الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: القتال في الاسلام
القتال في الاسلام وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الفتح الأعظم
مدخل
…
الفصل الخامس: القتال في الإسلام وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الفتح الأعظم
ولابد لنا الآن من كلمة عن القتال في الإسلام، لأنه أهم الأسباب في نمو المجتمع العربي1 وتطوره، ومن أقوى دعائم الدولة الإسلامية الكبرى، فلولا القتال الذي وقع بين المسلمين وبين المشركين من العرب، لما دانت الجزيرة العربية بالولاء والطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم ولظل المجتمع العربي على وضعه الذي تحدثنا عنه قبل الإسلام منحل العرى متفكك الأجزاء تسود بين قبائله المختلفة العداوة والبغضاء، ولظل المجتمع العربي2 الجديد الذي أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة حبيسًا في هذه الدائرة الضيقة لا يتعداها إلى غيرها من المدن والقرى وسائر الجهات.
ومن يتتبع الآيات القرآنية التي تعرضت للقتال يتجلى له أنها تهدف إلى غرضين: أولهما الدفاع عن النفس ورد الظلم والعدوان، وثانيهما الدفاع عن الدعوة إذا وقف أحد في سبيلها بفتنة من آمن، أو بصد من أراد الدخول في الإسلام، أو بمنع الداعي عن تبليغ دعوته.
وفي ذلك يقول الله عز وجل في سورة الحج:
1 الإسلامي.
2 الإسلامي.
وفي هذه الآيات يظهر السبب الذي من أجله فرض القتال على المسلمين، وهو أنهم ظلموا، وأخرجوا من ديارهم بغير حق
…
ثم تنبه الآيات المؤمنين الذين أذن لهم في القتال إلى ما يجب أن يفعلوه إذا هم انتصروا على عدوهم. وهو أن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر
…
ليكونوا خير دعاية لهذا الدين الحنيف.
ثم ينتقل الله بالمسلمين إلى مرحلة أخرى، فيأمرهم بعد أن ردوا الظلم والعدوان الذي أصابهم من قريش، بأن يقاتلوا كل من يتعرض بسوء أو يبدؤهم بشر، فيقول في سورة البقرة:
ثم يأمرهم بالقتال لتقرير حرية العقيدة والبعد بها عن الأغراض والأهواء كي يكتمل له الجو الملائم فينضوي تحت لوائها من يشاء دون خوف من اضطهاد
1 سورة الحج، الآيات 39-40-41.
2 سورة البقرة، الآيتان 190-191.
وفتنة، وذلك بقوله في السورة نفسها:
وقوله في سورة الأنفال:
ثم يأمرهم الله بالجنوح للسلم متى جنح لها أعداؤهم3 حتى ولو كانوا يريدون به الخداع ويخفون وراءه الأطماع، لأن الغرض هو تأمين الدعوة وألا تكون فتنة، والسلام كفيل ذلك
…
وفي ذلك يقول الله عز وجل في سورة الأنفال أيضًا:
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} 4. ويبين الكتاب الكريم أن المسلمين لا سبيل لهم على من يعتزل الفتنة من المشركين، ويترك القتال، ويلقي للمسلمين بالسلام.
أما إذا لم يكن ميلهم للسلام حقيقيًّا، بل كانوا مذبذبين مخادعين، فعلى المسلمين أن يقاتلوهم حتى يستأصلوا الشر ويقطعوا دابر الفتنة، وفي ذلك يقول سبحانه:
1 سورة البقرة، الآية 193.
2 سورة الأنفال: الآية 39.
3 لكن ذلك بشروط مفصلة تفهم من سياق الآيات وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي بعض ذلك.
4 سورة الأنفال، الآيتان 61-62.
وكان الأمر مقصورًا على قتال قريش ومن يجاريهم ويحالفهم من يهود المدينة، فلما اتحدت قبائل العرب المختلفة على المسلمين أمر الله المسلمين بقتال المشركين من كافة القبائل، فقال سبحانه:
{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 2.
وبهذه الآيات التي سقناها من الكتاب الكريم يتبين لنا أن الإسلام لم يشرع القتال للمسلمين إلا للدفاع عن أنفسهم ولتأمين الدعوة من أن تقف الفتنة في طريقها.. وحسبنا برهانًا على تلك الروح الطيبة المسالمة أن الإسلام لا ينهى عن البر والإحسان لمن يخالفوننا في الدين ما داموا هادئين مسالمين: وفي ذلك يقول الله عز وجل في سورة الممتحنة: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 3.
وأما من الناحية العملية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي تطبيق دقيق لما أمره الله به
1 سورة النساء، الآية 91.
2 سورة التوبة، الآية 36، وقد نسخت هذه الآية آيات كثيرة من القرآن، فلتراع كتب التفسير في ذلك.
3 سورة الممتحنة، الآية 4.
من الهدوء والمسالمة للمسلمين والعدوان على الظالمين المعتدين.. ونحن إذا استقصينا كل مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع أعدائه فإنا لا نجد فيها بدءًا بهجوم1 أو عدوانًا، وإنما نراها جميعًا ردًّا للظلم والعدوان
…
فغزوة بدر مثلًا -وهي الغزوة الكبرى الأولى في الإسلام- لم تكن عدوانًا من جانب المسلمين، وإنما كانت لرد الظلم والعدوان السابقين، وهي -في واقع الأمر- دفاع عن النفس والمال والوطن.
ولا غرو فقد أخرج المسلمون من ديارهم بغير حق، إلا أنهم قالوا: ربنا الله، وكان عليهم بعد أن اكتملت لهم أسباب القوة في المدينة أن يثبتوا وجودهم يردوا الظلم الذي أصابهم، ولذا أمرهم الله بالقتال، ووصفهم بأنهم يقاتلون -أي: يقاتلهم غيرهم- ووصفهم كذلك بأنهم ظلموا، لأن العدوان قد أصابهم من قبل.
ثم تتابعت غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وكان المشركون هم الذين يبدءون دائمًا بالشر
1 ليس الأمر على إطلاقه هكذا، بل إنه صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون، ولكن المراد أنه لا يبتدئ أناسًا بالحرب قبل دعوتهم للإسلام، وإعلامهم بما له من حق قتالهم إن لم يدخلوا في الإسلام أو يدفعوا الجزية، بحسب حالهم إن كانوا مشركين أو أهل كتاب.
2 سورة الحج، الآيتان 39-40.
والعدوان كما وقع في غزوة أحد، وفي غزوة الأحزاب، حتى إذا كان العام السادس الهجري تم صلح الحديبية بين قريش والمسلمين، وأعلنت بهذا الصلح الهدنة بين الفريقين إلى عشر سنوات ما دام كلا الفريقين يحترم العهود والمواثيق، ولكن قريشًا هي التي غدرت وخانت فحاربت قبيلة خزاعة التي كانت حليفة للمسلمين، فكانت هذه الخيانة عدوانًا صريحًا من جانب مشركي قريش لا يصح السكوت عليه
…
ومن أجل ذلك تجهز الرسول صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف من المسلمين ليغزو قريشًا في مكة، فسلمت إليه مكة وأذعنت، وكان ذلك في العام الثامن الهجري.
ومثل هذا الموقف العدائي الذي بدأ بالشر والعدوان كان موقف اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم كما تبين لنا فيما تقدم- ذلك بأنهم لم يحترموا العهود والمواثيق التي أبرمها الرسول صلى الله عليه وسلم معهم، فحاق بهم سوء صنيعهم، حيث كتب الله على فريق منهم الجلاء، وقضى على الفريق الآخر بالهلاك والفناء:{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} 1.
1 سورة آل عمران، الآية 117.