المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله - القول المبين في سيرة سيد المرسلين

[محمد الطيب النجار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الناشر

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: بين يدي السيرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌البيت العتيق

- ‌مدخل

- ‌بدء بنائه ومحاولات تجديده:

- ‌عام الفيل والطير الأبابيل:

- ‌بقية الأخبار عن عمارة البيت العتيق:

- ‌الحجر الأسود:

- ‌العرب في مكة

- ‌العرب المستعربة في مكة

- ‌الجراهمة والخزاعيون في مكة:

- ‌قصي بن كلاب وأثره في قريش:

- ‌قصة الذبيحين:

- ‌المجتمع العربي قبل ظهور الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المجتمع العربي قبيل ظهور الإسلام:

- ‌اليهودية والمسيحية في بلاد العرب قبل الاسلام

- ‌مدخل

- ‌اليهودية في بلاد العرب:

- ‌المسيحية في بلاد العرب

- ‌الفصل الثاني: من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بدء الدعوة الاسلامية

- ‌مبحث من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌رضاعه:

- ‌قصة حليمة السعدية:

- ‌عهد الطفولة والشباب:

- ‌زواجه من السيدة خديجة

- ‌بعض البشائر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل:

- ‌حياة التأمل:

- ‌في غار حراء:

- ‌الفصل الثالث

- ‌من بدء الدعوة إلى الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌موقف قريش من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه:

- ‌هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة:

- ‌إسلام حمزة وعمر:

- ‌قصة الغرانيق:

- ‌الهجرة الثانية إلى الحبشة:

- ‌مقاطعة قريش لبني هاشم وبني المطلب

- ‌عام الحزن:

- ‌خروجه إلى الطائف:

- ‌الإسراء والمعراج

- ‌السموات السبع:

- ‌لقاء الأنبياء:

- ‌بيعتا العقبة:

- ‌بيعة العقبة الأولى

- ‌بيعة العقبة الثانية:

- ‌اجتماع الرسول صلى الله عليه وسلم بمسلمي يثرب:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الهجرة النبوية وتأسيس الدولة الإسلامية

- ‌هجرة المسلمين إلى المدينة:

- ‌المؤامرة الكبرى:

- ‌بدء الهجرة النبوية:

- ‌في غار ثور:

- ‌قصة أم معبد

- ‌حديث سراقة:

- ‌بناء الدولة الإسلامية:

- ‌بناء المسجد

- ‌المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌المعاهدة بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود

- ‌تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يضع أساس النظام الاقتصادي:

- ‌الفصل الخامس: القتال في الاسلام

- ‌القتال في الاسلام وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الفتح الأعظم

- ‌مدخل

- ‌غزوة بدر الكبرى

- ‌السرايا قبل بدر:

- ‌وسرية عبيدة بن الحارث

- ‌غزة بدر الكبرى

- ‌في ميدان المعركة:

- ‌مشهد رهيب:

- ‌اللجوء إلى الله:

- ‌دور الملائكة في يوم بدر:

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الأسرى:

- ‌غزوة أحد

- ‌غزوة السويق:

- ‌استعداد قريش وخروجها للمعركة:

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين:

- ‌بدء المعركة:

- ‌‌‌صور من البطولة والإيمان

- ‌صور من البطولة والإيمان

- ‌الرماة يتسببون في تغيير الوضع:

- ‌النتيجة في غزوة أحد:

- ‌دور إيجابي لدرء الخطر:

- ‌أصابع اليهود

- ‌غزوة الأحزاب "الخندق

- ‌موقف المسلمين في المدينة من الأحزاب:

- ‌حفر الخندق:

- ‌من المعجزات النبوية:

- ‌ألا إن في هذا الحادث العجيب لعبرة

- ‌الأحزاب أمام الخندق

- ‌موقف رائع لعلي بن أبي طالب

- ‌مؤامرة بني قريظة على الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين

- ‌الخدعة في الحرب:

- ‌الفرج بعد الشدة:

- ‌عاقبة الظلم ومصير بني قريظة:

- ‌من العبر في غزوة الأحزاب

- ‌اليهود بين التوراة والتلمود

- ‌من تعاليم التلمود

- ‌بين يهود الأمس ويهود اليوم:

- ‌غزوة بني المصطلق

- ‌آفة النفاق:

- ‌مثل رائع من الإيمان:

- ‌حديث الإفك:

- ‌عمرة الحديبية وعمرة القضاء

- ‌الحنين إلى مكة:

- ‌خروج الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين للعمرة وموقف قريش:

- ‌حابس الفيل:

- ‌تبادل الرسل بين قريش ومحمداً صلى الله عليه وسلم

- ‌بيعة الرضوان:

- ‌صلح الحديبية:

- ‌استثناء النساء من شروط الصلح:

- ‌عمرة القضاء

- ‌من صلح الحديبية إلى فتح مكة

- ‌مدخل

- ‌غزوة خيبر

- ‌النتيجة في غزوة خيبر:

- ‌كتب الرسول إلى الملوك والرؤساء

- ‌مدخل

- ‌كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌موقف هرقل من كتاب الرسول:

- ‌سرية مؤتة

- ‌خروج الجيش:

- ‌العبرة من غزوة مؤتة:

- ‌الفصل السادس: غزوات الرسول

- ‌يوم الفتح

- ‌مدخل

- ‌غزوة الفتح

- ‌سبب الغزوة:

- ‌موقف غريب لصحابي جليل:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في الطريق إلى مكة:

- ‌الجيش يدخل مكة:

- ‌تطهير الكعبة من الأصنام:

- ‌غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌موقف المسلمين:

- ‌الانتصار بعد الهزيمة:

- ‌حصار الطائف:

- ‌تقسيم الغنائم:

- ‌موقف الأنصار بعد توزيع الغنائم:

- ‌إسلام هوازن:

- ‌عودة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:

- ‌غزوة تبوك وما تلاها من أحداث

- ‌مدخل

- ‌دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد، وإخلاص الصحابة:

- ‌مسير الحملة:

- ‌موقف أمراء الحدود:

- ‌الثلاثة الذين خلفوا:

- ‌بعض العبر في غزوة تبوك:

- ‌عام الوفود

- ‌مدخل

- ‌هدم اللات:

- ‌حج أبي بكر

- ‌الفصل السابع:‌‌ حجة الوداعووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ حجة الوداع

- ‌وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌موقف المسلمين من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌الفصل الثامن: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الفصل التاسع: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله

‌الفصل التاسع: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله

كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا كالشجرة الطيبة التي ثبتت أصولها، وانبسطت ظلالها، وآتت ثمارها المباركة في وقت وحين، بل كالمشكاة النيِّرة التي يتألق ضوؤها ذات اليمين وذات الشمال وفي كل مجال، ويهدي الله بها من يشاء من عباده.

فلما قضى الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يلحق بالرفيق الأعلى ويوضع جسده الطاهر في باطن الأرض، رجع الناس بسيرته نورًا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم. وسوف يظل هذا النور هداية للناس ورشادًا، ما دامت السموات والأرض وما بقي الوجود كله.

وإنه لحق علينا -نحن المسلمين- أن ننتفع بهذا النور المبين، وأن نحسن استغلاله، بدل أن تعشى أبصارنا فيلتوي بنا القصد ويضيع منا الطريق. بيد أن بعض المسلمين قد عشيت أبصارهم بهذا النور، إذ فُتنوا بحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم فضلوا عن الحق وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ذلك أنهم قد بالغوا في تقديس النبي صلى الله عليه وسلم مبالغة أنستهم أنه بشر، وأنه خُلِق من طين كما خلق سائر البشر، فقالوا عنه: إنه خلق من نور، وقالوا عنه: أنه أول خلق الله واستدلوا على ذلك

ص: 413

بروايات موضوعة1 لا تمت إلى الحق بأي سبب، وغفلوا عن الآيات الواضحة الصريحة التي ذكرها الله عز وجل في محكم كتابه، والتي يتبين منها حقيقته البشرية التي أكدها الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلنها للناس في مثل قوله سبحانه:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} 2، ثم زاد تأكيدها في آية أخرى تشير إلى أن محمدًا خُلِق من نفس الطينة التي خلق منها سائر البشر، وذلك حيث يقول:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} 3.

ولقد ذكر بعض المفسرين في تفسيرهم لقول الله عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 4.

ذكر بعض المفسرين أن المقصود بالنور في الآية الكريمة هو محمد صلى الله عليه وسلم. ومن هنا ساغ لبعض ضعفاء العقول أن يقول إنَّ محمدًا خلق من نور؛ جهلاً منهم: بما يفهم من الآية، إذ لا شك أن النور الذي جاء في الآية الكريمة، هو النور المعنوي الذي يضيء للناس طريق الحق، وليس النور الحسي الذي تراه العين، والذي يضيء كما تضيء المصابيح وكما تضيء الكواكب.

فالواقع الذي تطمئن إليه النفوس، وتنهض به الحجة، أن محمدًا صلى الله عليه وسلم نور؛ لأنه أضاء للناس طريق الخير بما آتاه الله من العلم والحكمة، ولكنه مخلوق من التراب الذي خلق منه سائر البشر. وليس يضيره في قليل أو كثير أن يكون

1 أو صحيحة، لكن أولوها خلاف معناها الصريح.

2 سورة فصلت، الآية 6.

3 سورة التوبة، الآية 128.

4 سورة المائدة، الآية 16.

ص: 414

مخلوقًا من التراب، ما دام الله قد اصطفاه واختاره لرسالته الكبرى، التي أضاءت المشارق والمغارب، وملأت العالم كله بالهدى والرشاد.

والواقع الذي تطمئن إليه النفوس، وتنهض به الحجة أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أول خلق الله منزلةً وأعلاهم قدرًا. وليس أول خلق الله وجودًا وأقدمهم مولدًا، ذلك أنه بالتسلسل الزمني كان خاتم الأنبياء والمرسلين. فهو مكمل للبناء العظيم الذي أقامه الأنبياء لإسعاد البشر منذ وجود آدم أبي البشر.

ولا يستقيم مع المنطق السليم أن يكون محمد صلوات الله وسلامه عليه من أبناء آدم، ثم يوجد قبل أبيه.

ولا يستقيم مع المنطق السليم -كذلك- أن تكون الأفضلية بين الناس بقدم البلاد، وإلا لكان الآباء أبدًا أفضل من الأبناء. وكان الأجداد على توالي العصور أفضل من الآباء والأحفاد.

وإذا كان من واجبنا -كمسلمين- أن نقدر نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم حق قدره، فإنه الحق علينا -كذلك- ألا نُسيء الفهم ونتجاوز الحد، فنبعد نبينا صلى الله عليه وسلم عن منزلته وقدره، فما أبعد الفرق بين التقدير والتقديس، وبين الحب والعبادة.

وقديمًا كفر اليهود لأنهم قدَّسوا العزيز وهو نبي، فقالوا عنه إنه ابن الله، كما كفر النصارى لأنهم قدسوا المسيح وهو نبي فقالوا عنه إنه ابن الله.

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} 1.

والآن فلنفتح عيوننا على أقباس من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله، عسى أن

1 سورة التوبة، الآية 30، وانظر الخلاف في قصة عزير في كتب التفسير.

ص: 415

يجعل الله لنا منها هدىً ونورًا وموعظة وشفاء لما في الصدور.

فأما معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم فقد روت كتب الحديث والسيرة منها الكثير. وأولها:القرآن الكريم وهو أعظم المعجزات وأقواها، دلالةً على تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الرسل، وذلك من أجل خلوده وبقائه وإعجاز آياته، فهو في واقع الأمر معجزات متعددة متواترة. وهو الذي تحدى به الرسول صلى الله عليه وسلم بلاغة العرب وفصاحتهم على توالي العصور، والذي لم ينقطع إعجازه بعد أن لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، بل يزداد وضوح هذا الإعجاز كلما استنارت عقول الناس وكشفت لهم أسراره وعجائبه. بل تحدى به الإنس والجن، وأخبر بأنهم لن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله في قوله سبحانه:

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} 1.

وقوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} 2.

ومن المعجزات الثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم حنين الجذع. وقد ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما3، وذلك أن الرسول كان يخطب يوم الجمعة على جذع نخلة، فلما كثُر الناس بني له منبر

1 سورة الإسراء، الآية 88.

2 سورة البقرة، الآيتان 23-24.

3 فتح الباري 6/ 601، ودلائل النبوة للبيهقي 6/ 66، ومسند أحمد 5/ 330، ومصنف ابن أبي شيبة 11/ 485، ثم 11797، ودلائل النبوة لأبي نعيم 303 وما بعده، وسنن ابن ماجه 1/ 223، ومجمع الزوائد 1/ 182، وسنن الدارمي 36، والخصائص للسيوطي 2/ 307، وغير ذلك وقد جاءت هذه الحادثة عن جماعة من الصحابة.

ص: 416

فلما تحوَّل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجذع سمع له حنين كحنين الواله؛ حزنًا على فراق الرسول وشوقًا إليه، وما زال يحن حتى نزل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المنبر ومشى إليه فاحتضنه فسكت.

ومنها معجزة انشقاق القمر، وقد رواها ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال: اجتمع المشركون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفيهم: الوليد بن المغيرة وأبو جهل والعاص بن وائل، والعاص بن هاشم، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، وربيعة بن الأسود والنضر بن الحارث ونظراؤهم في التوغل في الكفر والعناد، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فشق لنا القمر فرقتين: نصفًا على أبي قبيس ونصفًا على قعيقعان1.

فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "إن فعلت تؤمنوا" قالوا نعم.

وكانت ليلة البدر، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يعطيه ما سألوا، فأمسى القمر نصفين كما سألوا. فقال صلى الله عليه وسلم:"اشهدوا". فقالوا: سحركم ابن أبي كبشة، فسلوا المسافرين فلو كانوا رأوا ما رأيتم فهو صدق، فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، وإن لم يكونوا رأوا ما رأيتم فهو سحر.

فسألوا المسافرين، وقد قدموا من كل وجه، فقالوا: رأيناه.

فقال الكفار: هذا سحر مستمر يريدون أنه سحر شامل لم يقتصر على أهل مكة وحده بل شمل الناس جميعًا2.

1 أسماء لجبلين الأول في مكة، والآخر في الأهواز.

2 أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة رقم 209 عن ابن عباس، وسنده ضعيف كما في الفتح 8/ 180، لكن صح عند مسلم 8/ 133، والترمذي 2183 من حديث ابن عمر أن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اشهدوا". وقد أخرجه الشيخان عن ابن مسعود وعند الطبراني، وأبي نعيم في الدلائل، رقم 207 عن =

ص: 417

وقد نزل في ذلك قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} 1.

ومنها معجزة نبع الماء من بين أصابعه، ومعجزة تكثير الطعام القليل ببركته، ومعجزة الإسراء والمعراج، ومعجزة شق الصدر. وقد أشرنا إلى الكثير من ذلك في ثنايا الكتاب2.

وأما عن شمائله صلوات الله وسلامه عليه فهي الخلق العظيم الذي وصفه الله

= ابن مسعود قال: انشق القمر فرأيته فرقتين. علقه البخاري في صحيحه بسياق يؤيد رواية ابن عباس. وكان أخرجه هو ومسلم مختصرًا.

وانظر فتح الباري 8/ 183 فقد ذكر لحديث ابن عباس رواية أخرى بسياق آخر من وجه ضعيف وعزاه لجماعة منهم ابن منده في المعرفة 1/ 65. وأخرج الشيخان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أهل مكة أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر.

والحاصل أن معجزة انشقاق القمر ثابتة لا مرية فيها.

وانظر جامع الأصول رقم 8933 وما بعده.

1 سورة القمر، الآيات 1-2-3.

2 نعم، تكلم وتكلمنا معه على حادثتي الإسراء والمعراج، وشق الصدر، وأما نبع الماء وتكثير الطعام فلم يعرج المؤلف عليهما من قبل، وهما صحيحتان، ووقعتا في أكثر من مرة، وانظر كذلك في مسألة تكثير الطعام دلائل النبوة للبيهقي 6/ 83 وما بعدها، فقد ذكر تكثير الطعام في مواضع، منها:

أ- عند أبي طلحة الأنصاري لمَّا دعاه للطعام.

ب- عند أبي أيوب الأنصاري.

ج- في خيمة أم معبد، وقد مضى ذلك في سياق الهجرة.

وغير ذلك.

وانظر في هذا أيضًا صحيح البخاري 337، ومسلم 681، 682.

وأما نبع الماء فقد تكرر أيضًا في أكثر من مرة.

فصح عند البخاري 167، ومسلم 2279 عن أنس، وعندهما كذلك 3383، 1856 عن جابر وذلك في الحديبية، وكذلك عن البراء بن عازب عند البخاري 3384، وفي الباب أحاديث كثيرة.

ص: 418

عز وجل في قوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1.

أجل لقد أدَّب الله رسوله صلى الله عليه وسلم فأحسن تأديبه، ومنحه من كمال الخلق وجميل الصفات ما لم يمنحه لأحد من العالمين. وأمره بأن يكون رمزًا للخير والبر فقال له:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 2.

وقال له في آية أخرى {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} 3.

وقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَاّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} 4.

وقد تواترت الأخبار على حسن امتثال الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره الله به من هذه الصفات الكريمة

فما من حليم إلا عُرِفت له بعض الزلات والهفوات ولكن النبي محمدا صلوات الله وسلامه عليه لم يكن يزداد على كثرة الإيذاء إلا صبرًا وحلمًا.

قالت عائشة رضي الله عنها: ما خُيِّر عليه السلام في أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا. فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله5. ولما فعل المشركون به ما فعلوا في يوم أحد قال:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"6. وفيما يروى عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه

1 سورة نون، الآية 5.

2 سورة الأعراف، الآية 199.

3 سورة الأحقاف، الآية 35.

4 سورة النحل، الآية 127.

5 أخرج الحديث البخاري 3367، ومسلم 2327، ومالك في الموطأ 903، وأبو داود 4785 وغيرهم

6 كما صح ذلك ومضى في مصادر غزوة أحد.

ص: 419

جذبة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عنقه ثم قال: يا محمد، احمل لي على بعيري هذين من مال الله عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا مال أبيك

فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "المال مال الله وأنا عبده".. ثم قال: "ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي" قال: لا، قال: لم؟ قال لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة. فضحك عليه السلام ثم أمر أن يُحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر1.

ولما أسر المسلمون ثمامة بن أثال الحنفي، وكان من عظماء بني حنيفة وجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامله أكرم معاملة وعرض عليه الإسلام فأبى، فأطلق سراحه وهو القادر حينئذ على أن يقتله أو ينكل به، ولما رأى ثمامة هذه المعاملة وهذه المكارم، وجد من العقل أن يفيء إلى الرشد، وألا يمعن في اتباع الهوى ويترك دينًا عماده المحامد، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أشرق الحق في نفسه وخالطت بشاشة الإيمان قلبه. وخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: يا محمدُ، والله ما كان على الأرض من وجه أبغض علي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلي من دينك، فقد أصبح أحب الدين كله إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فقد أصبح أحب البلاد إلي2.

1 أخرج أبو داود 4775 في الأدب، والنسائي 8/ 33 من حديث أبي هريرة نحو هذه الواقعة، وفي سند الحديث ضعف.

لكن صح عند البخاري 5472 وغيره من حديث أنس قال:

كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها الحاشية. من شدة جذبته، قال: يا محمدُ، مُر لي من مال الله الذي عندك.

فالتفت له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر له بعطاء.

2 صحيح البخاري 462، وسيرة ابن هشام 4/ 215، وأسد الغابة 1/ 282، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم 3/ 290، والإصابة لابن حجر 1/ 411 وغير ذلك.

ص: 420

وقد سُرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا بإسلامه لأنه سيد قومه وكلمته فيهم ناقدة وكان إسلامه خيرًا وبركةً على قومه وأساسًا لهدايتهم بعد ذلك إلى الإسلام.

وكان صلوات الله وسلامه عليه أشد الناس حياءً، وأكثرهم عن العورات إغضاءً.

قالت عائشة: كان عليه السلام إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول كذا وكذا بل يقول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا1. فكان ينهى عن الشيء ولا يسمي فاعله.

وكان عليه السلام يُؤلف الناس ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويتفقد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبًا حتى لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المتصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول. وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، وكان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخَّاب ولا فحَّاش ولا سبَّاب. قال سبحانه.

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} 2. وقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} 3.

1 قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار 3/ 142، رواه أبو داود بسند رجاله رجال الصحيح.

2 سورة آل عمران، الآية 159.

3 سورة فصلت، الآية 34.

ص: 421

وكان عليه السلام يجيب من دعاه ويقبل الهدية مهما كانت ويكافئ عليها بمثلها أو بأحسن منها، وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويلاعب صبيانهم ويجالسهم في حجره، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر، وكان يبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم يُر قط ماداً رجليه بين أصحابه،حتى يضيق بها على أحد، وكان يُكرم من يدخل عليه ولا يدعوهم بأسمائهم تكرمةً لهم1.

وأما الشفقة والرحمة بجميع الخلق فقد وصفه الله بها في قوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} 2، وقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 3.

وقد روي أن أعرابيًا جاءه يطلب منه شيئًا، فأعطاه ثم قال:"أأحسنت إليك؟ " قال الأعرابي: لا، ولا أجملت.

فغضب المسلمون وقاموا إليه. فأشار إليهم أن كُفوا.. ثم قام ودخل منزله وأرسل إليه وزاده شيئًا ثم قال: "أأحسنت إليك؟ " فقال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا. فقال عليه السلام: "إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك"، قال: نعم. فلما كان الغد أو العشي جاء، فقال عليه الصلاة والسلام:" إن هذا الأعرابي قال ما قال، فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟ " قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا. فقال عليه السلام: "مثلي ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا، فناداهم صاحبها: خَلُّوا

1 وكل ذلك صح من أوجه كثيرة وانظر الشمائل 1/ 211 للترمذي، وما بعدها.

2 سورة التوبة، الآية 128.

3 سورة الأنبياء، الآية 107.

ص: 422

بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها منكم وأعمل فتوجه لها بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض فردها، حتى جاءت واستناخت، وشدَّ عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيثُ قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار"1.

وأما تواضعه عليه السلام مع ما أكرمه الله به من النبوة ورفعة الدرجة والمكانة. فقد كان أشد الناس تواضعًا وأبعدهم عن الكبرياء والغرور، ولا غرو فقد خيَّره الله أن يكون نبيًا ملكًا أو نبيًّا عبدًا، فاختار أن يكون نبيًّا عبدًا.

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما متوكئا على عصاه فقاموا، فقال:"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا"2. وقال: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد" 3. وكان يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله"4.

وأما عن زهده فقد نظر إلى الدنيا على أنها وسيلة وممر، ونظر إلى الآخرة

1 لم أقف عليه من وجه صحيح، وانظر الشفا للقاضي عياض 1/ 253 ومناهل الصفا للحمزاوي 2.

على أنه يوجد في الأحاديث الصحيحة ما يغني عن مضمونه.

2 أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 585 وأبو داود 5230، والقاضي عياض في الشفاء 1/ 130، والسمعاني في أدب الإملاء 34، والطبراني في الكبير 8/ 334، وابن حبان في المجروحين 3/ 159 وآخرون منهم أحمد في المسند 5/ 253 وغيرهما ولكن يغني عنه ما أخرجه مسلم 1/ 309 عن جابر قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا خلفه وهو قاعد

الحديث وفيه: "إن كدتم لتفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا

".

وفي الباب غير حديث جابر أيضًا.

3 جاء الحديث من أوجه يصح بها، وانظر: اتحاف السادة المتقين 5/ 214، 7/ 116، 8/ 393، والزهد لابن المبارك ص 553، والكامل لابن عدي 5/ 1971، وتاريخ أصفهان 2/ 273، وغير ذلك.

4 صحيح البخاري 6442 من حديث ابن عباس.

ص: 423

على أنها غاية ومستقر. وقد استجاب عن رضا وإيمان لما أمره الله به في قوله:

{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 1.

وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: ما شبع عليه السلام ثلاثة أيام تباعًا من خبز حتى مضى لسبيله2.

وتقول: ما ترك عليه السلام دينارًا ولا درهمًا ولا شاةً ولا بعيرًا.

وقد مات وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في ردف لي3.

وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عُرض علي أن تجعل لي بطحاء مكة ذهبًا فقلت: لا يارب. أجوع يومًا وأشبع يومًا، فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك"4.

وقالت عائشة: إنَّا كنا -لآل محمد- لنمكث شهرًا ما نستوقد نارًا. إن هو إلا التمر والماء5.

وقالت عائشة: لم يمتلئ جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعًا، وإن كان ليظل جائعًا حتى كنت أبكي؛ رحمةً له مما أرى به، وأمسح بيدي على بطنه مما أرى به من الجوع وأقول له: نفسي لك الفداء لو تبلّغت من الدنيا ما يقوتك!!

1 سورة الحجر، الآية 88.

2 أخرجه البخاري 5100، ومسلم 2970 وغيرهما.

3 شطره الأول أخرجه مسلم 1635، وأبو داود 2863، والنسائي 6/ 240 وابن ماجه 2695 وغيرهم.

والباقي وقع في بعض طرقه وانظر إتحاف السادة 7/ 211.

4 أخرجه الترمذي في سننه 11348 وقال: حديث حسن.

5 أخرجه البخاري 5100 ومسلم 1635 وغيرهما.

ص: 424

فيقول: "يا عائشةُ، مالي وللدنيا؟ إخواني من أولي العزم من الرسل صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم فأكرمهم مآبهم وأجزل ثوابهم. فأجدني أستحي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي غدًا دونهم، وما من شيء أحب إلي من اللحوق بإخوتي وأخلائي"1.

وكانت عبادته لربه على قدر علمه بما أعد الله من ثواب للمؤمنين المخلصين من عباده، وما أعدَّ من عقاب للمذنبين الضالين، ولذا كان يقول:"والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى"2.

وهكذا كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم تنفيذًا علميًا لما وصاه الله به في كتابه العزيز، وهي الوصايا التي ذكرنا طرفًا منها والتي تنتظمها تلك الكلمة الجامعة المأثورة عنه حيث قال:"أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، القصد في الغنى والفقر، وأن أعفو عمن ظلمني، وأعطي من حرمني، وأصل من قطعني، وأن يكون صمتي فكرًا، ونطقي ذكرًا، ونظري عبرًا"3.

1 انظر جامع الأصول 4/ 121 رقم 2792 وما بعده من الأحاديث الكثيرة في ذكر ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد، والتقلل من الدنيا.

وانظر كذلك شمائل الرسول 1/ 211 للترمذي، وغيره من الكتب وفصولها في ذلك نجد العجب العجاب.

2 بهذا التمام أخرجه الترمذي 2313، وابن ماجه 4190 وأحمد في المسند 5/ 173، وقال الترمذي: حديث حسن. وكان أخرجه عن أبي ذر.

وأول الحديث عند البخاري 4345 وغيره من حديث أبي هريرة.

3 هكذا هو في العقد الفريد 2/ 417.

وقد جاءت كل خصلة من هذه الخصال في غير حديث، فمعناه صحيح.

ص: 425