الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استثناء النساء من شروط الصلح:
وقد أراد الله أن تُستثنى النساء من بعض هذه الشروط خوفًا عليهم من الفتنة، لأن المرأة يسهل التأثير عليها وتغيير رأيها إذا تعرضت لعوامل الرغبة أو الرهبة، وكان من ذلك: أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أخت عثمان لأمه، جاءت إلى المسلمين عقيب صلح الحديبية فارة من المشركين. فطلبها المشركون تنفيذًا للعقد المبرم بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني امرأة وإن رجعت إليهم فتنوني في ديني. فلم يشأ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخالف العهد الذي التزمه، ولكن الله وجه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة للطريق الذي يسير عليه، فأنزل هذه الآيات الكريمة:
وتنفيذًا لهذا الأمر الإلهي كانت المرأة المهاجرة تستخلف: أنها ما خرجت رغبة بأرض عن أرض، ولا بغضًا في زوج، ولا لالتماس دنيًا، وأنها ما خرجت إلا حبًّا في الله ورسوله، ومتى حلفت لا ترد، بل يعطي لزوجها المشرك ما أنفقه عليها، ويجوز للمسلم أن يتزوجها.
1 سورة الممتحنة، الآية 10.
مناقشة شروط الصلح:
تبدو هذه الشروط أول الرأي وكأنها مجحفة بحقوق المسلمين، وهذا هو الذي دفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أن يستفسر من الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة تتجافى عن الأسلوب الرقيق الذي تعوده الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحابه المخلصين، فلقد ذكر الرواة1: أن عمر بن الخطاب حينما تم الصلح بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش يوم الحديبية، تألم لقبول الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الشروط ودارت بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم مناقشة يرويها عمر فيقول:"أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله، ألست بنبي الله حقًّا؟ قال: " بلى". قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: " بلى"، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: "إني رسول الله، ولست أعصيه وهو ناصري"، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: " بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه هذا العام؟ " قلت: لا. قال: "فإنك آتيه ومطوف به
…
"
والحق أن هذه الشروط تعتبر مغنمًا للمسلمين، ونقطة تحول في حياتهم، ومبدأ عهد جديد وضحت فيه قوتهم، إذ أصبحوا يقفون من قريش موقف الند للند، واعترفت لهم قريش بذلك
…
وأصبحت القبائل في سائر الجزيرة العربية لا تتهيب الانضمام إلى المسلمين ما دامت قريش قد التزمت بتأمين من يدخلون في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم وحلفه.
1 بسند صحيح عند البخاري 2581 وغيره.
وأما رجوع المسلمين دون أن يؤدوا نسك العمرة في هذا العام، وتأخيرهم إلى العام الذي يليه، فهو حل متوسط ليس فيه ميل إلى أحد الجانبين.
وأما الشروط التي يلزم المسلمين برد من ذهب إليهم مسلمًا من قريش، ولا يلزم قريشًا برد من ارتد عن الإسلام إلى المدينة، فهو شرط في مصلحة المسلمين، لأن من يرتد عن الإسلام يصبح وجوده في صفوف المسلمين كالمرض في الجسم السليم، فالشر في وجوده لا ريب فيه، والتخلص منه خير من بقائه.. وأما من يسلم من قريش فإن رجوعه إليهم بعد إسلامه خير للمسلمين وضرر على القرشيين، ولا غرو، فقد يهدي الله به قومًا آخرين إلى الحق، على أنه مهما طال الزمن، فإن الله سوف يجعل له مخرجًا من دار الكفر إلى دار الإسلام.
وقد كشف المستقبل القريب بعد ذلك على أن هذا الشرط الذي فرحت به قريش قد سبب لها كثيرًا من المتاعب، حتى أرسلت إلى محمد صلى الله عليه وسلم طالبة إليه أن يبطله، وألا يرد إليهم من جاءه مسلمًا.
وذلك أن أبا بصير بن أسيد الثقفي رضي الله عنه تمكن من الفرار من قريش بعد إسلامه، فلما وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة أرسلت قريش في أثره رجلين يطلبان تسليمه، فأمره عليه السلام بالرجوع معهما، فقال: يا رسول الله أتردني إلى الكفار يفتنوني في ديني بعد أن خلصني الله منهم؟ فقال: "إن الله جاعل لك ولإخوانك فرجًا". فلم يجد بدًّا من اتباعه. فرجع مع الرجلين، فلما قارب ذا الحليفة عدا على أحدهما فقتله، وهرب الآخر منه 1.
وحينئذٍ رجع أبو بصير إلى المدينة وقال: يا رسول الله وفت ذمتك، أما أنا
1 والقصة في البخاري 2581 وغيره، وانظر ما قدمنا من المصادر أول الغزوة.