الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
شريعة الله إلى الناس واحدة، ورسالته إلى الأنبياء خالدة، تمتد جذورها إلى الإنسان الأول وهو آدم أبو البشر. وتنتهي فروعها بانتهاء هذا الجنس البشري، وقيام الناس لرب العالمين.
وإذا كان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل والأنبياء؛ فإن رسالته لا تزال متصلة إلى يوم الناس هذا، يحملها خلفاؤه والعلماء من أمته على توالي الأجيال والقرون
…
ولقد شرع الله للإنسانية دينًا واحدًا في جوهره وأصوله، لم يتغير بتغير الأنبياء. ولم يتبدل باختلاف الأزمنة والعصور؛ بل كان أساسه توحيد الله والإخلاص في عبادته، وكانت دعائمه توزيع العدالة بين الناس، وتنظيم العلاقة بين الفرد والجماعة، وتربية الضمير1 الديني ليكون بين يدي الناس ومن وارئهم قانونًا يحكم ويلزم، ويراقب ويحاسب.
وهكذا كان الأنبياء جميعًا منذ أبيهم آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم
1 أي الوازع الديني، من محبة الله تعالى وفعل الخيرات طمعًا في جنته، وترك المنكرات والآثام، خوفًا من عقابه.
وأما ما شاع عند العامة من أن الضمير هي إرادة الخير، وعدم الإضرار بالآخرين، وإنها تنشأ عند كل إنسان عاقل؛ فشيء لا حقيقة له، والواقع ينقضه، وحسبنا قول الله تعالى:{إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَاّ الْمُصَلِّينَ} .
ولذلك كان لا بد لصلاح الفرد من تربية دينه، تسدد خطاه، وتنير دربه.
هم الظل الظليل الذي هيأه الله ليفيء1 الناس إليه، وينعموا به جيلًا بعد جيل. بل هم المنارات الساطعة التي تظهر معالم الحق، وتكشف المكنون من الأسرار، وتضع أبصار الناس وبصائرهم على طريق الهدى والنور..
وإلى هذا المعنى الذي تحدثنا عنه وهو اتحاد الديانات السماوية في جوهرها وأصولها، يشير القرآن الكريم في مثل قوله تعالى في سورة الشورى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} 2، وفي مثل قوله في سورة النساء:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} 3.
ويسوغ لنا على هذا الأساس أن نعتبر الكتب السماوية جميعًا ومن حيث ما تتضمنه من المبادئ الدينية الأساسية والمثل الأخلاقية كتابًا واحدًا تتعدد أبوابه ولكن تتوحد أهدافه ومراميه، وتختلف الأساليب في فصوله ولكن تتفق دلالاته ومعانيه، ولعل هذا هو ما يفهم من القرآن الكريم حينما يتحدث عن الدين بوجه عام فيقول:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} 4، ويقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ
1 ليرجع.
2 سورة الشورى، الآية 13.
3 سورة النساء، الآيات 163 - 164 - 165.
4 سورة آل عمران، الآية 3.
دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} 1، ويذكر وصية إبراهيم لبنيه حينما قال لهم:{يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 2.
فالإسلام هو الدين الخاص الذي يدعو إلى عبادة الله، والانقياد لأمره وتقواه، مهما تعدد الأنبياء وكثرت الدعاة.
ولأن مشيئة الله سبحانه قد سبقت بأن يجعل دين محمد صلى الله عليه وسلم دين العالمين؛ فقد أخذ الله العهد والميثاق على الأنبياء بأن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إن جاءهم، مصدقًا لما أنزل عليهم. وكان معنى ذلك تنبيه الأمم والشعوب التي ستدرك زمن محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به والتصديق بدعوته؛ لأنها دعوة الحق الذي لا يأتيه الباطل، ولأنهما الدعوة العالمية التي كتب الله لها الخلود ما دامت السموات والأرض وما بقي هذا الوجود..
ولا ريب أن سيرة هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم إنما هي الأساس الكامل لدعوته الكريمة التي أضاءت المشارق والمغارب، وملأت العالم بالهدى والنور. ومن أجل ذلك كانت أهمية هذه السيرة الوضاءة العطرة للمسلمين بل للإنسانية جمعاء حيث تناقلتها الأمم والشعوب جيلًا بعد جيل. ثم سجلت بعد ذلك على مختلف
1 سورة آل عمران، الآية 85.
2 سورة البقرة، الآية 132.
3 سورة آل عمران، الآية 81.
العصور في كتب يضيق بها الحصر والتعداد، وسوف تظل الكتابة فيها متصلة الحلقات إلى أن تنفطر السماء وتنكدر النجوم وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات.
وواجب المؤرخ الذي يتصدى للسيرة النبوية أن يستضيء أول ما يستضيء بكتاب الله عز وجل، ثم يلي ذلك في الأهمية كتب السنة الصحيحة.. ولكن القرآن الكريم والسنة النبوية لا يتعرضان إلا لبعض النواحي الخاصة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ويتعرضان لها في إجمال يحتاج إلى كثير من التوضيح والتفصيل.
ومن هنا كان لا بد من المراجع الأساسية في التاريخ1. وأهما: سيرة ابن هشام 2 وتاريخ الأمم والملوك للطبري3. وقد نقل هذان كتابيهما عن كتاب ابن إسحاق في السيرة4، والطبقات الكبرى لمحمد بن سعد 5 في جزءيه
1 بعد أن تخضع جميع رواياتها للنقد العلمي، وبيان الصحيح من غيره منها.
2 هو أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري، المتوفى سنة 213 أو 218 هجرية على خلاف في ذلك.
3 هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310 هجرية.
4 ابن إسحاق، هو محمد بن إسحاق بن يسار، أبو عبد الله المدني القرشي، المتوفى سنة 150 للهجرة، أو بعدها بقليل، على خلاف في ذلك.
وأما قول المؤلف بأن الطبري، وابن هشام أخذا كتابيهما من كتاب ابن إسحاق، ففيه نظر، فابن هشام، نعم، أخذ سيرة ابن إسحاق، ورواها جميعها عنها، وكان يضيف الشيء اليسير من تعليقاته على بعض فقراتها.
أما الطبري فربما حدث عن ابن إسحاق وربما حدث عن غيره، وله أسانيده الخاصة به في كتابه، التي هي في الغالب أحسن من أسانيد ابن إسحاق، وإن كان الطبري قد جاء بعده بزمان.
هذا في القدر المتعلق بالسيرة.
فإذا رجعنا لكتاب "تاريخ الأمم والملوك" جميعه؛ فإنه ينتهي فيه التأريخ في فواتح القرن الرابع الهجري، فهو أرخ لأكثر من مائتي سنة بعد وفاة ابن إسحاق أيضًا في كتابه المذكور، فكيف ينقل عنه!.
5 المشهور بـ "كاتب الواقدي". المتوفى سنة 230 هجرية، وكتابه اسمه "الطبقات الكبرى"، ذكر فيه السيرة النبوية، ثم أرخ لأهم الصحابة، والتابعين فمن بعدهم حتى زمانه، وترجم لكل راوٍ بشيء يذكر عنه، أو يروي من طريقه.
وقد قمت منذ سنين بجمع جميع ما وقع فيه من الأحاديث والسيرة المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورتبتها في كتاب سميته:"سنن النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه".
الأول والثاني، وتاريخ اليعقوبي1، و "مروج الذهب" للمسعودي2 و "الكامل" لابن الأثير3، و "البداية والنهاية" لابن كثير4، وكتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر" لابن خلدون5.. إلى غير ذلك من المراجع الأصلية6.
ولا بد لمن يؤرخ السيرة -مع ذلك- من الرجوع إلى ما كتبه المؤرخون المحدثون، حتى يستنير بآرائهم الصائبة أو يضيف إليها -بقدر المستطاع7 -ما يمكن أن يهتدي إليه من آراء جديدة.. أو يفند ما جاء في بعضها من الآراء التي لا تستند إلى أساس سليم8.
1 هو أحمد بن أبي يعقوب موسى بن جعفر بن وهب، الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي، المتوفى بحدود سنة 252 هجرية، وكتابه اسمه "البلدان" يقع في مجلدين.
2 هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، المتوفى سن 345 هجرية، ولكن في كتابه "مروج الذهب" أشياء يحذر منها.
3 أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري، الملقب بعز الدين، المتوفى سنة 630 هجرية، وله أخوان إمامان مثله.
4 أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، المتوفى سنة 774 للهجرة، وكتابه من أحسن هذه الكتب، وأكثرها فائدة، وأصحها نقلًا.
5 هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الإشبيلي، المتوفى سنة 808 هجرية، وقد وقع في كتابه ما انتقده عليه الحافظان الهيثمي وتلميذه ابن حجر العسقلاني؛ لكنه ليس بالشيء الكثير.
انظر "انباء الغمر بأبناء العمر" 5/ 227 وما بعدها، مع الحواشي على الكتاب.
6 كالسيرة النبوية للحافظ الذهبي التي في أوائل "تاريخ الإسلام" و "سير أعلام النبلاء"، وانظر ما ألف في هذا الموضع في "الرسالة المستطرفة" ص 197 وما بعدها.
7 أي يضيف بعض التحليلات والاستنباطات والعبر والأحكام والنقد، وإلا فإن السيرة لا تؤخذ إلا بالنقل الصحيح.
8 وهو ما نسعى إليه جاهدين في تعليقاتنا هذه، إن شاء الله تعالى.
ومن أبرز هؤلاء المؤرخين المرحوم الشيخ محمد الخضري في كتابه نور اليقين في سيرة سيد المرسلين والمرحوم الدكتور محمد حسن هيكل في كتابه حياة محمد، والأستاذ محمد عزة دروزة في دراسته عن عصر الرسول وحياته، وهي دراسة متينة اتخذ صاحبها القرآن الكريم مصدرًا أساسيًا لدراسة السيرة النبوية، فوصل في دراسته إلى نتائج موفقة، والدكتور صالح أحمد العلي المؤرخ العراقي الذي اعتمد -كذلك- في دراسته لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم على القرآن الكريم وأجاد في ذلك أيما إجادة، واللواء الركن الحاج محمود شيت خطاب في كتابه "الرسول القائد"1.
ويعتبر هذا الكتاب2 - فيما أرى- خير ما كتب عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم لما فيه من تحليل دقيق لمواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في سائر الغزوات وتفصيل واضح لقيادته، وكيف كانت هي القيادة الرشيدة التي يمكن أن يستنير بها القادة والزعماء على توالي الأزمنة والعصور.
وكتاب "فقه السير" للشيخ محمد الغزالي وهو كتاب يمتاز بعمق الفكرة ورصانة الأسلوب والرأي الحر الذي يعتمد على أساس متين من الإيمان3.
ومن المعروف أن المستشرقين الغربيين قد تناولوا حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما تناولوا من الأبحاث عن التاريخ الإسلامي؛ ولكن روح التعصب والتحامل كانت
1 ولعل هذا الأخير هو أحسنها وأنفعها؛ لا سيما من النواحي العسكرية الحربية، هذا، ولا يفوتنا أن نذكر هنا أنه وقع في هذه الكتب أشياء غير قليلة منتقدة.
2 يعني "الرسول القائد".
3 كذا قال، ونحن نسأل الله أن يكون كذلك؛ ولكن الإيمان، لا يحكم فيه لأحد من البشر، غير من وصفهم الله تعالى به، كائنًا من كان. على أنه أيضًا يوجد في الكتاب تعقيبات لمتعقب، كما لا يخلو من ذلك كتاب من تأليف الناس.
تطغى على معظم كتاباتهم. ومن أبرز هؤلاء الذين كتبوا عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليم موير وكايتاني.
وهناك طائفة تميزت بالاعتدال والإنصاف وعدم التعصب ومنهم تور أندريه في كتابه محمد الرجل وإيمانه، ومونتجمري وات في كتاب محمد في مكة. ولكن مهما كان الأمر؛ فإننا يجب أن ننظر في كتاباتهم بحيطة وحذر.
ومن المعروف أيضًا أن كتب السيرة -كغيرها من سائر الكتب الإسلامية - قد دست إليها في عصور التدوين الأولى بعض المفتريات، وكان أساسها هؤلاء الذين أسلموا ظاهرًا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، أو دخلوا في الإسلام ولم تكتمل معرفتهم بكل مبادئه وآدابه.
ومن الحق علينا أن نصفيها مما علق بها من الشوائب والرواسب، أو نطرحها جانبًا إن كانت خبيثة الجوهر فاسدة العنصر، مهما كانت خادعة المظهر، ومهما لبست من ثياب براقة زاهية.
على أن ذلك كله في نطاق محدود1 ويجب أن يكون بعيدًا عن المعجزات الثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم فإن هذه المعجزات كشق الصدر وانشقاق القمر، إلى غير ذلك من سائر المعجزات التي صحت نسبتها ورجحت روايتها لا ينبغي أن تناقش في ضوء المنطق وعلى أساس من الأسباب والمسببات وإلا لما كانت معجزات.
أما المعجزات التي لم تصح نسبتها ولم ترجح روايتها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنى عنها، ولا ينبغي أن نتمسك بها.
وسبيلنا في هذا الكتاب أن نتبع حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم نقف عند الأحداث
1 مقيد بالقواعد الشرعية.
البارزة فيها وقفات طويلة. ونستعرض ما يتسنى لنا من آراء، ثم نرجح ما نختاره في ضوء المنطق السليم والبرهان القويم.
وقد قسمنا هذا الكتاب إلى عدة فصول، وراعينا في تقسيمه التسلسل الطبيعي الذي تقتضيه حياة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ فجر حياته إلى أن انتهى يومه الذي قدره الله له في هذه الدنيا ولحق بالرفيق الأعلى.
وكان لا بد لنا أن نقدم بين يدي السيرة النبوية مقدمات تمهد للقارئ الطريق، حتى يمكن أن يتمثل الجو الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم والأساس الذي يرجع إليه، والبيئة التي نشأ فيها. وقد تكلمنا في هذه المقدمات عن العرب المستعربة في مكة، وعن الديانة في شبه الجزيرة العربية، ودخول الوثنية وانتشارها بها، وعن المجتمع العربي قبل الإسلام، وعن اليهودية والنصرانية في بلاد العرب وما لحق بهما من تغيير وتبديل، وما أصابهما من فساد أخرجهما عن فطرة الله، ونأى بهما عن الحق الذي أنزله الله، وكيف دخلت هاتان الديانتان في بلاد العرب لينشب الصراع بين هذه الديانات جميعا، وذلك حتى يتبين للقارئ مدى الفوضى التي كان يعيش فيها العرب قبيل الإسلام، وكيف كانت الظروف تتطلب المنقذ الذي يرفع لواء الحق ويؤلف قلوب الناس إليه.
وبعد..فهذه صحف لم تكتب إلا لطلاب العلم والباحثين في التاريخ ومن يهتمون بالحق لوجه الحق وحده، لأني إنما أردتها وقصدت بها إلى هؤلاء النفر من الناس، ولأنها ليست صورًا يتخيلها كاتب ثم يسجلها يبتغي بذلك إمتاع القارئ وتسليته، ويخدعه بزخرف القول وبريق الأسلوب فيمشي في وميضه، دون أن ينظر إلى جوهر الحق وجلاله الوضَّاء، ولكنها دراسات وتأملات فيما حوته كتب التاريخ والسير من أنباء وروايات.
ونريد هنا أن نلقي عليها الأضواء الكافية، حتى يتميز الخبيث من الطيب، وحتى تتكشف الحقائق سليمة من الزيف والمرض، بعيدة عن الهوى والغرض
…
ونحن لا ندعي الحِيدَة الكاملة؛ لأنها أمنية بعيدة المنال، ولا يمكن لإنسان أن يجرد نفسه بصورة مطلقة من العواطف التي كثيرًا ما توجه الأفكار والمشاعر.
ولكننا سوف نحاول أن نلتزم الحِيدة بقدر ما نستطيع، ونتخذ لذلك كل الأسباب الموصلة.
ومن الله العون وبه التوفيق.
د. محمد الطيب النجار
مصر الجديدة في:
شوال سنة 1398 هـ.
سبتمبر سنة 1978م.