الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرب لأنهم أسلموا كلهم قبل نزول آية الجزية فإنها إنما نزلت بعد غزوة تبوك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرغ من قتال العرب، واستوثقت كلها بالإِسلام، وإن كفر المجوس أشد من كفر عبدة الأوثان من العرب، ذلك أنهم يقرون بإلهين أحدهما للخير والثاني للشر".
قال ابن العربي: "والصحيح قبولها من كل أمة وفي كل حال عند الدعاء إليها والإجابة بها"(1).
الجهاد من حيث الدفاع والطلب:
جاءت آيات الجهاد وأحاديثه عامة تشمل الحرب الدفاعية وتشمل الطلب والهجوم قال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (2)، وغيرها من الآيات.
وجاء في السنة حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام وحسابهم على الله"(3).
وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم المختلفة فيها ما هو طلب ومبادأة كغزوة بدر وحنين وخيبر وغيرها، وفيها ما هو دفاع كغزوة أحد والأحزاب وغيرها، وقد قام الصحابة رضي الله عنهم بفتح فارس والعراق والشام ومصر وغيرها، وذلك إجماع منهم على أن الجهاد يقوم على الطلب والمبادأة كما يقوم على الدفاع والذود عن حمى الإِسلام والمسلمين.
(1) أحكام القرآن (2/ 910).
(2)
سورة التوبة: 36.
(3)
أخرجه البخاريُّ (1/ 17)، رقمه (25)، ومسلمٌ (1/ 53)، ورقمه (22).
والباحث في كتب الفقه يعلم أن فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة يرون أن الجهاد يشمل الطلب والدفاع حسب الأحوال:
جاء في حاشية ابن عابدين (1) في تعريف الجهاد: "وشرعًا: الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله"، ثم قال:"هو فرض كفاية ابتدأ إن لم يبدءونا"، ثم قال:"فإن حاصرناهم دعوناهم إلى الإِسلام فإن أسلموا وإلا فإلى الجزية، فإن قبلوا ذلك فلهم ما لنا وعليهم ما علينا"، ويتضح من ذلك القول بجهاد الطلب.
وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2): "الجهاد فرض كفاية ويكون في أهم جهة كل سنة، أي أن يوجه الإِمام كل سنة طائفة ويخرج بنفسه معها أو يخرج بدله من يثق به ليدعوهم إلى الإِسلام ويرغبهم فيه ثم يقاتلهم إذا أبوا منه"، وهذا من جهاد الطلب والمبادأة.
وجاء في الإقناع (3): "وكان الجهاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة فرض كفاية، وأما بعده صلى الله عليه وسلم فللكفار حالتان: الحال الأول: أن يكونوا ببلادهم ففرض كفاية، إذا فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عن الباقين"، وهذا هو جهاد الطلب، ثم قال:"والحال الثاني من حالي الكفار: أن يدخلوا بلدة لنا مثلًا، فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين"، وهذا هو جهاد الدفاع.
وجاء في المغني (4): "ويُبْعَثُ في كل سنة جيش يغيرون على العدو في بلادهم"، ثم قال: "فيجب في كل مرة إلا من عذر، مثل أن يكون بالمسلمين ضعف من عدد أو عدة
…
أو يعلم من عدوه حسن الرأي في الإِسلام، فيطمع في
(1) حاشية ابن عابدين (4/ 131)، وما بعدها.
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/ 173).
(3)
الإقناع للشربيني الخطيب الشافعي (5/ 5 - 7).
(4)
المغني (13/ 8 و 10).
إسلامهم إن أخر قتالهم، ونحو ذلك مما يرى المصلحة معه في ترك القتال"، وهذا هو جهاد الطلب.
وجاء في توضيح الأحكام (1): "إن قتال الكفار في الإِسلام ليس مدافعة فقط، بل هو حركة جهادية حتى يكون الدين كله لله".
وقد جاء الكلام عن طبيعة الجهاد في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية رقم (6426) ونصها: "شرع الله تعالى الجهاد لنشر الإِسلام وتذليل العقبات التي تعترض الدعاة في سبيل الدعوة إلى الحق، والأخذ على يد من تحدثه نفسه بأذى الدعاة إليه والاعتداء عليهم، حتى لا تكون فتنة ويسود الأمن ويعم السلام وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفرو السفلى، ويدخل الناس في دين الله أفواجا
…
"، ثم جاء فيها: "وللدفاع أيضًا عن حوزة الإِسلام"، وكذلك الفتوى رقم (7122)، ورقم (10719).
وقد ذكر الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة رحمه الله: أن الجهاد لغزو الأعداء وللدفاع عن الإِسلام والمسلمين، وقد جاء ذلك في محاضرة له عنوانها:(ليس الجهاد للدفاع فقط)، وقال فيها: "فلما كان الكثير من كتاب العصر قد التبس عليهم الأمر في أمر الجهاد، وخاض كثير منهم في ذلك بغير علم وظنوا أن الجهاد إنما شرع للدفاع عن الإِسلام وعن أهل الإِسلام، ولم يشرع ليغزو المسلمون أعداءهم في بلادهم ويطالبوهم بالإِسلام ويدعوهم إليه
…
فإن استجابوا وإلا قاتلوهم على ذلك حتى تكون كلمة الله هي العليا" (2).
(1) توضيح الأحكام (6/ 335).
(2)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الشيخ بن باز (18/ 101)، طباعة رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ط. الثانية 1423 هـ.