الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحسن إسلامهم وبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقهم: "أتاكم أهل اليمن كأنهم السحاب، وهم خيار من في الأرض"1.
ومنهم وفود حضرموت والبحرين وعمان.
وقد قدم هؤلاء جميعًا أفواجًا أفواجًا ليدخلوا في دين الله، وليذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون 2.
1 هذا لفظ البيهقي في "دلائل النبوة" 5/ 353 وغيره، من حديث جبير بن مطعم.
وعند مسلم 89 من حديث أبي هريرة يرفعه: "جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة، وأضعف قلوبًا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية
…
"
وفي لفظ البخاري 4386: "أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبًا، وأرق أفئدة، الفقه يمانٍ، والحكمة يمانية".
وانظر "فتح الباري" 8/ 98.
2 وقد ذكرت في كتابي "سنن النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه" 1/ 641 - 694 نحو ثمانين وفدًا، وذلك مما جاء عند ابن سعد في طبقاته.
حج أبي بكر
1
وفي هذا العام -أعني عام الوفود- كانت أول حجة في الإسلام، وكان أمير الحج من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولهذه الحجة دلالتها القوية على مدى النفوذ الذي أصبح للمسلمين بعد الفتح الأعظم لمكة،
1 انظر تفاصيل هذه الحجة في:
"سيرة ابن هشام" 4/ 157، و"دلائل النبوة" 5/ 293 للبيهقي، و"صحيح البخاري" 4655، 1622، و"صحيح مسلم" ص 2/ 982، و"مسند أحمد" 1/ 79، و"البداية" 5/ 36، و"طبقات ابن سعد" 1/ 445 ترتيب طبقاته، و"الكامل في التاريخ" 2/ 198، و"سنن النسائي" 187، من كتاب الحج. و"فتح الباري" 3/ 483. وغير ذلك.
حتى أصبح البلد الأمين مثابة للناس وأمناً، وأصبحت أبوابه مفتوحة للمسلمين يغدون ويروحون ويحجون ويعتمرون.
وقد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه بالإمارة على الحجيج -كما قدمنا- فخرج على رأس ثلاثمائة من المسلمين1 قاصدًا البلد الحرام، وقد طهره الله من الأصنام والأوثان، ولكنه لم يطهر بعد من المشركين الذين أقبلوا من كل فجٍّ يطوفون بالبيت، ويتلمسون آلهتهم التي كانت تستظل به منذ عام واحد، ثم حطمها محمد صلى الله عليه وسلم فاختفت أشباحها من الوجود، ولكن بقي -على حد زعمهم- روحها القوي يصرف عنهم السوء، ويملأ حياتهم بالخير والبركة.
وكان من فضل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، أن يعيد لهذا البيت طُهره القديم منذ رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فنزلت الآيات الكريمة من سورة التوبة:
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ
1 وبهذا العدد جزم الحافظ ابن حبان في ثقاته 2/ 113، وذكره ابن إسحاق، وابن سعد وغيرهما.
2 سورة التوبة، الآية 3.
3 سورة التوبة، الآية 17، 18.
هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} 1.
وقد أوفد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- بهذه الآيات الكريمة، كي يلحق بأبي بكر رضي الله عنه وليبلغها بنفسه إلى الناس. فلما رآه أبو بكر قال له: أمير أم مأمور؟ قال: بل مأمور. وأخبره أنه إنما جاء ليبلغ الناس ما أمر به الله ورسوله. فلما اجتمع الناس بمنى يؤدون مناسك الحج، وقف علي بن أبي طالب وإلى جانبه أبو هريرة فقرأ الآية الكريمة من صدر سورة التوبة وهي التي ذكرنا بعضها منها
…
ولما أتم تلاوتها وقف هنيهة ثم قال: يا أيها الناس: إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته.. ثم أجل الناس أربعة أشهر بعد ذلك اليوم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم2.
ومنذ ذلك اليوم اكتمل تطهير البلد الأمين من الرجس، فلم يحج إليه مشرك، ولم يقم فيه كافر، وبقيت أنوار الحق والإيمان تشع في الأرجاء إلى ما شاء الله، وصدق الله العظيم حيث يقول:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} 3.
1 سورة التوبة، الآية 28.
2 أخرج ذلك البخاري 1622، ومسلم 435 وغيرهما من حيث أبي هريرة.
3 سورة الرعد، الآية 17.