الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأثر المترتب على القتل:
1 -
يترتب على القتل العمد ثلاثة أمور هي:
أ - القَودَ: وهو قتل القاتل إذا توافرت شروط وجوب القصاص، وقد دلت الآيات والأحاديث على ذلك قال تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (1).
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظيرين إما يودي وإما يقاد"(2).
ولأولياء المقتول قبول الدية أو العفو عن القاتل كما جاء في حديث أبي شريح الخزاعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصيب بدم أو خَبْل (3) فهو بالخيار بين إحدى ثلاث؛ فإن أراد الرابعة (4) فخذوا على يديه، أن يقتل، أو يعفو، أو يأخذ الدية"(5).
ب- أن القاتل قد ارتكب في قتله كبيرة من كبائر الذنوب، قال البغوي:"هو أكبر الكبائر بعد الكفر وقد نص على ذلك الشافعي في كتاب الشهادات في المختصر"(6).
وتوبة القاتل عمدًا مقبولة عند جمهور العلماء لعمومِ الأدلة ومنها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ
(1) سورة البقرة: 178.
(2)
أخرجه البخاريُّ (3/ 165)، ومسلمٌ (2/ 988).
(3)
الخَبْل: الجرح.
(4)
وهي الانتقام لنفسه بالقتل.
(5)
رواه أبو داود في سننه (2/ 478).
(6)
روضة الطالبين (ص: 1587).
مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (1)، وقوله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (2)، وقال ابن عباس: لا تقبل توبته لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (3)، وهي من آخر ما نزل ولم ينسخها شيء (4).
الراجح: إن الراجح هو القول بقبول توبة القاتل عمدًا لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (5)، فجعله الله داخلًا في المشيئة وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (6)، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أن رجلًا قتل مائة رجل ظلمًا، ثم سأل: هل له من توبة؟ فدل على عالم، فسأله فقال ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكن اخرج إلى القرية الصالحة، فاعبد الله فيها، فخرج تائبًا، فأدركه الموت في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فبعث الله إليهم ملكا فقال: قيسوا ما بين القريتين فإلي أيهما كان أقرب فاجعلوه من أهلها فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر فجعلوه من أهلها"(7).
ولأن التوبة تصح من الكفر، فمن القتل أولى والآية محمولة على من لم يتب.
وقبول توبة القاتل عمدًا لا يسقط حق المقتول بل يبقي حقه يستوفيه يوم
(1) سورة الفرقان: 68 - 70.
(2)
سورة الزمر: 53.
(3)
سورة النساء: 93.
(4)
أخرجه البخاريُّ (6/ 59)، ومسلمٌ (4/ 2318).
(5)
سورة النساء: 48.
(6)
سورة الزمر: 53.
(7)
أخرجه البخاريُّ (6/ 59)، ومسلمٌ (4/ 2318).
القيامة، قال ابن القيم (1)، التحقيق أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق:
الأول: حق الله تعالى ويسقط بالتوبة النصوح.
الثاني: حق ولي الدم ويسقط بالاستيفاء أو الصلح أو العفو.
الثالث: حق المقتول يعوضه الله عن حقه الثابت ويصلح بينه وبين قاتله إن تاب القاتل.
ج- حرمان القاتل من ميراث المقتول إذا كان من ورثته (2).
2 -
ويترتب على القتل شبه العمد ثلاثة آمور هي:
أ - دية مغلظة تتحملها عاقلة القاتل لشبهه بالخطأ من حيث أنه قصد الفعل ولم يقصد القتل.
ب- يجب فيه كذلك كفارة في مال الجاني.
ج- الإثم وذلك لأنه قتل نفسًا حرم الله قتلها إلا بالحق وعليه التوبة الصادقة مما وقع فيه.
جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها
…
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها" (3)، قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنها على العاقلة" (4).
(1) أخرجه البخاريُّ (4/ 211)، ومسلمٌ (4/ 2118).
(2)
حاشية ابن عابدين (6/ 561)، وبداية المجتهد لابن رشد (2/ 401)، ونهاية المحتاج للرملي (7/ 246)، والمغني لابن قدامة (11/ 443).
(3)
رواه البخاري (7/ 175)، ومسلمٌ (3/ 1309).
(4)
الإجماع (ص: 172).
3 -
ويترتب على القتل الخطأ أمران:
وجوب الدية على العاقلة (1)، وذلك لقوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} (2).
ودليل وجوب دية قتل الخطأ على عاقلة القاتل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتًا بغرة عبد أو أمة وأن العقل على عصبتها"(3). فشبه العمد والخطأ تكون الدية فيهما على عاقلة القاتل وذلك من باب التعاون بين العصبة في تحمل الواجبات، وقد يكون فيه دفع وإبعاد للجاني حتى لا يتكرر منه أو من غيره ما وقع.
وجوب الكفارة في مال القاتل جاء في فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز: "الواجب في قتل الخطأ شبه العمد عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين"(4).
ومن القتل الخطأ ما لو قتل مسلما بين الكفار يظنه كافرًا فهذا لا تجب فيه الدية وإنما تجب الكفارة فقط (5).
لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (6).
(1) سورة النساء: 92.
(2)
العاقلة: هم الذكور من عصبته القريبون والبعيدون وإن لم يكونوا وارثين لأن ذلك من التناصر والتآزر.
(3)
رواه البخاري ورقمه (5758)، ومسلمٌ ورقمه (1681).
(4)
مجموع فتاوى، عبد العزيز بن باز (22/ 343) الطبعة الأولى 1424 هـ.
(5)
بداع الصنائع (10/ 4617)، وقوانين الأحكام الفقهية لابن جزي (ص: 377)، والمغني لابن قدامة (11/ 457)، وروضة الطالبين (ص: 1587).
(6)
سورة النساء: 92.