الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه.
فقلت له: كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا.
قالت: ثم أخذت أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيه، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت ضع يدل على هذا المال.
قالت: فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم، ثم تقول السيدة أسماء: ولا والله ما كان قد ترك لنا شيئًا، ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك1.
1 انظر المراجع السابقة لهذه القصة، وصحيح البخاري 2/ 312 وغيره.
قصة أم معبد
وتعيد إلينا قصة أم معبد الخزاعية قصة حليمة السعدية مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم فلقد كان قدوم محمد صلى الله عليه وسلم خيرًا وبركة، وظهر ذلك فيما منحها الله من رزق وفير، وكان ذلك في أيام رضاعه وطفولته.
وكذلك كان قدوم محمد صلى الله عليه وسلم على أم معبد الخزاعية في طريق هجرته إلى المدينة وفي أيام كهولته خيرًا وبركة، وظهر ذلك بما أفاء الله عليها من خير بيمن قدومه، ومن حيث لم تكن هناك أسباب يتوقع منها هذا الخير، وإليكم ما رواه ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى1 عن ذلك: "عن أبي معبد الخزاعي أن
1 "1/ 230"، ومن وجهه أخرجها البيهقي كما في البداية 3/ 192، وكذلك أخرجها أبو نعيم من هذا الوجه، وفي السند مقال الذهبي في تلخيص المستدرك.
لكن جاءت القصة من طريق آخر عند الحاكم في المستدرك 913 عن هشام بن =
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي، مروا بخيمة أم معبد الخزاعية، وكانت المرأة1 جلدة برزة2 تحتبي وتقعد بفناء الخيمة ثم تسقي وتطعم، فسألوها تمرًا أو لحمًا يشترونه. فلم يصيبوا عندها شيئًا من ذلك، وإذا القوم مرملون3، مسنتون4.
فقلت والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى.
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال: "ما هذه الشاة يا أم معبد"؟
قالت: هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم. فقال "هل بها من لبن"؟
قالت: هي أجهد من ذلك، قال:"تأذنين لي أن أحلبها"؟
قالت: نعم، بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله، وقال:"اللهم بارك لها في شاتها"، قال:
= حبيش، وعند الطبراني في الأحاديث الطوال 25/ 30، وأبي نعيم في الدلائل رقم 238، وعزاه السيوطي في الخصائص للبغوي وابن شاهين وابن منده وغيرهم،
قلت: وأخرجه كذلك البيهقي في الدلائل 1/ 277، والبغوي في شرح السنة 3974، واللالكائي في أصول الاعتقاد 1434، 1437، وقد تكلمت على الإسنادين في الدرك بتخريج المستدرك، وذكرت أن الحديث يحسن من طريقيه، وانظر البداية 3/ 192 وما بعدها، من إتيان هذه القصة عن غير أم معبد أيضًا، وترجيح الحافظ أن القصتين واحدة، وكذلك نقل هذا الترجيح عن البيهقي، وأسانيد القصص الأخرى قوية.
1 الجلدة: القوية.
2 برزة: أي تبرز لا تحتجب احتجاب الشابات لكهولتها، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة.
3 المرملون: من نفد زادهم.
4 مسنتون: أصابتهم سنة، أي مجاعة وجرب.
فتفاجت1 ودرت واجترت فدعا بإناء لها يُربض الرهط2 فحلب فيه ثجًّا حتى غلبه الثمال3 فسقى لها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى ارتووا، وشرب صلى الله عليه وسلم آخرهم، فشربوا جميعًا عللا بعد نهل4ثم حلب فيه ثانيًا عَودا على بدء، فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها، فقلما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد.
فلما رأى اللبن عجب وقال: من أين لكم هذا والشاة عازبة ولا حلوبة في البيت؟ قالت: والله، إنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت، قال: ذاك والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ولو كنت وافقته يا أم معبد لالتمست أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.5
وتروي كتب السيرة 6 أن هاتفًا من الجن أخبر أهل مكة بما وقع في خيمة أم معبد، فكان مما قال:
جزى الله رب الناس خير جزائه
…
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم ترحلَا
…
فأفلح من أمسى رفيق محمد7
لِيَهْنِ بني كعب مقامُ فتاتهم
…
ومقعدها للمؤمنين بمرصد8
1 فرجت بين رجليها وتهيأت للحلب.
2 أي يروي الجماعة نحو العشرة.
3 الثمال: الرغوة.
4 أي مرة بعد مرة.
5 هكذا أورد القصة المؤلف، وقد اختصر شيئًا منها.
6 قد جاءت هذه الأبيات في نفس الحديث الماضي.
7 كذا في "الطبقات" 1/ 231، و"البداية" 2/ 193، وأما في "دلائل أبي نعيم":
هما نزلا بالهدى واهتدت به
…
فقد فاز من أمسى رفيق محمد
8 سقط هذا البيت من "الطبقات الكبرى". وثبت في دلائل أبي نعيم. وزاد قبله:
فيا لقصي ما زوى الله عنهم
…
به من فعال لا تجازى وسؤدد