الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطريق إلى الفرار، وقام طليحة بن خويلد وقال: إن محمدًا قد بدأكم بالشر. فالنجاة النجاة. وقال أبو سفيان: يا معشر قريش: إنكم وما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف1، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا فيهم ما نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل. وقد بلغ من خوفهم أن أبا سفيان كان يقول لهم: ليتعرف كل منكم أخاه وليمسك بيده حذرًا من أن يدخل بينكم عدو.
وهكذا تم رحيلهم في ظلام الليل، حتى إذا تنفس الصباح نظر المسلمون فوجدوا تلك الغمة الكثيفة وقد أزاحها الله عنهم:{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} 2.
وهكذا صدق الله وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.
1 الكراع: يراد به الخيل والبغال والحمير، والخف يراد به الإبل، المؤلف.
2 سورة الحزاب، الآية 25.
عاقبة الظلم ومصير بني قريظة:
وحينما أتم الله نعمته على المسلمين بهزيمة الأحزاب ورجوعهم خاسرين، كان لا بد للظالم أن يذوق وبال أمره، ويجني عاقبة ظلمه وغدره.
ومن أجل ذلك نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس اليوم الذي تم فيه رحيل الأحزاب فقال: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" 1 فساروا مسرعين، وكان عددهم ثلاثة آلاف2.
1 أخرجه البخاري 3893، ومسلم 1770 من حديث عبد الله بن عمر.
2 بحسب ما ذكر ابن سعد وغيره، وانظر "المواهب" 1/ 462، و"فتح الباري" 7/ 410.
وقد تحصن يهود بني قريظة بحصونهم حينما رأوا أنهم قد أحيط بهم، فحاصرهم المسلمون خمسًا وعشرين ليلة1
…
ولما اشتد الضيق بهم لم يجدوا بدًّا من التسليم والخضوع.
ثم صدر الحكم من سيد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه وكان يقضي بقتل الرجال وسبي النساء والذرية.
وقد اطمأن الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الحكم، وقال:"لقد حكمت فيهم بحكم الله يا سعد"2.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفرت لهم خنادق في سوق المدينة، ثم جيء بهم مكتفين بالحبال فضربت أعناقهم ودفعوا في تلك الخنادق، وكان عددهم نحوًا من ستمائة رجل3، ثم قسمت أموالهم وأبناؤهم على المسلمين.
وهذا بلا ريب عدل القضاء، وحكم السماء أراده الله لهؤلاء اليهود من بني قريظة جزاءً وفاقًا لظلمهم وبغيهم. أجل، لقد ضربوا أسوأ مثل في الخيانة، فخذلوا المسلمين في أشد أوقات الحرج والضيق، ولولا لطف الله لتمكن الأحزاب من اقتحام المدينة وإفناء المسلمين، فكان جزاؤهم أن أهلكهم الله
1 في قول ابن إسحاق، وعند ابن سعد: خمس عشرة ليلة، وعند ابن عقبة: بضع عشرة ليلة، "المواهب اللدنية" 1/ 463.
2 أخرجه البخاري 3895، ومسلم 1768 من حديث أبي سعيد الخدري، وأخرجه غيرهما عن غيره.
3 في "المواهب اللدنية" 1/ 467 كانوا بين ستمائة إلى سبعمائة، وقال السُّهيلي: المكثر يقول: ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة، وفي حديث جابر عن الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح: أنهم كانوا أربعمائة مقاتل، فيحتمل من طريق الجمع أن الباقين كانوا أتباعًا. انتهى.
قلت: نعم، حديث جابر عند الترمذي 1582 وقال: حسن صحيح.