الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب الغزوة:
وكانت الظروف التي أحاطت بقريش، وروح الشر التي بدأت منهم، هي السبب المباشر الذي يحتم على الرسول صلى الله عليه وسلم غزوهم حتى لا يستفحل الشر ويتفاقم الخطر، وذلك أن قريشًا نقضت ما تعهدت به في صلح الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصرت قبيلة بكر الموالية لها على قبيلة خزاعة الموالية للرسول صلى الله عليه وسلم وكان العهد القائم بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش أنه من أحب أن يدخل في حلف محمد فهو آمن. فدخلت بكر في حلف قريش، ودخلت خزاعة في حلف الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولو أن قريشًا احترمت عهودها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فكر الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، ولقدر لهذا البلد الأمين أن يقضي فترة أخرى في ظلمات الشرك والوثنية.
ولكن الله أبى أن يتم نوره، فأبت قريش إلا أن تغدر وتظلم وتنتهك حقوق الضعفاء، وأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقاوم الظلم والغدر ويكون رمزًا للإنصاف والوفاء.
وكانت خزاعة قد تعرضت لعدوان قبيلة بكر، بتأييد ومعونة من قريش فقتل منهم عدد كبير، عند ماء لهم يقال له الوتير1 دون ذنب إلا أنهم مسلمون، وداخلون في حلف مع الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- وحينئذ خرج زعيمهم عمرو بن سالم الخزاعي2 حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس، فقال مستجيرًا بالرسول صلى الله عليه وسلم:
1 الوتير اسم ماء بأسفل مكة لخزاعة.
وقيل: بل قتل لخزاعة رجل واحد عند ذلك الماء قتله بنو بكر، فتقاتلوا جميعًا حتى دخلوا الحرم فأمدت قريش بني بكر بالسلاح.
2 مع أربعين راكبًا.
يا رب إني ناشد محمدا
…
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدًا وكنا والدا
…
ثم أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرًا أعتدا
…
وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا
…
في فيلق كالبحر يجري مزبدا
إلى أن قال:
إن قريشًا أخلفوك الموعدا
…
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا
…
وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا
…
وقتلونا ركعًا وسجدا
فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم قائلًا:
"نصرت يا عمرو بن سالم".... 1.
ثم قام من فوره ليعد للأمر عدته، وليقوم بواجب الوفاء نحو خزاعة -وبين هذا الوفاء من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم والغدر من جانب بكر وقريش ستكون الحكمة البالغة والآية الكبرى، حيث يريد الله أن ينتصر الحق ويؤتي ثماره الطيبة، ويتداعى الباطل وتزلزل بنيانه، وإن في ذلك لعبرة.
إن الوفاء بالعهود والمواثيق يكاد يكون في حياة الأمم والشعوب حبرًا على ورق، بل إنه لأقرب إلى الوهم والخيال منه إلى الحقيقة والواقع.
وهذا هو الذي جعل الإنسانية تشقي دائمًا بالثورات والفتن والمعارك الدامية،
1 ووقع عند الطبراني في "المعجم الصغير": أنه رأى راجز خزاعة يستصرخ -في الرؤيا- ويزعم أن قريشًا أعانت عليهم بني بكر.
قلت: والظاهر أنه حصل له ذلك، ثم جاء عمرو بمثل ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم.