الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرب في مكة
العرب المستعربة في مكة
…
2-
العرب المستعربة في مكة
يرجع العرب في أصلهم إلى الجنس السامي وهو الجنس الذي تفرع عنه الكلدانيون والآشوريون والكنعانيون وسائر الأمم السامية، التي سكنت بين النهرين وفلسطين وما يحيط من بادية وحاضرة.
وسموا عربًا نسبة إلى: يعرب بن قحطان جد العرب العاربة، فإنه أول من نطق باللغة العربية الفصحى، وأخذها عنه أهل اليمن.
ويقسم المؤرخون العرب إلى: بائدة، وعاربة، ومستعربة.
فالعرب البائدة هم الذين بادوا ومحيت آثارهم كعاد وثمود..
والعرب العاربة هم الشعب القحطاني الذي يسمى -كذلك- عرب الجنوب، إذ كانوا يسكون في بلاد اليمن، وسموا عربًا عاربة لتأصلهم في العروبة حيث لم يختلطوا بمصاهرة الأعاجم، وليس من شأننا أن نفصل الكلام حول هذين القسمين من العرب.
وأما العرب المستعربة فهم الذين سنتحدث الآن عنهم ونلقي بعض الأضواء على أحوالهم السياسية والدينية والاجتماعية.
ويقال للعرب المستعربة الإسماعيلية، لأنهم يرجعون في نسبهم إلى إسماعيل عليه السلام فهم عرب من جهة الأمهات لا من جهة الآباء، لأن أباهم إسماعيل
غير عربي ولكنه تزوج من جرهم العربية. وقد ثبت لدى العلماء أن عدنان وهو الجد العشرون للرسول محمد صلى الله عليه وسلم يمتد نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
ويكاد يجمع المؤرخون على أن إبراهيم عليه السلام قد نشأ في بلاد العراق بين قوم يتخذون الأصنام آلهة من دون الله، ولما أذن الله له أن يدعو الناس للحق، بدأ بأبيه آزر، فدعاه إلى التوحيد وبين له ما في الوثنية من فساد وضلال، وقد سجل القرآن الكريم قصة إبراهيم وجهاده في سبيل القضاء على الوثنية في سور كثيرة ومنها ما جاء في سورة الأنعام:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 1، وما جاء في سورة مريم:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً، إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً، يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً، يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً، يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً، قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ واهْجُرْنِي مَلِيّاً} إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
وقد عاش إبراهيم مدة طويلة دون أن يرزقه الله بولد من زوجته سارة. وكانت سارة حزينة من أجل ذلك، فحملتها شفقتها على زوجها إبراهيم وحبها له أن تهب له جاريتها "هاجر". وقالت له:"إني حرمت من الولد، فعسى الله أن يرزقك منها غلامًا تقر به عينك"3. وقد حقق الله آمال إبراهيم وزوجته سارة، فحملت هاجر وولدت إسماعيل، وكان أبوه إبراهيم في السادسة والثمانين من
1 الآية 74.
2 الآيات 41 - 42 - 43 - 44 - 45- 46.
3 "البداية والنهاية" 1/ 153 وذكر أن هذا من قول أهل الكتاب.
عمره. فاشتدت غيرة سارة، وتلك طبيعة النساء ولم تطق رؤية هاجر وطفلها إسماعيل، فصارحت إبراهيم عليه السلام بما تجده في نفسها، وطلبت إليه: أن يأخذ هاجر وطفلها إلى أرض بعيدة عنها حتى لا تراهما. فتردد إبراهيم في الأمر شفقة منه على ابنه الصغير، ولكن الله أوحى إليه أن ينفذ رغبة سارة، فأخذ هاجر وطفلها بأمر من الله وانتقل إلى شبه الجزيرة العربية حتى وصل بها إلى المكان الذي نبعت فيه بئر زمزم، وكان واديًا مجدبًا لا زرع فيه ولا ثمر. ولما هم بالرحيل قالت له هاجر: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله، وأستودعكما إياه.
فقالت: الله أمرك بهذا؟.
قال: نعم.
قالت: إذن لا يضيعنا.
ثم انصرف إبراهيم من عندهما وهو يقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} 1.
وبقيت هاجر مع طفلها فنصبت لنفسها عريشًا وكان معها شيء من الطعام والشارب قد تركه معها زوجها إبراهيم، ولما نفد ما لديهما من الماء عطش إسماعيل عطشًا شديدًا، فجعلت أمه تبحث له عن ماء وأخذت تتردد بين الصفا والمروة سبع مرات لم تجد شيئًا فرجعت آسفة حزينة.
ولكن حزنها لم يلبث أن انقلب سرورًا واطمئنانًا حين رأت الماء ينبع من
1 سورة إبراهيم، الآية 37.