الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسيحية في بلاد العرب
ولد السيد المسيح عليه السلام في بيت لحم على مقربة من بيت المقدس. وقد فزع قومه لولادته من مريم وهي البتول الطاهرة النقية ولم تزف إلى زوج حتى ينسب ولدها إليه. وقالوا: {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} 1، ولكن الله أنطقه وهو في المهد ليبرئ أمه من هذا الاتهام الكاذب فقال:{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً، وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} 2.
ولما خشيت الأم على نفسها وعلى ولدها من أشرار قومها، أخذته وذهبت به إلى مصر مع ابن عمها يوسف النجار فأقاموا بها اثنتي عشرة سنة ثم عادوا إلى الشام3.
وقد تلقى الوحي على جبل الزيتون هناك وكان عمره -حينئذ- ثلاثين سنة، وظل يدعو الناس إلى توحيد وحسن المعاملة، والرفق بالضعفاء وتجنب زخارف الدنيا، وإلى العمل للآخرة رجاء ثواب الله. إلى أن بلغ ثلاثًا وثلاثين سنة وثلاثة شهور فرفعه الله إليه4، ولا ريب أن رفعه رفع مكانة ومنزلة، وفريق آخر يقولون إنه رفع بروحه وجسده5.
1 سورة مريم، الآية 27.
2 سورة مريم، الآيات: 27-28- 29-30.
3 "الكامل في التاريخ" 1/ 187، و"البداية والنهاية" 2/ 75.
4 وقيل غير ذلك، وفي ذلك حديث مسند غريب عن فاطمة، رواه الحاكم، ويعقوب بن سفيان في تاريخه، وأنكره ابن عساكر، كما ذكر الحافظ ابن كثير في "البداية" 2/ 95.
5 هو رفع بالروح والجسد، ورفع مكانة ومنزلة.
والجميع 1 متفقون على أنه لم يقتل ولم يصلب كما يزعم اليهود، وكما يزعم النصارى بعد أن حرفوا الإنجيل وزيفوه. والقرآن الكريم صريح في ذلك حيث يقول سبحانه عن اليهود:
ومن أجل تحريفهم للإنجيل تعددت الأناجيل لديهم والمشهور منها خمسة:
إنجيل برنابا وهو إنجيل لا تعترف به الكنيسة حاليًا لأنه أقرب إلى الحق وتكاد تعاليمه تتفق مع تعاليم الإسلام. والأربعة الأخرى هي: إنجيل متى، وإنجيل مرقص، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا. وهي الأناجيل المعتمدة لدى الكنيسة 3.
ويمتاز إنجيل برنابا بالدقة والحكمة وسمو العبارة. وقد خالف هذا الإنجيل سائر الأناجيل الأخرى التي يدين بها المسيحيون في أربعة أمور:
أولها: أنه لم يعتبر المسيح ابن الله ولم يعتبره إلهًا وإنما اعتبره نبيًّا.
وثانيها: أنه يعتبر الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق، وهو يخالف بذلك التوراة وسائر الأناجيل ويوافق القرآن الكريم.
1 لا أدري من أراد بالجميع، فالنصارى يقولون: قتل وصلب ثم قالم من بين الأموات، واليهود يقولون: قتل وصلب ولم يقم.
2 سورة النساء، الآيتان 157 - 158، ومثل ذلك قوله تعالى:{يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ} .
3 مع أن فيها اختلافًا وزيادة ونقصًا، كما قرره بعض الباحثين في أيامنا، وذكره الحافظ ابن كثير في "البداية" 2/ 100 وغيره. كشيخه ابن تيمية في كتابه القول الصحيح فيمن بدل دين المسيح.
وثالثها: أنه ذكر محمدًا باللفظ الصريح المتكرر وقال إنه رسول الله.
ورابعها: أنه بين أن المسيح عليه السلام لم يصلب ولكن شبه لهم. فألقى الله شبهه على يهوذا الإسخريوطي.
وفي ذلك يقول برنابا: إن صوت يهوذا ووجهه وشخصه بلغت من الشبه بيسوع أن اعتقد تلاميذه والمؤمنون به كافة أنه يسوع المسيح.
وهكذا يخالف إنجيل برنابا بقية الأناجيل في هذه الأمور الجوهرية وفي خصائص المسيحية التي عرفت بها. ذلك بأن المسيحية قد عرفت بالتثليث بنبوة المسيح وألوهيته. وكان هذا شعارها الذي به تعرف وعلامتها التي بها تتميز.
ومن أجل ذلك أحدث ظهور هذا الإنجيل رجة فكرية عنيفة، ورفضته الكنيسة رفضًا نهائيًا. ولم يعد من الأناجيل المعتمدة لدى الكنيسة المسيحية1.
وقد اختلف المؤرخون في مبدأ دخول المسيحية في بلاد العرب، ولكن المرجح أنها دخلت ببطء شديد وأنها دخلت عن طريق الاتصالات التجارية بين بلاد العرب والبلاد المجاورة لهم، وأن ذلك بدأ منذ أوائل القرن الرابع الميلادي وأنها انتشرت في بلاد العرب بعد انتهاء هذا القرن. وكانت الحيرة أهم مراكز المسيحية في بلاد العرب. وكان أهم سكانها هم الطائفة المعروفة بالعبادة. ثم دخلت النصرانية إلى بلاد اليمن على أيدي الأحباش الذين استعمروها وحاولوا أن ينشروا المسيحية فيها فبنوا بها كنيسة كبرى في صنعاء، وأرادوا أن يجعلوها مركزًا للديانة المسيحية، وحاولوا هدم الكعبة في عام الفيل، ولكن محاولتهم باءت بالفشل الذريع، كما أشرنا إلى ذلك لدى كلامنا عن البيت العتيق.
1 "محاضرات في النصرانية" ص 67 لمحمد أبو زهرة.
ولقد كان يوجد في الجزيرة العربية إلى جوار الوثنية واليهودية والمسيحية جماعات قليلة من المجوس وهم عبدة النار، والصابئون وهم عبدة الكواكب. ولقد ظلت هذه الديانات موجودة إلى أن جاء الإسلام وفيه الحجج الواضحة على تلك الديانات الباطنة والعقائد الفاسدة التي يصطدم بعضها ببعض، والتي تصطدم جميعًا بهذا الدين الحنيف، فأحق الله به الحق وأبطل الباطل:{وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}
…