الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:
وجه الرسول صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي بكتاب إلى قيصر الروم، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليوصله إليه، وقد جاء في هذا الكتاب1:"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين"2.
1 كما أخرجه البخاري في صحيحه 2941، ومسلم ص 1393 وغيرهما من حديث ابن عباس.
2 الأريسيين: الفلاحين، وقيل الخدم والحشم. وقيل: جماعة الروم.
3 سورة آل عمران، الآية 64.
موقف هرقل من كتاب الرسول:
ولما وصل هذا الكتاب إلى هرقل قال1: انظروا لنا من قومه أحدًا نسأله عنه وكان أبو سفيان بن حرب بالشام مع رجال من قريش في تجارة -فجاءت رسل قيصر لأبي سفيان ودعوه لمقابلة الملك، فأجاب، ولما قدموا عليه في القدس قال لترجمانه: سلهم أيهم أقرب نسبًا بهذا لرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا: لأنه لم يكن في الركب من بني عبد مناف غيره: فقال الملك له:
1 هذا تتمة الحديث الصحيح الماضي عن ابن عباس. فإن كان من شيء ليس في الصحيح نبهت عليه.
ادن مني. ثم أمر بأصحابه فجعلوا خلفه. ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه: إنما قدمت هذا أمامكم لأسأله عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، وقد جعلتكم من خلفه كيلا تخجلوا من رد كذبه إذا كذب، ثم سأله: كيف نسب هذا الرجل فيكم؟..
قال: هو فينا ذو نسب. قال: هل تكلم بهذا القول أحد منكم قبله؟ قال: لا. فقال الملك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قال: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فأجاب أبو سفيان: بل ضعفاؤهم. قال الملك: فهل يزيدون أم ينقصون؟ قال: بل يزيدون. قال: هل يرتد أحد منهم سخطة1 لدينه؟ قال: لا. قال: هل يغدر إذا عاهد؟ قال: لا، ونحن الآن منه في ذمة2 لا ندري ما هو فاعل فيها. قال الملك لأبي سفيان: فهل قاتلتموه؟ قال: نعم. قال: فكيف حربكم وحربه؟ قال: الحرب بيننا وبينه سجال، مرة لنا ومرة علينا. قال: فبِمَ يأمركم؟ قال: يقول: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهى عمّا كان يعبد آباؤنا، ويأمر الصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة
…
وبعد أن انتهى الملك من أسئلته لأبي سفيان وجه إليه الكلام قائلًا إني سألتك عن نسبه، فزعمت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تُبعث في نسب قومها
…
وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فزعمت: أن لا، فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يأتم بقولٍ قيل قبله. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت: أن لا، فقلت: ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فقلت: لا. فلو
1 كراهية.
2 يريد صلح الحديبية.
كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك: أأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: ضعفاؤهم. وهؤلاء هم أتباع الرسل. وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون؟ فقلت: بل يزيدون. وكذلك الإيمان حتى يتم. وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه؟ فقلت: لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك: هل قاتلتموه؟ فقلت: نعم، وإن الحرب بينكم وبينه سجال.
وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة. وسألتك: بماذا يأمر؟ فزعمت: أنه يأمر بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت: أن لا. وكذلك الرسل لا تغدر. فعلمت أنه نبي. وقد علمت أنه مبعوث، ولم أظن أنه فيكم، وإن كان ما كلمتني به حقًّا فسيملك موضع قدمي هاتين، ولو أعلم أني أخلص إليه لتكلفت ذلك.
قال أبو سفيان: فعلت أصوات الذين عنده وكثر لغطهم، فلا أدري ما قالوا وأُمر بنا فأخرجنا
…
فلما خرج أبو سفيان مع أصحابه قال: لقد بلغ أمر ابن أبي كبشة1 أن يخافه ملك بني الأصفر.
ولما سار هرقل إلى حمص أذن لعظماء الروم أن يلتقوا به، ثم أمر بالأبواب، فأغلقت، ثم قال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟
فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها مغلقة.
فلما رأى الملك نفرتهم قال: ردوهم علي، فقال لهم: إني قلت مقالتي كي أختبر بها شدتكم على دينكم.
1 يعني النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبب هذه التسمية أقوال.