الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور إيجابي لدرء الخطر:
ولم يقف الرسول صلى الله عليه وسلم أمام أعدائه الذين يتربصون به الدوائر موقفًا سلبيًّا، ولم يكتف بمجرد الدعاء عليهم، ولكنه بدأ دوره الإيجابي في استئصال جذور الشر والقضاء على الفتن كلما اشتعلت نارها. وقد خرج من أجل ذلك في عدة غزوات صغيرة، وهي غزوة ذات الرقاع، وغزوة بدر الأخيرة، وغزوة دومة الجندل.
فأما غزوة ذات الرقاع فقد كان الغرض منها إحباط المحاولة التي قام بها بنو محارب حيث أرادوا غزو المدينة، وكان الغرض منها كذلك تأديب بعض القبائل التي كانت تعتدي على المسلمين بين الحين والحين.. وقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم حينما علم بتجمع بني ثعلبة وبني محارب واتفاقهم على غزو المدينة، وكان معه أربعمائة1 ما بين راكب وراجل، وولى على المدينة عثمان بن عفان، ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا ديار القوم في نجد على مرحلتين من المدينة، وقد أزعجتهم مباغتة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم فخافوا وتفرقوا في رءوس الجبال تاركين نساءهم وأموالهم، وعلى الرغم من ذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم حذرًا وخائفًا من غدرهم وخيانتهم، فصلى بالمسلمين صلاة الخوف.
وقد ألقى المسلمون الرعب في قلوب أعدائهم ثم رجعوا إلى المدينة سالمين غانمين2.
1 وقيل: سبعمائة.
2 انظر هذه الغزوة في "طبقات ابن سعد" 2/ 61، و"سيرة ابن هشام" 3/ 157، و"أنساب الأشراف" 1/ 163، و"مغازي الواقدي" 1/ 395،
و"صحيح مسلم بشرح النووي" 12/ 17، و"صحيح البخاري" 5/ 113، و"تاريخ الطبري" 2/ 555، وابن حزم 182، و"عيون الأثر" 2/ 72، و"البداية" 4/ 83، والنويري 17/ 158، و"السيرة الحلبية" 2/ 353، و"دلائل النبوة" للبيهقي 3/ 369، وغير ذلك.
وأما غزوة بدر الآخرة: فقد كانت بعد غزوة أحد بعام كامل، وكانت ردًّا على أبي سفيان حيث توعد المسلمين بعد غزوة أحد، وقال: يوم بيوم بدر، والموعد العام المقبل في بدر.
وقد خرج المسلمون في ألف مقاتل ما بين راكب وراجل بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان خروجهم بنفس الوقت والموعد الذي وقعت فيه غزوة أحد، وإلى نفس المكان الذي توعدهم باللقاء فيه أبو سفيان له دلالته الواضحة على قوة المسلمين وثقتهم.
وأما أبو سفيان وقبيله فقد عاكسهم الحظ ولم يتمكنوا من تجهيز الجيش الذي يثقون به، فأرادوا أن يثبطوا همة المسلمين فأرسلوا رجلًا1 إلى المدينة يقول لهم: إن قريشًا قد جمعت جيشًا لا قبل لكم بمواجهته
…
ولكن زادهم هذا القول إيمانًا على إيمانهم
…
وخرجوا في شجاعة وإقدام حتى وصلوا إلى بدر، وأقاموا فيها ثمانية أيام يتحدون المشركين وينتظرونهم، ولكن المشركين وعلى رأسهم أبو سفيان- آثروا السلامة والعافية، فرجعوا إلى مكة يجللهم العار، وكانوا قد خرجوا وقطعوا من الطريق مرحلتين2.
وهكذا كانت غزوة بدر الآخرة إعلانًا كريمًا للمسلمين، ووصمة عار في جبين المشركين، وقد محت هذه الغزوة كل أثر سيئ لمعركة أحد داخل المدينة وخارجها على حد سواء.
1 هو نعيم بن مسعود الأشجعي.
2 جاءت قصة هذه الغزوة من وجوه متعددة تقتضي ثبوتها، وانظر "طبقات ابن سعد" 2/ 59، و"سيرة ابن هشام" 3/ 163، و"أنساب الأشراف" 1/ 163، و"تاريخ الطبري" 2/ 559، و"عيون الأثر" 2/ 74، و"البداية" 4/ 87، و"السيرة الحلبية" 2/ 360، و"السيرة الشامية" 4/ 478، و"دلائل النبوة" للبيهقي
3/ 384، وغير ذلك.