الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرب واحد أم ألف رب
…
أدين إذا تقسمت الأمور؟
تركت اللات والعزى جميعًا
…
كذلك يفعل الرجل البصير
فلا العزى أدين ولا ابنتيها
…
ولا صنمي بني عمرو أزور
ولكن أعبد الرحمن ربي
…
ليغفر ذنبي الرب الغفور
وقد شاء الله أن يموت زيد قبل البعثة النبوية بقليل.
ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي كان يقول:
هاج للقلب من هواه أذكار
…
وليال خلالهن نهار
وجبال شوامخ راسيات
…
وعيون مياههن غزار
ونجوم تلوح في كل فج
…
مشرقات وفي الدجى أقمار
والذي قد ذكرت دل الله
…
نفوسًا لها هدى واعتبار
ومهما كان الأمر فهم قلة ضئيلة ضاقت نفوسهم بالوثنية الفاسدة فانطلقوا إلى الآفاق الرحبة الفسيحة يلتمسون الهدى، ويرجون الحق لذاته، فأدركتهم رحمة الله وصاحبتهم عنايته ورعايته. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
…
المجتمع العربي قبيل ظهور الإسلام:
والحديث عن المجتمع العربي في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام حديث لا يكتنفه الغموض الذي كان يكتنف العصور القديمة، لأن الأضواء كلها قد تسلطت على تاريخ العرب بعد ظهور الدين الإسلامي، فتكشفت كل الحقائق عن الفترة.
السابقة التي جاء الإسلام على أثرها.. ولا بد لنا في هذه المناسبة من الإشارة إلى أن بعض الكتاب المسلمين قد انقادوا -أحيانًا إلى العاطفة، فنظروا إلى ذلك العصر الذي سبق الإسلام في شبه الجزيرة العربية نظرة غير محايدة، وذلك أنهم أغمضوا الأعين عن الصفات الحسنة والخلال الكريمة التي كانت تسود -حينئذٍ- في المجتمع العربي ولم يتعرضوا لها إلا بقدر يسير، ثم أفاضوا في ذكر المثالب والعيوب والنقائص الخلقية التي كانت موجودة لدى بعض القبائل، ونسبوها لجميع القبائل!!.
ومن الإنصاف أن نذكر الأمور على حقيقتها بعيدة عن الغلو والإسراف غير متأثرة بعاطفة أو متحيزة لغرض، وحينئذٍ يجري التاريخ في سننه المرسوم، ويؤمن به الأعداء والأصدقاء، ولا يجد خصوم الحق مجالًا ينفذون منه إلى أهدافهم الخبيثة من التغيير والتحريف، أو التشويه والتزييف.
ولقد كان النظام القبلي سائدًا في المجتمع العربي قبل الإسلام: فكان شيخ القبيلة هو الحاكم الأعلى لقبيلته، وصاحب السلطان المطلق فيها، وكأن أوامره المستمدة من العرف القائم بينهم تقوم مقام القانون
…
وهذا النظام القبلي كان يدعو إلى التنافس بين القبائل على النفوذ المادي والأدبي، فكانت كل قبيلة تجتهد في أن تكمل نفسها وتبسط نفوذها ولو على أنقاض غيرها من القبائل، ومن هنا كانت تسود العداوة والبغضاء بين القبائل المختلفة وتثور الحروب وتنشب المعارك لأوهى الأسباب بينهم، ولكن كان أفراد القبيلة يتناصرون فيما بينهم. ويدافع كل فرد عن أخيه مهما نأى عن الحق وتشبث بالباطل، ومن أقوالهم:"انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا "1.
1 وقد جاء الإسلام بهذه القاعدة أيضًا لكن على غير المفهوم الجاهلي الظاهر، ولذلك سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا: ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالما؟ قال:"تردوه عن غيه" أي: ظلمه.
وانظر هذا الحديث في "صحيح البخاري" 3/ 168، 9/ 28، و"سنن الترمذي" 2282، و"مسند أحمد" 3/ 99 و"سنن البيهقي الكبرى" 6/ 94، و"حلية الأولياء" 3/ 94، و"زاد المسير" 2/ 277، و"صحيح ابن حبان" 1847، وغير ذلك.
وكما يقول عنهم أحد شعرائهم مفتخرًا بقومه وعصبيتهم القبلية:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
…
طاروا إليه زرافات ووحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
…
في النائبات على ما قال برهانا
وقد أدى ذلك إلى تفكك المجتمع العربي وعدم الترابط بين أجزائه وهو تفكك كان ينذر بالانحلال وسوء المآل.. على أن التفكك وعدم الترابط بين القبائل كان يزول في بعض الفترات إذا ما تعرض العرب للغزو والعدوان الأجنبي.. حينئذٍ يقوم شيوخ القبائل، وينسون ما بينهم من نزاع وأطماع، وتنمحي على الفور عصبيتهم القبلية وتنتقل إلى دائرة أوسع فتصبح عصبية عربية، تحقيقًا للمثل العربي القائل: أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب.. ويظلون هكذا متماسكين متعاونين حتى تنجاب الغمة ويزول الخطر الأجنبي. فيعودون إلى سيرتهم الأولى من التفرق والضعف والانحلال.
ومن ذلك ما وقع في يوم "ذي قار" 1 في أواخر القرن السادس الميلادي حينما حاول كسرى ملك الفرس أن يستدرج النعمان بن المنذر إلى لقائه -بعد أن
1 "الكامل في التاريخ" 1/ 285.
وقد قال أعشى بكر يصف الواقعة:
وجند كسرى غداة الحنو صبحهم
…
منا عطاريف ترجو الموت وانصرفوا
لقوا ململمة شهباء يقدمها
…
للموت لا عاجز فيها ولا خرف
فيها فوارس محمود لقاؤهم
…
مثل الأسنة لا ميل ولا كشف
لما رأونا كشفنا عن جماجمنا
…
ليعلموا أننا بكر فينصرفوا
-في قصيدة طويلة-.
نشبت الخصومة- ثم قبض عليه وحبسه حتى مات، فلقد أدى ذلك إلى ثورة عاصفة بين القبائل العربية في كل شبر من الوطن العربي
…
وكان الوطن العربي حينئذٍ يشمل شبه الجزيرة العربية إلى مشارف العراق والشام - وكان معنى هذه الثورة العربية على ملك الفرس التضامن التام والوحدة الشاملة بين العرب، فتناسوا ما شجر بينهم من خلاف واجتمعوا تحت راية العروبة، والتقوا بكسرى في حرب عنيفة انتهت بتغلبهم عليه وهزيمة الفرس أمامهم، وكان هذا النصر ولا يزال أساسًا لفخرهم على توالي الأزمنة والعصور.
ولما كانت المرأة شطر المجتمع والرجل شطره الآخر، فإن العلاقة بين الرجل والمرأة توضح لنا إلى حد كبير قيمة المجتمع ودرجة رقيه أو انحطاطه، ذلك بأن المرأة هي الأم وهي الأخت وهي البنت، وهي بذلك جزء لا ينفصل عن المجتمع، بل يتحرك أبدًا بحركته ويسكن بسكونه كما يزدهر بازدهاره ويذبل بذبوله.
ولقد زعم بعض المؤرخين أن العرب كانوا يكرهون المرأة ويحتقرونها! واستدلوا على ذلك بعادة وأد البنات التي كان موجودة لديهم، والتي أشار الله عز وجل إليها في قوله:
وفي قوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} 2.
والواقع أن هذه العادة لم تكن منتشرة بين العرب، ولكنها كانت موجودة في
1 سورة النحل، الآيتان 58 - 59.
2 سورة التكوير، الآيتان 9 - 10.
بني تميم وبني أسد، وهما قبيلتان اثنتان من ثلاثمائة وستين قبيلة، ومعنى ذلك أن الأكثرية الساحقة من العرب لم تكن فيها هذه العادة القبيحة.
والقرآن الكريم حينما يذكر هذه العادة فإنما يقصد هذا العدد القليل من القبائل وهو في نفس الوقت يحذر سائر القبائل الأخرى، حتى لا تتأثر بها وتجاريها في هذا الشر والفساد.
على أننا نؤمن بأن وأد هذه القبائل للبنات لم ينشأ عن بغض أو احتقار وإنما نشأ عن غيرتهم الشديدة على المرأة وخوفهم أن تنزلق إلى الشر بعد البلوغ فيلحقهم العار والصغار، ومن أجل ذلك كانت تسود وجوههم حينما يبشرون بالأنثى وتحيط بهم الهموم والأحزان.
وحينما نتصفح الأدب العربي الجاهلي نراه حافلًا بتقدير الرجل للمرأة وحبه لها، ذلك بأنه كان يتحدث عنها باهتمام في أشعاره وخطبه، ويخطابها دائمًا بما يدل على التعظيم والإجلال فيسميها: ربة البيت، وهي تسمية تنبئ عن تقدير وتكريم، ويقول في ذلك قائلهم:
يا ربة البيت قومي غير صاغرة
…
ضمي إليك رحال القوم والقربا
وكان يخاطبها بالكنية فيقول لها: يا أم فلان، ولا يذكرها باسمها المجرد بل كان الولد يستشير ابنته إذا أراد أن يزوجها، فلا يرغمها على ما تكره وإنما ينفذ لها ما تحب وترغب.
ومن ذلك ما وقع من أوس بن حارثة الطائي، فلقد جاءه الحارث بن عوف المري خاطبًا إحدى بناته. فاستشار الكبرى والوسطى، فرفضتا. فاستشار الصغرى فرضيت فزوجها.
وكان الرجل يرتبط مع المرأة بعقد زواج بعد رضائها ورضاء أوليائها، وبعد أن يتفقوا على مهر معين، وكانوا يعددون الزوجات ولم يكن هناك حد معروف لعددهن، وكانوا يطلقون، فإذا أراد الرجل أن يطلق زوجته يقول لها: الحقي بأهلك، أوما يماثل هذه الكلمة، وفي بعض الأحيان يكون للمرأة الحق في أن تطلق نفسها، وكان يعرف طلاق المرأة لنفسها، بأن تحول باب بيتها المصنوع من الشعر أو الوبر أو الجلد إلى جهة مقابلة لجهته الأصلية، ولكن الغالبية من العرب كانت تجعل حق الطلاق للرجل.
على أنه كانت توجد بين العرب في تلك الحقبة من الزمان عادات سيئة وأنكحة فاسدة.
ومنها نكاح البغايا، وهو نكاح يبيح للمرأة أن تتزوج بأكثر من واحد. وقد يصل عدد أزوجاها إلى عشرة ويكونون معروفين لديها ولدى بعضهم البعض، فإذا ولدت طفلًا من هذا النكاح وأرادوا معرفة أبيه كي ينسب إليه، جاء القائف وجمع الأزواج كلهم ونظر في أقدامهم، ثم قارنها بأقدام الطفل الوليد، فيعرف الوالد وينسب إليه ولده.
ونكاح الاستبضاع، وهو أن يقول الرجل لامرأته -أحيانًا- اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه، ويمتنع عن القرب منها حتى تحمل من هذا الأجنبي فيعود إلى الاتصال بها. وكانوا يفعلون ذلك رغبة في تحسين نسلهم. فيختار الرجل لزوجته شخصًا قويًا نابه الذكر حتى يكون الولد مشابهًا له 1.
1 ومن ذلك نكاح الشغار، وهو أن يتزوج الرجل بنت الرجل أو أخته، على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته.
ومن ذلك يتبين لنا أن رباط الزواج المقدس كان موجودًا لدى العرب في العصر الجاهلي.
وأما ما كان يخالف ذلك من أنحكة فاسدة وعادات شاذة فلا يعتد به، كما يتبين لنا أن عادة وأد البنات لم تكن موجودة إلا في قبيلتين اثنتين من ثلاثمائة وستين قبيلة، وهي قلة نادرة ضئيلة، وكان أصحاب هذه العادات السيئة الشاذة لا يحترمون، بل يوصمون دائمًا بالعار والصغار.
وحينما جاء الإسلام نظر إلى هذا الأساس الموجود لدى العرب، فأزال اللبنات الضعيفة منه وأبقى اللبنات القوية، ثم دعمها وأقام عليها بناءه الشامخ العظيم
…