الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" 1.
إلا أن في هذا الحادث لعبرة بالغة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يلقي على العالمين درسًا نافعًا في تقدير الأعمال ووزن الخير والشر بميزان سليم، والتماس المعذرة للمخطئ إذا وضحت له الحقيقة فرجع وتاب وأناب، وكثير من الناس يختلط الأمر عليهم فلا يغفرون السيئة الصغيرة مهما تقدمها من الحسنات الكبار، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرف طبيعة الإنسان وتسلط الشيطان عليه 2، ثم عرف ما ذلك قول الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 3، وقوله:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} 4 وقوله: {إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} 5، قد وضع ذلك كله في الميزان، فغفر لذلك الصحابي الجليل زلته الطارئة أمام بلائه السابق في خدمة الإسلام وحضوره غزوة بدر ابتغاء مرضاة الله وجهادًا في سبيله.
1 لفظ البخاري، 4025، ومسلم 2494 وغيرهما.
2 في بعض الأحيان حين يقل من ذكر الله.
3 سورةهود، الآية 114.
4 سورة الزلزلة، الآيتان 7، 8.
5 سورة الفرقان، الآية 70.
الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في الطريق إلى مكة:
وتهيأ المسلمون -وعلى رأسهم قائدهم الأمين- ليتخذوا طريقهم إلى مكة، وقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يترك لقريش فرصة يتجهزون فيها للحرب حتى يأخذهم على حين غفلة فيستسلموا دون أن تزهق الأرواح وتسفك الدماء، لذلك أصدر أمره بالتعبئة العامة، فتسابق المسلمون إلى تلبية النداء والانضمام تحت اللواء.
ثم تحرك جيش المسلمين في الثامن من رمضان1، من السنة الثامنة للهجرة، وقد انضم في الطريق جماعات من قبيلة أسلم ومزينة وغطفان، حتى بلغ عددهم عشرة آلاف2، وظلوا سائرين حتى وصلوا بعد سبعة أيام إلى مر الظهران وهو وادٍ على مقربة من مكة.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقد كل فرد نارًا لتظهر قوة الجيش الإسلامي القريب من مكة، فيلقي الرعب في قلوب قريش فتأتي صاغرة للتسليم، وكان أبو سفيان بن حرب خرج يتلمس الأخبار3، ويستطلع الخطر الذي شاعت أنباؤه في مكة.
وفي جنح الظلام وعلى مقربة من نيران المسلمين لاقاه العباس بن عبد المطلب فناداه، فوقف له أبو سفيان وقال: ما وراءك؟ قال العباس: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم بما لا قبل لكم به. قال أبو سفيان: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟
قال العباس: أنصحك بأن تركب ورائي -وكان يركب بغلة رسول الله، صلى الله عليه وسلم فآتيه بك وأستأمن لك.
وأردف العباس أبا سفيان وسار نحو خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول العباس: فلما مررت بنار عمر بن الخطاب عرف أبا سفيان فأسرع إلى
1 هذا المشهور، وعند أحمد بسندٍ قويٍّ من حديث أبي سعيد: خرجنا عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان. وفي "مسلم" خرجنا لست عشرة، ولأحمد في رواية أخرى لثماني عشرة، وفي أخرى ثالثة لثنتي عشرة. وقيل غير ذلك.
2 وفي "الإكليل" و"شرف المصطفى" بلغوا اثني عشر ألفًا. وذكر العشرة آلاف وقع في "صحيح مسلم" وغيره، ولعلهم خرجوا عشرة آلاف، ثم التحق بهم ما جعلهم يبلغوا اثني عشر ألفًا.
3 ومعه حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، كما في البخاري وغيره.