المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثاني: من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى - القول المبين في سيرة سيد المرسلين

[محمد الطيب النجار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الناشر

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: بين يدي السيرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌البيت العتيق

- ‌مدخل

- ‌بدء بنائه ومحاولات تجديده:

- ‌عام الفيل والطير الأبابيل:

- ‌بقية الأخبار عن عمارة البيت العتيق:

- ‌الحجر الأسود:

- ‌العرب في مكة

- ‌العرب المستعربة في مكة

- ‌الجراهمة والخزاعيون في مكة:

- ‌قصي بن كلاب وأثره في قريش:

- ‌قصة الذبيحين:

- ‌المجتمع العربي قبل ظهور الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المجتمع العربي قبيل ظهور الإسلام:

- ‌اليهودية والمسيحية في بلاد العرب قبل الاسلام

- ‌مدخل

- ‌اليهودية في بلاد العرب:

- ‌المسيحية في بلاد العرب

- ‌الفصل الثاني: من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدء الدعوة الاسلامية

- ‌مبحث من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌رضاعه:

- ‌قصة حليمة السعدية:

- ‌عهد الطفولة والشباب:

- ‌زواجه من السيدة خديجة

- ‌بعض البشائر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل:

- ‌حياة التأمل:

- ‌في غار حراء:

- ‌الفصل الثالث

- ‌من بدء الدعوة إلى الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌موقف قريش من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه:

- ‌هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة:

- ‌إسلام حمزة وعمر:

- ‌قصة الغرانيق:

- ‌الهجرة الثانية إلى الحبشة:

- ‌مقاطعة قريش لبني هاشم وبني المطلب

- ‌عام الحزن:

- ‌خروجه إلى الطائف:

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌السموات السبع:

- ‌لقاء الأنبياء:

- ‌بيعتا العقبة:

- ‌بيعة العقبة الأولى

- ‌بيعة العقبة الثانية:

- ‌اجتماع الرسول صلى الله عليه وسلم بمسلمي يثرب:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الهجرة النبوية وتأسيس الدولة الإسلامية

- ‌هجرة المسلمين إلى المدينة:

- ‌المؤامرة الكبرى:

- ‌بدء الهجرة النبوية:

- ‌في غار ثور:

- ‌قصة أم معبد

- ‌حديث سراقة:

- ‌بناء الدولة الإسلامية:

- ‌بناء المسجد

- ‌المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌المعاهدة بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود

- ‌تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يضع أساس النظام الاقتصادي:

- ‌الفصل الخامس: القتال في الاسلام

- ‌القتال في الاسلام وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الفتح الأعظم

- ‌مدخل

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌السرايا قبل بدر:

- ‌وسرية عبيدة بن الحارث

- ‌غزة بدر الكبرى

- ‌في ميدان المعركة:

- ‌مشهد رهيب:

- ‌اللجوء إلى الله:

- ‌دور الملائكة في يوم بدر:

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الأسرى:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة السويق:

- ‌استعداد قريش وخروجها للمعركة:

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين:

- ‌بدء المعركة:

- ‌‌‌صور من البطولة والإيمان

- ‌صور من البطولة والإيمان

- ‌الرماة يتسببون في تغيير الوضع:

- ‌النتيجة في غزوة أحد:

- ‌دور إيجابي لدرء الخطر:

- ‌أصابع اليهود

- ‌غزوة الأحزاب "الخندق

- ‌موقف المسلمين في المدينة من الأحزاب:

- ‌حفر الخندق:

- ‌من المعجزات النبوية:

- ‌ألا إن في هذا الحادث العجيب لعبرة

- ‌الأحزاب أمام الخندق

- ‌موقف رائع لعلي بن أبي طالب

- ‌مؤامرة بني قريظة على الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين

- ‌الخدعة في الحرب:

- ‌الفرج بعد الشدة:

- ‌عاقبة الظلم ومصير بني قريظة:

- ‌من العبر في غزوة الأحزاب

- ‌اليهود بين التوراة والتلمود

- ‌من تعاليم التلمود

- ‌بين يهود الأمس ويهود اليوم:

- ‌غزوة بني المصطلق

- ‌آفة النفاق:

- ‌مثل رائع من الإيمان:

- ‌حديث الإفك:

- ‌عمرة الحديبية وعمرة القضاء

- ‌الحنين إلى مكة:

- ‌خروج الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين للعمرة وموقف قريش:

- ‌حابس الفيل:

- ‌تبادل الرسل بين قريش ومحمداً صلى الله عليه وسلم

- ‌بيعة الرضوان:

- ‌صلح الحديبية:

- ‌استثناء النساء من شروط الصلح:

- ‌عمرة القضاء

- ‌من صلح الحديبية إلى فتح مكة

- ‌مدخل

- ‌غزوة خيبر

- ‌النتيجة في غزوة خيبر:

- ‌كتب الرسول إلى الملوك والرؤساء

- ‌مدخل

- ‌كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌موقف هرقل من كتاب الرسول:

- ‌سرية مؤتة

- ‌خروج الجيش:

- ‌العبرة من غزوة مؤتة:

- ‌الفصل السادس: غزوات الرسول

- ‌يوم الفتح

- ‌مدخل

- ‌غزوة الفتح

- ‌سبب الغزوة:

- ‌موقف غريب لصحابي جليل:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في الطريق إلى مكة:

- ‌الجيش يدخل مكة:

- ‌تطهير الكعبة من الأصنام:

- ‌غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌موقف المسلمين:

- ‌الانتصار بعد الهزيمة:

- ‌حصار الطائف:

- ‌تقسيم الغنائم:

- ‌موقف الأنصار بعد توزيع الغنائم:

- ‌إسلام هوازن:

- ‌عودة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:

- ‌غزوة تبوك وما تلاها من أحداث

- ‌مدخل

- ‌دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد، وإخلاص الصحابة:

- ‌مسير الحملة:

- ‌موقف أمراء الحدود:

- ‌الثلاثة الذين خلفوا:

- ‌بعض العبر في غزوة تبوك:

- ‌عام الوفود

- ‌مدخل

- ‌هدم اللات:

- ‌حج أبي بكر

- ‌الفصل السابع:‌‌ حجة الوداعووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ حجة الوداع

- ‌وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌موقف المسلمين من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل الثامن: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ ‌الفصل الثاني: من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى

‌الفصل الثاني: من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدء الدعوة الاسلامية

‌مبحث من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم

‌مدخل

الفصل الثاني: من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدء الدعوة الإسلامية

يختلف المؤرخون حول اليوم الذي ولد فيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، بل وحول العام الذي ولد فيه كذلك، ولعل السر في هذا الخلاف أنه حينما ولد لم يكن أحد يتوقع له مثل هذا الخطر، ومن أجل ذلك لم تتسلط عليه الأضواء منذ فجر حياته. فلما أذن الله أن يبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته بعد أربعين سنة من ميلاده، أخذ الناس يسترجعون الذكريات التي علقت بأذهانهم حول هذا النبي، ويتساءلون عن كل شاردة وواردة من تاريخه، وساعدهم على ذلك ما كان يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه عن الأحداث التي مرت به أو مر هو بها منذ نشأته الأولى وكذلك ما كان يرويه أصحابه والمتصلون به عن هذه الأحداث.

وبدأ المسلمون -حينئذٍ- يستوعبون كل ما يسمعون من تاريخ نبيهم صلى الله عليه وسلم لينقلوه إلى الناس على توالي العصور، ولكن مهما اختلفت الروايات في وقت ميلاده، فيكاد يجمع المؤرخون على أن الميلاد كان في النصف الأول من شهر

ص: 78

ربيع الأول وفي عام الفيل، ويرجع أن ذلك كان في صبيحة الاثنين1 الموافق 9 من ربيع الأول قبل الهجرة النبوية بثلاثة وخمسين عامًا، وهو يوافق اليوم المكمل للعشرين من شهر أغسطس سنة 570 بعد ميلاد المسيح عليه السلام.

ويذكرون عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: محمد بن عبد الله2 بن عبد المطلب3 بن هاشم4 بن عبد مناف5 بن قصي6،

1 أقول: كونه يوم الاثنين لا شك في صحة ذلك. فقد أخرج مسلم في صحيحه، في كتاب الصيام رقم 197، وأحمد في "المسند" 5/ 297، والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/ 293، وفي "دلائل النبوة" 1/ 71، 72 وغيرهم عن أبي قتادة قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله، ما تقول في صوم يوم الاثنين.

فقال صلى الله عليه وسلم: "ذاك اليوم الذي ولدت فيه، وأنزل علي فيه". وهذا كاف فلا نطيل.

وكذا كونه عام الفيل، كما صح عن ابن عباس، وقيس بن مخرمة عند أحمد 4/ 215، والترمذي 4/ 589، و"سيرة ابن هشام" 1/ 171، و"البداية والنهاية" 2/ 261، و"دلائل النبوة" للبيهقي 1/ 75، و"طبقات ابن سعد" 1/ 101، و"المستدرك" 2/ 603 وبمثل هذا جاء الحديث عن قبات بن أشيم، ومحمد بن جبر، وغيرهم، كما أخرج ذلك عنهم البيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 79.

وأما الشهر، فهو ربيع الأول، على حد قول ابن إسحاق، كما في "سيرة ابن هشام" 1/ 171. ولم أقف في ذلك على شيء صحيح مسند. ولكن تتابع الناس عليه.

ولذلك قال ابن الجوزي في "صفة الصفوة" 1/ 12: اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، عام الفيل.

واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال:

أحدها: أنه ولد لليلتين خلتا منه.

الثاني: لثمان خلون فيه.

الثالث: لعشر خلون منه.

الرابع: لاثنتي عشرة خلت منه.

2 الذبيح.

3 وليس هو اسمه، ولكن سمي بذلك لأن والده قال لأخيه المطلب وهو بمكة حين حضرته الوفاة: أدرك عبدك بيثرب، واسمه فيما قيل: شيبة الحمد، وقيل عامر.

4 واسمه عمرو، وإنما قيل له ذلك لأنه كان يهشم الثريد لقومه في الجدب.

5 واسمه المغيرة.

6 واسمه مجمع، ولكن سمي بذلك لأنه بعد عن عشيرته في بلاد قضاعة.

ص: 79

ابن كلاب1 بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر2 بن مالك بن النضر3 بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن نزار بن مضر بن معد بن عدنان.. ويمتد نسبه بعد ذلك إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام 4.

وأما نسبه من جهة أمه، فأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.. ومعنى ذلك أن نسبه من جهة أبيه ومن جهة أمه يلتقيان في كلاب بن مرة، وهو الجد الخامس من جهة أبيه والرابع من جهة أمه.

وقد تناسل محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه- من نكاح مشروع ولم يكن في أجداده من تلوث بسفاح الجاهلية5. بل طهر الله أصوله تطهيرًا، ثم

1 واسمه حكيم، وقيل: عروة.

2 واسمه قريش، وإليه تنسب قريش، فما كان فوقه فكناني لا قرشي على الصحيح

3 واسمه قيس.

4 وما جاء في تسمية هذه الأسماء من عدنان إلى إبراهيم، فشيء ليس بمحفوظ ولا يعتمد عليه، كما كان ينكر ذلك ابن عباس وابن مسعود، ويحتج ابن عباس على ذلك بقوله تعالى:{وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً} .

ويحتج ابن مسعود بقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَاّ اللَّهُ} ، وهذه حجة قوية جدًّا تقطع دابر قول القائلين.

وما أحسن ما قال العلامة القسطلاني في "المواهب اللدنية" 1/ 96: "فالذي ينبغي لنا الإعراض عما فوق عدنان لما فيه من التخليط والتغيير للألفاظ، وعواصة تلك الأسماء، مع قلة الفائدة" انتهى.

فائدة: جاء حديث عن أنس مرفوعًا ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم نسبه لعدنان كما مضى وسنده ضعيف، كما في "البداية" 2/ 255 أخرجه البيهقي.

5 وقد جاء في هذا حديث من طرق، وأوجه مختلفة تفيد قوة الخير:

أ- عن علي رفعه: "ولدت من نكاح لا عن سفاح ولم يصبني عهر الجاهلية"، أخرجه ابن شاذان وغيره كما في "فوائد ابن قانع" 1/ 163 ق.

وبلفظ: "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء"، أخرجه الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" ص 136، والجرجاني في "تاريخ جرجان" ص 318، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" =

ص: 80

.........................................................................

= رقم 14، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 1/ 267/ 1، والطبراني في "الأوسط" 1/ 5/ 291 رقم 3483 من "مجمع البحرين"، والعدني في مسنده كما في "الدر المنثور" 2/ 294، ومن طريقه أخرج الطبراني الحديث. وابن عدي في "الكامل" 1/ 366 ق.

وسنده ضعيف، والصحيح عندي أنه مرسل عن جعفر بن محمد عن أبيه، كما أخرجه ابن جرير في "التفسير" 11/ 56 والبيهقي 7/ 190، وابن عساكر 1/ 267/ 2، وغيرهم، كابن سعد 1/ 31، وعبد الرزاق، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، كما في "الدر" 2/ 294.

وقد صحح إرسال الحديث عن جعفر بن محمد، دون الوصل عن علي، الذهبي في "تاريخ الإسلام" 1/ 29، والحافظ ابن كثير في "البداية" 2/ 256 فقال: هذا مرسل جيد، وهكذا رواه البيهقي عن الحاكم

وقال عن الموصول عن علي: غريب من هذا الوجه ولا يكاد يصح.

ب- عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح"، أخرجه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 32، وبلفظ: "لم يلتق أبواي من سفاح، ولم يزل الله ينقلني من أصلاب طيبة

"، أخرجه أبو نعيم في "الدلائل" رقم 15.

وبلفظ: "ما ولدني من نكاح الجاهلية شيء، وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام"، أخرجه الطبراني في "الكبير" 3/ 99/ 1، والبيهقي 7/ 190.

أخرجوه من طرق لا تخلو من مقال.

لذلك ضعفه الذهبي في "تاريخ الإسلام" 1/ 29، وابن كثير في "البداية" 2/ 256، وللحديث لفظ مطول عند ابن عساكر ذكره ابن كثير في "البداية" 1/ 258، وذكر تضعيف ابن عساكر له، ثم قال: منكر بهذا الطول.

ج- عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "ما ولدتني بغي قط

".

أخرجه ابن عساكر 1/ 267/ 1 بسند ضعيف، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير 2/ 256.

د- عن عائشة مرفوعًا بلفظ: "ولدت من نكاح غير سفاح"، أخرجه ابن سعد 1/ 32، وعنه ابن عساكر 1/ 267/ 1، وابن الجوزي في "التحقيق" 3/ 91/ 2 بسند ضعيف كذلك.

هـ- عن أنس، أخرجه البيهقي كما في "البداية" 2/ 255 وضعف سنده، وسياقه مطول اشتمل على كثير من الألفاظ الماضية. وللحديث شواهد موقوفة أيضًا، وأخرى مرفوعة بغير هذه الألفاظ، ساق كثيرًا منها الحافظ ابن كثير في "البداية" 2/ 257 وقال:

وهذه الأحاديث وإن كان في رواتها من لا يحتج به فبعضها يؤكد بعضًا، ومعنى =

ص: 81

اصطفاه بعد ذلك من هذه الأصول الطاهرة ليكون هدى ونورا ورحمة للعالمين، وفي ذلك يروي الإمام مسلم1 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".

وكان عبد الله بن عبد المطلب قد تزوج من آمنة بنت وهب، وهي يومئذٍ من أفضل نساء قريش نسبًا، وأكرمهن ذكرًا، ولكن لم يمكث عبد الله مع زوجته إلا وقتًا قصيرًا ثم خرج في رحلة تجارية إلى الشام.

وقد شاء الله أن ترجع القافلة التجارية من الشام ويتخلف عبد الله بالمدينة عند أخواله من بني عدي بن النجار لشدة مرضه حيث أدركته الوفاة، وزوجته آمنة في شهور الحمل الأولى وكان عمره ثمانية عشر عامًا2

جميعها يرجع لحديث واثلة بن الأسقع -الذي أخرجه مسلم في صحيحه: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل

"، الحديث.

وسيذكره المؤلف

وقد تقدم الحديث المروي من طريق جيد: "ولدت من نكاح لا من سفاح". انتهى، وقد قوى الحديث السيوطي.

وانظر هذا الحديث في:

"مجمع الزوائد" 8/ 214، "الدر المنثور" 3/ 294، "المطالب العالية" رقم 257، "كنز العمال" 36868 وما بعده، "التلخيص الحبير" 3/ 172، "نصب الراية" 3/ 213، "تفسير البغوي" 3/ 171، وهو حديث جيد قوي بطرقه وشواهده وقد قواه السبكي، كما نقل عنه ذلك صاحب "السيرة الحلبية" 1/ 68 واعتمد الحديث هو.

1 "3/ 212" وقد جاء هذا الحديث بألفاظ يطول ذكرها جدًّا، أورد أكثرها صاحب "السيرة الحلبية" 1/ 43 وما بعدها.

2 قال القسطلاني في "المواهب" 1/ 122: ولما تم لها شهران توفي عبد الله وقيل: توفي، والنبي صلى الله عليه وسلم في المهد، قال الدولابي -وعزاه السهيلي لأكثر العلماء- وعن ابن أبي خيثمة: توفي وهو ابن شهرين.

وقيل: وهو ابن سبعة= وقيل: وهو ابن ثمانية وعشرين.

قال القسطلاني: والراجح المشهور الأول. انتهى.

قلت: وانظر القصة عند ابن إسحاق 1/ 180، وابن كثير 2/ 250، والبيهقي في "الدلائل" 1/ 86-87، والقصة قالها ابن إسحاق والزهري، مرسلة.

وأما سن عبد الله يوم وفاته، فقد ذكر ابن سعد 1/ 63 عن الواقدي بسنده: كان سنّه خمسًا وعشرين.

ص: 82

ولما تم حمل آمنة ووضعت ولدها جاء البشير إلى جده عبد المطلب فأخبره بهذا النبأ العظيم ففرح عبد المطلب بهذه البشرى وأقبل مسرورًا وحمل الوليد الصغير بين يديه، وذهب به إلى الكعبة ليباركه. وتذكر الروايات أنه حينئذٍ أخذ يقول:

الحمد لله الذي أعطاني

هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

أعيذه بالبيت ذي الأركان

أعيذه من شر ذي الغلمان

من حاسد مضطرب العيان1

ثم سماه محمدًا، ولم يكن هذا الاسم شائعًا عند العرب قبل ذلك2 ولكن

1 "الوفا بأحوال المصطفى" 1/ 162 لابن الجوزي و "الروض الأنف" 1/ 184 للسهيلي، وذكر أبياتًا أخرى لم يذكرها المؤلف، في آخرها:"أحمد مكتوب البيان".

2 قال ابن سعد في "الطبقات": 1/ 111-112 بأن العرب كانت تسمع من أهل الكتاب ومن الكهان أن نبيًّا يبعث من العرب اسمه محمد. فسمى بعض العرب أبناءهم محمدًا طمعًا بذلك وأسند ذلك عن سعيد بن المسيب ثم ذكر منهم محمد بن خزاعي، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد الجشمي في بني سواءة، ومحمد الأسيدي، ومحمد الفقيمي.

وأسند ذلك عن ابن إسحاق وغيره.

وقال السهيلي في "الروض" 1/ 182 هم ثلاثة -بحسب ما قال ابن إسحاق: محمد بن سفيان بن مجاشع، والآخر: محمد بن أحيحة بن الجلاح، ومحمد بن حمران بن ربيعة.. انتهى.

قلت: فعند السهيلي غير من ذكر ابن سعد أيضًا، ومن تتبع وجد أثر من ذلك.

ص: 83

الله ألهم جده بهذه التسمية، وقال: سميته محمدًا ليكون محمودًا عند الله وعند الناس.

ويروون في ذلك: أن عبد المطلب قد رأى في نومه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض، وطرف في الشرق وطرف في الغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها، فقصها، فعبِّرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمدًا1.

وقد ذكرت بعض كتب السيرة أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وغاضت بحيرة ساوه، وانهدمت الكنائس التي حولها2، وعبر عن

1 عند السهيلي في "الروض الأنف" 1/ 182: قد ذكر حديث الرؤيا على القيراوني في كتاب "البستان" انتهى.

أقول: ولا مانع من صحة هذه الرؤيا، لكون الرؤيا قد تصدق للكافر، كما صدقت لفرعون مصر زمن يوسف عليه السلام -كما نصت على ذلك الآيات- أفلا تصدق ممن كان مثل عبد المطلب. نعم، لا نجزم بثبوتها، لأن الإثبات يفتقر إلى دليل، وهو معدوم.

2 ذكرت هذه الإرهاصات في حديث يرويه على بن حرب، عن أبي أيوب يعلى بن عمران، حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه -وقد أتت عليه خمسون ومائة سنة- فذكر هذه الوقائع.

أخرج ذلك الخرائطي في "هواتف الجان" عن علي بن حرب -كما في "البداية" 2/ 268 - 269- ولا تعرف القصة بغير هذا لإسناد الضعيف كما عند البيهقي في "الدلائل" 1/ 126، وأبي نعيم 1/ 138، والباقي مراسيل، وانظر كذلك:"الوفا" 1/ 97، و"تاريخ الطبري" 2/ 138 وما بعدها، و"شرح المواهب اللدنية" 1/ 121، و"الخصائص الكبرى" للسيوطي 1/ 51، و"الإصابة" لابن حجر 3/ 597، و"جامع المسانيد والسنن" 12/ 259، و "أسد الغابة" 4/ 270 وفي حواشي دلائل أبي نعيم 1/ 138 وما بعدها ذكر مواضع رويت فيه غير ما ذكرت.

ص: 84

ذلك البوصيري في قصيدته المشهورة، فقال:

أبان مولده عن طيب عنصره

يا طيب مبتدإ منه ومختتم

يوم تفرس فيه الفرس أنهم

قد أنذروا بحلول البؤس والنقم

وبات إيوان كسرى وهو منصدع

كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم

والنار خامدة الأنفاس من أسف

عليه والنهر ساهي العين من سدم

وساء "ساوه" أن غاضت بحيرتها

ورد واردها بالغيظ حين ظمي

ويقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة: إن هذا الكلام تعبير غلط عن فكرة صحيحة، فإن ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم كان حقًّا إيذانًا بزوال الظلم واندثار عهده واندكاك معالمه.

وقد كانت رسالة محمد بن عبد الله أخطر ثورة عرفها العالم للتحرر العقلي والمادي1، وكان جند القرآن أعدل رجال وعاهم التاريخ وأحصى فعالهم في تدويخ المستبدين وكسر شوكتهم طاغية إثر طاغية، فلما أحب الناس -بعد انطلاقهم من قيود العسف- تصوير هذه الحقيقة، تخيلوا هذه الإرهاصات وأحدثوا لها الروايات الواهية2، ومحمد صلى الله عليه وسلم غني عن هذا كله، فإن نصيبه

1 المرتبط بمفاهيم النصوص، وحكم التشريع الإلهي ومقاصده.

2 الجزم بكون هذه الروايات محدثة، يفتقر إلى دليل، وهو جود كذاب في السند معروف، ثم بوجود نكارات أخرى في السند أو المتن -ليس هنا موضع ذكرها- والسند ليس فيه شيء من ذلك، بل قصارى ما فيه أن فيه مجاهيل لا يعرفون، فضعف بسبب ذلك.

ولذلك أورده لهانئ جماعة في الصحابة، ولم يعترض معترض من الأئمة كابن حجر وابن الأثير، وابن كثير وغيرهم كثير على أن في السند وضاعًا أو كذابًا، ولا أنكر منهم الحديث برمته، بل كان جل اعتراضهم أنه ليس في الحديث ما يدل على صحبة هانئ.

والقاعدة الاصطلاحية، أن الحديث الضعيف لا يقطع ببطلانه لمجرد عدم ثبوت سنده، لا سيما إذا كان ليس من النصوص الشرعية فالإجماع منعقد على ذلك فالحق أن هذه الروايات لا تصدق ولا تكذب، حتى يقوم دليل على أحد الأمرين.

وقد ثبت في السنة خوارق أقوى مما في هذا الخبر، وأشياء دون ذلك، ولا نقول: محمد صلى الله عليه وسلم غني هذا، أو غير غني. وإن كنا لا نشك أنه غني مثل تكليم الحيوان وحنين الجذع وغير ذلك مما ثبت في الأحاديث الصحيحة. فالاستغناء شيء، وحصول الأمر شيء آخر.

ص: 85

الضخم من الواقع المشرف يزهدنا في هذه الروايات وأشباهها.

ونحن نزيد على ما قاله الشيخ الغزالي فنقول: إن معظم الكتب الأصلية في التاريخ والسيرة وكتب السنة الصحيحة لم تذكر هذه الإرهاصات فيما ذكرت من سائر الإرهاصات والمعجزات1 التي رويت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومثل هذه الحوادث الخطيرة لا يمكن إغفالها إذا وقعت. ولو أن أعداء الإسلام رأوها لما أنكروها. بل كانوا يسجلونها في كتبهم التي أرخوا فيها لتلك الفترة ويقولون عنها: إنها ترجع إلى أسباب كونية وعوامل طبيعية، ويحاولون أن يلتمسوا لها أي تعليل يخرج بها عن إثبات الفضل لمحمد صلى الله عليه وسلم ولدينه، ولكن شيئًا من ذلك لم يكن2، وبهذا يصبح واضحًا أن مثل هذه الروايات لا تحمل من أسباب القوة3 ما يجعلنا نطمئن إليها ونرجح وقوعها.

1 أما كتب السنة الصحيحة، فلم تذكر نعم، لضعف السند، وأما ادعاءه أن ذلك ليس في الكتب الأصلية!!.

فما أدري إن كان يوجد أصل من هذه الكتب التي ذكرت في التاريخ والسيرة، كالبداية، ودلائل النبوة، وغير ذلك ما ذكر فيما مضى. وأزيد هنا "المواهب اللدنية" 1/ 130 للقسطلاني وزاد نسبته لابن عساكر، ونقل كلامًا يفيد اعتماد الحكاية -والصواب عدم اعتمادها- عند ابن ظفر وابن سيد الناس اليعمري.

2 هذا يحتاج لاستقراء كبير وتتبع بالغ، ونفي العلم بالشيء لا ينفي الحصول وما أدري ما يضر المؤلف والغزالي إذا ما ثبت تلك الحوادث؟.

3 نعم، لا تحمل أسباب القوة الإسنادية فنطمئن إليها، ولكن كذلك لا تحمل ما يجعلنا ننكرها، فليفهم.

ص: 86