الفكر، القاهرة.

58 -

كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي.

59 -

مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية، مطابع الرياض.

60 -

مسند أحمد، الطبعة الحديثة المحققة بإشراف الدكتور عبد الله التركي.

61 -

مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، محمَّد الشربينى الخطيب، مطبعة الحلبي 1377 هـ.

62 -

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، لأبي عبد الله محمَّد بن محمَّد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالخطاب المتوفى 902 - 954 هـ، دار الفكر الطبعة الثالثة 1412 هـ.

63 -

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، للرملي، شمس الدين محمَّد بن أبي العباس أحمد بن حمزه بن شهاب الرملي.

64 -

نصب الراية، للزيلعي المكتبة الإِسلامية.

ص: 280