الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإبل وألفي بعير، والشياه خمسة آلاف.
وكان من الأسرى بريرة بنت الحارث سيد بني المصطلق، وكان معها من نساء بني المصطلق مائتا أسيرة وزعت على المسلمين.
وقد تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من بريرة وسماها جويرية، فلما علم المسلمون بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من بني المصطلق أرادوا أن يكرموا جميع نساء القبيلة من أجل هذه المصاهرة الكريمة فقالوا: هؤلاء أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أسرهم في أيدينا، ومنوا عليهم بالعتق، فكانت جويرية أيمن امرأة على قومها، كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.
وترتب على هذا التكريم العظيم وهذه المعاملة الحسنة، أن أسلم بنو المصطلق عن آخرهم وأصبحوا قوة تنشر الإسلام وتدافع عنه وتحميه، بعد أن كانوا قوة تناوئ الإسلام وتحاربه وتعاديه.
آفة النفاق:
وكان يمكن أن تنتهي هذه الغزوة بهذه النتيجة الطيبة المباركة، إلا أن حادثين خطيرين عكرا هذا الصفاء، وأشعلا فتنة عمياء كادت تعصف بالمسلمين وتهددهم بالدمار والانهيار، لولا لطف الله وحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما أولهما فهو ما وقع من عبد الله بن أُبيّ زعيم المنافقين، وكان مع المسلمين يتظاهر بالإخلاص والإيمان هو ومن على شاكلته من المنافقين، ويحلفون أغلظ الأيمان يتخذون منها ستارًا يخفون وراءه حقيقتهم، فإذا عصفت الأخطار انكشف هذا الستار وظهر مكرهم وغدرهم.
وقد حدث أن أجيرًا لعمر بن الخطاب اختصم مع رجل من حلفاء الخزرج
فضربه حتى سال دمه، فاستصرخ الخزرجي بقومه، واستصرخ الأجير بالمهاجرين. يقول الخزرجي: يا معشر الأنصار. ويقول أجير عمر: يا معشر المهاجرين1. فأقبل الذعر بين الفريقين وكادوا يقتتلون لولا أن خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال دعوى الجاهلية؟ " ثم قال: "دعوها فإنها منتنة". ثم أنهى هذا الخصام بحكمته، فرجع المتخاصمان أخوين متحابين.
فلما وصل نبأ هذا الخصام إلى عبد الله بن أبي غضب، وكان عنده رهط من الخزرج فقال: ما رأيت كاليوم مذلة، أو قد فعلوها؟ نافرونا في ديارنا، والله ما نحن والمهاجرون إلا كما قال الأول: سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل2.
ثم التفت إلى من معه وقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم، ثم لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم غرضًا للمنايا دون محمد، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من عنده.
وقد سمع بعض المسلمين المخلصين3 هذا الكلام فأسرع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره.
وحينما تأكد الرسول صلى الله عليه وسلم من صدق كلامه غضب وظهر الغضب في وجهه، فقال عمر بن الخطاب: ائذن لي يا رسول الله في قتله، أو مر أحدًا غيري بقلته.
1 انظر "سيرة ابن هشام" 2/ 217، و"الكامل في التاريخ" 2/ 131، و"صحيح البخاري" 8/ 652، و"مسلم" ص 1998، فقد أخرجا هذه القصة في الصحيح، وانظر ما قدمنا من المصادر لهذه الغزوة.
2 انظر الحاشية السابقة.
3 قال المؤلف: هو زيد بن أرقم.
قلت: نعم، لكنه أخبر عَمَّهُ، وأخبر عَمُّه النبي صلى الله عليه وسلم كما صح عند الشيخين.
فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال:"كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه".
وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصرف أصحابه عن التفكير في هذا الأمر الخطير والانسياق إلى الخلاف والشقاق، فأذن في الناس بالرحيل.
ولم يكن الوقت مناسبًا، إذ كان الحر شديدًا ويصعب الرحيل فيه، وقد جاء أُسيد بن حضير وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب الارتحال في هذا الوقت؟ فقال:"أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل". قال: أنت -والله يا رسول الله- تخرجه إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز.
ووصلت هذه الأنباء إلى ابن أُبيّ، فأسرع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ينفي ما نسب عنه ويحلف بالله ما قاله ولا تكلم به.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمضى قراره بالرحيل، وسار في طريق عودته ومعه المسلمون حتى أجهدهم المسير، وأنساهم التعب حديث ابن أُبي، وعادوا بعد ذلك إلى المدينة ومعهم ما حملوا من غنائم بني المصطلق وأسراهم وسبيهم، ومعهم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد القوم وزعيمهم.
وفي هذه الأثناء نزلت سورة المنافقون تفضح أكاذيب ابن أُبي ومن على شاكلته وتظهر نواياهم الخبيثة للرسول صلى الله عليه وسلم وأنهم يتظاهرون بالإسلام، وهم في واقع الأمر أبعد الناس عنه، وهم يحلفون الأيمان الكاذبة يتخذونها ستارًا لكذبهم، فيقول سبحانه:
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ