الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيتبين لنا مدى ما طرأ على هاتين الديانتين من تغيير وتبديل أفسدهما وقضى على جوهرهما الأصيل.
اليهودية في بلاد العرب:
يرجع اليهود في نسبهم إلى إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام ولذا يسمون بالإسرائيليين أو بني إسرائيل. ويسمون -كذلك- باليهود نسبة إلى يهوذا أحد أولاد يعقوب، أو لأنهم بعد أن أضلهم السامري عن الحق هادوا إلى الله أي رجعوا إليه وتابوا وطلبوا من الله أن يغفر لهم1.
ويذكر المؤرخون عن أبناء يعقوب أنهم كانوا يترددون على مصر طلبًا للتجارة أحيانًا، وطلبًا للقوت أحيانًا أخرى، وحينما أجدبت بلادهم في فلسطين ولّوا وجوههم شطر مصر يلتمسون الغوث والعون، وكان أخوهم يوسف عليه السلام قد استقر به المقام في مصر بعد أن أنجاه الله من مكرهم وكيدهم، ومكن الله له فيها حتى أصبح أمينًا على خزائنها، وأخيرًا تعرفوا عليه وطلب إليهم أن يأتوه بأهلهم أجمعين. وحينئذٍ هاجر يعقوب مع أولاده إلى مصر وكان عددهم مع ذريتهم ستة وستين، وقد هيأ لهم يوسف المكان الطيب، وأجريت عليهم الأرزاق الوفيرة، وعاشوا بها عيشًا رغدًا إلى أمد معلوم، ثم كتب الله عليهم الجلاء عن مصر بعد أن اضطهدهم فرعون فخرجوا منها سنة 1220 ق. م. تحت قيادة سيدنا موسى عليه السلام وقطعوا شبه جزيرة سيناء إلى أرض كنعان. وقد أسسوا بها مملكة عظيمة. وكان من ملوكهم داود وسليمان، عليهما السلام2.
1 ويؤيد هذه النسبة قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} ، وقد ذكر الذين هادوا في القرآن في عشرة مواضع.
2 انظر هذه القصة مستوفاة في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير 1/ 80-110، وغيره.
وقد انقسم اليهود على أنفسهم بعد وفاة سليمان عليه السلام وكانت لهم مملكتان في فلسطين إحداهما مملكة يهوذا بالجنوب وعاصمتها أورشليم. والأخرى مملكة إسرائيل بالشمال وكانت عاصمتها السامرة وهي التي قامت على أنقاضها نابلس، وفي حوالي سنة 70م -وكان الرومان هم أصحاب النفوذ والسلطان- اضطهد الرومان اليهود واشتد بهم التعذيب فاضطروا إلى الهجرة وهاموا على وجوههم في صحراء بلاد العرب حتى استقروا في أماكن متفرقة من بلاد الحجاز.
وقد ذهب إلى هذا الرأي ورجحه مؤرخ عراقي معاصر. وذلك حيث يقول1: إن ما ورد في روايات أهل الأخبار من هجرة بعض اليهود إلى أطراف يثرب وأعالي الحجاز على أثر ظهور الروم على بلاد الشام وفتكهم بالعبرانيين وتنكيلهم بهم. يستند إلى أساس تاريخي صحيح، فالذي نعرفه أن فتح الرومان لفلسطين أدى إلى هجرة عدد كبير من اليهود إلى الخارج، فمن المعقول أن يكون يهود الحجاز من نسل أولئك المهاجرين ومنهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة.
وأما عن مساكن اليهود فبعضها كان بداخل المدينة، وبعضها كان قريبًا منها، وبعضها كان بعيدًا عنها.
فبنو قينقاع كانوا يسكنون داخل المدينة في محلة خاصة بهم، وبنو النضير كانت مساكنهم بالعالية بوادي بطحان على بعد ثلاثة أميال من المدينة، وكان مكانًا عامرًا بالزروع والنخيل. وبنو قريظة كانوا يسكنون بمنطقة مهزور وهي تقع على بعد قليل من جنوب المدينة.
1 "تاريخ العرب قبل الإسلام" 1/ 10 للدكتور كمال علي.
ومن بين اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة وضواحيها بطون صغيرة كبني عكرمة وبني ثعلبة وبني محمر وبني زعورا وبني عوف وبني بهدل وبني القصيص وغيرهم. وكانت هذه البطون الصغيرة تابعة في سياستها لبني قينقاع وبني النضير وبني قريظة1.
وأما يهود خيبر فكانوا يسكنون في واحة كبيرة في الشمال الشرقي للمدينة وبينها وبين المدينة ستة وتسعون ميلًا. وكانت ذات حصون قوية، وبها مزارع وبساتين ونخيل كثيرة.
وكان اليهود يشتغلون بالتجارة وقد برعوا فيها حتى كانت تجارة الشعير والقمح والتمر والخمر تكاد تكون وقفًا عليهم، وكذا صناعة الصياغة وصناعة الدروع وآلات الحرب والقتال، وكانت معظم معاملاتهم مع غيرهم تقوم على المراهنات وتعاطي الربا، مما جعلهم يتحكمون في الأسواق ويحتكرونها لمصلحتهم ومنفعتهم2.
وكان يقيم على مقربة منهم قبيلتان من العرب الذي هاجروا من بلاد اليمن على أثر انهدام سد مأرب وهما قبيلتا الأوس والخزرج.
وكان النزاع دائمًا بين العرب واليهود لأن اليهود يحاولون الاستيلاء على الأرض المجاورة للمدينة والاستئثار بزراعتها، ولكن الأوس والخزرج يحولون بينهم وبين هذا الغرض مما أثار حقد اليهود ومؤامراتهم على هاتين القبيلتين ولكن كانت الغلبة دائمًا للعرب على الرغم مما عرض لهم من تفرق الكلمة وتشقق الوحدة.
1 "بنو إسرائيل في القرآن والسنة" 1/ 77 للدكتور محمد الطنطاوي.
2 المرجع السابق، وثمة في السيرة نصوص كثيرة تؤيد هذا.
ولم تكن المحاولات اليهودية مقصورة على الحجاز بل كان بالجنوب دعاية يهودية قوية نشأ عنها اعتناق كثير من القبائل لليهودية منهم بنو كنانة وكندة وبنو الحارث بن كعب.
وقد شاعت اليهودية في حمير وكان من أكبر المتحمسين لنشرها ذو نواس الحميري الذي اضطهد المسيحيين في نجران، مما أدى إلى الصدام بين اليهودية والمسيحية ومما ساعد في النهاية على تدخل الأحباش -المسيحيين- واستيلائهم على بلاد اليمن.
واليهودية في حقيقتها الأولى دين سماوي مستمد من التوراة التي نزلت على نبي الله موسى بن عمران وفيها موعظة وتفصيل لكل شيء. وبها من الآداب الاجتماعية والمثل الأخلاقية ما يطهر النفوس ويحيي القلوب، وتسعد في ظلاله الأمم والشعوب. وفي ذلك يقول الله لنبيه موسى عليه السلام بعد رسالته:{يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 1.
واليهودية -كما نزلت على موسى- ديانة توحيد. تتصف فيها الذات الإلهية بصفات الوحدانية الكمال والتجرد من النقص ومخالفة الحوادث في كل شيء. أو بعبارة أخرى هي والإسلام سواء، ولكن في عصر تدوينهم للتوراة بعد فقدها طرأت على فكرة الألوهية انتكاسة كبيرة، فتصوروا الله تعالى في صورة مجسمة ووصفوه بكثير من صفات النقص والضعف والغفلة والجهل. فيقولون: إن الرب حزن لأنه خلق الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، وإنه نزل لينظر المدينة
1 سورة الأعراف، الآية 144.
والبرج، وإنه نزل ذات ليلة وتصارع مع يعقوب فلم يقدر عليه1.
ثم اعتقد بنو إسرائيل بعد ذلك بتعدد الآلهة فكانوا يرون أن إلههم خاص بشعب بني إسرائيل ويختلف عن آلهة الشعوب الأخرى، وأنهم هم أولاده وأحباؤه2. بل اعتقدت بعض فرقهم بوجود ابن لله كما اتخذت بعض الفرق الأخرى أحبارها أربابًا من دون الله، وتنكر بعض فرق اليهود للبعث ويعتقدون أن عقاب العصاة وثواب المتقين يقع في حياتهم، وتذهب بعض فرقهم -كذلك- إلى أن الصالحين من الأموات هم الذين سيبعثون إلى الدنيا مرة ثانية ليشتركوا مع المسيح الذي سيبعث في آخر الزمان لينقذ الناس من الضلال ويدخلون جميعًا في ديانة موسى3.
ولم يكتف اليهود بما ورد في تلكم التوراة التي وضعوها بأيديهم كما يشاءون، بل أخذوا يفسرونها -وهي الزائفة المحرفة- حسب أهوائهم وشهواتهم وتوسعوا في شرحها وحولوها إلى تعاليم محددة.
وقد أخذوا هذه التفسيرات من مصدرين أساسيين هما: تلمود أورشليم وكان موجودًا في فلسطين سنة 230م.
والثاني: تلمود بابل وكان موجودًا في بابل سنة 50 م.
وقد زيد عليهما بعد ذلك، وتتوالى الزيادة بتوالي الأزمنة والعصور، وهم يقدسون التلمود ويعتبرونه أهم من التوراة، ويقولون فيه: إن من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت وإنه لا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود وتمسك
1 سفر التكوين، الإصحاح 6/ 11.
2 كما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك عنهم في القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 18 قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
…
} .
3 انظر "محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن" ص145 للطهطاوي.
بالتوراة وحدها لأن أقوال علماء التلمود كما يزعمون أفضل مما جاءت به شريعة موسى.
ومما يدعو إلى العجب والغرابة ويدل على السفه والغواية والحمق والاضطراب أنهم ينسبون إلى الأنبياء والمرسلين أعمالًا قبيحة تتنافى مع وضعهم الديني، فينسبون إلى موسى عليه السلام أنه أوصى قومه ليلة خروجهم من مصر أن يسرقوا من المصريين حليهم وأمتعتهم ففعلوا1. وينسبون إلى هارون أخي موسى أنه صنع عجلًا وعبده مع بني إسرائيل2. وينسبون إلى إبراهيم عليه السلام أنه قدم امرأته سارة إلى فرعون حتى ينال الخير بسببها3.
وواضح أن تلك الأكاذيب يراد بها أن تتوجه الأنظار إلى أحبار اليهود وأن يكون الإيمان بهم أقوى من الإيمان بالرسل والأنبياء. وهي نزعة مادية خبيثة تكمن وراءها أغراض خسيسة. وهذه الأغراض يكشف عنها التلمود وما جاء فيه من القبائح والرذائل، وما يهدف إليه من سيادة اليهود على العالم كله؛ لأن أرواحهم تتميز عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله4، ولأنهم أساس الخير والبركة على وجه الأرض وأن الفرق بينهم وبين غيرهم من الأمم هو كالفرق بين الإنسان والحيوان، إلى غير ذلك من المبادئ الهدامة التي تدل على ما يحمله هؤلاء الناس من عداوة وحقد ضار على البشرية جمعاء وعلى سائر الأمم في هذا الوجود.
1 سفر الخروج، إصحاح 12 عدد 35.
2 سفر الخروج، إصحاح 32.
3 سفر التكوين، إصحاح 12.
4 بزعمهم.