الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى" 1.
وجاء في الصحيحين أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"2.
وقد بني بجانب المسجد حجرتان: إحداهما لسودة بنت زمعة، والأخرى لعائشة بنت أبي بكر. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم متزوجا غيرهما إذ ذاك، وكانت الحجرتان متجاورتين وملاصقتين للمسجد على شكل بنائه، ثم صارت تُبنى الحجرات كلما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم على عدد زوجاته3.
1 صحيح البخاري 2/ 317، وصحيح مسلم 3/ 217.
2 صحيح البخاري 2/ 611، وصحيح مسلم 5/ 211.
3 قال الحافظ ابن كثير في البداية 3/ 220:
قال الحسن البصري: كنت أنال أطُول سقف في حجر النبي صلى الله عليه وسلم بيدي.
وقال السهيلي في "الروض": كانت مساكنه عليه السلام مبنية من جريد عليه طين، بعضها من حجارة مصفوفة، وسقوفها كلها من جريد، وقد حكي عن الحسن البصري ما تقدم، وكانت حُجره من شعر مربوطة بخشب من عرعر.
وفي تاريخ البخاري أن بابه كان يقرع بالأظافر فدل على أنه ليس لأبوابه حِلَق..
إلى آخر ما قال، قلت: وأما قول المؤلف لم يكن متزوجا غيرهما إذ ذاك؛ لعله يريد عاقدا عليهما، ولم يكن دخل بغير سودة.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
وكان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين -بعد أن تركوا وطنهم وخرجوا من ديارهم وأموالهم- موقفا دقيقا يتطلب الإخلاص والتضامن، ويقتضي أن يسود التعاون بينهم وبين إخوانهم الأنصار.
وكان الأنصار -وهم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم- يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان
بهم خصاصة1.
ولا غرو فقد شعروا بحاجة إخوانهم المهاجرين، وقدروا ظروفهم العصيبة، فأوَوْهُم ونصروهم، وضربوا في الإخلاص لهم والتفاني في خدمتهم أروع الأمثال، حتى لقد وصفهم الله عز وجل بذلك الوصف الرائع حيث يقول:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} 2، أي يفضلون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم، مهما كان فقرهم، ومهما اشتدت حاجتهم.
وكانت سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الظروف القاسية سياسة القائد المحنك الرشيد، فقد عمل على تنظيم صفوف المسلمين وتوكيد وحدتهم، فربط بينهم برباط قوي متين، وذلك أنه عقد تلك الأخوة النادرة المثال بين الأنصار والمهاجرين، وجعل لها من الحقوق والواجبات ما لأخوة النسب3، فكان أبو بكر الصديق أخا لخارجة بن زهير الأنصاري، وكان أبو عبيدة بن الجراح أخا لسعد بن معاذ الأنصاري، وكان عبد الرحمن بن عوف أخا لسعد بن الربيع الأنصاري، وكان عثمان أخا لأوس بن ثابت الأنصاري4.. وهكذا أصبح المهاجرون والأنصار بنعمة الله إخوانا. وقد أظهر الأنصار من الكرم والتسامح ما خفف عنهم آلام الغربة، وعوَّضهم عن فراق الأهل والعشيرة، حتى ليروى أن سعد بن الربيع الأنصاري عرض عليه أخيه عبد الرحمن بن عوف -وكان لا يملك بيثرب شيئا- أن يشاطره ماله5، فأبى عبد الرحمن
1 أي حاجة وفقر كما جاء القرآن بذلك.
2 سورة الحشر، الآية 9.
3 فكان الواحد يرث أخاه إذا مات حتى نزل قول الله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} .
4 انظر ذلك في: "طبقات ابن سعد" 1/ 259 ترتيب طبقاته، و"البداية" 3/ 266 وما بعدها، فإنه أطال في ذكر الروايات في ذلك.
5 بل وأكثر من ذلك، وهو أن يطلق سعد إحدى زوجتيه، ويزوجها لعبد الرحمن، والقصة في "صحيح البخاري" 3781 وغيره.
وطلب إليه أن يدله على السوق، وبدأ ببيع الزبد والجبن في سوق المدينة، فنما ماله واتسعت ثروته وأصبحت له قوافل تجارية عظيمة، وصنع غير عبد الرحمن من بعض المهاجرين الذين لهم خبرة بالتجارة كما صنع عبد الرحمن، فيسر الله عليهم وبارك لهم. أما المهاجرون الذين لم تكن لهم دراية في التجارة فقد عملوا في أراضي الأنصار، واشتغلوا بالزراعة بطريق المزارعة مع ملاك الأرض، وكانوا يلقون كثيرا من الشدة والتعب في حياتهم، ولكنهم يأبون أن يكونوا كلا وعالة على إخوانهم الأنصار، مهما كلفهم ذلك من جهد وآلام.