الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلامي وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيًّا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف.
ثم دفن الشهداء في أماكنهم التي قتلوا فيها، ورجع المسلمون بعد ذلك إلى المدينة يحز في نفوسهم الألم لما أصابهم، ويتطلعون ليوم قريب يشفي الله فيه صدورهم، ويذهب غيظ قلوبهم.
النتيجة في غزوة أحد:
أجمع المؤرخون على أن غزوة أحد كانت في نهايتها نصرًا للمشركين وهزيمة للمسلمين، ولكن مؤرخًا واحدًا1 خرج على هذا الإجماع واعتبر هذه الغزوة بالنسبة للمسلمين نصرًا لا هزيمة2، ذلكم هو اللواء الركن الحاج
1 في تلقيب الحاج محمود بالمؤرخ، مجازفة، والحاج محمود لم يدع ذلك لنفسه، ولا علمت من وصفه بذلك غير المؤلف، والعجب كل العجب من قوله: المؤرخ الكبير، وما له في التاريخ كتاب واحد، إلا كلامه على غزوات ومعارك يتكلم عليها بحسب فهمه ونظراته العسكرية.
2 قلت: عادة كثير من المؤرخين أنهم يوردون الواقعة ولا يتكلمون عليها فيقولون مثلًا من حرِّ كلامهم: وكان الغلبة فيها للمسلمين، أو نحو هذا، ولكن يقتصرون على ذكر الواقعة، ولعله لأجل ذلك لم يقف المؤلف ربما على من ذكر ذلك نصرًا.
نعم، في كلام بعض المتأخرين ما يفهم منه أنه رأى أُحدًا فيها هزيمة للمسلمين.
والرأي عندي أن مرد ذلك بالنظر للمعركة، دون تاليتها التي هي حمراء الأسد، والتي هي على الحقيقة تكملة لغزوة أحد، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يخرج معنا إلا من شهد أُحدًا بالأمس" كما سيأتي ذكر ذلك، وأنهم خرجوا للقاء المشركين الذين لما سمعوا بهم رجعوا فارين لمكة بعد أن كانوا عزموا على لقاء المسلمين.
فهذه كانت بمثابة الجولة الأخيرة من المعركة.
لكن على كل حال لا بأس بإيراد بعض النقول التي مفادها أن ثمة من جعل أُحدًا نصرًا..................... =
محمود شيت خطاب في كتاب الرسول القائد.
= 1- قول ابن المرابط من المالكية، فيما نقله عنه القاضي عياض في "الشفاء"، ونقله عنه القاضي القسطلاني في "المواهب اللدنية" 1/ 410 قال: من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم هزم يستتاب، فإن تاب وإلا قتل
…
إلى آخر كلامه، وذكر الخلاف فيه.
2-
قول الحافظ ابن حجر في "الفتح" 7/ 347 هو يتكلم عن بعض فوائد غزوة أحد:
أ- فيها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية
…
ب- وأن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة
…
ج- وأن تأخير النصر في بعض المواطن يكون هضمًا للنفس وكسرًا لشماختها، فلما ابتلي المؤمنون صبروا وجزع المنافقون.. انتهى.
قلت: فهذا يفهم منه ما كنت قدمته.
3-
قول معبد بن أبي معبد الخزاعي لأبي سفيان، يخبره بأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد وقد رجع لقتال قريش ومن معها، فإنه قال أبياتًا يصف فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه:
ترى بأسد كرام لا تنابلة
…
عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظلت عدوًا أظن الأرض مائلة
…
لما سمعوا برئيس غير مخذول
"البداية" 4/ 50 عن ابن إسحاق وغيره. فانظر قوله: غير مخذول.
4-
وفي شعر كعب بن مالك يصف معركة أحد:
فلما تلاقينا ودارت بنا الرحا
…
وليس لأمر الله فينا مدفع
ضربناهم حتى تركنا سراتهم
…
كأنهم بالقاع خشب مصرع
لدن غدوة حتى استفقنا عشية
…
كأن ذاكرنا حر نار تلفع
وراحوا سرعًا موجعين كأنهم
…
جهام هراقت ماءه الريح مقلع
ورحنا وأخرانا كأننا أسود على لحم ببيشة ضلع
"البداية" 4/ 54.
5-
وفي شعر حسان:
طاوعوا الشياطين إذ أخزاهم
…
فاستبان الخزي فيهم والفشل
"البداية" 4/ 60 وغير ذلك.
وانظر سياقات غزوة حمراء الأسد لا سيما عند ابن سعد 1/ 323 ترتيب طبقاته.
وعلى كل حال، فإن الله تبارك وتعالى قال:{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} جاء في التفسير أن القرح للمسلمين كان بأحد، وللمشركين ببدر، فهذه حجة لمن اقتصر في النظر على أحد دون حمراء الأسد. وقال تعالى أيضًا:{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} .
وانظر آخر تعليق على هذه الغزوة.
وإليكم ما قاله هذا المؤرخ الكبير1:
لا أتفق مع المؤرخين في اعتبار نتيجة غزوة أحد نصرًا للمشركين واندحارًا للمسلمين، لأن مناقشة المعركة عسكريًّا تظهر انتصار المسلمين، على الرغم من خسائرهم الفادحة بالأرواح في هذه المعركة
…
وتبدأ المناقشات من الوجهة العسكرية البحتة لإظهار حقيقة نتائج غزوة أحد.
لقد انتصر المسلمون في ابتداء المعركة حتى استطاعوا طرد المشركين من معسكرهم والإحاطة بنسائهم وأموالهم، وتعفير لوائهم في التراب، ولكن التفاف خالد بن الوليد وراء المسلمين وقطع خط رجعتهم، وهجوم المشركين من الأمام جعل قوات المشركين تطبق من كافة الجوانب على قوات المسلمين، وهذا الموقف في المعركة جعل خسائر المسلمين تتكاثر، ولكن بقي النصر بجانبهم إلى الأخير، لأن نتيجة كل معركة عسكريًّا لا تقاس بعدد الخسائر بالأرواح فقط، بل تقاس بالحصول على هدف القتال الحيوي، وهو القضاء المبرم على العدو ماديًّا ومعنويًّا.
فهل استطاع المشركون القضاء على المسلمين ماديًّا ومعنويًّا؟
إن حركة خالد كانت مباغتة للمسلمين بلا شك، وقيام المشركين بالهجوم المقابل وإطباقهم على قوات المسلمين من كافة الجوانب وهم متفوقون بالعدد إلى خمسة أمثال المسلمين، لا يمكن أن يعد التفاف قوة متفوقة تفوقًا ساحقًا على قوة صغيرة أخرى من جميع جوانبها، ثم نجاة تلك القوة الصغيرة بعد إعطاء خسائر عشرة في المائة نصرًا، ولا يمكن اعتبار فشل القوة الكبيرة في القضاء على القوة الصغيرة ماديًّا ومعنويًّا، في مثل هذا الموقف الحرج للغاية إلا فشلًا
1 انظر الحاشية قبل السابقة.
لها. ولم تستطع قريش أن تؤثر على معنويات المسلمين أيضًا، وإلا لما استطاعوا الخروج لمطاردتها بعد يوم واحد من غزوة أحد1، دون أن تتجرأ قريش على لقائها بعيدًا عن المدينة، وخاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج للقاء قريش بقوته التي اشتركت فعلًا بمعركة أحد، دون أن يستعين بغيرهم من الناس.
إن نجاة المسلمين من موقفهم الحرج الذي كانوا فيه بأحد نصر عظيم لهم، لأن أول نتائج إطباق المشركين عليهم من كافة الجهات كانت الفناء التام2.
ونحن نؤيد رأي هذا العالم الجليل ونؤمن به كل الإيمان، ولنا من موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من المسلمين حينما رجعوا من غزوة مؤتة ما يؤكد ذلك. فلقد استطاع خالد بن الوليد أن ينقذ ما بقي من جيش المسلمين من الفناء التام، بما صنع من خطة حربية مكنته من تضليل الأعداء والانسحاب بانتظام، وحينما رجع الجيش إلى المدينة قابلهم المسلمون الذين نظروا نظرة سطحية إلى الموقف وحثوا في وجوههم التراب، وقالوا لهم: يا فرار فررتم من الجهاد في سبيل الله، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد نظر إلى الموقف من جميع نواحيه- اعتبرهم منتصرين، وحياهم أحسن تحية، فقال:"لا، بل هم الكرار وأنا فئتهم"3.
وبعد فإن خير ما نختم به غزوة أحد، هو ذلك الدعاء الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من هذه الغزوة، فلقد روى الإمام أحمد4: لما كان يوم أحد
1 وهي المسماة بحمراء الأسد كما مضى.
2 "الرسول القائد" لمحمود شيت خطاب ص 119-120.
3 جاءت هذه الواقعة، وهذا القول من عدة وجوه، وانظر "المسند" 2/ 86، 100، 111، و"سنن أبي داود" 2647، و"الترمذي" 1716، وابن سعد 1/ 406 ترتيب طبقاته وغير ذلك.
4 في المسند 3/ 424، وهو عند البزار 1800، والطبراني في "الكبير" 4549، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 6/ 122، وعزاه للأولين فقط، بزيادة في آخره "اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل لعزة أهل الكتاب، إله الحق".
وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح.
وانكفأ1 المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استووا حتى أثني على ربي عز وجل" فصاروا خلفه صفوفًا فقال: "اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لما هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت، اللهم ابسط علينا بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين".
1 هذا قول صحابي يصف المشركين فيقول: انكفأ المشركون، والغالب أن هذه اللفظة تطلق على المدحور، وإن كنا لا ننكر أنها تطلق على كل من رجع لموضع أتى منه. فعلى المعنى الأول في الحديث تأييد لقول من قال بعدم انكسار المسلمين.
غزوة الأحزاب الخندق 1: مقدمات وأسباب
لم يهدأ للمسلمين بال بعد هزيمتهم في غزوة أحد في أواخر العام الثالث الهجري، فلقد عزّ عليهم وروعهم أن ينتصر الباطل على الحق في هذه المعركة، وأن يكون انتصار الباطل الذي يمثله المشركون من قريش، وهزيمة الحق الذي يمثله المسلمون في المدينة2، أن يكون ذلك بسبب مخالفة بعض المسلمين في هذه الغزوة لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القائد الأعلى، وخروجهم على التنظيم الدقيق الذي وضعه لهم وأوصاهم باتباعه.
1 كان بين غزوة حمراء الأسد التي بعد أحد، وبين غزوة الخندق جملة غزوات وسرايا هي:
1-
سرية أبي سلمة المخزومي.
2-
سرية عبد الله بن أنيس.
3-
سرية المنذر بن عمرو.
4-
سرية مرثد بن أبي مرثد.
5-
غزوة بني النضير.
6-
غزوة بدر الموعد.
7-
غزوة ذات الرقاع.
8-
غزوة دومة الجندل.
9-
غزوة المريسيع. وغيرها. انظرها جميعها في كتابنا "سنن النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه" 1/ 324-338 وما سيأتي.
2 قال مؤلف الكتاب في الحاشية هنا:
كان المسلمون حينئذٍ يعتبرون موقفهم يوم أحد هزيمة، ونحن نعتبره انتصارًا بالرغم مما فيه من خسائر، ولكن تعبيرنا بكلمة هزيمة يعني بالنسبة للانتصار السابق في بدر -راجع غزوة أحد من هذا الكتاب.
ولقد كان هذا الانتصار المفاجئ الذي ظفر به المشركون مشجعًا لهم على المضي في طريق البغي، والإمعان في عداء الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه ويتبعه من المسلمين
…
ولا شك أنه قد جال في نفوسهم أن أصنامهم التي يعبدونها من دون الله قد باركت هذه الغزوة، وأنها ستبارك غيرها من الغزوات، حتى يظهر أمرهم وتعلوا كلمتهم، ولقد جرى ذلك على لسان قائدهم أبي سفيان حينما لمع له سراب البطل فاغتر به، ونادى في ظلمات الجهالة موجهًا خطابه للمسلمين قائلًا: اعل هبل، ناسيًا أن الله أعلى وأجل1.
أما القبائل العربية الأخرى في سائر الجزيرة العربية فكانوا -في جملتهم- يعبدون الأصنام، وقد بلغ بهم الحقد -كذلك- على المسلمين نهايته ومداه، فاتخذ بعضهم من الخيانة والخداع سبيلًا لإطفاء ما تنطوي عليه نفوسهم من الغل والضغينة، ومن ذلك ما وقع من قوم ينتسبون إلى بني الهون وكانوا يسكنون بالحجاز بين مكة والطائف. فلقد جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في أوائل السنة الرابعة من الهجرة وقالوا: يا رسول الله: إنا فينا إسلامًا، فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام.
وقد استجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، لأنه لم يكن يعلم الغيب، ولم يطلعه الله على ما تنطوي عليه قلوبهم من غدر وخيانة وكفر وضلال، ولأنه كان شديد الحرص على نشر الإسلام وإعلاء كلمته، وظن أن هذا الوفد قد جاء يلتمس النور ويبتغي الخير، فلم يضن عليهم بذلك -وما هو على الخير بضنين- وبعث معهم ستة نفر
1 كما صح ذلك في "البخاري" 3817 وغيره من حديث البراء بن عازب أن أبا سفيان قال يوم أحد: اعل هبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أجيبوه"، قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا له: الله أعلى وأجلّ
…
"
من أصحابه، فكان لهم في تاريخ الإسلام بلاء أي بلاء، وفي ميدان التضحية الاستشهاد صفحة ناصعة بيضاء
…
ذلك بأن هؤلاء القوم من بني الهون قد تحرك الغدر الكامن في نفوسهم، بعد أن خرجوا من المدينة وعاونهم في ذلك جماعة من هذيل، في عدد كبير يبلغ المائتين فقاتل الستة المسلمون قتال الأبطال، حتى قتل ثلاثة منهم واستسلم الثلاثة الباقون، وما كان استسلامهم من خور في العزيمة أو ضعف في العقيدة أو خوف من الموت، ولكنه استسلام الليث الهصور وقع في قبضة الغالب، وأطبقت عليه القوة الطاغية من كل جانب.
وقد قتل هؤلاء الثلاثة بأيدي المشركين بعد ذلك، وكان منهم زيد بن الدثنة وهو الذي قال له المشركون حينما قدموه ليقتلوه: ننشدك الله يا زيد أتحب أن محمدًا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي1.
فأية عظمة تنطوي عليها تلك النفس المؤمنة التي تستقبل الموت في سبيل الله بابتسامة الرضا والطمأنينة. والتي لو خيرت لاختارت القتل على ألا يصاب الرسول صلى الله عليه وسلم بشوكة تؤذيه!
إنها التربية الإسلامية التي أسست على قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا
1 هذه المسماة بغزوة الرجيع، وقد ساق المؤلف القصة على ما رواه ابن إسحاق، وهي في "صحيح البخاري" 3858 مع بعض اختلاف يسير.
وانظر "البداية" 4/ 63 وما ساق الحافظ لهذه الغزوة من الروايات.
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِه} 1.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله والناس أجمعين"2.
وكان منهم: خبيب بن عدي، وقد حاولوا أن يردوه عن إسلامه إلى الكفر، فأبى عليهم ذلك، وقدم روحه فداء لدينه.
وقد روي عنه أنه قال حينما علم أن القوم قد أجمعوا أمرهم لصلبه:
إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي
…
وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
وقد خيروني الكفر، والموت دونه
…
وقد هملت عيناي من غير مجزع
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا
…
علي أي جنب كان في الله مصرعي3
وكان أشد من ذلك عنفًا وقسوة ما أصيب به المسلمون في يوم بئر معونة فقد استشهد منهم في هذا اليوم سبعون، قتلوا غدرًا وغيلة بأيدي قبائل: رعل، وذكوان، والقارة، وقد حزن الرسول صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الشهداء الأبرار، ومكث شهرًا كاملًا يدعو على هؤلاء المعتدين الآثمين، الذين ارتكبوا هذه الجرائم المنكرة4.
1 سورة التوبة، الآية 23، 24.
2 أخرجه البخاري 15، ومسلم 44 من حديث أنس بن مالك.
3 ذكر هذه الأبيات ومعها غيرها ابن إسحاق كما في "البداية" 4/ 67. على أنه قد صح في "البخاري" 3858 أنه قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا
…
على أي شق كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلوٍ ممزعِ
4 صحت قصتهم عند البخاري 3860، ومسلم 677 وغيرهما.